أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - العاقل الوحيد















المزيد.....

العاقل الوحيد


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17 - 11:00
المحور: كتابات ساخرة
    


جهاد أنت أعقل واحد.

جهاد أنت أشطر واحد.

جهاد أنت العاقل الوحيد, جهاد أسكت على شان الناس...جهاد اعتذر أنت أولا عشانك العاقل الوحيد...وبهذه الكلمات كان أهلي يستعملونها معي مثل إبر التخدير لي حين يريدوا أن يحلوا النزاعات بيني وبين الأطفال على حسابي الشخصي لأنني الوحيد الذي كان يستسلم بسرعة ويقدم كثيرا من التنازلات, وكان قلبي يصاب بالتخدير السريع حين يمتدحونني بكلمة(أنت العاقل الوحيد) واليوم أتمنى أن تعود تلك الأيام أيام ما كنتُ فيها العاقل الوحيد, الأنني اليوم أنا المريض الوحيد نفسيا في الأسرة..وكل الناس أعقل مني وأحسن مني..وجريمتي الوحيدة هي أنني (أفكر).

ودائما ما كانت أمي تقول لي حين أتعرض للضرب أو للهجوم من قبل الأطفال (خلص أسكت على شانك العاقل الوحيد) فكنت أصدق فعلا بأنني العاقل الوحيد, وحين كنت أذهب بزيارة مع أمي وجدتي إلى منزل أحد الأقارب كانت أمي تنهرني عن اللعب مع الأطفال وكانت تأمرني بالجلوس مؤدبا كوني الشخصية المهمة والعاقلة والمؤدبة ويجب أن أحافظ على قيمتي, وكانت جدتي تشعرني بمثل هذا الشعور حين تقول لي(أنت جدك محمود المرعي) كان زلمه ثقيل مثل الجبل ما يهزه لا مطر ولا ريح, فخليك قاعد عاقل وثقيل, وكنت أنبسط من هذا الإطراء وكنت بنفس الوقت بحاجة لأن ألعب وبأن آخذ حقي كطفل صغير فكنت أتسلل تسللا من المطبخ أو بحجة دخول الحمام فأخرج خارج البيت لأجد شيئا ألعب عليه سواء أكان مرجيحة أو حصانا بثلاثة أرجل أو حصانا سليما بأربعة أرجل, وحين كانت تقع أي مشكلة أكون فيها أنا الطرف الأساسي أو الفرعي كانت أمي وجدتي يقمن بحل المشكلة على حسابي الشخصي فكنتُ بناء على رغبة أمي أقدم الكثير من التنازلات عن حقوقي الشخصية لأنني العاقل والفهمان وغيري طائش وجاهل ولا يعرف مصلحته الشخصية, وحين يحلون مشاكلهم على حسابي كانوا يطربون لمنظر وجهي المكتئب والحزين وهم يقولون(شايف عاد إنك ساكت ومش حاكي على شانك العاقل الوحيد) والكل يقول عني بأنني العاقل الوحيد والمحترم والمطيع, لذلك كل مسئوليات البيت الخارجية كانت تقع على أكتافي كما يقع شغل البيت على البنت البِكرية مثل الغسيل والجلي والطبخ .كنتُ وما زلتُ أحمل البيت مرة على كتفي اليمين ومرة على كتفي اليسار حين أشعر بالتعب من الكتف اليمين ولا أخفي عليكم أيضا أنني بهذه الكلمات كنتُ وما زلتُ أشعر برجولتي حين تقول عني أمي بأنني (العاقل الوحيد في الأسرة والزلمه الوحيد) وكنت أفرح أيضا حين أستمع لهذه الكلمة من جدتي وكانت جدتي تضيف عليها كلمة أخرى وهي (المطيع) فكانت كلما احتاجت لأي شيء تنادي قائلة(جهااااااد) فكنت أحضر بسرعة البرق حين أسمع صوتها الحنون فكانت تذرف الدمعة قائلة(أنت المطيع الوحيد والله لا يحرمنيش منك روح يا جده على....إلخ) وكنت حين أعود تقول ما شاء ألله صار رايح وراجع والله إنك المطيع الوحيد والله أنك زلمه. وكل نساء الحارة كُنّ يقلن لي حين يضربني واحدٌ من أولادهن(خلص روح روح ما هو أنت الكبير والعاقل) وما زلت أحفظ كلمات أم (سهيل )حين كنت طرقتُ ذات يوم باب الدار للثأر لنفسي ممن ضربني من أولادها وتوارى في داخل البيت هاربا مني, لقد كانت أم سهيل رحمها الله تمسك بيدي وتمسح بيدها الأخرى على رأسي بكل حنية قائلة(أنت العاقل الوحيد وانظر واستحي على طولك ما شاء ألله عليك صاير زلمه) فكنت أخجل وأعود أدراجي إلى منزلي دون أن أثأر لنفسي ,والمصيبة أن أبناء الجيران لم يكن واحدٌ منهم مُقدرا للتضحية وللتنازل عن حقوقي فكانوا يقولون لي (أنت جبان) وكنتُ أرد عليهم قائلا: أنا مش جبان ولكن سكتت كوني العاقل والمؤدب والمحترم ,. وأنتم اللي مش عاقلين, أنا أعقل واحد فيكوا, فيضحكون مني ويقولون (شو محترم ومؤدب وعاقل اللي ضربك أضربه... أنت وين عايش؟).

وكنت أحيانا أتواقح وأبقى معتصما أمام الباب للثأر لنفسي بعد سماعي كلمات مثل(مش رجل..وشو يعني العاقل!!) وكنت أتجاوز عن أهمية العقل والمنطق فكنت أضع عقلي تحت حذائي وأدوسُ عليه كما أدوس اليوم على السيجارة ولم تكن هذه اللحظة تطول لأن أهلي سرعان ما يتدخلون بكلمة واحدة(تعال فوت من الشمس اللي حرقت وجهك ..تعال فوت على البيت على شانك العاقل الوحيد فيهم وهذول كلهم أطفال مش عاقلين) وكنت أتبجح وأتفلسف على أهلي من يوم يومي قائلا حين يفيض بي الكيل(يعني بس بدكم إياني أصير عاقل بصير, وبس بدكوا اياني أكون الكبير كمان بكون, وبس بدكوا أياني أصير المحترم بصير..أي أرسولكوا على بر إما أن أكون الكبير على طول الوقت والعاقل, وإما الصغير والجاهل...مش كل يوم شكل!!) وكنتُ أذهب مهرولا إليها حين كانت تخرج جدتي رحمها ألله من باب الدار لتضربني بعصاها قائلة لي(ما هو أنت العاقل الوحيد فيهم فخليك عاقل والمسامح كريم) وكنت أعترض في بعض الأحيان وأقول بغضب وبصوت مرتفع( أنا ما بديش أصير العاقل الوحيد..أنا بدي أصير مجنون وأحل مشاكلي كلها عن طريق الجنون وليس عن طريق العقل) ليش مثلاً أولادهم ما يصيروا عقال مثلي وهاديين مثلي؟

ومنذ نعومة إظفاري وأنا على هذه الحال, طبعا حتى اليوم ما زلتُ ألعب نفس الدور فإذا اختصمت مع زوجتي تصرخ أُمي بوجهي وتقول (خلص أسكت ما أنت كاتب وأديب وشاعر والمرأة ناقصه عقل) وإذا اختصمت مع واحدة من أخواتي تتدخل زوجتي وتقول(يا زلمه ما هو أنت العاقل الوحيد فخلي عندك عقل وأنسى الموضوع) وحين أختلف مع أمي تتدخل كل أخواتي قائلات(يا زلمه أنت العاقل والفهمان والمحترم...إحنا بنستغرب كيف بتروح على عمان وبتقعد مع كبار الشخصيات!! كيف ابتعرف تحكي وتسولف معاهم, وبنفس الوقت مش عارف ترضي أمك!!!!) عندها صدقوني حتى هذا اليوم وهذه اللحظة أضحي بنفسي وأسكت عن الكلام والفِعال ولا أقول ولا أي كلمة كوني العاقل الوحيد والرجل الوحيد المحترم الذي ما زالت طفولته تذكره بأنه العاقل الوحيد.وأنا الضحية الوحيدة في أسرتنا فكلما احتاج أهلي إلى رجل عاقل ليحلوا مشاكلهم على حسابه أو بالعربي الفصيح ليضحوا به كان وما زال الاختيار يقع عليّ أنا وحدي وحين يكونون بحاجة إلى ولد محترم ومؤدب يقضي لهم حاجاتهم من السوق كان يقع الاختيار عليّ كوني العاقل الوحيد والمحترم الوحيد, وحين تكون جدتي بحاجة إلى رجل تعتمد عليه كانت تذرف دمعتها وتقول راح أبوك وتركك وأنت بمقام أبوك وبدي أعتمد عليك, فكنت أقول أطلبي وتمني فكانت تقول لي أمسك بيدي بدي أقوم من هذا المكان وأحيانا تقول لي: خذني على الحكيم أو على المستشفى, وأذكر بأن عمري كان يا دوب- 15- سنة وما دون,...وكنتُ خلال كل تلك السنين من سن المراهقة إلى البلوغ وأنا أحمل صفات الولد العاقل والصامت والمحترم الذي لم يشبع من المراهقة فأنا ما زلت أحاول أن أراهق وأن أطيش وأن أتصرف بجهل وبجنون وبتهور لكي أشبع طفولتي الناقصة, وما زلتُ في بعض الأحيان الولد العاقل الذي يضحي من أجل الجميع كوني العاقل الوحيد في المنزل.وستعرفون بعد قليل بأنني تحولتُ من العاقل الوحيد إلى المجنون الوحيد بعد أن بدأتُ أفكر في الدين والحياة بشكل صحيح... وكان أهلي وما زالوا حين يحتاجون لتقديم ضحية يضحون بها كان وما زال يقع الاختيار عليَّ أنا لأنني ( الأفضل والكبير والعاقل) وما زلتُ أذكرُ وأنا طفل صغير كيف كانوا يأخذون من بين يدي ألعابي ليعطونها لمن هم أصغر مني حجماً وعقلا على اعتبار أن الموافقة المبدئية حاصلة لا محالة لأنني بنظر أهلي العاقل الوحيد في الأسرة والكبير, والأمير, والمحترم , والصبور الذي لا يشكو ولا يتألم في حين كنت وما زلت أشعر بالسكاكين وهي تقطع لي جسدي من الداخل.

وحين أخرج من الجو الأسري والمشاكل الأسرية إلى طرح المشاكل الدينية والاجتماعية كان وما زال أهلي يأمرونني بالتوقف عن الكلام والسكوت النهائي ويصفونني بأن عقلي مختل بعض الشيء وبأن ما أؤمنُ به كله عبارة عن تهيئات وفصام في العقل وبأن الكتب وكثرة القراءة جعلت مني (دون كيشوت العرب) فلا أحد يأخذ برأيي لأني على حسب ما أسمع منهم غير عاقل ومتهور ومصاب بالجنون الفكري وبأن كل تصرفاتي لا توحي بأنني عاقل ومحل ثقة ومسئول عن كل تصرفاتي, وحين نفتح موضوعا للنقاش الديني أو الاجتماعي لا أسمع أحدا يقول عني بأنني العاقل الوحيد الذي يجب أن يؤخذ برأيه بل على العكس الكل يستعار مني والكل يقول عني(والله جهاد ما فيش عليه لوم لأن الكتب والنت ونادين البدير لحسوا عقله) لذلك أنا عند الحاجة لي أكون العاقل الوحيد الذي يجب عليه أن يضحي وبأنني الرجل الوحيد الذي عليه أن يتحمل كل شيء كوني عاقل ومحترم, أما حين أحتاجهم ليصدقونني فإن الجميع يتخلى عني بحجة أنني (مجنون) أو (غير طبيعي) فلا أحد يأخذ برأيي, ولا أحد يسكت منهم عن الكلام, والكل يعتبر نفسه بأنه العاقل الوحيد وتصوروا معي كيف كنت قبل أن أتثقف؟!! لقد كنت العاقل الوحيد,وحين تثقفت أصبحت المجنون الوحيد, وأنا الآن أتحسر على أيام زمان حين كنت العاقل الوحيد في الأسرة وحين كنت الرجل الوحيد المهذب والمحترم, فأنا اليوم من المفترض بي أن يزداد عقلي قوة ونموا ومن المفترض أيضا أن يعترفوا لي بأنني ما زلتُ العاقل الوحيد, فآآآآه آه..على أيام زمان حين كنت العاقل الوحيد بعكس هذا اليوم الذي أصبحت به المجنون أو الوحيد المريض نفسيا في العائلة, فكل أرائي تدل على أنني مريض بمرض نفسي خطير جدا وكل آل البيت من أهلي يقولون عني بأنني المريض وبأنهم هم العاقلون, ويستنكرون ولا يتذكرون أيام زمان حين كانوا يحلون النزاعات بيني وبين الأطفال على حسابي لأنني العاقل الوحيد الذي يقدر الموقف.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى بنت الطيبه
- الله يميتني ونادين البدير تحييني
- المرأة المسلمة2
- المرأة المسلمة1
- عيد ميلاد لميس السادس
- كلمة شكرا
- دنيا ودين
- ذاكرتي تؤلمني
- يقتلون الرجل للدفاع عن الشرف
- المرأة تلعن والرجل يغضب
- لم يذكر القرآن المحامين والمحاكم
- أنا أسعد رجل في الحارة
- الدرس الخامس:مشاعري وأحاسيسي في رمضان
- لغة الحمير
- الدنيا تعاسه والموت سعاده
- الدرس الرابع:ثقيل الدم
- صديقي قاسم في ذمة ألله
- لله في خلقه شؤون
- الدرس الثالث:الكوميديا الاسلامية
- الدرس الثاني:فتح مكة


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جهاد علاونه - العاقل الوحيد