|
مريم ذاكرة وطن
سميح مسعود
الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 21:30
المحور:
الادب والفن
رواية مريم ذاكرة وطن بقلم : د. سميح مسعود صدرت هذه الرواية مؤخرا عن دار فضاءات الاردنية ، والصالون الثقافي الاندلسي في مونتريال ، للروائي محمد حسين الاطرش ، المعروف بحضوره المكثف في الصحافة الاغترابية ، وفي الكثير من المواقع الالكترونية ... لم تبعده الغربة عن قضايا وطنه الأم لبنان ، ولا عن جروح وطنه العربي الكبير ، فهو في صلة عشق دائم مع الأمكنه والوجوه العربية ، يجسد عواطفه واحاسيسه الشخصية نحوها بفيض أعمال إبداعية واعية بامتدادات وتفرعات كثيرة. ورواية " مريم ذاكرة وطن " هي باكورة أعماله الروائية ... يعتمد في بنائها على منظومة تركيبات نصية وإيقاعات تزداد تدفقا وانسيابا في سياق مشاهد يستلها من أطلاله الأولى ... يسجلها برشاقة لغوية ملحوظة ، وقدرة تعبيرية عالية سرداً وحواراً ، تفيض بأحاسيس وصلات انسانية مغمسة بأوجاع قريته "كفر المنسي " ووجوه كثيرة عا شت فيها قريبة منه ، يتشابك معها بوعي ملحوظ في روايته ، ويلتف من حولها بشغف زائد لسبر أغوار تجاربها الأليمة . عاد كاتب الرواية بذاكرته الى سبعينيات القرن الماضي ،الى أيام صباه الباكر ، وتمكن من تقديم نص أدبي جميل من رماد أيام مضت ، كشف به عن مكنون خبايا شخوصه ، وتفاصيل أحوالهم النفسبة وحكاياهم الواقعية ، مجسدا في مقدمتهم امرأة اسمها "مريم " بحضور محوري متألق في تكوينات سردية واقعية ، استحضر فيها ايضا قريته "كفر المنسي " كساحة أحداث اساسية واقعية للرواية ، يمتزج فيها الأنا بالأخر في ظروف مريرة ، ظهرت فيها مريم بصورة استثنائية كشاهد على مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان الحديث ، تداخل فيها الداخلي بالخارجي : المواطن العادي من جهة (مريم واهلها وناسها ) ، واتباع بعض الفصائل الفلسطينية ، والقوات السورية من جهة اخرى ... قوى معروفة منها أساءت للمواطنين المحليين ، و ساهمت بضراوة واصرار في ممارسة تجاوزات مخلة نشرت الخوف والشك والغضب في نفس مريم ، ونفوس اهالي" كفر المنسي "، وأهالي قرى ومدن لبنانية اخرى كثيرة . لأهمية مريم يقدمها كاتب الرواية في صدر الصفحة الأولى ، ويعترف انه كان مكمن سرها ، وأنه تعرف عليها مبكرا في صباه البعيد عندما كان في العاشرة من عمره ، سمعها وتحدث معها واحتفظ بها بذاكرته في منافي الاغتراب ، واحتفظ بكلماتها وحكاياها وهمومها وأوجاعها على مدار عقود طويلة ... و يشعرفي كثير من الاحيان بان كل مافي الرواية منها ولها ، وانه ليس اكثر من قلم في يدها ... لهذا تطل مريم في صفحات الرواية صفحة تلو اخرى ، تتبعثر كلماتها على كل الصفحات ، وهي كما أحسست أثناء قراءة الرواية ، ليست الراوية للاحداث فحسب ، بل انها تعمل ايضا على استنطاق الليل وهي تتجول عند مدخل "كفر المنسي" ، منتظرة ابنها الغائب عنها ، و استنطاق التراب بكل دلالاته ومعانيه ، واستنطاق مقابر قريتها التي ترقد فيها أجساد أهلها ... والدها الذي قاتل الأتراك واخوها الذي قتله حلف بغداد . مريم ، امرأة من"كفر المنسي" ، ليست كغيرها من النساء ، عاشت في زمن مضى ، وروايتها ليست محض خيال ، انها تجسد لقطات أحداث واقعية حصلت فعلا ، وواقعيتها تغوي بقراءتها نصاً ومضموناً ، كما ان كل شخوص الرواية من مواطنين ومخبرين وفدائيين وعسكر، ليسوا محض خيال أيضا ، عرفتهم " كفر المنسي " ، تجولوا بين بيوتها وحواكيرها ، وكانت مريم تعرفهم فرداً فرداً ، تحدثت عنهم بصوت عالٍ ، وبهذا تمكنت دون أن تدري أن تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ لبنان السياسي بكل ما فيها من هموم وتحديات ودمار ، تركت ندوباً كثيرة في لبنان والدول المجاورة له ، ومهدت لظهور الأوضاع الماساوية التي تعيشها القضية الفلسطينية و الدول العربية في وقتنا الراهن. لاحظت وانا اقرأ الرواية أن خيوطا كثيرة من خارج "كفر المنسي" تتقاطع معها ... أحسست ان ما أقرأه ، يعبر ايضا عن معين أحداث مريرة ، توالت في قرى ومدن لبنانية اخرى ، انعكست في مرايا عقد السبعينيات العكرة ، وهذا ما يدفعني الى القول بأن كاتب الرواية قد أصاب باعتباره مريم ذاكرة وطن بكامله ، ليست ذاكرة قريتها البعيدة المنعزلة فقط. .
#سميح_مسعود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دينُ الحب
-
بنت عمي فاطمة
-
هيلين توماس
-
مآّذننا وأبراج كنائسهم
المزيد.....
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|