أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - أنا أسعد رجل في الحارة















المزيد.....

أنا أسعد رجل في الحارة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 11:40
المحور: حقوق الانسان
    


تعرضت قبل مدة لأزمة نفسية وعصبية خانقة جدا اكتشفت خلالها بأنني سوبر مان حارتنا والرجل الحديدي الوحيد الذي يعيش فيها والوحيد المحسود على صحته وضحكته علما أنني كنتُ أحسب أهل حارتي يقولون عني كلاما غير هذا الكلام ولكن تفاجأت بأنني سعيد جدا ومحسود على سعادتي ..وأحسن الأيام هي تلك التي بقيت فيها أبحث عن أي عمل أقوم به منذ طلوع الشمس وحتى غروبه دون أن أجد شيئا أفعله فأفعلُ بنفسي أشياء كثيرة أظلمُ فيها نفسي وأنتقمُ فيها من نفسي بيدي وأسعد فيها نفسي فيدي بعض الأحيان بيدي أكسر نفسي وبيدي أصلح الكسر,وأحيانا أضحكُ فيها على نفسي حين أتجرع السم بيدي وباختياري , فبيدي وباختياري أضحك على نفسي وعلى غيري وأتخذ من قلبي ومن كلي ألعوبة للتسلية, أي أنني أظلمُ نفسي بيدي أكثر من ظلم الناس لي وحين يتحدث عني أهل حارتي أجدهم يقولون بأن جهاد أفضل واحد في الحارة وأشجع واحد وأقوى واحد وأغنى واحد ماديا ومعنويا لدرجة أن تجرأ مرة أحد الجيران فطلب مني أن أقرظه ألف دينار أردني بما يعادل 1500دولار أمريكي, ويقال عني بأنني أكثر رجل يسلي نفسه بنفسه ويلاعب نفسه بنفسه حين لا أجد من يلاعبني .

ولم أكن أعلم لماذا كل هذه المحبة وهذا الإطراء إلا مؤخرا, فكثرة المدح لي لا يعني محبةً لي بقدر ما تعني تقصيرا بحقي لكي لا أجد من يدعمني أو يسليني ساعة أشعر بالتوحد وبالتوحش وعدم الاستئناس بالإنس حين أمد نظري إلى الحيوانات الأليفة لألعب معها عوضا عن الإنسان الذي لا يأت منه إلا المتاعب..ويقولون عني :لا داعي ليسليه أحد, علما أنني أشعرُ بنفسي بأنني مثل الطفل الذي ما زال يشعر بالخوف وعدم الأمان وأحيانا أتمنى لو ترجع الطفولة لتطعمني أمي بيدها حين أكف يدي ونفسي عن الطعام وحين تكون نظرتي للطعام كنظرتي إلى كومة من النفايات مقرفة جدا ,وأحسبُ نفسي بأنني بحاجة لمن يمسح بيده دموعي حين لا تكفُ دموعي عن البكاء, وأجمل النسمات هي تلك التي مرت على وجهي وشعر رأسي حين أكون قد وصلت إلى مرحلة البؤس من كل شيء, وأجمل السنين هي تلك التي قضيتها بلا عمل وبلا شغل ومع ذلك كنت لا أدري من أين كانت تأتيني مصروفاتي البيتية, وأنا الآن أجلس مع نفسي أفكر في نفسي قليلا وأنسى كل العالم من حولي وأبقى هكذا حتى تصبح جفوني ثقيلة جدا وغير قادر على حملها فأدب في نوم عميق مغمضا عيناي وفاتحا فمي للذباب يلعب به كيفما يشاء, وأجمل الدقائق هي تلك التي أحيانا أخرجُ فيها قلبي من صدري بيدي وأدوسه برجلي لأجعله مثل قطعة عجين ملتصقة بالأرض, وأجمل المشاهد التي شاهدتها في حياتي هي تلك المشاهد التي فرحتُ فيها بيني وبين نفسي دون أن يتدخل أحد بإسعادي فأكذب على نفسي كثيرا وأصدق حالي كثيرا بأنني سعيد جدا بحياتي أشرب الشاي والقهوة وأتناول بعض السجائر لأجعلها تتطاير من فمي مشكلة فوق رأسي غمامة صيف حزينة.وحين يجلس أهل حارتي ليقرروا من هو أكثر رجل في الحارة سعيدا جدا في حياته دائما ما يقع الاختيار عليّ أنا شخصيا, طبعا لماذا؟...لكي لا يساعدني أحد ولكي لا يحسب حسابي في كل شيء, لذلك أهل حارتي يعتبرونني أكثر إنسان غني وسعيد في حياته العاطفية والجنسية والاقتصادية, وحين يحسب أهل حارتنا من هو أقل رجل عليه ديون مالية دائما ما يقع الاختيار على شخصي الطيب , وحين يحسب أهل حارتنا من هو الرجل الأكثر حرية في العالم كله دائما ما يقع الاختيار على شخصي الطيب, ولكن هذه الصفات ليست جيدة أو ليست بصالحي لأنهم بعد يوم أو يومين يقرر أهل حارتي بأنني سعيد جدا ومبسوط جدا ولست بحاجة للمساعدة.


وحين يتكلم أهل حارتي وأقربائي عن النور والضياء يقررون فورا بأن وجهي أكثر وجه في الحارة يشع منه النور لذلك لا يقدمون لي أي شيء يجعل من وجهي الحزين وجها سعيدا, أنا دائما أقع في مثل تلك المشاكل بيني وبين أهل حارتي, إنهم يضعون كل الصفات الممتازة في شخصي ويضعون كل صفات الكآبة في أنفسهم لذلك كل أهل حارتي يستحقون المساعدات العينية والنقدية والدولية والملكية إلا أنا لأنهم يقولون عني بأنني أكثر رجل مرتاح وأقل رجل عليه ديون مالية.
وفي الذكريات التي تشعلُ روحي تتحول الصور من صور ثابتة إلى صور كرتونية متحركة, وفي الذكريات وجع ليس كمثله وجع وألم ليس كمثله ألم, وأفضل الأوقات التي قضيتها في حياتي هي تلك التي كانت بين الكتب وبين ممارسة حريتي الشخصية والتعبيرية ولو لمجرد دقائق معدودة وليست ساعات لذلك يحسبني أهل حارتي بأنني أكثر رجل يتمتع بالحرية وبالديمقراطية لذلك دائما ما يطلبون مني بأن لا أشارك ولا في أي تظاهرة سلمية تطالب بالحرية وبالديمقراطية نظرا لأنني أكثر رجل في الحارة عنده حرية وديمقراطية على حسب ما يزعم به كل أهل حارتي من نساء ورجال وشباب وبنات, وأجمل الذكريات وأطيبها هي تلك التي أنسى فيها نفسي وأتذكر فيها الآخرون لذلك لا أحد يعطيني أي فرصة للتعبير عن نفسي وعن رأيي لأنني بنظرهم أكثر رجل يعبر عن نفسه على الشبكة العنكبوتية, وأطيب الأوقات العذبة هي تلك التي جلست فيها بيني وبين نفسي مرة أبكي فيها على حظي ومرة أضحك فيها على حظي, ومرة أضرب أخماسا بأسداس وأنا أقول بصوت عالي(إف...إف).

أنا أكثر إنسان بالكون يجلس مع نفسه كثيرا يحاسبها ويؤنبها ويفرض عليها عقوبات شديدة لذلك كلما جاءت لجنة إلى الحارة لحل مشاكلها ولبحثها دائما ما يُعطي أهل حارتي عني تقريرا وانطباعا بأنني لست بحاجة لمن يحل لي مشاكلي نظرا لأنهم كثيرا ما شاهدوني أحل مشاكلي بشتى الوسائل والطرق ,مرة بيدي ومرة برجلي ومرة بيد ورجل القانون حين يتعلق الموضوع بكرامتي الوطنية التي تنداس بالأرجل وبالنعال كل يوم 100مرة, أنا أكثر إنسان متصالح مع نفسه ومع الآخر ولهذا كل أهل حارتنا من أقربائنا لا يرون أي داعي بأن يصلحني المصلحون, وأنا أكثر إنسان طيب القلب والرائحة ولا يمكن أن أسبب لأي شخص مشكلة أو إزعاجا وأنا الوحيد الذي لا يرفع سماعة التلفون ليسأل عن الناس دائما ما أنتظر أن يسأل عني الآخرون فأشعر بقيمتي وأشعرُ بأنني لم أغادر الحياة قط وبأنني ما زلت هنا أحل مشاكلي بنفسي وسعيدا بأسرتي, وأنا أكثر إنسان سعيد بجنونه وسعيد بعقله فحين تتطلب مني الحياة أو بصراحة أهل حارتي أن أكون مجنونا ألتزم بقواعد الجنون وشروطه فأصبح بمحض إرادتي أكثر رجل مجنون في العالم وغير مسؤول عن تصرفاته,وحين يطلب مني أقربائي أن أكون عاقلا أصبح فعلاً أعقل إنسان في هذا الكون, وحين يكون التهور مسموحا به تجدني أكثر رجل يقال عنه بأنه متسرع جدا ومتهور جدا في العالم كله, لذلك أنا رجل متهور ومجنون وعاقل وبي كل الصفات التي تجعل مني معجونا سهل التقطيع وسهلٌ عجنه, وحين يكون الالتزام بالحياة الزوجية مظهرا جميلا من مظاهر الكذب تجدونني أكثر إنسان يكذب على نفسه بأنه سعيد جدا بحياته الزوجية يصحو مبكرا ويتناول القهوة والشاي وعند الظهيرة يأخذ غفوة بسيطة جدا أقوم بعدها بالخروج من المنزل مظهرا شكل وجهي الجميل لكي أقول للناس بأنني أسعد زوج في هذه الدنيا. وأنا إنسان فنان جدا في خلق المشاكل وفنان أكثر في حل كل مشاكله وكأنه لا توجد عندي أي مشكلة فحين أريد أن أحل مشاكلي فورا أواجه المشكلة مواجهة وجهاً لوجه ولا أهرب من المشاكل وأحيانا أتناول حبة مهدئ عصبي فأنام وأصحو وكأنني لم أكن واقعا في أي مشكلة أو كأنني قتلَ قتيلا ثم مشى في جنازته وعيونه تذرف عليه الدموع بوجه كئيب وحزين للغاية, علما أن كل أقربائي قتلوني حين أرادوا بأن أكون قتيلا وظلموني حين رأوا بأنني أستحق العذاب الإلهي ورجموني بالحجارة, وحين طلبوا مني كما رأيتم أن أكون مجنونا صرت مجنونا على حسب رأيهم وحين أرادوني عاقلا صرت أكثر رجل عاقل في هذا العالم المجنون وهذا مثل الطفل الذي يجعله أهله أحيانا رجلا كاملا ومسئولا عن تصرفاته وأحيانا يجعلونه مراهقا وطفلا , لذلك أحس بنفسي بأنني العاقل الوحيد في العالم حين أُشغل مخي وأحيانا المجنون الوحيد في هذا العالم التعبان حين لا أستعمل مخي وعقلي.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدرس الخامس:مشاعري وأحاسيسي في رمضان
- لغة الحمير
- الدنيا تعاسه والموت سعاده
- الدرس الرابع:ثقيل الدم
- صديقي قاسم في ذمة ألله
- لله في خلقه شؤون
- الدرس الثالث:الكوميديا الاسلامية
- الدرس الثاني:فتح مكة
- دروس رمضانية, الدرس الأول.
- أنا أكثر من شخصية واحدة
- هل أنا عبد ألله أم ابن الله؟
- عربي يكره الحياة
- من حقي أن أشعر بالتغيير
- رحلتي مع الحوار المتمدن
- الشاذ عن القاعدة
- الحب الضائع
- جروح بلا دماء
- لماذا لم يعرف القرآن عقوبة السجن؟
- عقوبة المسلم لا تردع المسلم
- ساعدوني


المزيد.....




- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا
- السودان: خلاف ضريبي يُبقي مواد إغاثة أممية ضرورية عالقة في م ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جهاد علاونه - أنا أسعد رجل في الحارة