وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3461 - 2011 / 8 / 19 - 00:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
هذا الموضوع مأخوذ من كتاب ( الخمر و النبيذ في الإسلام ) تأليف الباحث و الشاعر اليمني علي المقري , إصدار رياض الريس للكتاب و النشر , الطبعة الأولى 2007 , بيروت – لبنان .
تعريف النبيذ : يكتب السيد علي المقري : ( في كتاب (( لسان العرب )) النبيذ هو الشيء المنبوذ , و النبيذ ما نبذ من عصير و نحوه . و سمي نبيذا لان الذي يتخذه يأخذ تمرا أو زبيبا فينبذه في وعاء أو سقاء عليه الماء و يتركه حتى يفور فيصير مسكرا . و النبيذ : و هو ما يعمل من الاشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و غير ذلك . و انتبذته : اتخذته نبيذا , و سواء كان مسكرا أو غير مسكر , فانه يقال له نبيذ و يقال للخمر المعتصرة من العنب : نبيذ , كما يقال للنبيذ خمر ) . ( لسان العرب المجلد الثالث (( نبذ )) ص 513 . يقول السيد علي المقري إن مسالة شرب النبيذ لم تشهد جدلا واسعا عند الفقهاء , كمسالة الخمر , و يرجع ذلك إلى وجود نصوص تشير إلى شرب النبي محمد للنبيذ , و كذا شربه في أوساط الفقهاء أنفسهم و أصحاب النبي و الخلفاء و العامة . فقد روي في السنن إن النبي محمد كان ينبذ له في سقاء , فإذا لم يجدوا سقاء نبذ له في تور من حجارة , و هو إناء صغير يشرب فيه و يتوضأ منه . ( سنن أبي داود ج 2 , ص 298 ) و في حديث آخر أن النبي استسقى ( فقال رجل من القوم : ألا نسقيك نبيذا ؟ قال : بلى ) . ( المصدر نفسه ص 305 ) و عن المادة التي يصنع منها النبيذ للنبي محمد , روي أن عائشة قالت : (( كنت اخذ قبضة من تمر و قبضة من زبيب فالقيه في إناء فامرسه ثم اسقيه النبي )) ( معالم السنن ص 270 ) , و في هذا القول (( حجة لمن رأى الانتباذ بالخليطين )) ( المصدر نفسه ص 270 ) و مخالفة للرواية التي تقول أن النبي (( نهى أن ينتبذ الزبيب و التمر جميعا )) ( سنن أبي داوود ج 2 , ص 298 ) و عن عبد الله بن مسعود أن النبي محمدا قال له ليلة : (( ما في أدواتك؟ )) فرد عليه (( نبيذ )) فقال له النبي : (( تمرة طيبة و ماء طهور )) ( سنن أبي داوود ج 1 , ص 20 ) . و في رواية أخرى عن عبد اله بن مسعود أن النبي شرب في آخر حجة له إلى مكة من سقاية العباس فوجده شديدا فقطب بين عينيه و دعا بدلو من ماء زمزم فصب عليه , و قال : إذا كان هكذا فاكسره بالماء .و قد نسخ النبي بشربه الصلب في حجة الوداع ما كان قبله .و الدليل على ذلك انه كان نهى وفد عبد القيس عن شربه المسكر ثم وفدوا عليه بعد ذلك , فراهم مصفرة ألوانهم , سيئة حالهم , فسألهم عن قضيتهم , فاعلموه : إنهم كان لهم شراب فيه قوام أبدانهم فمنعهم منه , فأذن لهم في شربه . و إن ابن مسعود قال : شهدنا التحريم و شهدتم , و شهدنا التحليل و غبتم . ( كتاب الاشربة لابن قتيبة ص 32 و قطب السرور ص 467 ) . و هناك روايات عديدة أخرجها الدارقطني , تدل على شرب النبيذ الصلب في صدر الإسلام ( منها رواية عن عبد الرحمن بن أبي ليلى , انه تعشى مع والده عند علي بن أبي طالب فسقاهما ثم خرجا فلم يهتديا في الظلمة فأرسل معهم بمشعل ) . كما يورد ابن قتيبة في كتاب (( الاشربة )) روايات كثيرة متشابهة جاءت في كتب الحديث و السير تدل على شرب النبيذ الصلب من معظم الخلفاء و أصحاب النبي و الفقهاء و من هذه الروايات ما يتعلق بالخليفة عمر بن الخطاب الذي نقلت بعض الكتب تشدده , أحيانا , في معاقبة السكارى . حيث جاء (( بان عمر كان يشرب على طعامه الصلب , و يقول : يقطع هنا اللحم في بطوننا )) . و في كتب الأخبار (( إن نبيذ التمر كان فاشيا بالمدينة , يشربه أهلها غنيهم و فقيرهم و يجري عندهم مجرى أقواتهم )) ( قطب السرور ص 475 ) . و من الصحابة و الأئمة و الفقهاء الذي شربوا النبيذ الصلب : عبد الله بن مسعود , سفيان الثوري , محمد ابن الحنفية , إبراهيم النخعي , عامر الشعبي , سعيد بن جبير , الحسن البصري , علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب و ابنه زيد بن علي . ( كتاب الاشربة لابن قتيبة ص 33 و قطب السرور ص 463 , 466 – 470 , 453 ) . و يقول هادي العلوي : ( إن إباحة النبيذ كانت مذهب أغلبية الفقهاء في القرن الأول الهجري و شطرا من القرن الثاني , و يتفق على ذلك كبار أئمتهم مثل زيد بن علي و إبراهيم النخعي و سفيان الثوري و الاوزاعي و أبو حنيفة و الحسن البصري و ابن أبي ليلى . و تبعا لإباحة النبيذ ينفرد أبو حنيفة برأيه الذي يجيز فيه للمسلمين أن يتاجروا بالنبيذ فهو عنده من الأموال المضمونة لهم حيث يحق لهم طلب التعويض ممن يتلفه و هذا الحكم يشمل غير المسلمين في الخمور و الانبذة معا لأنهم غير مطالبين بالامتناع عن الخمر و لذلك يعتبر من أموالهم المضمونة ( من قاموس التراث ص 110 ) . و كان أبو حنيفة يرى أن شرب النبيذ من السنة ( قطب السرور ص 472 ) لذا يبيح شرب الانبذة دون تقييد للمقادير و يجوز عنده التوضؤ بالنبيذ عند عدم توفر الماء لان النبيذ طاهر ( من قاموس التراث ص 110 , و مفيد العلوم و مبيد الهموم ط 1 , لزكريا بن محمد بن محمود القزويني ( دار الكتب العلمية , بيروت , 1985 , ص 185 . و من شدة سماحة الإمام أبي حنيفة مع الشاربين ما روي أن جارا كان له , لا يبيت إلا سكرانا و كان يغرد بصوت عال :
أضاعوني و أي فتى أضاعوا
ليوم كريهة و سداد ثغر
فافتقد أبو حنيفة صوته ليلة أو ليلتين , فسال عنه فقيل له إن صاحب الحرس أخذه . فذهب أبو حنيفة إلى الأمير عيسى بن موسى العباسي ليراجع عنه . فأمر عيسى أن يخرج من الحبس كل من اخذ تلك الليلة إكراما لصاحب أبي حنيفة . و عندما خرج ابتسم أبو حنيفة و هو يقول له : هل أضعناك يا فتى ؟ قال : لا و الله , جعلت فداك , بل حفظت و أكرمت ( قطب السرور ص 195 – 196 كما وردت في مصادر أخرى كثيرة ) . و من النوادر التي واجهها أبو حنيفة بسبب تحليله للنبيذ أن احدهم قال لأبي حنيفة : أيحل النبيذ و بيعه و شراؤه ؟ قال : نعم . قال افيسرك أن أمك نباذة ؟ فقال أبو حنيفة : أيحل الغناء و سماعه ؟ قال : نعم . قال : افيسرك أن أمك مغنية ؟ و وضع رجل بالكوفة على باب المسجد نبيذا بين يديه , و نادى : من يشتري رطلا بدرهم بتحليل أبي حنيفة ؟ فقال له أبو حنيفة : يا رجل انك فعلت قبيحا , فقال : الست حللته ؟ قال : صدقت و من الحلال انك تجامع امرأتك , و لو استحضرتها الجامع و جامعتها لاستقبح ذلك .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟