أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس يونس العنزي - مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -5 -















المزيد.....


مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -5 -


عباس يونس العنزي
(عèçَ حونَ الْيïي الْنٍي)


الحوار المتمدن-العدد: 3460 - 2011 / 8 / 18 - 14:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مناقشة أولى للفكر الصهيوني -5 -
مناقشة المنطلق الديني ( تتمة )
وفي جميع الاحوال فإن ابراهيم هو بابلي آرامي والآراميون كما هو معروف هم قبائل عربية فالعرب البائدة كانوا يسمون ( بالأرمان ) بمعنى الآراميين أما كلمة العبري فهي تصحيف لكلمة العبيرو أو الخبيرو وهو وصف لمجموعة قبائل بدوية عربية كانت تتجول في الجزء الشمالي من الجزيرة العربية وهم أيضا من القبائل الآرامية ، يقول العلامة كروهمان في كتابه " العرب " ( ومن المؤكد أن العنصر البدوي في شبه الجزيرة العربية وهو مرادف في تسمية آرام وعبيرو وخبيرو وجد في الأصل في المنطقة الممتدة بين سورية وبلاد ما بين النهرين والتي تعد أقدم مركز للساميين ). أي أن كلمة العبيرو مصطلح استخدم لوصف القبائل البدوية التي عرفتها مصر في زمن سبق ابراهيم أما الاسرائيلي فإنه مصطلح لا يتعلق بالقبائل اليهودية مطلقا وقد استخدم في زمن أقدم من نشوء المملكة الاسرائيلية الموصوفة توراتيا حيث يرد في مسلة منفتاح الذي حكم حتى العام 1215 ق. م. أن الفرعون قاد حملة على سورية وفلسطين وكان من ضمن المقهورين ( اسرائيل ) وهو اسم لقبائل كانت تسكن في فلسطين قبل ظهور موسى بكثير ، ومن الواضح أن كلمة ( إيل ) هي كلمة آرامية - بابلية كما ورد سابقا تستخدم لتسمية الإله الواحد وقد سمى ابراهيم ابنه البكر ( اسماعيل ) وهناك عدد كبير بمثل هذا الاسم موجود في الألواح والآثار البابلية القديمة .
وبذلك يمكننا أن نقول أن اسرائيل كلمة تخص قبائل عربية غزاها الفرعون امنحوتب حيث كانت تسكن في منطقة فلسطين وهي المجال الحيوي لمصر والعراق على السواء .
ومن ذلك يظهر أن ابراهيم لم يكن جدا للمجاميع التي سميت لاحقا باليهود إنما اخترغ كتبة التوراة هذه الصلة بين جماعتهم وبين الاسم المقدس لدى البابليين أثناء السبي البابلي لهم في محاولة لإضفاء القدسية عليهم كل ذلك في مواجهة الإنكسار والهزيمة والذل ف ظل ظروف السبي . ويأتي الآن موضوع الوعد والميثاق الذي أبرمه الرب مع ابراهيم فالتوراة تؤكد بدءا على أن الوعد والميثاق تم عندما لم يكن لأبراهيم ذرية وقد حدث ربه قائلا في سفر التكوين الإصحاح الخامس عشر ( إنك لم تعطني نسلا وهوذا ابن بيتي وارث لي ) أي خادمه ( فإذا كلام الرب إليه قائلا : لا يرثك هذا بل الذي يخرج من أحشائك هو يرثك ) . ثم ولد له اسماعيل من هاجر المصرية وحيث أن هذا المولود من صلب ابراهيم إذن هو الذي سيرثه بحكم الوعد فيكون له ما لغيره من ولد ابراهيم في ارث والده وفي وعد الرب لوالده حتما ، لكن التوراة ودون مقدمات تستثنيه من وعد الرب وتمنحه عطفا ربانيا ادنى درجة ليبقى اسحاق وحده مختصا بذلك الوعد ثم تستثني عيسو بن اسحاق في قصة تصف فيها يعقوب بالكذب والاحتيال ليبقى وحده مختصا بالوعد ايضا .
إن الارتباك الواضح في الراوية التوراتية واضطرارها الى الاستثناءات غير المفسرة ولا المسوغة يدفعنا لأن نفكر بالاضطراب الذي ساد كتبة التوراة وعدم قدرتهم على اتضاج قصة مترابطة باحكام من كل أكوام القصص السومرية والبابلية ، فاستثناء اسماعيل وذريته من الوعد الرباني هو تعسف غير مسوغ في القصة التوراتية لأنه لم يكن من الخطائين أو من المشركين بل كان على دين أبيه كما أن توكيد العهد جاء عندما لم يكن لأبراهيم من ولد إلا اسماعيل فلماذا استثني إذن ؟ . ولتفسير الموضوع على أسس علمية نشير إلى مشكلة مهمة تعتري الديانة اليهودية وهي مشكلة الثنائيات المتكررة في المعتقدات والأحداث والتي تظهر أحيانا جلية وتخختفي في أخرى لتفعل فعلها المستتر . وتبدأهذه الثنائيات من وجود اسمين لرب اليهود ، الأول هو الوارد في قانون الإيمان اليهودي " إصغي يا اسرائيل ان إلهنا أدوناي هو الإله الواحد " فيما يجيء اسم الرب الآخر متكررا في العهد القديم " يهوه " وهو ذات الاسم الذي يطلقه العرب الربانيون على إلههم ..إله البراكين ، وفي هذا الإطار فإن إله ابراهيم ( إيل ) هو الإله الواحد الأحد الذي تبنته التوراة بعد صراع مع إلههم الآخر ( يهوه ) حيث يجيء تفسير موضوع الإستثناءات المتصلة بالعهد الإلهي ، فإسماعيل هو ابن ابراهيم وممن يعبدون ( إيل) بينما اسحاق كان رمزا للإله يهوه الذي يقرر استثناء اسماعيل لأنه ليس من أتباعه ، وهكذا يجري الصراع في أفكار الإلكيروس اليهودي الذي كتب التوراة ونقحها ، وحيث ان الانتساب لإبراهيم وإله ابراهيم مهم للغاية لإكساب صفة القدسية على اليهود لذلك عاد كتبة التوراة ليغيروا اسم يعقوب الى اسم آخر قريب من اسم اسماعيل وهو اسرائيل وواضح فيه التقرب للإله إيل إله ابراهيم الواحد الأحد حيث استثنى هذا عيسو بن اسحاق من العهد الإلهي وبحيلة مفضوحة حكتها التوراة بالتفصيل .
ومن الجدير بالذكر أن عهد الختان مع ابراهيم بإعطائه أرض كنعان ( ومن المثير أن ابراهيم لم يمتلك هذه الأرض مطلقا واشترى قبرا لزوجته من الحيثيين رغم أن يهوه وعده بإعطائه تلك الأرض ) هو ونسله وقع عندما لم يكن لإبراهيم إلا اسماعيل أبنا من صلبه وختن اسماعيل وكان أول من اختتن من ولد ابراهيم أي ممن شملهم العهد ورغم ذلك أصر كتبة التوراة على استثنائه منه ! . ومما سبق يتوضح لنا أن العهد والوعد والميثاق قد جرى صياغتها بأسلوب تعسفي واضح ليخدم أغراض تمييز المسبيين في العهد البابلي ومحاولة جعلهم نسلا مقدسا لإبراهيم فيما غمط حق اسماعيل ونسله اعتباطا ، إن هذه القصة - الوعد والاستثناء - يظهر فيها عنصرا الافتراء والتعسف بشكل واضح لذا فهي لا تصلح أن تكون أساسا لأي معتقد حديث .
ورغم ذلك فإن الفكر الصهيوني العنصري بشر بهذا الفكر البالي وحرض اليهود على تجديد الايمان به والتمسك بتحقيقه وفق الخطط الصهيونية وقد سخر آلاف الكتاب والباحثين ليؤكدوا وجهة النظر تلك من خلال سلسلة الأكاذيب والتلفيقات لكي تكون طروحاتها من المسلمات التي لا تدخل مجال النقاش والتغيير .
إن ما يمكن استنتاجه من الرواية التوراتية لموضوع الوعد الرباني ومناقشتنا الموجزة لها أن الأولى بالوعد ( مع تحفظنا على الموضوع برمته ولكن فقط لأغراض المحاججة المنطقية ) هو اسماعيل وليس اسحاق لأنه :
1 - الابن البكر لابراهيم وموضوع البكورية خطير جدا بامتيازاته في المجتمعات القديمة وقد اكدت التوراة هذا الامر في الصراع بين عيسو ويعقوب .
2 - أول من ختن من أولاد ابراهيم وبذلك يشمل بالوعد حتما شانه شأن أولاد ابراهيم الآخرين .
3 - كان موحدا وعلى دين ابيه ولم يكن من المنبوذين أو المشركين .
4 - تعترف التوراة صراحة أن اسماعيل حضر دفن ابيه في مغارة المكفيلة وهذا يعني أنه كان السيد على من حضر تلك المناسبة بحكم بكوريته .
5 - إن التوراة تحدثت عن حيل يعقوب للحصول على ميزات البكورية والبركة من اسحاق وغمط حق عيسو بها لكنها لم تذكر أي شيء من هذا القبيل يلغي بكورية اسماعيل ومباركة ابراهيم له بل على العكس فقط طلب من الإله مباركته .
وبعد هذا لنا الحق ان نتساءل : هل أن اليهود هم فعلا جنس واحد يرقى الى ابراهيم ؟ بشكل فاطع نجيب وبلا تردد أن اليهود لم يكونوا في زمنهم الأول ولا في الوقت الحاضر جنسا واحدا ، ناهيك عن كونهم أبعد ما يكونوا عن ابراهيم وذريته .
إن المجموعة الدينية التي وضعت التوراة _ الاكليروس اليهودي _ تعجز عن ان تبرهن على صفاء ووحدة الجنس اليهودي اما الادعاءات الواردة دون دلائل وبراهين فلا تعدو كونها ترهات فارغة ، والمسبيين من اورشليم الى بابل لم يكونوا قوما او جنسا واحدا ففيهم الكثيرون من أفراد القبائل والجماعات المختلفة ، أما إطلاق تسمية اليهود على هؤلاء فلأسباب دينية تتعلق بعبادتهم للإله يهوه وليس كما يرى الكثيرون نسبة الى يهوذا أي أن الموضوع يتعلق بدين وليس بجنس او عتصر ، ولو أن الأمر يتصل بالجنس أو العنصر ( أي الانتماء ليهوذا بن اسرائيل ) لكان الأولى تسمية المملكتين باسم اسرائيل لكننا تأكدنا أن أيا من المملكتين الوارد ذكرهما لم يسم بهذا الاسم مطلقا على الرغم مما تدعيه التوراة ، ففي الصراع العنيف الذ خاضه الآشوريين ضد الدويلات الكنعانية ورغم احتلالهم لتلك الدويلات فإن أي ذكر لإسرائيل لم يرد البتة إنما الذي ورد في مسلة شلمنصر الثالث ( 858 - 824 ) ق.م. هو بيت عومري ( وعومري هو زعيم أو ملك قبلي اغتصب العرش وكان وثنيا هو وسلالته ) للدلالة على ما تسميه التوراة بمملكة اسرائيل حيث يرد النص التالي في المسلة : ( قمت بضم جميع مدن بيت عومري وجميع سكان بيت عومري وممتلكاتهم ) أما مملكة يهوذا فإنها كانت تسمى مملكة أورشليم وهذا اسم قديم أقدم من ابراهيم نفسه الذي باركه الملك ( ملكي صادق ) الموحد والموصوف بأنه ملك اورشليم وكان من اليبوسيين العرب وليس يهوديا .
وكما ذكرنا سابقا فإن كلمة يهودي تستخدم للدلالة على من يؤمن بالإله يهوه ويبدو أن هؤلاء كانت لهم في فترة حكم بابل الثانية وقبلهم آشور سلطة اقتصادية وسياسية على الاقوام الساكنة في المدن المشار إليها بالأحداث التاريخية ولأنهم يضايقون ملوك بابل وآشور ومصر في مجالات التجارة وغيرها لذا قام أولئك الملوك بالغزوات المتكررة ضدهم حيث سبوهم مع بقية السكان الآخرين ولم تكن أيا من الغزوات مسببة باسباب دينية ، ويجدر بنا أن نؤكد على كون سكان المدن الكنعانية الموصوفة بالتوراة بالاسرائيلية واليهودية كانوا في معظم الأحيان وبالذات بالفترة التي سبق سبيهم وثنيين ولم يكونوا موحدين لكنهم لم يتركوا عبادة يهوه وخصوصا زعمائهم . إن اليهودية وفقا لكل هذه الحقائق لم تكن عنصرا أو قومية بل دين اعتنقه الكثيرون من مختلف الأصول العرقية والقومية منذ بداية تكون الدين اليهودي وهذا ما لا تستطيع نكرانه حتى التوراة فهي تشير إلى أن اليهود سكنوا مع كل الأقوام التي احتلوا أراضيهم ولم يستطيعوا إخراجهم منها ويشير الى هذه الحقيقة سيغموند فرويد حيث يقول ( إن القبيلة التي عادت من مصر انضمت في المنطقة الواقعة بين مصر وكنعان الى قبائل نسيبة كانت قد استقرت فيها منذ امد بعيد وهذا الانصهار الذي انبثق عنه شعب اسرائيل تجلى في اعتناق ديانة جديدة قدس بها جميع القبائل ديانة يهوه ) مع تحفظنا الشديد على " شعب اسرائيل " وقصة العودة من مصر .
أما في الزمن الحالي فإنه من السخف البالغ ان نعتقد بوحدة أصل كل تلك المجموعات البشرية التي تؤمن بالديانة اليهودية ، فلا علاقة البتة بين اليهود الألمان و اليهود الأحباش ولا بين اليهود الاسيويين واليهود الطليان ، فكل هؤلاء له أصله ومنبته القومي المنعكس على سماته الشخصية ولا يمكن ان يكونوا من أصل واحد .
إن الصهيونية لتعجز على أن تبرهن وحدة الجنس أو القومية اليهودية وليس لها إلا الاعتراف بأن اليهودية ألفت شعبا من مختلف الشعوب والقوميات وهكذا نقف على مفهوم جديد للعنصرية القائمة على مفهوم الدين وهو أشد المفاهيم تخلفا وحمقا . وحاليا يقسم يهود العالم الى :
1 - طائفة الأشكنازيم : وهم يهود ألمانيا وأوربا بشكل عام وهم يؤلفون تسعة أعشار يهود العالم ومنهم المهاجرين الى أمريكا ولغتهم الألمانية القديمة المسماة باليديش بعد أن دخلت عليها بعض المفردات العبرية والجنبية .
2 - طائفة السفارديم : وهم يهود البلدان الاسلامية وهم يشبهون الأسبان والبربر ويتكلمون العربية - الاسبانية .
وكان وما زال بين الطائفتين تنافس وتنافر فاليهود الشرقيون يرون انفسهم أولاد يعقوب الحقيقيون ويعدون أنفسهم أجل قدرا من الأشكنازيم بينما ينظر الأخيرون نظرة استخفاف واستهانة بالسفارديم لتفوقهم عليهم بالمستوى الثقافي والاجتماعي .
ان الصهيونية العالمية التي تروج لفكرة الأصل الواحد لكل تلك المجاميع المختلفة وتحاول الربط بينهم وبين ما ورد في التوراة من أساطير وافتراءات إنما تقع بالتناقض الواضح وكما يقول العلامة لامبروزو ( إن اليهود المعاصرين أقرب للعنصر الآري من الجنس السامي وأنهم طائفة دينية تميزت بمميزات اقتصادية واجتماعية وانضم إليها عبر القرون أناس ينتمون الى شتى الأجناس البشرية ) ، إن الصهيونية العالمية تبلغ ذروة السخف والتناقض بادعاءاتها أن اليهود هم شعب واحد بالمعنى العنصري والطائفي واثبت واقع الحال في الكيان الصهيوني حدة االتناقضات بين العناصر القومية المختلفة ليهود فلسطين العربية المحتلة ولا نشك لحظة بأن المستقبل سيولد سلسلة من الصراعات العرقية العنيفة بين هذا الشتات الخليط الغريب وأن خير ما يقال هنا هو أن قبائل العرب القديمة جاءت باليهودية ليستعملها الأوربيون في اضطهاد أحفادهم في أزمات لاحقة .
وكي تستكمل المناقشة أبعادها إذ تبين أن اليهوويين ( وهو الأسم الصحيح لليهود ) ليسوا وحدهم من وعدوا بالارض دون غيرهم ثم أن الارض كانت غير محددة وطورت لاحقا لتشمل شرقي الاردن وسوريا حتى الفرات وما تبقى فهو أبدية امتلاك هذه الارض وهو موضوع التدقيق الأخير .
إن ما ورد في التوراة هو استخدام كلمة " عولام " - olam - التي ترجمت بالعربية وغيرها الى "للأبد " بينما معناها الحقيقي هو الحين من الدهر أو لفترة من الزمن ويقول الفرد هيوم في دراسته ( الصهاينة والكتاب المقدس )
" إن أرض فلسطين لم يوعد بها االيهود وحدهم دون سواهم في الأصل ولم يكن على الاطلاق ثمة وعد غير مشروط بملك أبدي وإنه كان المقصود فترة طويلة غير محددة " ولا يتعرض الصهاينة الى هذا الموضوع مطلقا مستغفلين العالم بالترجمة الخاطئة لمفردة استغلوها وباتت عند الجميع أمر مسلم به والحقيقة هي ان التوراة ذاتها لم تعد اليهوويين بأبدية تملكهم للأرض إنما حددته بحين من الدهر ووضعت عليه شروطا كثيرة تتعلق باستمرار عبادة يهوه وهذا التناقض في المرتكزات الفكرية تكفي لأن نعرف مدى تعسف الصهاينة وعنصريتها في دعوتها ، و إذ نعتقد أن فكرة العهد الإلهي بشطرها الأول المتضمن تخصيص تسل يعقوب بميثاق يهوه وبالتالي إضفاء صفة العرق أو القومية أو الجنس الواحد على الدين اليهودي تفتقد لكل المقومات وتمتليء بالتناقضات الشاخصة فإن الحركة الصهيونية اعتمدت الشطر الثاني من الوعد الإلهي وهو المعني بعقيدة العودة الحتمية الى أرض اسرائيل وعدت كل من يرفض هذه العودة خارجا عن الديانة اليهودية خارقا لمبادئها يل ان الصهيونية تضع شرط العودة مقابل ظهور المسيح الذي لن يظهر إلا في فلسطين وبين اليهود العائدين حتما .
ان موضوع العودة من بعد تشتت وتفرق أخذ عند الصهيونية مدى زمنيا مطلقا ، فهو لايتعلق بفترة ما بعد السبي البابلي التي عنتها إصحاحات التوراة إنما وسع الصهاينة ذلك ليشمل كل الازمان أنى تفرق اليهود وفارقوا أرض الميعاد ومنها زمننا الحالي الذي يعيش فيه اليهود في مختلف بقاع العالم ، وليس صعبا البرهنة على أن العودة المعنية في التوراة هي العودة من سبي بابل وقد تمت في حينها وفشل زعماء اليهود فيه ومن بعد ذلك فليس هناك نص يقول لليهود أن يبنوا وطنا يهوديا في فلسطين او أن يجبرهم على العودة الى فلسطين .
لكن علينا أن ندقق بالمفردة المستحدمة هنا والتي لا يكف الصهاينة من ترديدها " العودة " ، وكأن يهود العالم قد خرجوا من فلسطين عنوة ليعودوا إليها ! وقد بينا فيما سبق الى حقيقة أن اليهود ليسوا عرقا واحدا إنما هم تجمع لفئات وقوميات مختلفة تحت تسمية واحدة وهكذا نجد أن أهل اليمن قد تهودوا وهم عرب أقحاح واهل الحبشة قد تهودوا وهم احباش وغيرهم الكتيرون ، ويقول كاوتسكي بهذا الشان " ففي بداية العصر المسيحي تعاظمت أهمية الارتداد نحو اليهودية وكان من المهم للكثيرين أن ينضموا الى المجموعة التجارية المزدهرة الواسعة ومنذ عام 139 ق.م طرد اليهود من روما لتهويدهم بعض الرومان وفي انطاكية كان المتهودون يشكلون القسم الاكبر من الطائفة اليهودية " ولو أن الادعاءات الصهيونية بكون اليهود عرقا أو قومية فكيف يمكن ان تعرف اليهودي الاسرائيلي من أولئك الذين تنصروا وضاعوا بين آلاف المسيحيين في العالم ، أي لو أن مسيحيا جاء وادعى أنه اسرائيلي فكيف يمكن التثبت من ادعائاته ؟ من البديهي أن الجواب سيكون إنك مسيحي ولست يهودي وهكذا عاد الموضوع الى جوهره أي أن اليهودية دين وليست قومية أو عنصر . وما داموا هكذا فلكل إذن أرضه التي عاش فيها أجداده وله حضارته ولغته ولا يكفي أن يكون الروسي يهوديا ليفكر بالعودة الى فلسطين لأنه لم يكن فيها يوما هو أو أجداده الى آدم ، ولا يكفي للألماني أن يكون يهوديا ليفكر بالعودة ولا للأمريكي ولا للحبشي ولا لأي فرد من أية قومية يدين بالدين اليهودي ، لايكفي المرء لأن يكون يهوديا ليعد موضوع العودة منطلقا في تفكيره لأنه لم يعش هناك أصلا فما معنى العودة إذن ؟ .
إن الصهيونية العالمية تغطي كل مطامعها الاستعمارية المرتبطة بالامبريالية العالمية كليا بمفهوم العودة الذي يفتقد للأصل اليهودي الديني وأيضا للواقعية والموضوعية فيكون محض لغو وهراء عنصري ليس إلا .
ولا أدل على صحة ما نقول من تلك الاضطرابات العرقية والقومية التي يعاني منها المحتلون الصهاينة في فلسطين ، وفي هذا المجال يقول ليفي أشكول في تصريح له نشرته النيويورك تايمز في 29- 1- 1965 واصفا التمييز العنصري في اسرائيل بالمشكلة الرئيسية " إن البعض يرى أن الفوراق الاقتصادية والثقافيةبين السفارديم والأشكنازيم خطرا حقيقيا على الوجود الاسرائيلي لا يقل خطرا عما تواجهه اسرائيل من الدول العربية المحيطة بها " .
وقد حصل عام 1959 عصيان مسلح عندما قتلت الشرطة احد اليهود المغاربة في حي وادي الصليب بعد أن تعرض للضرب المبرح وعندما حاول تخليصص نفسه أجهزوا عليه على أساس أنه من يهود الدرجة الثانية وقد قام اهل القتيل وأصدقائه بمهاجمة الشرطة وحرق سيارتهم ونهب المحلات التجارية وجرت مظاهرات كبيرة في شوارع حيفا .
ان جهود الصهاينة ترمي الى صهر المجتمع الصهوني في فلسطين المحتلة ببوتقة واحدة لكن كيف يمكن لذلك أن يحصل والصهيونية ذاتها تنطلق من منطلقات عنصرية بحتة ؟ والتمييز العنصري يأخذ أحيانا أشكالا مثل الصراعات الطائفية والمذهبية وقد وصلت الروح العنصرية السوداء لدى الصهاينة الى حد أنهم أقروا قانونا يتيح للأبناء المولودين من أم غير يهودية وبعد صراع عنيف بين الأطراف التشريعية المختلفة بجميع حقوق اليهودي في اسرائيل دون الاعتراف بهم كيهود ! ، ان ما ادعته الصهيونية في منطلق العودة يحمل في طياته البذرة المضادة التي تفعل فعلها المستقبلي لتحيل الحياة في الكيان الصهيوني الى جحيم عنصري طائفي لا يطاق وهذه ليست نبوءة لقدر ما هي استنتاج واقعي يقره منطق الاشياء .
ويأتي الآن دور مناقشة فكرة المسيح وعلاقته بالدعوة الصهيونية من المهم أن نشير الى كون موضوع النبي المخلص الذي ينقذ اليهود مما هم فيه من الضلالة هو أمر متكرر واعتيادي للغاية في قصص التوراة لكنه أصبح مع تطور اليهودية موضوعا خطيرا استغلته الصهيونية واضافت اليه الشروط اللازمة لربطه مع مسألة عودة كل اليهود الى فلسطين ، بيد أن الجديد في الأمر أن يكون النبي المسيح هو أحد الانبياء المبعوثين من الموت ، ففي ذلك تناقض تام مع أسس الديانة اليهودية التي لا تقر ولا تعترف بالعالم الآخر وببعث الأموات . يقول فرويد " لقد أخذتنا الدهشة عن حق إذ لاحظنا أن اليهودية تجهل العالم الآخر والحياة بعد الموت بالرغم من أن هذا المعتقد لا يتناقض مع التوحيد الأكثر تشددا بيد أن هذه الدهشة تنقشع إذا انتقلنا من الديانة اليهودية الى ديانة آتون " ( وهنا نسجل تحفظنا الشديد على علاقة الديانة اليهودية بديانة آتون حيث أن اليهودية اقتبست جوهرها من الديانات العراقية القديمة ومنها جهلها بالعالم الآخر وعدم اكتراثها به إذ اعتقدت تلك الديانات بأن الإنسان يمتحن في الدنيا وفيها يعاقب أو يثاب ومثل هذا التفكير واضح للغاية في ملحمة كلكامش المعروفة ) .ويأخذ الدكتور أحمد سوسة بذلك حيث يقول ( إن النص التوراتي يشبه تماما النص البابلي في أن العقاب زمني في هذه الدنيا كالآلام والمرض وفقد المال والموت العاجل وتسلط الإعداء ) ، ومن المهم التذكير هنا بقصة النبي أيوب ، ويذكر في موضع آخر ( إن الكنعانيين الذين أخذ الاسرائيليون عنهم تقاليدهم وعاداتهم بل وأكثر شرائعهم كانوا يحملون نفس الفكرة التي اعتنقها اليهود في هذا الصدد ) .
وقد كان الصراع عنيفا بين الاصوليين اليهود وبين المطورين الذين جاءوا بأفكار البعث والنشور ، يقول ول ديورانت ( احتدم الجدل داخل الكنيست اليهودي عندما كتب أريال كوست الذي شعر بتأثير الشك الذي ولده عصر النهضة كغيره من اليهود كتابا صغيرا هاجم فيه الاعتقاد بالاخرة هجوما عنيفا لم تكن الناحية السلبية فيه مناقضة للمبدأ اليهودي القديم ولكن الكنيست أرغمه على التراجع عن أقواله لئلا يثير سخط البلد الذي رحب بهم وأكرمهم ) وقد انتحر أوريال بعد إذلاله من قبل الكنيست .
ولعله من المفيد التذكير هنا بأن وعد يهوه بإعطاء أرض كنعان لليهود كما ورد في التوراة ناتج عن هذه الحقيقة أي عدم إيمان اليهودي إلا بما هو دنيوي . وفي كل المصادر ومن بينها التوراة تبين أن موضوع البعث في الديانة اليهودية هو موضوع طاريء وغير واضح المعالم حتى عند الطوائف التي أعلنت انها تؤمن بيوم القيامة والحساب ، وجاء في الكتاب المقدس الطبعة الكاثوليكية لسنة 1960 ص- 769 " ويلاحظ في سفر المكابيين تأكيدا قويا للمجازاة في الحياة الآخرة ولقيامة الموتى وذلك دليل على فكرة متطورة عما بعد الموت اعتنقها فيما بعد الفريسيون وعلمها المسيح عيسى وتركها للكنيسة " وفي أعمال الرسل 23: 6-8 يرد " ولما علم بولص أن قسما منهم صدوقيون والقسم الآخر فريسيون صاح في المحفل أيها الرجال الأخوة أنا فريسي أبن فريسي وأنا على الرجاء وقيامة الأموات أحاكم ، فلما قال ذلك وقع اختلاف كبير الفريسيين والصدوقيين وانشقت الجماعة فإن الصدوقيين يقولون بعد القيامة وعدم الملاك والروح والفريسيين يقرون ذلك " .
فبعث المخلص هي فكرة جديدة على اليهودية وليست أصيلة فيه إنما كان السياق الوارد في التوراة هو ظهور انبياء ينهون عن الخطايا وتكون لهم رؤيا أو نبوءة معينة تخص زمنهم وذلك لا يتعلق بوجود اليهود في أي مكان فقد ظهر الأنبياء في بابل وهي أرض السبي ، لكن لم يحصل مطلقا أن بعث نبي كان قد مات لذلك يسود هذه الفكرة الاضطراب ويبدو ان المسيحية قد جاءت بهذه الفكرة وكان الخلط فيها واضحا حول هل كان المسيح إلاها أم انسان أو أنه حي أم ميت ، فمن المعروف أن المسيح - حسب الانجيل - يموت ليبعث مرة أخرى لينشر العدل ويقهر الظلم .
أما فكرة المسيح اليهودية فإنها مختلفة تماما من حيث المهمة فهو قائد للشعب اليهودي ليساعده على محاربة أعدائه ، وفي هذه الفكرة وجدت الصهيونية مادة غنية قي دعوتها العنصرية وراحت تغذيها بمعتقدات تتصل بأطماعها الاستعمارية في فلسطين رغم أن القادة الصهاينة يعرفون تماما أن هذه الفكرة ليست يهودية كما ان الكثيرين من اليهود لا يقرونها وخصوصا المتشددين منهم .
ان الصهونية لا تهتم بكون مبدأ البعث مبدأ غير يهودي إنما الذي يهمها هو أن توظفه من أجل تحقيق أهدافها العنصرية حتى لو اعترض عليها اليهود انفسهم . _ يتبع _

عباس يونس العنزي
[email protected]



#عباس_يونس_العنزي (هاشتاغ)       عèçَ_حونَ_الْيïي_الْنٍي#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هنية
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني - 4 -
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -3-
- مناقشة أولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -2 -
- مناقشة اولى لمنطلقات الحركة الصهيونية
- غريزة البقاء والتوريث المعرفي
- مقدمة أولى في فلسفة أصول الإرادة
- الرمز الاسطوري عند حسب الشيخ جعفر
- الموت بين الحق والعقوبة
- الطوطمية - محاولة للفهم والتفسير
- قصة قصيرة بعنوان - عبود وكلبه المعجزة -
- مقدمة في صراع الحرية والوهم والموت


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عباس يونس العنزي - مناقشة اولى لمنطلقات الفكر الصهيوني -5 -