أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - المثقفون وسقوط التاريخ















المزيد.....

المثقفون وسقوط التاريخ


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3457 - 2011 / 8 / 15 - 18:42
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


المثقفون ببساطة هم من يصنع الكلام، وصناعة الكلام هي أرخص الصناعات بل هي بلا قيمة ولا تعرض في السوق ولكنها تستبدل غالية في حالة أنها خدمت مباشرة أهدافاً غير ثقافية كالسياسة. أما وكونها انتاجاً بشرياً وذا قيمة استعمالية مها كانت هامشية وقليلة القيمة إنما هي بالأخير تشارك في الصراع الطبقي. وبالمناسبة فإن الصراع الطبقي والذي لا يدرك جوهره الغالبية العظمى من العاملين في السياسة، إنما هو مبادلة الانتاج حيث تتقابل مختلف المنتوجات في السوق بقصد مبادلتها بمنتوجات أخرى من خلال النقد حيث هناك تتقرر قيمة ساعة العمل في مختلف وسائل الإنتاج ولكل طبقة عبر وسيلة إنتاجها. حين يضرب العمال في المصنع فإنما هم يطالبون بمبادلة سلعتهم، وهي قوة العمل، بسعر أفضل. الانتلجنسيا التي تنتج الثقافة وتتعيّش بالثقافة تدخل في صراع طبقي لتحديد مبادلة ساعة/عمل ثقافية بعيداً عن إساءة استعمال الثقافة في عدة أغراض سياسية أو غير ثقافية.

الانتلجنسيا هي بالطبع الشريحة الرئيسية بين الشرائح العديدة لطبقة البورجوازية الوضيعة والتي كتب عنها كارل ماركس وفردريك إنجلز في البيان الشيوعي 1847 في فصل "البورجوازية والبروليتاريا" ما يلي . .
" الشريحة الأدنى من الطبقة الوسطى، الصانع اليدوي الصغير، وصاحب الدكان، والحرفي، والفلاح، جميع هؤلاء يدخلون في صراع مع البورجوازية كي يحافظوا على استمرار وجودهم كشريحة من الطبقة الوسطى. هم لذلك ليسوا ثوريين بل محافظين. بل أكثر من ذلك، إنهم رجعيون حيث يجهدون لإدارة عجلة التقدم إلى الخلف "
والمثقفون هم من ذات الطينة، إذ أنهم يدخلون في صراع ضد الرأسمالية حيث أنهم في حقيقة الأمر يناضلون ضد نمط الانتاج الجمعي (Associated Production) المتحقق في الرأسمالية، والذي هو بنفس الوقت جنين الشيوعية، من أجل العودة إلى نمط الإنتاج الفردي (Individual Production) وهو نمط إنتاج المثقفين المتحقق فيما قبل الرأسمالية، وكان جنين الرأسمالية. ومن هنا يمكن القول أن الرأسمالي هو بطبيعته أكثر قبولاً للإشتراكية من الإنتلجنسيا ومن المثقفين. ولذلك رأينا أسوأ إنقلاب رجعي حدث في التاريخ وأساء إلى مصائر البشرية جمعاء هو انقلاب البورجوازية الوضيعة السوفياتية بقيادة خروشتشوف كممثل للفلاحين، كما رآه حقاً مولوتوف، مدعوماً من العسكر. ولذلك أيضاً تتجاهل الانتلجنسيا، والمثقفون عمودها الفقري، الآثار السلبيه لانقلاب خروشتشوف في خمسينيات القرن الماضي على مستقبل الانسانية، بل أكثر من ذلك فهم يعتبرونه خطوة كبيرة إلى الأمام على طريق الحرية والديموقراطية !!
تحقيقاً للتحليل العلمي الماركسي لدور البورجوازية الوضيعة في التاريخ كما تحقق في القرن العشرين، فقد ناضل المثقفون الروس عامة بجانب البروليتاريا ضد الرأسمالية فيما قبل العام 1917، وعادوا يناضلون مع البورجوازية الوضيعة بعدئذٍ ضد دولة دكتاتورية البروليتاريا بقيادة لينين ـ ستالين.

بناءً عليه، ليس عيباً ولا خطأً اعتبار المثقفين، كونهم شريحة هامة ورئيسية في طبقة البورجوازية الوضيعة، اعتبارهم دائماً خونة، يخونون التاريخ على مر التاريخ، فهم يخونون النظام الرأسمالي ويناضلون ضده، ثم يخونون الثورة الاشتراكية ويناضلون ضدها. مسارهم الخياني هذا ليس خياراً لهم بل تمليه طبيعة إنتاجهم في تقسيم العمل الإجتماعي. البورجوازية الوضيعة لا تنتج إلا الخدمات، والثقافة من إنتاج المثقفين هي بالتالي مجرد خدمة. والخدمات بمجملها ليست من الثروة كما لا تصنع الثروة. فالبورجوازية الوضيعة وحدها، مستقلة تماماً عن كل الطبقات الأخرى، لا تقيم مجتمعاً مستقلاً قائماً على الذات. استمرار وجود بورجوازية وضيعة في النظام الرأسمالي إنما كان لخدمة الانتاج الحقيقي المادي وقد حرص الرأسماليون على أن تظل الطبقة الوسطى هشة ورفيعة للغاية. لهذا السبب، لأن الطبقة الوسطى غير قادرة على الإطلاق أن تزوّد أي مجتمع بالحدود الدنيا من احتياجاته الحيوية، وأن وظيفتها الوحيدة ومبرر استمرار بقائها في المجتمع هو خدمة الانتاج المادي، بالإضافة إلى أن انتاجها لا يضيف لثروة المجتمع أية إضافات حقيقية، لكل ذلك فالطبقة الوسطى أو البورجوازية الوضيعة، بخلاف كل الطبقات الأخرى، ليست مؤهلة ولا تستطيع أن تسود في المجتمع أو أن تقود المجتمع وتحكمه. وعليه فإن صفة الوضاعة تلازمها قبل كل الصفات الأخرى وهي الصفة التي تحتج عليها جميع أطياف البورجوازية الوضيعة أو الطبقة الوسطى العربية بالرغم من أنها الترجمة العربية الدقيقة لكلمة (Petty) الانجليزية.

مع إطلالة عقد السبعينيات من القرن الماضي كان النظام الرأسمالي في العالم قد وصل إلى نهايته. أنسدت تماماً دورة الانتاج الرأسمالي بفعل انفكاك المحيط عن المركز الرأسمالي الامبريالي ونجاح ثورة التحرر الوطني العالمية في تحقيق الاستقلال السياسي وشروع كافة الدول المستقلة في بناء اقتصادها المستقل. حاولت الدولة الرأسمالية الكبرى، الولايات المتحدة، إنقاذ نظامها الرأسمالي فانسحبت من معاهدة بريتونوود 1971 وكشفت الدولار من الغطاء الذهبي، وفي العام 72 أعلنت تخفيضاً كبيراً للدولار (Devaluation) واضطرت في السنة التالية 73 أن تعلن تخفيضاً آخر ومع ذلك استمر الدولار في هبوطٍ متسارع في أسواق العملات العالمية، وهو ما يؤشر بالطبع إلى سقوط مستمر لنظام الانتاج الأميركي الرأسمالي، الحقيقة الكبرى التي يتجاهلها الإقتصاديون البورجوازيون. هذا ما استدعى الدعوة إلى مؤتمر الخمسة الرأسماليين الكبار (G5) في رامبوييه/باريس نوفمبر 1975 لمعالجة النظام الرأسمالي العالمي في نزعه الأخير. كان لا بد أن تجري المعالجة ضمن الشروط الدولية الخاصة آنذاك. كان أوار الثورة الاشتراكية العالمية قد بدأ بالخبو مع إعتلاء خروشتشوف مركز قيادة الثورة الاشتراكية العالمية بعد رحيل ستالين مباشرة. في الستينيات انعكس خبو أوار الثورة الاشتراكية في انقلابات عسكرية رجعية فاشية قامت في الكثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وفقدت بذلك الثورة الاشتراكية محيطها الثوري ليحل محله محيط رجعي وفاشي. وفي السبعينيات تأكدت علائم الانهيار على المشروع اللينيني وبدت واضحة للعيان.
في مثل تلك الأجواء في السبعينيات، أجواء تراجع الثورة الاشتراكية في العالم كما في مركزها موسكو، ما كان لانهيار النظام الرأسمالي العالمي أن يكون لصالح إتساع وتقدم الثورة الاشتراكية المتراجعة أصلاً. حديث إعلان رامبوييه عن تشجيع التجارة مع المعسكر الاشتراكي لم يعنِ أكثر من نقل الأزمة إلى داخل المعسكر الاشتراكي ورفع الحدود الفاصلة بين الاقتصادين الاشتراكي والرأسمالي بهدف الإجهاز على الثورة الاشتراكية المتراجعة أصلاً على يد الطبقة الوسطى السوفياتية. في تلك الأجواء قرر أساطين الرأسمالية العالمية (G5) تسليم جثمان النظام الرأسمالي إلى الطبقة الوسطى كي يدفن وفق تقاليدها لعلّ تكون له حياة أخرى، وليس للبروليتاريا فلا يبقى منه حتى الذكرى، كما أن البروليتاريا التي غيّبها خروشتشوف لم تكن متواجدة على المسرح الدولي لتستلمه. من أجل تمكين الطبقة الوسطى كعدو مميت للبروليتاريا الاشتراكية قرر المؤتمرون الخمسة توزيع الأموال في خزائنهم المترعة في هبات وقروض سهلة وغير مكفولة على الدول المحيطية طالما أن تلك الأموال الترليونية لم تعد قابلة لاستخدامها في التوسع الرأسمالي كما جرت العادة أو للتوظيف في استغلال البروليتاريا على الطريقة الرأسمالية. وكانت رصاصة الرحمة التي أطلقها هؤلاء الأساطين على النظام الرأسمالي هو إلغاء الطبيعة السلعية لعملاتهم في الأسواق عن طريق تعهدهم المشترك بضمان القيمة الاسمية لعملاتهم في أسواق الصرف وتنصيب الدولار ملكاً لسائر العملات (Currency King) وهو ما يعني أن الولايات المتحدة تستطيع أن تصدر ما تشاء من الدولارات بكفالة الدول الأخرى، وهذا كفر صريح وطلاق بائن للنظام الرأسمالي، إذ كيف لدولة أن تصدر نقدها بكفالة دول أخرى !! هذا ليس اقتصادا بل اغتصاباً. غدت أميركا تستطيع أن تشتري كل العالم بدولارات لا قيمة لها سوى تعهد أجوف لا معنى له. من يستطيع أن يتكفل بقيمة 600 ترليون دولاراً أصدرتها الولايات المتحدة تبعاً لإعلان رامبوييه كما يقدر بعض الخبراء الاقتصاديين ؟ لا أحد، لا الدول الأربعة المشاركة في تعهد رامبوييه ولا الصين التي ينتج مئات الملايين من عمالها بعض الغطاء الجزئي للدولار، ولا النفوط العربية التي تغطي حوالي 500 مليار دولاراً سنوياً.

النظام العالمي القائم اليوم يجسد سقوط التاريخ في أيدي البورجوازية الوضيعة رغم أنها ليست مؤهلة على الإطلاق لقيادة التاريخ. الطبقة الوسطى تحكم العالم اليوم شرقاً وغرباً دون أدنى مبرر على الإطلاق، ولو أنها تدعي لنفسها تقنيات التراسل الرفيعة. نظامها المفلس والساقط يرتكز على ثلاث أثافي : الأثفية الأولى وهي انهيار الثورة الاشتراكية، والأثفية الثانية وهي الإقتصاد الاستهلاكي (Consumerism)، والأثفية الثالثة وهي الدولار المكشوف أو المزيف كملك العملات. المرء ليس بحاجة لقسط من الذكاء كي يرى عالماً يقوم على مثل هذه الأثافي إنما هو عالم منحط لا ينتظره إلا الانهيار التام والدمار الكلي. الثورة الاشتراكية لم تنطفئ في المعسكر الاشتراكي فقط بل وتراجعت نهائياً في الدول الرأسمالية سابقاً حيث انزاح 70% من عموم البروليتاريا إلى الطبقة الوسطى. والاستقطاب الرأسمالي البروليتاري الذي رآه كارل ماركس متزايداً باضطراد مع تطور النظام الرأسمالي مما كان سيؤدي إلى ثورة اشتراكية انعكس تماماً فيما بعد رامبوييه في الدول الرأسمالية سابقاً وأخذت الطبقة الوسطى تتسع على حساب كلا القطبين الرأسمالي والبروليتاري. وفي الدول الاشتراكية سابقا هُمّشت البروليتاريا بعد انحراف خروشتشوف وإسقاطه لدولتها الدكتاتورية. أما عن الأثفية الثانية وهي الاقتصاد الاستهلاكي الذي هوى بالمجتمعات الرأسمالية والتابعة للرأسمالية كما الاشتراكية سابقا من مجتمعات إثراء إلى مجتمعات إفقار حتى غدا العالم مديناً ب 70 ترليون دولاراً، وفق الأرقام الرسمية، و 700 ترليوناً وفق الأرقام غير الرسمية. جميع الدول الوازنة على المسرح الدولي أخذت تستهلك أكثر مما تنتج خلال العقود الثلاثة الأخيرة وتستدين ما يفوق إمكانياتها في التسديد مما يضطرها إلى الإستدانة بما يزيد عن خدمة ديونها. ذلك هو ما تفعله مثل هذه الدول التي رفلت شعوبها خلال الربع الأخير من القرن العشرين برفاه لم تعهده قبلئذٍ ولن تتنازل عنه بعدئذٍ حتى لو أدى ذلك لكارثة كونية. الأثفية الثالثة هي رسم الولايات المتحدة الأميركية أمين خزانة العالم؛ أميناً يصدر عملة هي ملك العملات في العالم دون ضوابط ويطبع سندات مالية غير مليئة؛ أمين خزانة يعرف كيف يسرق العالم؛ أميناً غير أمين بل هو أكبر لص في العالم وفي التاريخ، يعين وكلاءه في مختلف مناطق العالم ويجزيهم من بعض ما يسرق. الاقتصاد الاستهلاكي العالمي كان قد أفلس مبكراً، ربما في النصف الأول من التسعينيات، فآل بعدها لأن يكون اقتصاداً ريعياً بمثل ما كان العالم القديم محيطاً للمركز روما. كان العالم القديم يحرث ويدرس لروما وعالم اليوم يحرث ويدرس لواشنطن. الفرق الوحيد بين الحالتين هو أن روما كانت تجبي الأعشار لقاء الحماية الأمنية أما واشنطن اليوم في القرن الحادي والعشرين فتجبي أكثر من الأعشار لقاء أوراق خضراء لا تسمن ولا تغني من جوع. الاستعمار الذي عرفه العالم قبل سبعينيات القرن الماضي كان يتم من خلال تبادل تجاري جائر، مصنوعات لقاء مواد خام، أما الاقتصاد الريعي القائم حالياً فالولايات المتحدة تحصل على ما يزيد على أعشار روما دون مقابل، أو مقابل دولارات لا تساوي الحبر الذي طبعت به. وما يتوجب أن يعيه بعض المتثاقفين القوميين العرب هو أن الولايات المتحدة لم تعد دولة رأسمالية إمبريالية كما يفترضون ويعدون لواجهتها، بل حتى أنها لا ترضى كما لا تستطيع أن تعود دولة رأسمالية إمبريالية، فهي تنهب اليوم عن طريق دولاراتها المزورة أضعاف ما كانت تحصل عليه كدولة إمبريالية. وعلى هؤلاء القوميين أن يعوا أن العدو المختلف يقتضي مواجهة مختلفة، وإلا فإنهم بضلالتهم الحالية يخونون الأمة.

في مثل هذه الأجواء المدلهمة بالأخطار على مصائر البشرية جمعاء، في مواجهة سقوط التاريخ بأيدي البورجوازية الوضيعة وطلائعها المثقفين، يستنهض الماركسيون الشيوعيون الحقيقيون كافة قوى التقدم في المجتمعات الإنسانية للقيام بواجباتها في الدفاع عن مصائر الإنسانية بوجه الأخطار المصيرية المحدقة. للأسف الشديد ينبو المثقفون والمتثاقفون معترضين ومقاومين لمهمة الشيوعيين النبيلة ومدافعين عن النظام القائم، نظام واشنطن الريعي. بشاعة النظام القائم الذي لا يرتكز على الانتاج، بل يحارب الانتاج، لا يراها المثقفون. هم يرون البلهنية في الغرب الرأسمالي سابقا دون أن يربطوا ذلك بثورات الجوع حتى في الصين شريك الولايات المتحدة في اللصوصية فيطالبون بمحاكاة الغرب في العالم الثالث المتخلف. نقول لهؤلاء المثقفين الخونة، وليس الأغبياء فقط، أن البلهنية التي ترونها في الغرب الرأسمالي سابقاً إنما تتأتّى من مخالفتين لأسس ومبادئ الاقتصاد الأساسية، ولذلك لن يستمر مفعولهما لسنوات قادمة وهما : أولاً، الاستدانة المستمرة وهو ما يعني أن الفرد هناك ينفق أكثر مما ينتج حتى أصبح مديناً بعشرات أو مئات ألوف الدولارات ــ فالفرد الأميركي مثلاً ينفق سنوياً منذ ثلاثين عاماً 5 آلاف دولاراً أكثر مما ينتج. وثانياً، الدولارات الزائفة حيث تشارك الدول الرأسمالية سابقاً الولايات المتحدة في نهب العالم من خلال الاقتصاد الريعي ــ في الاقتصاد الريعي المركز لا ينتج والأطراف تنتج. في مثل هذه الحالة الفريدة والتي هي خارج مسار التاريخ يتحدث المثقفون في البلدان المتخلفة ومن باب رفضهم للنظام الدولي القائم، يتحدثون عن الإمبريالية والرأسمالية والدعوة لتحرر وطني. هؤلاء الرافضون للنظام الدولي القائم شركاء أصيلون للمدافعين عنه في الخيانة. هم خونة ليس لأنهم مثقفون فقط بل لأنهم يبيعون أفكاراً فاسدة بحكم التقادم وانقضاء صلاحيتها.

ما يُستغبى فيه هؤلاء المتثاقفون الذين يدافعون عن النظام الدولي القائم هو أنهم ما زالوا يجهلون الوحدة العضوية للعالم كله التي التحمت منذ أن طوى النظام الرأسمالي العالم كله في أحضانه قبل زهاء ثلاثة قرون، تلك الوحدة التي كرسها كارل ماركس وأسس عليها ثورته الاشتراكية فكانت ثورة اشتراكية واحدة لكل العالم. يُستغبى هؤلاء المتثاقفون حين يعترضون على اقتصار عنايتنا بالنظام الدولي القائم معرضين عن العناية بالأنظمة العربية المتهالكة. يتساءلون لماذا نجهد فكرياً في البحث والتحليل في النظام الدولي ونظن بكل جهد في تحليل الأنظمة العربية !! يحتجون ويتساءلون لأنهم لا يعلمون بأن الأنظمة العربية بمختلف ألوانها وأشكالها لا تنفصل ولا يمكنها أن تنفصل عن النظام العالمي. لم يتعال أوار ثورة التحرر الوطني 1946 ــ 1972 إلا بعد خروج الاتحاد السوفياتي من الحرب العظمى الثانية كأقوى قوة في الأرض. وما كانت تلك الثورة لتنهار وتفشل في تحقيق أهدافها الكبرى لولا انهيار الثورة الاشتراكية والمعسكر الاشتراكي. وهل كانت عصابات مغلقة (Closed Circles) كعصابة الأسد في سوريا وعصابة صدام في العراق لتخطف السلطة لو استمرت الثورة الاشتراكية في صعود مضطرد؟ وهل كانت الولايات المتحدة لتؤيد الإنتفاضات العربية اليوم ضد العصابات الحاكمة في البلدان العربية لو أنها ما زالت دولة رأسمالية إمبريالية؟ وحينما يفلس هؤلاء المتثاقفون في الدفاع عن النظام الدولي القائم ينثنون إلى الهجوم الحاقد على الاشتراكية بادعاء سخيف منقول من كتب المخابرت البريطانية السافلة يقول أن ستالين مجرم وسفاح قتل الملايين من السوفييت؛ يلغون بهذا اللغو الغبي دون أن يبرروه ولو بحادثة صغيرة واحدة. وأحد الخونة منهم يزعم بأن ستالين كان قد أفرغ الماركسية من محتواها الإنساني متناسياً، هذا الخائن لأهله والناس، أن ستالين هو القائد الوحيد في التاريخ الذي بنى إمبراطوية للطفل ومملكة للمرأة حتى باعتراف أعداء الاشتراكية، والطفل والمرأة هما أكثر المستضعفين من بني الإنسان؛ وأن ستالين له الفضل الأكبر في حماية الإنسانية من غول النازية البشع وفي حماية اليهود وهم المضطهدون في الأرض عبر التاريخ. عن أي إنسانية يتحدث هذا الخائن لأهله والناس.
ثمة من يطالب من بين المثقفين والمتثاقفين العرب ببناء مشروع قومي نهضوي. مثل هؤلاء المتثاقفين ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل (لاحق الشتا بفروة). المشروع القومي النهضوي كان مشروعاً شرعياً إبّان حركة التحرر الوطني في الربع الثالث من القرن العشرين، أيام ما كان هناك امبريالية في العالم وكان مقابلها معسكر اشتراكي قوي. إذّاك أرادت الدول المستعمرة والتابعة أن تفك روابطها مع مراكز الامبريالية وتبني استقلالها السياسي والاقتصادي تحت مظلة الحماية السوفياتية. اليوم ليس هناك من إمبريالية ولا تبعية إمبريالية ولم يعد هناك أية معاني للإستقلال، كما لم يعد هناك معسكر اشتراكي يساعد على بناء الاستقلال الاقتصادي. على هؤلاء المتثاقفين القوميين أن يدركوا بطلان دعواهم وهم يرون مختلف الدول صغيرها وكبيرها على حد سواء تتنافس في استجلاب رؤوس الأموال الأجنبية لتوظيفها في بلادها، لاستغلال قوى العمل العاطلة لديها، وهي ذات رؤوس الأموال التي تكبدت القوى الوطنية ضحايا وخسائر جسيمة في ثورتها لطردها من بلادها كونها آنذاك قيداً رئيسياً من قيود الاستعمار. أميركا تدعو الصين اليوم لتوظيف أموالها في بلادها، ومصر تدعو انكلترا، وأثيوبيا تدعو إيطاليا. مختلف الدول تدعو لإعادة الاستعمار إلى بلادها وأصحاب رؤوس الأموال يعزفون عن تلبية الدعوة. اقتصادات الدول المختلفة إنما هي ليست أكثر من فروع للإقتصاد العالمي، كما أن عملات مختلف الدول إنما هي مسكوكات تمثل الدولار. إزاء مثل هذه الحقائق الماثلة في الاقتصاد الدولي فإن كل دعوة لبناء مشروع قومي نهضوي إنما هو خيانة للتاريخ، والخيانة هي من طبيعة المثقفين كونهم طليعيي البورجوازية الوضيعة.

www.fuadnimri.yolasite.ccom



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغو البغو تلغيه وقائع التاريخ
- نذر الكارثة الإقتصادية تقرع طبولها
- الإفساد بالأدلجة
- نقد فظ لشيوعي ناعم
- ماذا عن وحدة اليسار
- الإشتراكية والديموقراطية
- لن تكون رأسمالية في روسيا
- إنتهت الرأسمالية إلى الإنحلال وليس إلى الثورة !!
- حاجة العالم للينين مرة أخرى
- ماركسيون بلا ماركس
- لماذا الأول من أيار !؟
- المتلفعون باليسار واليسارويّة
- العقبة الكبرى أمام استئناف العمل الشيوعي
- الحرية ليست إلاّ شرطاً ظرفياً يستوجبه فقر أدوات الإنتاج
- فؤاد النمري في حوار مفتوح حول: القراءة اللينينية لماركس المت ...
- ماذا في مصر وفي تونس
- حزب العمال الشيوعي يعادي الشيوعية
- الكارثة الكونية الوشيكة (انهيار نظام النقد العالمي)
- الدكتور علي الأسدي يغطي على المرتدين والمحرفين السوفييت
- نهاية التجربة الإشتراكية لدى علي الأسدي


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - المثقفون وسقوط التاريخ