أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميح القاسم - لم أدرِّب نفسي، بعد..















المزيد.....

لم أدرِّب نفسي، بعد..


سميح القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 20 - 09:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذه هي، إذًا، لعبة الحياة والموت في تجلّيها الأخير، حيثُ يُتابع الإنسانُ تدريباته الذاتية لأجل الحياة، وفي تجاهل عفويّ أو مُتعمَّد لحقيقة الموت القادم بلا ريب



//قلتُ للأخوة التّوانسة: بعد نجاح ثورتكم على الطغيان والاستبداد، وفّيتُ نذري بأن أرقصَ حافياً في ساحة المسرح البلدي على شارع الحبيب بورقيبة
// أعترفُ بأنني لم أدرّب نفسي بعد على الإقرار بحقيقة رحيل محمود. وأكثر من ذلك فما زال عسيراً عليّ التعامل بصيغة الماضي مع راشد حسين وتوفيق زياد ومعين بسيسو وفدوى طوقان وإميل توما وإميل حبيبي وصليبا خميس وآخرين من أصدقائي ورفاق دربي، وها هو رحيل يوسف الخطيب يزيد ورطتي تعقيداً..

//

يذهبُ الإنسانُ إلى موتِهِ وهو يدرِّبُ نفسَهُ على شؤون الحياة. وبصيغةٍ أخرى فإنَّ قوَّةَ الحياة وشَهوة البقاء، تضغط وعيَ الإنسان باتّجاه الحياة، وتصرفُ أفكارَه عن الانشغال بمسائل الموت، حتى وهو على يقين من أنَّ الموتَ الحق قادمٌ لا محالة، وبأسرع ممّا يتصوّر.
هذه هي، إذا، لعبة الحياة والموت في تجلّيها الأخير، حيثُ يُتابع الإنسانُ تدريباته الذاتية لأجل الحياة، وفي تجاهل عفويّ أو مُتعمَّد لحقيقة الموت القادم بلا ريب، إلاّ حين يتعلّق الأمرُ بغُلاةِ الحكماءِ والمتصوّفةِ، القادرين على اجتراح التوازن الدّقيق والعظيم بينَ فكرة الحياة وفكرة الموت، معاً..
قبل أيام، وفي طريق عودتي من مستشفى صفد، رنَّ التلفونُ النّقال، فردّت زوجتي، وبعدَ حوار مُقتضب قالت: إنهم من إذاعة فلسطين، يسألون عمّا إذا كان بمقدورهم إجراء حديث معك بعد العاشرة ليلاً، بمناسبة مرور ثلاث سنوات على رحيل محمود..
قلتُ: طبعاً. سأنتظرُ مكالمتهم.
بعد العاشرة ليلاً رنّ الهاتف. وبعد مقدّمة قصيرة ومُؤثرة سألني المذيع:
ما هو شعورك الآن، بعد مرور ثلاث سنوات على رحيل رفيق عمرك محمود درويش؟
قلتُ: أعترفُ أيّها الأخ العزيز بأنني لم أدرّب نفسي بعد على الإقرار بحقيقة رحيل محمود. وأكثر من ذلك فما زال عسيراً عليّ التعامل بصيغة الماضي مع راشد حسين وتوفيق زياد ومعين بسيسو وفدوى طوقان وإميل توما وإميل حبيبي وصليبا خميس وآخرين من أصدقائي ورفاق دربي، وها هو رحيل يوسف الخطيب يزيد ورطتي تعقيداً..
وحتى نخرج من عنق زجاجة الموت، فلنلجأ إلى القصيدة والدراسة والبحث والمظاهرة والمسيرة والاعتصام وسائر أشكال العمل الكفاحي الذي جمعنا في الحياة ولا يستطيع الموت إلغاءَهُ ومحوه من الذاكرة والهاجس.
لم يكن هذا الكلام مُناورةً إعلاميّة أو محاولة للإلتفاف على حقيقة الموت. كان، ببساطة، تعبيراً حقيقيّاً عن كوني لم أدرِّب نفسي بعد، على الإقرار بواقعية ذلك الموت، الذي يعني إقراراً ضمنياً بموت جزء كبير من ذاتي، هذا الذات المتداخل بقوّة وبعنفوان في ذواتٍ أخرى شكّلَتْ مُجتمعةً مرحلةً أساسية مما أسمّيه حياتي الشخصية.
ولطالما توهّجَ حضور أصدقائي الرّاحلين في السرّاء والضرّاء على السّواء.
ففي حفل زفاف لدى أسرة من الأصدقاء المشتركين أضبطني متلبِّساً بالسؤال: أينَ أنتَ يا توفيق؟ كم كُنت أتمنى أنْ تكونَ بيننا الآن بضحكتك المجلجلة وبتعليقاتك الظريفة!
ويوم انهيار الاتحاد السوفييتي قلتُها بصوتٍ عالٍ:
- هنيئاً لك موتك يا إميل توما فلم تُدْمِ قلبَكَ هذه التطوّرات المذهلة!
وفي زيارتي الأخيرة لتونس سألوني عن محمود درويش وأمسيتنا المشتركة في المسرح البلدي يوم مغادرة منظمة التحرير الفلسطينية في طريق العودة إلى الوطن.
قلتُ للأخوة التّوانسة: بعد نجاح ثورتكم على الطغيان والاستبداد، وفّيتُ نذري بأن أرقصَ حافياً في ساحة المسرح البلدي على شارع الحبيب بورقيبة.. وتعلمون أنني أنجزتُ الوفاء بالنذر، لكنكم لا تعلمون أنني لم أكن وحيداً في رقصتي ذاك المساء، بل شاركني الدبكة أخي ورفيقي محمود درويش.. وهكذا، فقد قرأنا شعرَنا معاً قبل سقوط الطاغوت، ولم يستطع الموت أنْ يحرمَنا الرقصَ معاً في مهرجان النصر على الظلم والقمع والقهر!
أعلم تماماً وبوعي كامل أنّ وضعي الصحي ليسَ على ما يرام، وأعلم أنّ كلَّ نفسٍ ذائقةٌ الموت، لكنني بصراحة، وبمنتهى الصراحة، لم أدرّب نفسي بعد على الإقرار بأنّ كلمة الموت ستكون الكلمة الأخيرة في حواره مع الحياة.. وأكثر من ذلك فإنني أبتكرُ لنفسي وبين نفسي وبيني أكثر من صيغة حياة تتعدّى الموت وتتجاوزه، بلا رومانسيّة مُفرطة، بل بقناعات يصوغُها العقلُ في حواره مع الروح، وتصنعُها كينونةٌ لا تُحَقّقُ وجودَها بالجسد فحسب، بل تذهب إلى أبعد من الجسد، إلى مناطقَ من شأن القصيدة أنْ تكتشفَها في الحيّز الغامض، حتى الآن، بينَ الحياة والموت..
وعلى أيّة حال، فاسمحوا لي أنْ أشربَ نخبَكم في احتفاليّة الحياة، أيها الأحبّة الأعزاء جداً، وحتى الرَّمَق الأخير. بوركتُم وبوركت الحياة، أمّا الموت فقد قلتها له صريحة واضحة:
أنا لا أُحبُّكَ يا موتُ.. لكنّني لا أخافُكْ
وأُدركُ أنَّ سريرَكَ جسمي.. وروحي لحافُكْ
وأدركُ أنّي تضيقُ عليَّ ضفافُكْ
أنا.. لا أُحبُّكَ يا موتُ..
لكنني لا أخافُكْ!



مُستقبِلاً.. ومودِّعا!
(قصيدة تونسيّة.. من سميح القاسم)أفسَحْتِ لي في ياسمينكِ مَوْضِعاً
وَحَضَنْتِني طفلاً يُعانِـقُ مُرضِعـا
هي سيرةُ الأحبابِ في صَبَواتِهم
فملوَّعٌ يُدنـي إليــهِ مُلوَّعـا
يـا تونسُ الخضراءُ، أيَّةُ خُضْرَةٍ
طَفَحَتْ على حُلمي فطابَ وأَمْرَعا
ومسَحْتِ عن روحي ظلاماً دامساً
واختـارَ نورُكِ مُقلَتَيَّ ليسطَعـا
يـا تونسَ الأحرارِ، شَتَّتَ شملَنا
بَغيٌ تهـاوى بُرجُـهُ وتصدَّعـا
هـذا أنـا آتٍ إليـكِ بعلَّتي
قَلِقاً أشُـدُّ على عذابي الأَضلُعـا
دائي عسـيرٌ والمـواجِعُ جمَّةٌ
لـكنني أقسَـمْتُ ألاَّ أَركَعـا
جسدي صليبي والسبيلُ مشقَّةٌ
تمضي.. وحكمةُ شمسِنا أنْ تطلُعا
واليـاسمينُ يلمُّنـا مـن فُرقةٍ
ومشيئةُ الزيتـونِ أنْ نتجمَّعـا
والقدسُ تنـزِفُ في القيود. وجرحُها
نادى.. وآنَ لشعبِنا أنْ يسمَعـا
يا تونسَ الأحرارِ نورُكِ غامرٌ
مـاذا إذا المحتـلُّ راوَغَ وادَّعى
حيّاً وميتاً، نحنُ ننسجُ رايـةً
لنهارها الآتي، ونغزِلُ مَطْلَعـا
يا تونسُ الأبهى، أتيتُ مُسَلِّماً
مُستَقْبِلاً ما شِئْتِ لي.. ومودِّعا
هي قُبلةٌ تُهدى إليكِ، ونجمةٌ
تَهدي المجوسَ، وثورةٌ لن تهجَعا
كُنّا معاً في نكسةٍ من نكبةٍ
وبساحةِ الأحرارِ نحنُ معاً.. معا!



#سميح_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام يريد إسقاط الشعب!
- مكنسة هوفر.. ومكنسة بلاّن، ايضا!
- تعالي لنرسم معاً قوس قزح


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميح القاسم - لم أدرِّب نفسي، بعد..