أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - معطف الشقيق الأكبر














المزيد.....

معطف الشقيق الأكبر


زهدي الداوودي

الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 01:39
المحور: الادب والفن
    



قصة قصيرة

كان الشقيق الغني هو الأكبر وأما الشقيق الآخر الأصغر، فكان الفقر قد كتب على جبينه بخطوط كبيرة من حيث يريد أو لا يريد. كان مصيره الذي كتبه قدره لا يزعجه، إذ أن الأمور بيد الله لا يمكن لأحد من بني البشر تغييرها، بيد أن الشيء الذي كان يزعجه دائما وأبدا هو هذه الكبرياء الفارغة التي يلف بها شقيقه نفسه: هو القادر على كل شئ، هو الغني الذي رزقه الله، هو الذي لولاه لمات العديد من الفقراء الذين يرأف بهم ويسد حاجاتهم. إنه يواكب هذه الأعمال بعنجهية مفرطة تصاحبها أوامر مطلقة لا يمكن لأحد، مهما كان، أن يواجهه بكلمة انتقادية طفيفة. هكذا كان يفكر كريم، الأخ الأصغر الذي قرر ذات يوم أن يقف في وجه الأخ الأكبر الذي هو بمثابة الأب في عرف القبيلة. إنه يجب أن يكسر شوكة شقيقه أمام أقرانه بالذات، ليس حقدا عليه أو حسدا منه، كلا أبدا. حتى أن شقيقه الأكبر يعرف ذلك جيدا.
وكان كريم، الشقيق الأصغر، يؤكد دوما أنه ليس بحاجة إلى شقيقه الأكبر، الذي في الحقيقة لا يتوانى في مساعدة شقيقه الأصغر، بيد أن ضعف الشقيق الاكبر الشديد المعروف عنه، يكمن في تكرار مباهاته والمبالغة فيها إلى حد الازعاج.
يؤكد أهل القرية، الذين اطلعوا على الحكاية بحذافيرها كالعادة، أن القصة بدأت كما يأتي:

ذات يوم ممطر خطف القدر أحد فلاحي القرية المجاورة. وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء القرى الاخرى. وقبل أن يتم القيام بأعمال الدفن التي لا تقبل التأجيل في العرف الاسلامي الحنيف، تحزم أهل القرى للمشاركة في التأبين في أسرع وقت ممكن. ولما كان الفلاح الفقيد غنيا فلاشك من وجود الوليمة بعد مراسيم الدفن. وإذا كانت الوليمة موجودة، فلابد أن تعقبها جلسة طويلة يتجاذبون فيها أطراف أنواع الأحاديث. وكالعادة وقف على رأس وفد المعزين الأخ الأكبر. كان المطر لا يزال يهطل ببطء، بحيث لا يؤدي إلى البلل التام. رأى الأخ الأكبر شقيقه الأصغر كريم بين الحشد وهو بلا سترة تقيه شر المطر، فأوعز إليه بسرعة أن يذهب إلى بيته ويطلب من زوجته أن تعطيه معطفه الثاني ثم يأتي ويسير إلى جانبه. فعل كريم ما أراده منه شقيقه الأكبر. وبدأ الوفد بالسير باتجاه القرية الموعودة. كان المطر قد انقطع عن الهطول بعد أن ترك بضع زخات متفرقة على أجساد السائرين حيث ما لبثت أن تبخرت.
مرت دقائق طويلة أطبق خلالها الصمت على الجمع. أراد الأخ الأكبر أن يثبت إحسانه وفضله على شقيقه الأصغر بين الحاضرين، قال باعتداد:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
هز كريم راسه بالايجاب:
"طبعا كاكه، لولا معطفك لبللني المطر"
قال ذلك رغم معرفته التامة بأن المطر لم يبلل أحدا. وشاركه الآخرون رأيه، دون أن يعلقوا على الأمر، إذ أنهم يعرفون العادة الجارية التي تمنع التدخل في شؤون الشقيقين اللذين لاشك سرعان ما يتصالحان ويبقى الخذلان للمتدخل.
بعد مسيرة قليلة هبت زخة مطر طفيفة. تنفس الشقيق الأكبر الصعداء قائلا:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
قال الأخ الأصغر كريم كما لو أنه يستعد للقيام بعمل ما:
"طبعا كاكه، لولا معطفك لبللني المطر"

وطال موضوع بللك وبللني. وأصبح هو المهيمن على الجو، دون أن يتجرأ أحد على تبديله. اقترب الجمع من القرية. وكان الصمت لا يخرقه سوى الشقيق الأكبر. اقتنع هذا بأنه تمكن من إفهام الجمع بأنه هو المهيمن ليس على أسرته فحسب، بل على القرية كلها. وشعر الشقيق الأصغر كريم بكل ما يمر برأس شقيقه الأكبر الذي امتلأ غرورا وغطرسة. تساقطت قطرات قليلة ما لبثت أن تبخرت من على الملابس. وكانوا قد بلغوا بركة من صنع الطبيعية تجمعت فيها مياه الأمطار، عند ذلك قال الشقيق الأكبر متباهيا:
"هل رأيت يا أخي كريم؟ لولا معطفي لبللك المطر"
في تلك اللحظة بالضبط حدث ما لم يكن في حسبان الجمع: قفز الشقيق الأصغر إلى منتصف البركة وراح يتناوب في الغطس مكررا:
"يا كاكه مهما هطلت الأمطار، لما تبللت كالآن.. لما تبللت..لما تبللت.. هاك خذ معطفك، لا شكرا لك ولا شكرا لمعطفك"



#زهدي_الداوودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى روح الشهيد جالاك سعيد مجيد
- رجاء، أوجدوا هذا المخطوف
- ذكريات مع مظفر النواب
- أسطورة أسمها عرفة
- تحولات من نوع آخر
- حركة الشباب: قوة محركة جديدة
- الزمن الرديء
- إلى الصديق ييلماز جاويد
- بين الديمقراطية والفوضى يسقط الظل
- صديقي العزيز كاظم حبيب
- زهرة الثلج
- نخب الشعب المصري العظيم
- المثقف المصري والانتفاضة
- ثورة أهل الكهف
- لمحة عن تطور الكورد منذ أقدم العصور
- موضوعات حول التيار الديمقراطي العراقي
- من تاريخ الحركة العمالية العالمية صعود وأفول حركة سوليدارنوش ...
- وداعا محي الدين زنكنه
- فصل من رواية -ذاكرة مدينة منقرضة-
- وزراء أم بلطجية


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زهدي الداوودي - معطف الشقيق الأكبر