أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد مسعد محمد السبع - الليبرالية الإجتماعية ومستقبل النظام السياسى العربى















المزيد.....

الليبرالية الإجتماعية ومستقبل النظام السياسى العربى


عماد مسعد محمد السبع

الحوار المتمدن-العدد: 3448 - 2011 / 8 / 5 - 17:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يثور التساؤل حول طبيعة النظام السياسى و الإجتماعى المقترح فى مرحلة مابعد الإنتفاضات العربية المتلاحقة . واللافت - فى هذا الصدد - أن الإجتهادات الفكرية والرؤى الإستراتيجية المتعلقة بالمستقبل العربى وفن أدارة تطوره تبدو غائبة بوجه عام عن هذا المحيط الثائر .

ثمة معطيات موضوعية تقف وراء غياب هذا الإهتمام المستقبلى , فأبنية القمع السياسى حالت دون دمج العرب فى سياق منظومة التطور الديموقراطى والحقوقى العالمى , كما فشلت دولة مابعد الإستقلال فى أنجاز عملية البناء الإقتصادى الرافد لإنتاج بنى مغايرة لتكويناتها الإجتماعية التقليدية .

فضلآ على أن هناك ولع ثقافى ودينى عربى بتقديس التاريخ و الوقوف عند الماضى على حساب العناية بقراءة المستقبل وصيرورة التطور . وماصعود و شعبية ظاهرة الإسلام السياسى و السلفية الدينية الإ برهانآ على الإنسحاب " لماضوية " لا تعبر عن روح العصروالإرتباط بجديد نظمه وقيمه وأنساقه .

ومما لا شك فيه أن أنتفاضة و حراك شباب الفئات الوسطى - التى ارتبط قاسمها الأكبر بجانب من منجزات العولمة التكنولوجية والإتصالية - يمثل محاولة لبناء تاريخ مغاير لشعوبها .فالفعل الثورى القائم هو بمثابة سيطرة على أدارة التطور وعلى الوعى بالمستقبل الذى يمثل المدخل الحقيقى لصناعة التاريخ الحقيقى لشعوب هذه المنطقة .

وتكشف الشعارات التى رفعها الجمهور العربى الثائر من ( حرية و ديموقراطية و عدالة أجتماعية ) , وكذا التحليلات الراصدة للطبيعة الطبقية لتلك الإنتفاضات وطليعتها عن أنحياز- بشكل أو بآخر - لنموذج : الليبرالية الإجتماعية.

ومما لاشك أن هذا النموذج – بصيغته التى تتداولها بعض الفعاليات والإتجاهات السياسية و الإجتماعية العربية – يبقى حتمآ خارج سياق التاريخ ما لم ترفده أرادة حرة وواعية من جانب الفئات الوسطى التى أضطلعت بالفعل الثورى والإنتفاضى .

ورغم عدم تبلور هذا الوعى بشكل حاسم فأن هذا النموذج يبدو الأكثر قبولآ من جانب القوى العلمانية الناشطة فى الساحتين المصرية والتونسية , واللافت أن مطالعة البرامج السياسية التى طرحتها الأحزاب الدينية ( الإخوانية خاصة ) – التى تتبنى مرجعيات دينية أو مابات يسمى بنظام مدني ذو مرجعية أسلامية – تكشف نظريآ عن محاولة للإلتحاق بمفرداته والتسويق له باعتباره ترجمة لمبادىء الشورى والعدالة والحرية التى يدعو إليها الإسلام .

التبشير بأطروحات ومؤسسات " الليبرالية الإجتماعية " - بتشوهاتها و تنويعاتها ودرجاتها المتداولة بين التيارات المدنية والدينية - يستوجب وقفة لبيان خصائصها ومقوماتها الفلسفية والسياسية وفق الطرح النظرى والعملى الغربى .

يمكن تعريف "الليبرالية الإجتماعية " بأنها رؤية تجتهد لإيجاد همزة الوصل بين الفرد والإمكان الإجتماعى . ومن ثمة تعترف بالأزمة كظاهرة بنيوية فى التاريخ ومستقبله . وهى لاتسلم بوجود غايات نهائية للتاريخ ولكنها تروم البقاء داخله من خلال التأكيد على قدرتها على أنتاج حلول مناسبة للإشكاليات السياسية والإجتماعية الجديدة و المتلاحقة .

أنصار الليبرالية الإجتماعية يؤكدون دومآ على أنها لا تقوم على " عقيدة مسبقة " , وأنها ولدت بشكل تلقائى من رحم المجتمع المدنى فى مرحلة النظام التجارى ماقبل الرأسمالى ( المركانتلى ) , وأنها تفاعلت مع مشكلات هذا المجتمع وارتهن تطورها بتطوره الإقتصادى والإجتماعى و أنها أنحازت لفكرة " الدولة القومية " وعيآ بماهيتها التى تصل الفرد بالكل الإجتماعى .

فالدولة وفقآ لمفهوم الليبرالى الإجتماعى هى ذروة الفعل الإنسانى داخل حركة التاريخ و مستقبله , فهى ليست نقيض المجتمع المدنى و ليس هناك ما يبرر الفصل بينهما – فالمجتمع المدنى الذى يقف فى المسافة بين الفرد و الدولة يظل الحارس على شرعية هذه الدولة كما أن هذه الأخيرة هى الحارس على الحريات المدنية .

ويمثل الموقف من الدولة والمجتمع المدنى أحد أوجه التمايزالهامة بين الليبرالية الإجتماعية والجديدة . فالليبرالية الجديدة تتبنى فكرة الفصل بين الدولة و المجتمع المدنى حيث عقدت مصالحة تاريخية بين الرأسمالية و الليبرالية فى مجال التقدم التكنولوجى و المعلوماتى وفى أطار الفكر الفردى التقليدى . ولذلك فهى ترفض أفكارالمجتمع المدنى ولا تراهن على الدولة القومية بل تؤكد على أطروحة " نهاية التاريخ " باعتبار أن ما تم تاريخيآ هو نفى لكل الصيغ المضادة للحرية الفردية.

وفى حين تدعم الليبرالية الإجتماعية أمكانية تلبية الحاجات الأساسية اللازمة للفرد باعتبارها حقوقآ أيجابية تستخلص من أفراد آخريين وتقدم عن طريقهم , وتحرص على تأييد التدابير الحكومية الخاصة بتوفير الحد الأدنى من مستوى معيشى يحقق رفاهية البشر و يأتى قبل منظومة الحقوق الفردية .
فأن الليبرالية الجديدة تلتزم موقفها من أن هذه الحقوق الإيجابية تمثل تعديآ على حقوق الآخريين وأفتئاتآ على الدور المرصود للحكومات وأنتهاكآ لمشروع التجارة الحرة و تمدد العولمة الرأسمالية .

وأذا كانت الليبرالية الإجتماعية قد أنتصرت لحقوق الإنسان , فأن " الكل الإجتماعى " عندها هو وحدة التحليل و ليس الفرد أو الطبقة , وهو كل يرتبط بتوسيع رقعة الفئات والشرائح الوسطى بمفهومها الثقافى . فالإنسان فى هذا المجتمع الليبرالى يجب أن يملك فرصة قائمة للعمل ليكون مسئولآ عن أستثمارها فى تنمية قدراته و بما يمكنه من المشاركة فى الشأن العام , فهو ليس الفرد الذى يأسره أشباع الحاجة وأنانية الرغية كما تتمثله الليبرالية الجديدة المعولمة .

وأذا كان " الكل الإجتماعى " هو وحدة التحليل الأساسية وفق الليبرالية الإجتماعية فأنه لا يمكن فهم حقوق الإنسان إلا فى ضوء التطور الإجتماعى . ومن هنا يتعين تجاوز الجدل بشأن الماهية الأولى للطبيعة البشرية - ما أذا كانت خيرة بالفطرة كما يقول " روسو " أو شريرة كما يقول " هوبز " - لأنها أشكالية هذه الماهية موضوع " خارج التاريخ " , فالمهم هنا هو " الوعى و القدرة على الإنتصار للحرية فى سياق تاريخى معين " الأمر الذى يدفع نحو تزكية التوسع فى منظومة الحقوق الإجتماعية كى تتطابق مع دائرة الحقوق الطبيعية والسياسية – وفق هذا المنطق .

تلك هى الملامح الأساسية لليبرالية الإصلاح أو الرفاهية reform , welfare Liberalism فى التجربة الغربية - التى تقدم كمنهج عملى و ليس كعقيدة سياسية - وحيث يستلهم مفرداتها التوافقية وخطوطها العريضة جانب مؤثر من التيارات السياسية الصاعدة فى مرحلة الإنتفاضات العربية .

ومما لاشك فيه أن أنجاز القدر المقبول من مشروع " الليبرالية الإجتماعية " فى واقعنا العربى ووفق الأطروحات والبرامج الحزبية والسياسية التى تتبناها بصيغ مختلفة يصطدم بمعوقات عديدة .

فالتكوينات الإجتماعية والإقتصادية العربية التى تتداخل فيها علاقات أنتاج أقطاعية وما قبل رأسمالية مع نظم ريعية وتجارية وأحتكارية - بموزاييك تحالفاتها الطبقية المتباينة - والتى تحتضنها أنظمة أوليجاركية أو خراجية أورأسماليات دولتية تابعة تحول دون أعتماد النسق الليبرالى الذى يفترض وحدة وأتساق وحرية المبادلات داخل السوق الإقتصادى والسياسى .

كما أن البنية السياسية التحتية العربية تبقى قاصرة لأن مرتكزات وقواعد الدولة والسياسة والحزبية و المؤسسات الحديثة لم تنضج فى ظل أنظمة الحكم الشمولية والطغيانية المتوالية . فضلآ عن سيطرة الإنقسامات والتباينات الطائفية والأثنية والقبلية والعصبية و الجهوية على المشهد السياسى والإجتماعى , الأمر الذى يعيق نشأة و تطور " مجتمع مدنى و فضاء أهلى " فاعل فى المسافة بين الدولة والفرد .

كما أن التيارات الإسلامية السلفية والراديكالية – وهى تتمتع بنفوذ وشعبية لا يمكن جحدها - تختزن عداءآ أصيلآ للفكرة الليبرالية والحقوقية فى طرازها الغربى وباعتبارها نتاجآ وضعيآ ينال من الحاكمية لله ويعلى من شأن القانون البشرى والحق الدهرى فى مواجهة أحكام الشريعة الربانية .

أان أفكار الليبرالية الإجتماعية لم تتبلور داخل النموذج الغربى الإ عبر الممارسة و تنافس المصالح وتوازن الصراعات الإجتماعية و السياسية داخل النظام والمجتمع و المجال العام مع قدرة هذا النظام على أستيعاب هذه المنافسات و الصراعات و الضغوط فى أطار سلمى . وتلك أمور لم يخوضها الجماهير العربية التى مازالت ترفل نسيج القيم السياسية والأخلاقية التقليدية والبدوية .

عوائق أستعارة و تمثل وهضم المنظومة السياسية و الحقوقية الليبرالية ليست باليسيرة وتمتد إلى عوامل أكثر تركيبآ وبنيوية فى ثقافة المجتمعات العربية , ومع ذلك فأن القوى التقدمية والعلمانية والإشتراكية مطالبة فى هذه المرحلة بالوقوف خلف هذه الأطروحات والدفاع عنها كمرحلة أنتقالية لإعادة دمج الفواعل الإجتماعية فى سياق السياسة والعمل العام .

وفى ظل غياب الكتلة التاريخية صاحبة المصلحة فى التغيير الجذرى للبنى الإجتماعية وعلاقات الإنتاج المادى والملكية السائدة عن مشهد الإنتفاضات العربية - فأن دعم أفكار الليبرالية الإجتماعية يصبح واجبآ كخطوة نحو الإعتداد بالكل الإجتماعى ولجذب مزيد من الأنصار لمنظومة الحقوق الإجتماعية ولتأكيد حضورالأفكار المدنية والوضعية فى مواجهة المد الدينى ومنظومته الحقوقية اللاهوتية .

ولعل ذلك يسهم للمرة الأولى فى أن نملك بإرادة حرة واعية صناعة التاريخ داخل واقعنا العربى , وألا نقف عاجزين كالعادة نتأمل جديد تحولاته ومتغيراته .
عماد مسعد محمد السبع .



#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات حول صعود تيار الإسلام السياسى فى قلب ميدان التحرير
- إعادة اختراع السياسة فى واقعنا العربى
- المجلس العسكرى يقود الثورة المضادة فى مصر
- الثورة واليسار الغائب فى مصر
- القضاة ودورهم فى الثورة المضادة بمصر
- الثورة فى مواجهة وسطية الفكرالعربى المعاصر
- متى تبدأ الثورة على السلفية الوهابية ؟
- الإنتفاضات العربية بين طابع السلمية وحتمية العنف الثورى
- الأردن .. هل ينجو من طوفان الثورة العربية ؟
- الخيال والمفاجآت الإدراكية لشباب الثورة العربية
- الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !
- الميدان .. خاطرة حول طوبوغرافيا الثورة
- الصين والكونفوشيوسية وربيع الثورة العربية
- موقع الموسيقى على خريطة الثورة العربية
- الثورة العربية فى عيون الإستراتيجية الإسرائيلية .
- فوبيا الشعر و الثورة العربية
- ملاحظات حول الموقف الإيرانى من الثورة العربية
- العلافات العاطفية فى زمن التحول الثورى
- دلالات ودوافع التوجه الخليجى نحوالمملكة المغربية.
- الصراع حول الدولة المدنية فى مصروتونس


المزيد.....




- بالأسماء.. 48 دول توقع على بيان إدانة هجوم إيران على إسرائيل ...
- عم بايدن وأكلة لحوم البشر.. تصريح للرئيس الأمريكي يثير تفاعل ...
- افتتاح مخبأ موسوليني من زمن الحرب الثانية أمام الجمهور في رو ...
- حاولت الاحتيال على بنك.. برازيلية تصطحب عمها المتوفى إلى مصر ...
- قمة الاتحاد الأوروبي: قادة التكتل يتوعدون طهران بمزيد من الع ...
- الحرب في غزة| قصف مستمر على القطاع وانسحاب من النصيرات وتصعي ...
- قبل أيام فقط كانت الأجواء صيفية... والآن عادت الثلوج لتغطي أ ...
- النزاع بين إيران وإسرائيل - من الذي يمكنه أن يؤثر على موقف ط ...
- وزير الخارجية الإسرائيلي يشيد بقرار الاتحاد الأوروبي فرض عقو ...
- فيضانات روسيا تغمر المزيد من الأراضي والمنازل (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد مسعد محمد السبع - الليبرالية الإجتماعية ومستقبل النظام السياسى العربى