أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - إنتروبيا العلم والسياسة















المزيد.....

إنتروبيا العلم والسياسة


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 18:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأسماك الميتة وحدها هي التي تسبح مع التيار، هل تشك

في ذلك؟ أتمني، فمن الحماقة أن تبدو واثقاً من كل شيء بينما أحكم الناس
تملؤهم الشكوك.



الشك هو طريق العلم وسبيل اليقين ومفتاح المعرفة وبوابة الحكمة ومعيار الوجود

وسر الحقيقة ومعني الحياة. أقصد هنا الشك المنهجي الذي هو طريق الفهم والرؤية
والعلم والفلسفة والسؤال، الشك هنا هو الحياة نفسها، وهي بطبيعتها معقدة.



ربما استحالت أكثر تعقيداً مالم تكن لدينا القدرة علي فهم واستيعاب كيف تتكون

وتعمل وتتصرف الأشياء والأحداث والكائنات حولنا. وهذا لن يتأتي إلا بالعلم

وقانونه ومنهاجه، وعلينا أن نتصالح مع العلم حتي نتصالح مع أنفسنا ومع الناس

والدنيا والكون. أن تفهم فهذه ميزة وهبة، وأن تعرف فتلك فضيلة وأن تفكر فأنت

تستحق إنسانيتك، وعليك أن تعلم أنه في كل الأحوال لا حول لك ولاقوة دون فهم
أومعرفة أوتفكير أوعلم.



إن أسئلة الوجود حولك كثيرة وقديمة وأبدية وأنت لا يمكنك أن تلوم الظروف والأيام

والسياسة والحكومة دون أن ترفع إصبع الإتهام نحو ذاتك وتواكلك وقعودك. إن

الطبيعة حولك كتاب مفتوح وهو نادراً ما يستهويك للقراءة والتصفح والتدبر
والتفكير.



ولقد تعودنا جميعاً أن نمر علي ظواهر

الكون والأشياء فلا نعبأ بها ولا نتفكر كيف لهذا العالم المادي حولنا أن يستمر

ويعمل ويتجدد. نحن نري الأشياء لا بعيوننا وعقولنا وإنما بصور ذهنية كوناها بحكم

العادة والتكرار فأصبحنا من خبراتنا وتجاربنا نعلم أنه يمكن لورق الشجر والخشب

والفحم والزيت أن يشتعل في الهواء بينما ذلك لا يحدث مع حبات الرمال أو مكعبات

الثلج. واعتدنا أن نري أمواج البحر في مد وجذر بينما هذا لا يحدث في النهر، ورأينا

عشرات المرات كيف تمزق الجسم الصلب للسفينة "تايتانيك" عند إصطدامها

بجبل الثلج وإذا بها تغرق، ولم نتساءل ولماذا لم يحدث العكس بأن تلتئم أجزاء

الجسم الصلب تحت المياة فتطفو السفينة وتعوم من جديد. ألم تسأل نفسك مرة لماذا

مكتوب علي كل الكائنات الحية أن تموت يوماً ما؟ وغيرها أسئلة كثيرة. ربما دارت

في أذهان العلماء ولم يخطر علي بالك يوماً أن تعيرها اهتمامك وأن تفهم لماذا

تسقط التفاحة من الشجرة ولا يحدث العكس، ولم تسأل نفسك لماذا يشيب الولدان

ويتحولون من الشباب والفحولة إلي الكهولة والشيخوخة والموت، ألم تتساءل ذات مرة

بينك وبين نفسك أو حتي بينك وأصدقائك ومعارفك كيف نشعر بمرور الزمن ووقع أقدامه
علي أجسادنا وجوارحنا والحياة حولنا دون أن نراه أو نلمسه.



إنها قوانين الحياة والطبيعة يا عزيزي وأنت تشاهدها آلاف المرات دون أن تقترب من
معانيها ودلالاتها.



هناك من قوانين الطبيعة ماهو محتوم علينا طاعته حتي يمكننا أن نعيش، ومنها ما

يتوجب علينا مقاومته حتي تستمر بنا الحياة. وعليك أن تعرف أنه ليس هناك واحدة من

المتراكبات الكيميائية في أجسادنا أو الداخلة في تكوين الأشياء التي نحبها

ونألفها حولنا، يمكنها أن تبقي وأن تستمر حتي ولو جزء من الثانية ما لم يمكنها

مقاومة القانون الثاني للديناميكا الحرارية وإعاقة قابليته ورغبته في التحقق

والحدوث. القانون الثاني للديناميكا الحرارية " الثرموديناميكس" هو سر

الأسرار الذي اكتشفه العلماء وقننوا له في منتصف القرن التاسع عشر، منهم كلفن

وجول وكارنوت وغيرهم. إنه القانون الذي يفسر معظم هذه الظواهر، ليس هذا فحسب

وإنما يمكنه أيضاً أن يفسر مفاهيماً استقرت في وجدان الناس وأذهانهم عن الاقتصاد
والاجتماع والإصلاح والسياسة أيضاً.



القانون الثاني ليس مجرد فكرة علمية غريبة وإنما هو معني بتفسير كثير من الأحداث

والأفعال والظواهر وكل ما يحدث وتقع عليه عيوننا وأبصارنا، وربما لاتدركه

بصائرنا وأفهامنا. فإذا كان القانون الأول للديناميكا الحرارية هو قانون بقاء

الطاقة، ذلك أن الطاقة لا تفني ولا تستحدث من عدم، وهي يمكنها أن تتحول من صورة

إلي أخري، وأنت تري ذلك كل يوم إذ يحول دينامو سيارتك طاقة الحركة إلي كهرباء، بينما

يحول الموتور حرارة الاحتراق داخله إلي حركة، وهكذا.. أما القانون الثاني فهو

يشير إلي أن الطاقة تميل تلقائياً لتنساب من حيث هي مركزة إلي أن تنتشر وتمتزج

وتتسرب وتتوزع في كل الأنحاء التي يمكنها الوصول إليها، وكأنها تفتح باباً للتدفق

والانتشار والمشاركة وعدالة التوزيع واللامركزية. وبعيداً عن تعقيدات المعادلات

الرياضية والفيزيائية يمكننا أن نشير إلي أن ذلك القانون هو ما يقيس معدلات

الفوضي في النظام وفاقد الطاقة الذي يسمي معامل "الإنتروبيا" وبمعني
بسيط إذا كانت طاقة أي نظام فيزيائي أو هندسي أو حتي بيولوجي هي H فإن الجزء الأكبر من هذه الطاقة G

هو القادر علي إحداث تغيير أو تأثير أو شغل أو
تفاعل، والجزء الآخر المتناهي الصغر S

هو الذي ينتشر تلقائياً ولا تري له مردوداً مباشراً

علي ذلك النظام، إنه معامل التسرب وهو مقياس الخلل والفوضي في ذلك النظام، إنه

معامل الإنتروبيا. وإذا ما زاد تحول

النظام إلي فعل عشوائي أو فوضي، وسواءً كانت فوضي خلاقة أو هدامة فهي فوضي تخصم

من الطاقة الفاعلة في النظام والخلية والمجتمع والدولة وتشعرنا بوطأة مرور الزمن

وحتم النهاية. من هنا يأتي الخوف من المتغيرات المناخية والاحتباس الحراري

وزيادة حرارة كوكب الأرض، لأن في ذلك مؤشر علي زيادة الإنتروبيا وارتفاع معدلات
التلقائية والعشوائية وعدم الإنضباط وربما نهاية الحياة.



وهكذا يتضح لنا بالعلم أن المتغيرات التلقائية والمتعجلة وغير المدروسة دائماً ما

تكون مصحوبة بزيادة الانتروبيا والتي هي بالضرورة تعبير عن الخلل أو دلالة علي

عدم التراتب والإنتظام في أي نظام فيزيائي أو كيميائي أو بيولوجي أوحتي اجتماعي
وسياسي.



يزداد معامل الإنتروبيا أيضاً بزيادة حرارة التفاعلات وهذا ما نشاهده ونرصده في

حياتنا السياسية والحزبية والشأن العام، حيث تتحول الإنتروبيا إلي حالة وظيفية

قائمة بذاتها لإهدار طاقات المجتمع وقواه الفاعلة في القيل والقال وافتراضات

وتوقعات وتأويلات وتسريبات وألعاب صبيانية غير مسئولة، وكلها لا يمكن أن تشكل

قوة دافعة للنهوض أوالتحديث، بل تشكل معوقاً للإصلاح والتطوير والنهضة. إن

ارتجال السياسة وعشوائية المطروح في المجتمع من نميمة وشائعات وافتعال معارك مع

طواحين الهواء كما فعل "دون كيهوته دي لامانشا" في رائعة سرفانتيس

"دون كيشوت" كلها طاقة مهدرة لا مردود لها، وهي تفريغ لقوي كان يمكن

أن تكون دافعة للتقدم والتنمية، فتستحيل مع هذه المعطيات السياسية الهزيلة
والهزلية إلي إنتروبيا إن لم تؤخر وتهدد وتخصم فهي لن تقدم أو تضيف.



إن طاقات المجتمع السياسية التي تركز علي الشكل أكثر من تركيزها علي المضمون

والتي تعيد ترتيب أولوياتنا الوطنية طبقاً لمصالحها الفئوية الضيقة، وتشغل الناس

بصغائر الأمور وتلهيهم عن كبارها، ما هي إلا تكبير لمعاملات الإنتروبيا علي حساب
طاقات الإنتاج والتفاعل البناء والشغل والإصلاح والتقدم.



إلي هنا أحسبك قد عرفت الآن لماذا تموت الكائنات ومتي؟ ذلك عندما تتحول طاقتها

الكلية والنوعية والإيجابية إلي المكون الأصغر "معامل الإنتروبيا" الذي

يتزايد حتي يبتلع الحياة والتدفق والتراتب والنظام. وهكذا يفسر لنا العلم خطورة

الإنتروبيا التي تهدد حياتنا العامة في التعليم والإقتصاد والثقافة والاجتماع
والسياسة.


ولعلك قد فهمت الآن لماذا الأسماك الميتة وحدها يجرفها التيار؟ ولماذا يبدو

الحمقي واثقين من كل شيء لايداخلهم شك؟ ذلك أنهم خاصموا العلم واستبعدوا

الكفاءات والمؤهلين، وفاتهم أن يعرفوا أن الإنتروبيا ظاهرة كونية يحكمها قانون

الطبيعة الذي أخضع كائناً مايكون لحتمه، ومن أسف فالناس والمجتمع والسياسة
والأنظمة وحتي الدول أيضاً ليست استثناء من حكمه أو خروجاً علي قانونه وحتمه.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم واقتصاد المعرفة
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - إنتروبيا العلم والسياسة