أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عمر دخان - وكالين رمضان















المزيد.....

وكالين رمضان


عمر دخان

الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 20:56
المحور: المجتمع المدني
    


مع كل رمضان تبرز قضية الإفطار العلني و الأشخاص الذين يقومون بالأكل جهارا و في الأماكن العامه خلال نهار رمضان، و ترى الشرطة في دولة علمانية مثل الجزائر تتحول إلى شرطة دينيه تلقى القبض على كل من تجرأ و أكل أمام الناس أو بعيدا عن أنظارهم، وكأني بها - أي الشرطه - قد حلت كل المشاكل الأمنية الأخرى و لم يبق لها سوى مطارده أفراد اختاروا أن لا يلتزموا بشعيرة دينيه معينه كما لا يلتزم الكثيرون بالصلاة و الزكاة و شعائر دينية أخرى، و يصبح الشغل الشاغل لدولة تدعي أنها علمانية و تحترم حرية الأديان و المعتقد و الحريات الفردية هو مطاردة كل من ارتكب "جريمة " الإفطار و لو كان في أماكن خاصه و بعيدة تماما على الأنظار، و كأني بهم لا يدركون معنى " لا إكراه في الدين".

الدولة و الشعب اللذان يطاردان المفطرين بعزيمه و إصرار لا يطاردان بها المجرمين الحقيقيين من لصوص و مجرمين و محتالين، بل و يترك لهم الحبل على الغارب لينشطوا بكل حريه دون أي متابعه قضائية هما مخطئان تماما في ذلك و لا يدركان - اي الدولة و الشعب - عواقب ذلك، خاصة مع شعب احترف النصب و الاحتيال حتى صار سمته العامة. شعب يرى أنه حلال سرقة أموال الدولة جهارا نهارا، و حلال إزهاق الروح لأتفه الأسباب، و حلال التعامل بالربا و الفوائد، و لكنه لا يتسامح إطلاقا مع شخص اختار لقرار شخصي سيحاسب عليه شخصيا يوم الحساب أن يفطر في رمضان، و هو لم يفطر علنا لكي لا يؤذي مشاعر الصائمين، بل أفطر في سريه و بينه و بين نفسه، على الرغم من أنني ضد هذه الفكرة السخيفة المسماة مشاعر الصائمين. فعلى حد علمي، الصيام شرع من أجل الشعور بما يشعر به الفقراء و المحرومون طوال العام، و هم يشعرون بالحرمان مشاهدين للناس تأكل و تشرب بكل حريه طوال العام، و هذا ما يعني أن تطبيق شعيرة الصيام لا يجب أن يكون بدلع و "مشاعر"، أو أن يستغله الإنسان لفرض عقيدته على الآخرين، فمن يفطر أمامك يمتحن صبرك أكثر و هذه هي الغاية من الصيام، و إن كنت ضعيفا إلى درجة أن رؤية شخص يفطر أمامك تسبب أذى لمشاعرك الرقيقة، فأقترح أن لا تصوم أساسا لأنك لست مؤهلا للصيام.

حرية التصرف الفردية يجب أن يتقبلها العرب و يربوا أولادهم على تقبلها و كيفيه التعامل معها بشكل عقلاني خال من العصبيه المقيته، لأن العالم يسير للأمام، و ما كان مرفوضا تماما بالأمس، هو شبه مقبول اليوم، و سيصبح مقبولا غدا، و أسلوب إقصاء الآخر بشكل عنيف مستغلين السلطة السياسية و الدينية لن يؤدي سوى لنتائج عكسيه تماما، و سيرسخ ثقافة رفض الحريات الشخصية للأفراد أكثر فأكثر، و بالتالي يولد ردود فعل أكثر عنفا من أولئك الأفراد، و بدل من أن يكونوا مجرد "عصاة" بالمفهوم الديني، سيصبحون "مرتدين" بالمفهوم الديني إذا زاد الضغط ليتحول إلى ما يشبه الظلم، و كلنا نعلم ما الذي يصنعه كل من الظلم و العناد بالإنسان.

فرض الشعائر الدينية على الأفراد لمجرد أن المجتمع الجاهل يرى كذلك، و لمجرد أن الدولة التي لم تجد لنفسها محلا من الإعراب حول كونها علمانية أو إسلاميه ترى كذلك، ليس سوى عملية زرع لقنابل موقوته في المجتمع قابلة للانفجار في أي لحظه، و هي قنابل عاني منه المجتمع الجزائري كثيرا، فلا نريده أن يقفز من التطرف الديني إلى التطرف اللاديني، بل يجب على المجتمع أن يتعلم إفساح المجال لأفراده ليعيشوا حياتهم وفق أسلوبهم الشخصي مالم يؤذي الآخرين بشكل حسي، و أؤكد على لفظة "حسي" هنا لأن الأذى المعنوي أصبح غالبا مجرد عذر لقمع الآخر و محاربته حرياته الشخصيه.

دولة تشرع بيع الخمور و في نفس الوقت تحاربها، تتغاضى عن انتشار الدعارة و من ثم تدعي محاربتها، تدعي أنها علمانية بينما هي تغير لونها مع كل ريح، فأحيانا إسلاميه متطرفة، و أحيانا علمانية متطرفة ، و لا وجود للوسطية في تقلباتها و تقلبات المجتمع معها، فعلى الرغم من أن دين المجتمع يحض على الوسطية و الاعتدال كما يدعي أفراد المجتمع، فإن الكلمتين السابقتين ليستا سوى شعار فارغ يحمله الكثير من المتطرفين من اليمين و اليسار، و لا يعدوا كونه عبارة متناغمة يتم استخدامها في كل مكان دون إدراك حقيقي لمعناها، و تستخدم فقط لخدمة أغراض فئويه محدده.

الوسطية و الاعتدال ترتبط ببناء المواقف بناءً على التفكير الشخصي للإنسان و انطلاقا من قاعدة حياديه تماما، و هو ما يعني احترام الحريات الشخصية للأفراد، و عدم فرض أي شعائر عليهم لا يرغبون في القيام بها و ذلك لأن الله أجل و أعلى و أقوى من أن يحتاج إلى شرطة رسميه و شرطة شعبية تطبق شعائره، بل و تفرضها على الغير من باب " نحن ندرك مصلحتك أكثر مما تدركها أنت"، و هو أسلوب ديكتاتوري لأناس سيطروا على الفكر الديني و جعلوه ملك أبيهم، فما الفرق بيني و بينه ليكون هو المطبق الرسمي للشعائر الدينية و يفرضها علي وفق مفهومه الشخصي؟ بضع شعرات إضافية في وجهه؟ لبس معين يرتديه؟ ما لذي يعطيه حق تطبيق شعائر الدين بالقوة على أناس يتبعون نفس الدين و لديهم آراء مختلفة بخصوص بعض من شعائره؟ الحقيقه أنني لا أرى في هذا تصرفا غريبا كما ذكرت سابقا على أناس حللت لنفسها الربا في القروض الشبابية الممنوحة من الدولة – فيما يعرف بقروض تشغيل الشباب – و حللت لنفسها المشروبات الكحوليات في الأعراس بداعي "الزهو" و الفرح، و حللت لنفسها السرقة و الاحتيال بداعي الشطارة، ثم بعد تحليل هذه العادات و الآفات في المجتمع، تريدون منا أن نطارد بضعة أشخاص اختاروا أن يمارسوا حريتهم الشخصيه التي يكفلها لهم القانون؟ و التي هي نفس الحرية التي يسيء إستخدامها أصحاب النماذج السالفة الذكر في ممارسه أفعال ما أن ينتهوا منها حتى يعودوا إلى ذمها، و كأنها حلال عليهم، حرام على غيرهم.

كل المواطنون سواسيه أمام القانون، و القانون الجزائري واضح تماما فيما يتعلق بالحريات الشخصية و حريات الأديان، و لا يمكن للشرطة الجزائرية أن تصبح شرطة عادات و تقاليد ولو كانت عادات دينيه، فمهمتها الأولى و الأساسيه هي حفظ الأمن و ردع المخلين به. و بدل مطاردة شباب إختار بكامل إرادته و قواه العقلية أن لا يصوم رمضان، ينبغي عليها مطاردة المجرمين الحقيقيين و الذين يلتزمون بصوم رمضان و من ثم يفطرون مع المسلمين على دماء المسلمين. الشرطه و المسؤولون يجب أن يولوا إهتمامهم لمشاكل حقيقيه مثل المستقبل المظلم الذي ينتظر بلدا لا يملك أي بنية إقتصاديه حقيقيه و مصدر دخله الرئيسي البترول و الذي هو إلى زوال، و إلى معدل الجريمة المرتفع و أنواع الجرائم الوحشيه الجديده التي أصبحنا نبدأ صباحنا بأخبارها، تلك و أخرى هي المشاكل الحقيقيه التي ينبغي النظر إليها، بدل الإستقواء على أفراد في المجتمع و قمعه حرياتهم الفرديه بشكل يخالف أساسيات أي دستور منطقي.

على الجانب الآخر، يجب أن نوضح أن هناك فرق بين المطالبة بممارسة الحريات الشخصية، و بين ممارسة الاستفزاز العلني لطقوس الآخرين، و محاربتها لمجرد أنك تعتقد أنها خرافات و أنها لا تستحق التقديس. فالشخص المُطَالِبُ بإقرار الحريات الشخصية للأفراد يدرك تماما أن للأخرين الحق في نفس الحريات، و الحق في ممارسة طقوسهم و شعائرهم وفقما أرادوا، و هو أمر لم أره في كثير من الذين يفطرون علنا في رمضان بشكل منظم و ليس بشكل فردي، حيث تراهم لا يسعون للحصول على حرياتهم الشخصية المكفولة قانونا، و لكن يتعدون ذلك إلى الإساءة إلى معتقدات الآخرين و التجريح في شعائرهم مثل الصيام لمجرد أنهم لا يؤمنون بها، و هو أمر لا يجب أن يصدر عن شخص يدعي السعي للحصول على كافة حرياته الشخصية المكفولة قانونا، بينما هو يتعدى على إحدى أهم الحريات الشخصية للآخرين، و هي حرية الدين و العقيدة.

السعي لإقرار الحريات الشخصية للأفراد لا يكون عن طريق مهاجمة عقائد الآخرين بشكل استفزازي و علني، بل يجب أن يكون في نطاقه الصحيح، و هو النطاق الشخصي. أي لا أفرض أفكاري على الآخرين سواء كنت مؤمنا أو غير مؤمن، و ليحتفظ كل شخص بعقيدته أو لا عقيدته لنفسه، و ليس من حق أحد أن يفرض الشعائر الدينية على أحد، كما أنه ليس من حد أحد أن يجرح في تلك الشعائر و يحاول تدميرها، على الرغم من أنني أعلم أن كلا منهما انعكاس للآخر بشكل أو بآخر، ففرض الشعائر الدينية على الأفراد بشكل ديكتاتوري ينتهك الحريات الشخصية يولد قوة معاكسة من الجانب الآخر لا ترفض تلك الشعائر فحسب، بل تسعى إلى دمارها التام، و هو ما سيؤدي إلى المزيد من الصدامات مالم يفهم كل من الجانبين المعنى الحقيقي للحريات الفردية و يلتزم به.



#عمر_دخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- و تريدون دولة أخرى؟
- أنا شرير إذا أنا موجود!
- تحريضٌ ممنهج
- رضي الله عنه!!
- الإلحاد المتطرف
- كرات اللهب البشريه
- بريطانستان
- جمعية إنتهاك حقوق الإنسان
- إنفصام الشخصيه
- العلمانيه الثيوقراطيه في الجزائر
- الوطن أولا
- الولاء المزدوج
- حس الفكاهة المفقود
- كلام فارغ
- الأسطوره


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عمر دخان - وكالين رمضان