أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أبو العباس ابرهام - نهاية العود الأبدي















المزيد.....

نهاية العود الأبدي


أبو العباس ابرهام

الحوار المتمدن-العدد: 3451 - 2011 / 8 / 9 - 18:04
المحور: كتابات ساخرة
    


اليوم انتهت إحدى مهامي الكبيرة. منذ سنوات و أنا أحاول أن أفند دافيد جايمسون عندما قال بنهاية الأصالة. منذ أن أطلق فوكوياما صرخته بنهاية التاريخ (لم يكن أصيلا في الفكرة فهو يعترف بأنه أخذها من هيغل و من كوجيف) و المفكرون مهووسون بأحاديث النهايات. نهاية التاريخ. نهاية الحداثة. نهاية السرديات الكبيرة. نهاية الرواية. فوكوياما. فاتيمو. ليوتارد. دريدا...

جاء الماركسي العنيد، دافيد جايمسون، و قال أن كل شيء أصيل قد انتهى من العالم. لن يأتي أحد بفكرة جديدة. لقد استهلك العالم أغراضه. و إذا كان قس بن ساعدة قد صرخ في العصر الجاهلي بأن "كل ما هو آت آت" فإن جايمسون قد صرخ بعده بأن "كل ما هو آت قد أتى". نحن نعيش في زمن الإعادة: انتهت الأصالة في الأدب و الفن و التكنولوجيا و السياسة و كل شيء. و تماما كما في نهاية تاريخ فوكوياما فإن التاريخ انتهى ولكن الأحداث لم تنته. عند جايمسون أيضا انتهت الأصالة ولكن الإبداع لن يتوقف: سيأتي من خلال إعادة أو مزج أو تقليد أو السخرية من الأنماط التي كانت سائدة.

تكاد هذه النظرية تكون مطلقة عكس نظرية مارك تواين الممضوغة كثيرا بأن "كل شيء نسبي بما فيه نظريتي هذه". و بالنسبة لنظرية نهاية الأصالة فيمكنني أن أقول أن "كل أصالة منتهية حتى نظرية نهاية الأصالة" (باستثناء أصالتي في صياغة هذه القاعدة) فقديما أطلق عنترة بن شداد نظرية نهاية الأصالة. إن ابن شداد ليس رجل نظريات كما تشهد بذالك أفعاله من فوق الأدهم، فرسه الشهير، الذي تحيط به رماح الذبيانيين الأعداء كأنها أشطان بئر في لبانه. كان عنترة بالأساس محاربا و عاشقا في وقت الفراغ، ولكن نظرية نهاية الأصالة تسللت إلى عقله البدوي البسيط فأفرزها في شطر بيت: "هل غادر الشعراء من متردم".

اعتقد عنترة أن الشعراء أغلقوا أي منفذ لأصالة ممكنة و كان عليه هو شق منافذ الشعر كما كان يفعل في المعارك لإيجاد أي بدعة شعرية ممكنة. في غضون تحقق ذلك فإن "كل ما هو آت قد أتى". و كانت هذه الفكرة تجول في العقول الهندوسية و في "تناسخ الأرواح. في القرن التاسع عشر نضجت الفكرة بما يكفي في عقل نيتشة الذي تحدث عن العود الأبدي. إن كل شيء هو تكرار لشيء قد أتى. و كل شيئ مضى سيأتي من جديد. و كما نعلم فإن بيتر ليندز (الشيئ الذي يمنع الكثيرين من تسميته عالما فيزيائيا هو أنه مولود في 1975- و لكننا نقول إنه عالم بلغة غاليليو) أثار ضجة منذ سنوات عندما قدم مقابلا في الفيزياء النظرية لقصة العود الأبدي، فقال بارتباط الزمان و المكان و بأن تحطم الكون سيؤدي إلى أن يأخذ الزمان مسار رجعيا فتعود الأشياء برجعية الزمان. و لم يكن هنالك زغلول النجار ليتلقط هذا و هو في الهواء و يقول إنه مراد القرآن من "هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده".

الخلاصة: كل شيء جديد هو قديم. و بالتالي ليس هنالك جديد. طبعا أنا لم أقتنع بهذا. و بدأت منذ سنوات، مستعينا بآلية بدائية أواجه بها الآليات الجبارة لما بعد الحداثة و هي: المنهج الاستقرائي، مع الترحم على روح روجر بيكون. و رحت أبحث عن كل فكرة في الكتب و الأحاديث و الأسفار علني أجد فيها أصالة. أصابتني الكتب بضيق التنفس و ضعف النظر و أنا لم أتغلب على العود الأبدي و دائرية الأصالة. قالت الأديان السماوية و الماركسية و التحليل النفسي أن العالم خطي: له بداية و نهاية. و كان هذا يغري بإمكانية التكرر مادام التاريخ لا يدور كما يقرر فيكو أو هيغل. و لكن في الممارسة لم أر جديدا غير قديم.

تركت الكتب و اتجهت للأسفار علني أصيب غايتي و قال لي حكيم تحت الشجرة أن مترا من الأسفار يعادل خمسة كتب. أنهكتني الأسفار تحت شجرة تبعد آلاف الأميال من شجرة الحكيم، ولو كنت نظرت في كتاب واحد لقال لي أن الأرض كروية و أن الأسفار لن تعيدك إلا نقطة انطلاقك.

أخبرني حكيم قبيل موته أن الأصالة موجودة، وقال لي وهو يهذي: عليك بكلام السياسيين المجانين. و من حينها و أنا أتابع السياسة الموريتانية. و في مرات عدة اعتقدت أنني وجدت الكنز. ثم دوت خيبة الأمل. و عندما قال ولد الطايع سأصلح البلاد ثم حرقها اعتقدت أن الأمر أصالة فإذا بنيرون قد فعلها. و عندما قال "عفيت و عفيت" و جدت أنه قال قبلها "يفتي يفتي" و قبلهما قال غوبلز "اكذب اكذب". و أخذتني الحمى و تدثرت. و قلت أنتظر مغادرة الرجل.

و عِنْدِمَا جاء "أعلي" وجدت أنه قد جاء قبلها: عسكري بشارب كث يتتعتع، ثم يغادر. قام نظرية "موت الأصالة" بذبح كل ما قام به إلى ذبح الافتخار بما قام به. و عندما جاء الشيخ الوقور لم يمش العود الأبدي: لا في العطش و لا المظاهرات و لا التذمر. و في الإنقلاب على الشيخ وقف مذنب العود الأبدي قادم من ليلة ليلاء في مايو 1978.

ألقيت بنفسي على المخدة و جمعت رأسي في راحتي لما جاء عسكري الألفية وقلت "إن كان خير ففي هذا. سيأتي هذا بما لم يأتي به الأولون". و في كل مرة كان يتكلم أو يفعل كنت أصرخ بأن هذه هي البدعة التي لا سابق بها. و كان التاريخ يمسكني من تلابيبي و أنا في غمرة النشوة ليعيد لي خيبة الزمان، وكنت أسمع صرخة نيتشة قبيل جنونه في حادثة الحصان وهي ترن في دماغي كصوت متهم ملقى في جب إيفان الرهيب.

و عندما نطق العسكري بهرطقة "إطلاق السراح مقابل أكل الأرز" أشار التاريخ إلى جنكيز خان. و عندما تحدث عن "ضرورة تقاعد السياسيين الكبار" أشار إلى هولاكو. عندما تحدث عن حكمه لبلاد قال أنه لم يسير بها مصلحة أو شأنا قبل ترأسه لها بالقوة لها كان ذلك هو المتردم الذي لم يغادره هتلر قبل أن يدكه دكا. و عندما تحدث عن "الهجرة الريفية إلى المدن من أجل الأمطار" كان قراقوش قد نام قبله عليها.
رفعت رايتي البيضاء مستسلما: لن يأتي شيء إلا وقد أتى.

و بينا أنا نائم في إحباطي الدامس إذ أيقظتني البشارة: لقد تحقق اليوم ما لم يأت به الأقدمون و ما لم يحلم به العود الأبدي. في الصباح الباكر كتب حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"الحزب الحاكم في موريتانيا، بدعته الرائدة: عبر عن استياءه من أن حزبين معارضين يريدان إفساد المعارضة. هنا مربط فرص الأصالة. إن حزب الإتحاد من أجل الجمهورية هو أول كيان، منذ الانفجار الكبير، يطالب أعداءه بالتوحد من أجل محاربته إنه أول محارب في التاريخ يستاء من تشرذم أعداءه. إنه أول مسافر يهاجمه العيارون فيقول لهم: الرجاء انتظموا و توحدوا حتى تغنموا بي. إذا بقيت متفرقين فسوف لن تحققوا إرادتكم تجاه عدوكم.

هذا هو المتردم الذي لم يصل إليه الشعراء. هذه هي الأصالة التي لم تمت. شكرا للحكيم الذي وجهني للبحث عن المتردم بين المجانين.
اليوم انتهت إحدى مهامي الكبيرة.



#أبو_العباس_ابرهام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة العربية: استمرار الدروس
- الثورة التونسية: في انتظار اكتمال الدروس
- آخر تقمصات كارل ماركس: إلى أين وصل باراك أوباما؟
- قراءة في فكر نصر حامد أبو زيد


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أبو العباس ابرهام - نهاية العود الأبدي