أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - العلم شفرة النهضة ورهانها















المزيد.....

العلم شفرة النهضة ورهانها


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 02:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس صحيحاً أن العلم وسيلة مارسها الجنس البشري لتلبية حاجاته والتكيف مع الطبيعة وإخضاعها لإرادتة ونزعاته، فلو صح ذلك لكان إيذاناً بنهاية العلم بتحقق الغاية منه. لكن الملاحظ أن العلم قد استحال في عصرنا الحديث كائناً حياً، تلبس العقل البشري فسيطر عليه وحلق به في آفاق المجهول والمستحيل وغريب الطالع، وربما تحول في ذلك من وسيلة لتحسين الظروف وشروط الحياة ومحيط البيئة إلي غاية في ذاته، ومن هنا أصبح من الصعب النظر إلي التقدم العلمي من منظور واحد.

يتفق معنا في هذا "كارل بوبر" أحد أهم فلاسفة العلم والذي أصل لمفاهيم التقدم العلمي من منظور عقلاني تطوري، واضعاً في الاعتبار أن العلم كائن حي محكوم ببنية هي أشبه ما تكون بنظام بيولوجي متكامل تشكل العلوم الأساسية نواته وتحمل جيناته ومادته الوراثية وشفرة الحياة فيه، وتمثل علومه التجريبية قدرته علي النمو والتجدد والارتقاء والتطور والتراكم المعرفي، وهو أيضاً متأثر بمحيطه الثقافي والبيئي من نسق تعليمية وقيمية واقتصادية وتقاليد اجتماعية حاكمة. و يري "بوبر" أن أكبر معوقات التقدم العلمي هي في الأساس ذات طبيعة اجتماعية يمكن تقسيمها إلي عقبات اقتصادية وعقبات أيديولوجية.

في كتابه "أسطورة الإطار" الذي قامت بترجمته الدكتورة يمني طريف الخولي، يقول "كارل بوبر": قد يكون الفقر عقبة في سبيل التقدم العلمي، وقد لا تكون الأموال الطائلة هي وحدها السبب في الكشوف النظرية والتجريبية الكبري التي أنجزتها الإنسانية، بينما العقبات الأيديولوجية من تعصب فكري وجمود ديني وعدم الوعي بالتاريخ و محدودية الثقافة والافتقار إلي الخيال وضعف البنية الفكرية في المجتمع العلمي هي أكبر العوائق في طريق التقدم العلمي.

أردت بهذه المقدمة أن تكون مدخلاً لفهم واحدة من أهم عوائق التقدم في مسيرتنا الحضارية المتعثرة التي يسيطر علينا بشأنها ذلك الهاجس المراوغ عن أهمية التحول الديمقراطي والانتقال من السلطوية إلي الليبرالية بينما نغفل الحديث المنهجي عن أهمية تطوير وتحديث التعليم ومؤسساته والبحث العلمي واستراتيجياته والتي هي بمثابة منفذنا الوحيد إلي عصر المعرفة وآفاق النهضة والتنمية والتقدم.

نحن بالفعل في أمس الحاجة إلي أن يكون رهاننا للمستقبل نهضة علمية تقوم علي أساس الفهم العميق لطبيعة العلم باعتباره نسقاً اجتماعياً وثيق الصلة بالأنساق السياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، وألا يكون هاجسنا الأول نحو التقدم هو التحول الديمقراطي وحسب ، فالديمقراطية والإصلاح السياسي والتكيف الهيكلي ومأسسة الحياة السياسية ماهي إلا آليات في سبيل الحداثة والتقدم وليس كل شروطها، وينبغي ألا تستغرقنا الآليات عن الوصول إلي الهدف المنشود. فليكن مشروعنا للتقدم والنهضة هو الهدف، وذلك لن يتحقق إلا في إطار رؤية شاملة تعيد رسم الأنساق السياسية والثقافية والاقتصادية علي أسس منهجية تراعي شروط العلم ومتطلباته. رؤية سياسية تنتظم حبات العقد وتحول دون انفراطه، رؤية تخرجنا من إثار التقليد إلي رحابة التجديد، ومن الأثرة والذاتية إلي الإيثار والموضوعية، ومن تهاويم الخرافة إلي حقائق العلم، ومن صغائر الأمور إلي كبارها، ومن التأويل والتحقيق والعرفان إلي الإدراك والتجريب والبرهان.

إن التقدم العلمي لم يكن أبداً رهناً للديمقراطية والليبرالية، فعلي مرمي البصر منا تجارب علمية راقية ونهضة تكنولوجية مشهودة في بلدان ذات أنظمة شمولية تحكمية حتي وإن لفحتها رياح التغيير في النظام العولمي القاهر. وليس بعيداً عنا تجارباً لاتزال قائمة وشاهدة في دول الاتحاد السوفيتي السابق، والصين ، وروسيا الاتحادية والنمور الآسيوية. وأنا هنا لا أنكر أن النظام السياسي يؤثر تأثيراً بالغاً بتكوينه وممارساته علي المناخ الفكري للمجتمع، بل وعلي طبيعة العلم، ذلك الكائن الحي ذاته، لكن يبقي أن ذلك شيء والنهضة العلمية شيء آخر. وليس في ذلك دعوة للتسلط والدكتاتورية أو التسليم بتحكمات السلطة ومماحكاتها، وإنما هو محاولة للقفز علي واقع يزداد تخلفاً كل يوم ويصل فيه تردد الفعل الرسمي وترديه حداً تختلط فيه الأجندات ويتدني ترتيب الأولويات بما يجعلنا نؤخر شروط النهضة وإمكانها لنجعلها رهناً بتحقيق الديمقراطية وتفعيلها، غاية الأمر أني أتعجل التقدم العلمي والنهضة، خصوصاً أنه ما زالت لدينا قاعدة علمية يمكن البناء عليها بإعادة صياغة إمكاناتها وتحديد أولوياتها وضروراتها.

إن الراهن السياسي حولنا ورغم نجاحات هنا أو هناك لا يزال دافعاً علي الخوف والقلق ذلك أننا بين كفي رحي من تحديات الداخل، في تعثر مشروعنا القومي للنهضة وتفاقم مشكلاتنا الاقتصادية وإختلال البني الإجتماعية وتآكل الطبقة الوسطي وتسلط النخبة ومراهقة المعارضة ونفاد صبر الجماهير، وكذا تحديات الخارج في نظام عالمي قاهر تحول من صراع الأيديولوجيا إلي تحكم التكنولوجيا، نظام عولمي متوحش احتكر أسلحة الدمار الشامل واحتكر السوق وصنع قانونه الذي وصل توحشه حد ابتلاع الطبيعة والبشر وتقيؤهم سلعاً وأوراقاً نقدية وأسهم وسندات في اقتصاد افتراضي ونظام مالي أفلس وهددت أزمته العالم كله. ورغم ذلك فلا يزال لدينا القدرة إذا ما تحققت الرغبة الصادقة وقامت الإرادة ناهضة لوضع مشروع فكري للنهضة. ولم لا ، فالنهضة فعل تاريخي ينجزه البشر رجالاً ونساء شريطة أن يكونوا قادرين علي ذلك الفعل مدركين لضرورته وحدوده. إن النهضة العلمية عمل مؤسسي ثقافي سياسي وليس حلماً يوتوبيا يقفز فوق الحاضر أو يتجاوز متطلباته.

لقد تأخرنا بما يكفي ولامفر من الرهان علي العلم للحاق بالعالم المتقدم في عصر العولمة الذي قام علي أساس عملية الانتقال الكبري من المجتمع الصناعي إلي مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة، وأحسبنا قادرين علي ذلك شريطة أن نبدأ بعزم وإصرار وجدية، هذا هو سبيلنا الوحيد للنمو والمعرفة. وكما يقول "كارل بوبر" يتوقف نمو المعرفة، خصوصاً المعرفة العلمية علي التعلم من أخطائنا، وأحسب أننا لابد قاطعين شوطاً لا بأس به في سبيل التعلم من أخطائنا وعشوائية إدارة التعليم العالي والبحث العلمي التي أوصلتنا لفضيحة فقدان القمر الصناعي "إيجبت سات" وتدني نواتج مؤسساتنا البحثية رغم كوامن قدراتها.

لابد من وضع استراتيجية شاملة للبحث العلمي تتكامل فيها مؤسساته بدلا من تنافسها وتتخصص فيها وحداته بدلا من اشتباكها وتعتمد فيها برامج لإعداد الكوادر العلمية اللازمة للوفاء بالأولويات القومية ومتطلبات التنمية الشاملة من بعثات علمية مخططة وتعاون علمي وثيق مع العالم المتقدم وإنشاء آليات جديدة لتخطيط البحث العلمي وصناديق لتمويله واتفاقات دولية ومحلية فاعلة لربط المؤسسات العلمية ببرامج تطوير الصناعة والزراعة ومجالات الصحة والغذاء والطاقات الجديدة والمتجددة ومحاولات جادة للدخول إلي عصر وديان العلوم والتكنولوجيا ومراكز التميز علي أسس دولية وكود عالمي وإعادة هيكلة مؤسسات التعليم والبحوث بما يبتعد بها عن المظهرية والشكلية والاحتفال والارتجال، ورعاية شباب الباحثين علي المستويات العلمية والاجتماعية والفكرية التي تخرج بنا من حيز الفقر وأخطره فقر الأفكار وتصلب الرؤي وعدم إعمال القيم النقدية والتسليم بإمكان تعايش العلم مع الخرافة والتسطح والقعود.

وهذا كله ربما لا يكون كافياً لتقدم علمي منشود دون مشروع فكري متكامل لعصرنة الدولة وتحديثها، مشروع علمي للنهضة يدخل بنا إلي عصر اقتصاد المعرفة والذي فيه تتحول القيمة المضافة من مقدرات اقتصادية ومالية إلي معطيات تكنولوجية وتجريب واختراع وإبداع ومعرفة. وليس لنا إلا العلم ذلك الكائن الحي الفاعل لنوقظه من سباته وغفوته ونخرجه من عشوائيته وغربته، نسلمه مقاليد الصدارة ونمكنه من قيادها، فهو وحده "العلم" يملك شفرة النهضة وهو وحده رهانها.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - العلم شفرة النهضة ورهانها