أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - غسق برازيلي














المزيد.....

غسق برازيلي


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 20:34
المحور: الادب والفن
    


كانت عيناي تودعان الشمس، كما في غسق كل يوم، وهي تغطس منطفئة في ضفة البحر البعيدة، عندما تقدمت مني بخطى مترددة لتقف على طرف زاوية نظري ولتقول بهمس متلعثم ((أنا في غاية الامتنان لقبولك صداقتي على صفحتك في الفيس بوك... يا أستاذ)).. لم أجبها بشيء لأني كنت مستغرقا في تشييع آخر خيوط الشمس الوردية التي كانت تلملم أطرافها من صفحة الأفق، فأكتفيت بأن أفسحت لها مجالا لتجلس إلى جانبي لتشاركني تأمل تلك اللحظات دون أن ألتفت إليها للتأكد من ملامحها. إحترمت صمت لحظتي تلك وجلست إلى جانبي دون أن تقول كلمة أو تأتي بحركة، رغم أن قربها مني، (بسبب ضيق المكان على الصخرة التي كنت أتخذ منها مقعدا لمساءاتي تلك) قد أسمعني تسارع أنفاسها الذي عكس سرعة خفقان قلبها بسبب لهفة ما.
بعد تمدد رمادية المساء على صفحة الأفق إستدارت لتنظر في عينيّ ولتعيد عليّ كلمات شكرها فأجبتها بكلمات شكر لم تكن تتوقعها، فقالت بدهشة خجل أشعلت برونزية وجنتيها بشفق وردي شفيف ((أنا من يجب أن أشكر كرمك على قبول صداقة إنسانة مغمورة مثلي أنت الكاتب الكبير...)) فقاطعتها بسؤال لم تكن تتوقعه لأخرجها من حرجها ((كيف تصنفين لون بشرتك، الذي لطالما حيرني تصنيف لونه بسبب إنعكاسات إضاءة المصور الذي إلتقط لك صورة صفحتك في الفيس بوك))؟ فقالت ببداهة من كان ينتظر سؤالا متوقعا ضمن مقرر دراسي ((برازيلي))! حدقت في ملامحها متمليا فقلت برعشة كانت قد عطلتها سنوات وحدتي الثلاث الماضية ((أنت غسقا برازيليا فعلا)) فأطرقت لتلملم هي الأخرى شفق وجنتيها الوردي قبل مداهمة الليل لعزلتنا تلك.
*********************************
كنت معطلا حينها تماما وأحس إني أتبدد على حافة منفى منسي. صباحات كثيرة تكدست بين طيات ستائر غرفة نومي وعلى شباك صالة الجلوس دون رعشة إنتظار واحدة.. كانت أيامي مقسومة بين رفوف المكتبة وشاشة الحاسوب التي أسطر على صفحاتها كتاباتي ومخططات كتابات أخرى أعتزم إنجازها.., أما ليالي تلك الصباحات فلم يطرقها ذئب واحد لتدبر أمر شؤونها، ولو من أجل لثغة عواء واحدة بوجه أقمارها البعيدة.
********************************
كان إسمها سحر؛ وكانت تبحث عن موقع لقدميها على خارطة رسمت تضاريسها على عجل، كما كنت أقدر أنا لا هي.
في سكون ذلك الغسق، حدثتني عن إشارات مرور الطرق البحرية ومحطات توقف السفن في عرض البحر لتوزيع الأحلام على منتظرين بلا أرصفة، فقاطعتها بالسؤال عما إذا كانت هي بين صفوف أولئك المنتظرين، فقالت بتهكم مكتوم بإبتسامة مشرقة، رغم إنها لم تملأ مساحة وجهها كلها ((وأين سيقف المنتظرين إذن إن كنت أنا بينهم؟ بل أنا رصيفهم يا أستاذي الجميل))! وأطلقت قهقهة هادئة ومكتومة الجلجلة. وبعد أن أفرغت أحلام جميع السفن التي مرت بنا تلك الساعة، سألتني بتصميم أعمى على الاهتداء إلى طريقه ((أي صنف من الأحلام تنتظر يا...)) فقاطعتها بضربة حيث كانت لا تتوقع ((بل قولي أي رصيف أنتظر وفي عرض أي بحر...)).. ورغم الحمرة القانية التي ألهبت برونزية وجهها الشفيفة، إلا أنها رفعت عيناها لتبحث في عينيّ عن هوية إشارات كلماتي، فتجاهلت سؤال عينيها لأتم جملة إشاراتي ((ألم يكن بين تلك الأحلام التي وزعتي حلم رصيف أرسم عليه موضعا لندائي))؟
عادت لإطراقتها في ظلمة الليل، الذي تسلل في غفلة مني ومنها ليغيّب بسكونه صفحة ملامحها عني، وصمتت لتترك لأذنيّ خفقات قلبها المتسارعة وحفيف الإرتجافة الخجلة التي عبرت عنها حركة كفيها وهما تفركان رعشة أصابعها التي كانت تبحث عن متكأ لإرتجافاتها في عرض بحر صرت أسمع حفيف أمواجه أقرب من عتمة المساء.



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حنيننا بقعة ملح
- المدونة الأخيرة لوجه القمر
- خيط دخان
- مدونة أخرى لاجتراحات رمل الحكاية
- منمنمات لا تقبل التأويل
- خيار الشعب التونسي... والغنوشي باشا!
- تونس ما بعد التغيير والازمة النائمة
- الثورة التونسية ومشروع الهيمنة الدولية
- قاب تنهيدتين أو أقرب
- خط أزرق تحت وهج التاريخ العربي(هل نحن ظاهرة لفظية؟)
- طفولة الأشياء
- قصيدة دائمة: جدل مناوب
- تبرعوا للسيد المالكي يرحمكم الله!
- الحصانة الوطنية ضد الأحزاب
- أطلق سراح هويتي أيها الوطن
- الفساد من ثقب قفل البرلمان
- سأعيد كرّة الغرق في عينيك
- الوجه الثاني للانتخابات العراقية
- وعود انتخابية للبيع!
- لماذ القائمة المغلقة؟


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - غسق برازيلي