العرب ..... ظاهرة صوتية

رياض بدر
كاتب وباحث مستقل
(Riyad Badr)

الحوار المتمدن-العدد: 1031 - 2004 / 11 / 28 - 05:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

ملئت كتب التاريخ التي تعجُ بها مكتباتنا المهجورة قصص الأبطال من بني عبس ومضر وتعز وفلان وعلان حتى ليخال لك أن تلك الأقوام كانوا هم إمبراطورية تسود على عالم ما قبل النبوة المحمدية .
كان لا ينام لهم سيف ولا يغفوا لهم جفن ولا يشق لهم غبار
فجاء الإسلام ليستثمر ذلك كله ويوحدهم تحت خيمة الإله الواحد والدين الأوحد فدخل من دخل بادي الأمر وتبعه الباقين الذين ظلوا إلى يومنا هذا من المغضوب عليهم لسبب أنهم دخلوا الإسلام بعد أن باتت تباشير انتصاره في صحراء الجزيرة العربية تلوح في الأفق حسب ما يذكره المؤرخون ورواة الأحاديث
ليس هذا بيت مقصدي . منذ أن تعلمنا ألف باء هذه اللغة الجميلة باتفاق علماء اللغة الغير عرب علمنا مدرسينا بان الحضارة هي حضارة الإسلام أو بالا حرى أطلق عليها الحضارة الإسلامية
جاء هذا النبي الأمي العظيم بنبأ من السماء يهديهم ويصلح بالهم و ينكر عليهم شنائعهم فتكاتف حوله في بادي الأمر ضعاف القوم ومذلول قريش عدا صفية أهله من زوجه خديجة وورقة ابن نوفل وأبو بكر (رض) أجمعين
قال الرسول " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
وقال " ما بعثت لتشييد المساجد "
وقال و قال كلمات عظيمة انفرد بها من انفرد بعد موته وأصبح يضع لها النقاط والحروف والمد والفتح



ان اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي لا يمكن قراءتها وكتابتها دون تنقيط بالرغم من أنها ولدت دون التنقيط الذي ظهر فجأة بعد أكثر من عقد من وفاة الرسول (ص) لسبب لا يعلم حقيقته اثنان
انفجرت معلوماتية الحضارة في هذا الدين في نهايات قرنه الأول ووصلت أوجها في قرنه الثاني إلى أن بدأت بالانطفاء في الثالث إلى يومنا هذا.
صاحب القرن الثاني الغزوات الإسلامية التي وصلت إلى جنوب فرنسا وبعد ذلك وبطريقة دراماتيكية بدأ الانهيار السريع رغم كل تلك ( الحضارة ) .
هل كانت هي حضارة سيف ؟
أم حضارة عقل ؟
أم حضارة ذكية جندت الخرافة لتكون محل الحقيقة كي تبقى ولو على قيد الحياة بعد ذلك ؟
أن الحضارات إذا زالت ماتت إلى الأبد وزالت سطوتها الإمبراطورية أيضا
فلا سبيل إلى ذلك سوى الرجوع بل لنقل إثارة أسلوب القبيلة القديم آلا وهو الخطابة
أسلوب الخطابة الذي كان اكبر من الحقيقة حتى بلغ قول احدهم عندما كلن للشعر هيبة آنذاك
إذا ما بلغ الفطام لنا صبيا خرت له الجبابر صاغرين
صارت الجعجعة تغطي صوت العقل وتلمع وجه الخرافة وتهول مكانة السلطان وقادت بقايا تلك الحضارة إلى يومنا هذا حيث لازلنا نرى في خطب عصرنا الحديث نفس عطر تلك الجعجعة وشحذ الهمم بالتشدق والتلمس في الظلام كي تنتصر أو تدب المياه في أوصالها اليابسة
فلو كانت لعبس أو مضر أو غطفان صحف أو محطات إعلام لما كان فعلهم وصوتهم اقل من أصوات أحفادهم الآن ! بل وصل بعض الشعراء آنذاك بتعليق أشعارهم على الكعبة ولم ينكرها عليهم الرسول (ص) أو يحرمها أليس كذلك ؟
لكن لو علق احدهم شعره عليها الآن لانهالت عليه النعال والرصاص من حيث يدري ولا يدري ولأتهم إما بالانحياز لليمين أو اليسار والتعامل مع الإمبريالية والصهيونية بدعم من الماسونية العالمية قاتلها الله
ثم بعد ذلك تكفيره فيعني بذلك وجوب قتله حلالا طيبا
صارت الخطابة تحكم هذه الأمة منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا بل إلى يوم القيامة لما للخطابة من اثر بليغ في عقلية مفكري هذه الأمة والتشديد على زرع حبها في نفوسنا منذ أن كنا طلاب وصغار سواء من خلال المدارس أو من الإذاعات والتلفزيونات وحتى الأغاني العاطفية التي تقشعر لها الأبدان
فترى احدنا إن حاز على منصب أو حظوة عليا في دوائر بقايا هذه الحضارة صار يصقل خطاباته أكثر من صقله لمواهبه إن كان لديه شي من الموهبة !
بل نجح سم الخطابة في تحويل زعماء كثيرون من ثوار في مجتمعاتهم ودولهم إلى منصات الخطابة وماتوا وهم يتوعدون ويوعدون بغد مشرق باسم وصلاة عند مصلى قديم أكل الدهر عليه وشرب
اليوم ولا اقصد يومنا هذا بل اقصد العصر الحديث صار رجال الدين يطالبون بوجوب إرجاع كل اكتشاف إلى الدين وكأنه لم يكتشف أي شيء قبل نزول الوحي ؟
ونتشدق بان لنا حضارة قبل السلام حضارة بابل وسومر وأكد وأشور وغيرها وعبر البحر حضارة الفراعنة وغيرها من بعيد وقريب
فهل كانت تلك الحضارات زائفة وغير حقيقية ؟
ولم يكن فيها طب ولا تنجيم ولا خيال ولا كتابة ولا لغة ولا علم ولا أي شيء ؟
هل كانوا يعيشون في ظلام دامس حتى ظهرت الأديان ؟
لنعد إلى القرن الثاني الهجري ولنتمعن بتلك الثورة العلمية سنرى إن بوادرها بدأت بعد ظهور الترجمات من اللغات الغربية حيث بدأت الغزوات الإسلامية تطال دول العالم المتحضر والاختلاط به والعيش معه ابتدءا من ارض بلاد مابين النهرين إلى جنوب فرنسا حيث أواسط أوربا المليئة بالحضارات الإغريقية القديمة وغربا إلى الحضارة الفرعونية
فتم نقل وترجمة كل شيء فلما بدأ العلم ينتشر وبدا منطق العقل يأخذ مجراه الذي أغلق بسبب سطوة الخرافة وسيطرة رعاع القوم على مقاليد الحكم انتشرت المشانق وغرف التعذيب وفتاوى التكفير والتحريض على القتل
اطفي سراج عقلك واتبعني كان هذا شعار الكنيسة في العصور المظلمة فتم نقل ذلك الشعار إلى خيام الجزيرة العربية
أود أن اذكر بيت شعر لشاعر العراق العظيم الأستاذ معروف الرصافي
إذا خيم الجهل على بلاد رأيت أسودها مسخت قرودا
فتحولت تلك ( الحضارة ) إلى ظاهرة صوتية غير قابلة للنقاش والا التكفير وتحليل الدم هو المصير

#رياض_بدر (هاشتاغ)       Riyad_Badr#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات