أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .















المزيد.....


حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3446 - 2011 / 8 / 3 - 21:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد أحداث ثورة 25 يناير - مع تحفظى على مقولة ثورة - طفت على سطح الأحداث مطالبات حثيثة لحوحة متشنجة بتطبيق الشريعة الإسلامية وكأنها الخلاص الشافى لواقع مصر المتردى , ولا نعرف ما علاقة تطبيق وتفعيل الشريعة فى رسم صورة لمصر الحاضرة والمستقبلية وماذا ستقدمه حيال ذلك , فأصحاب المشروع لا يقدمون شيئا ً سوى رفع الشعارات وبعض الرايات الخضراء ...يتشنج المتظاهرون فى ميدان التحرير للمطالبة بإعلاء الإسلام و أن يكون فاعلا ً حاضرا ً فهو هوية الأمة ولا نعلم أيضا ً هل مصر لم تكن ذات شعب مسلم حتى تبحث عن هويتها وهل الدين خافت لنبحث عن إعلاءه .
حينما كان السلفيين يحرمون الخروج على حسنى مبارك وطغمته ..قام الشباب بالثورة على هذا النظام رافعين شعارات مصر مدنية وحرية وعدالة إجتماعية ..مصر ككيان جامع لكل المصريين بأطيافهم مستوعبة لتعدد الأفكار والتوجهات والعقائد ..مصر كبوتقة لكل الثقافات التى شكلت ضمير الأمة ووعيها بدءا من حضارة مصر القديمة مرورا بالتاريخ القبطى والإسلامى إنتهاء لعصر المدنية والحداثة ..لم يجد هذا الشباب التى سرقت ثورته سوى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا للدفاع عن الدولة المدنية أمام جحافل هذا التيار الإستقصائى .
هذه محاكمة إفتراضية أقام شباب الثورة ومؤسسات المجتمع المدنى وجمعيات حقوقية دعوى قضائية ضد مشروع إقرار الشريعة الإسلامية .
تكتظ قاعة المحكمة الدستورية العليا بجمع غفير من شباب ثورة 25 يناير وممثلى إئتلافات مختلفة ساهمت فى إنجاح الثورة وإسقاط رؤوس النظام البائد كما ضمت جمعيات ومنظمات لحقوق الإنسان والمجتمع المدنى وممثلى القوى السياسية الليبرالية والعلمانية واليسارية مع حضور مكثف من الأحزاب والتيارات الإسلامية وسط تواجد ملحوظ لوسائل الإعلام لتغطية أحداث القضية المرفوعة من القوى المدنية ومنظمات حقوقية ضد مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية .

يعلن الحاجب بصوت جهورى " محكمة " إيذاناً بحضور القضاة والمستشارين لإعتلاء المنصة ..ليسود القاعة النظام والهدوء ولتبدأ أحداث الجلسة ..يتفحص القاضى ملف محتويات القضية على عجل ليطلب من السيد ممثل الإدعاء والسادة المحامين بدأ تداول القضية .

يأذن القاضى بممثل الإدعاء بإلقاء دعواه .
سيدى القاضى أمامنا قضية مرفوعة من إئتلافات ثوار 25 يناير ومنظمات حقوقية عديدة معنية بحقوق الإنسان والمرأة والأقليات بالإضافة إلى ممثلى لجمعيات وقوى حزبية ليبرالية وعلمانية ويسارية ضد المشروع المقدم من القوى السلفية والتيارات الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية بديلا ً عن القوانين المدنية المعمول بها .. حيث يرى أصحاب الدعوى بأن تطبيق الشريعة الإسلامية يتعارض مع القوانين المدنية وينتهك حقوق الإنسان وينال من كرامة وحق الإنسان فى العدالة والكرامة الإنسانية كما يجور على حق المرأة , وينال فى الوقت ذاته من حق الأقليات فى المواطنة والحقوق المتساوية .

سيدى القاضى .. بداية نحن أمام ملف ضخم ودسم يصعب أن نتعاطى معه فى جلسة واحدة , لذا سنقتصر فى جلستنا هذه على تناول الشريعة الإسلامية فى جانبها الحدودى العقابى على أن تتعاطى الجلسات الاخرى من المحاكمة مع الحريات العامة والخاصة وحقوق المرأة والأقليات .
عندما نتعامل مع مشروع لتطبيق قوانين فلسنا فى حالة خصومة وصدام مع أحد .. فنحن نتعاطى مع قانون ومدى توافقه وإنسجامه مع منظومة مجتمعية لها درجة تطورها الموضوعى ورؤيتها ونهجها فى القوانين الحاكمة له .. لذا يلزم لأى مشروع قانون أن يضيف ويطور من منهجية المجتمع ويعضد من منظومة الحقوق لا أن يتصادم معها ويهدمها .
لذا نسأل هل تطبيق الحدود فى الشريعة الإسلامية يؤسس ويرسخ لحقوق الإنسان أم تنال منها وترتد بها إلى منظومة قديمة لا تعبر عن إنسانية هذا العصر ... وهل المشروع المقدم بتطبيق الحدود يتوافق وينسجم مع حقوق وقوانين تم إقرارها وإعتمادها وأصبحت نهج تعاملات أم هى تخترقها وتنال منها .

سيدى القاضى ..الحدود فى الشريعة الإسلامية هى مجموعة من العقوبات السيكوباتية ليس لها أن تتواجد فى هذا العصر بما تحمله من مفهوم مخالف للعقاب ترمى فى إتجاه القسوة المفرطة والعقاب الإنتقامى الذى لا يوجد ما يبرره .

بدايةً سنتعامل مع مشروع تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظر قانونية قبل أن نتعاطى معه بالتحليل ..فالحدود بالشريعة الإسلامية تتناقض وتتصادم مع وجود قانون عالمى تم إقراره وإعتماده من قبل الدستور المصرى .. لذا يجب أن يكون التشريع المقدم غير متناقض مع المنظومة القانونية التى نلتزم بها ونقرها .. يمكنه فقط أن يضيف ويطور فى نفس النهج العام الذى إرتضيناه كمنهج تعامل وسلوك ودستور .

الحدود فى الشريعة الإسلامية سيدى القاضى كقطع رأس القاتل وبتر يد السارق ورجم الزانى والزانية المحصنان وجلد الغير محصنان إلى الصلب من خلاف تتناقض ببشاعة مع المادة الخامسة من وثيقة حقوق الإنسان والتى تنص على " لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة "
وهذا ينسف المشروع المقدم من أساسه بحكم أن العقوبات غارقة فى القسوة المفرطة والوحشية و تتسم بالإيذاء الجسدى كما تنال من كرامة الإنسان وإنسانيته .. لذا من الوجهة القانونية يكون مشروع الحدود وفقا للشريعة الإسلامية مرفوض شكلا ً وموضوعا ً لمخالفته الصريحة للمادة الخامسة من وثيقة حقوق الإنسان .. وهنا أكتفى مع حقى فى التعقيب على الدفاع .

يسمح القاضى للدفاع بتقديم ملفه ومستنداته فيندفع مجموعة من المحامين أصحاب اللحى الكثيفة للمثول أمام القاضى فيطالبهم أن ينتخبوا واحدا منهم للإدلاء بمرافعته ..فيتقدم أحدهم ضخم الجثة تبدو عليه ملامح الجدية والصرامة بالمثول امام القاضى .
الدفاع : سيدى القاضى نحن أمام قضية لا تستدعى كل هذا الحشد والإهتمام لأنها محسومة سلفا ً فنحن نتناقش حول شرع الله ..فهل شرع الله مجال للنقاش والحوار وإبداء الطعن أم هو إلزام على كل مسلم أن ينتهجه .. ومن لم ينتهجه فهو ضال , ومن يقف فى طريق تحقيقه وتفعيله فهو مدان وله عذاب عظيم ... فيقول الله عز وجل فى كتابه الحكيم " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) -وقوله : { كُتب } ِ معناه فُرض .. أى أننا أمام فرض واجب التنفيذ .

هنا يقاطعه القاضى .. يا عزيزى أتلمس لهجة ترهيب تعلو مرافعتك بقولك أن من يقف فى طريق تفعيل الشريعة فهو مُدان وهذا غير لائق ولا مقبول فنحن ننظر فى قضية ذات شق حقوقي ..فإذا كانت الأمور مُحسومة سلفا ً فلماذا نحن هاهنا ؟!.. كما أننا نتعامل مع حزمة تشريعات فى تنفيذ العقاب فهل هى مُنسجمة ومتوائمة مع قانوننا العام أم لا ..كونك تعتبر هذه التشريعات إلهية فسيفندها نقطتان الأولى أن هناك من لا يعتبرها إلهية من غير المسلمين واللادينين .. وثانيهما أن التشريع الإلهى ليس بالضرورة أن يكون متوائما ً مع كل عصر بمعنى أن هناك تشريع أقر الرق والعبودية فهل يستطيع أحد أن يمارس الإسترقاق الآن , حينها سيدان ويعاقب على إنتهاكه لحرية الإنسان .. كما يوجد تشريع سابق لزواج المتعة وتم إبطاله من قبل أهل السنه والجماعة ..ولا تنسى أن عمر بن الخطاب قد أبطل حد السرقة فى عام الرمادة ..إذن التشريع ليس له الديمومة والإستمرار .
تفضل الآن وتعامل مع النقطة التى أثارها الإدعاء بأن الحدود فى الشريعة الإسلامية تنتهك المادة الخامسة من وثيقة حقوق الإنسان كمادة تم إعتمادها وإقرارها .

يحاول الدفاع أن يتماسك ويلملم أفكاره مرة ثانية ليقول : سيدى القاضى أندهش من كوننا نعلى من قيمة بند فى وثيقة حقوق الإنسان ونجعلها هى الحكم بينما نحن نمتلك شرع الله الذى هو أعلى من أى قوانين وضعية فهو الحاكم والمتسلط .
من قال بأن المادة الخامسة والتى تنص " لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة " هى العلاج الشافى للجريمة .. فها نحن نرى الجريمة حاضرة كنتيجة للمعاملة المترفقة بالمجرمين والخارجين عن القانون .. لذا لو طبقنا شرع الله بالقصاص من المجرمين وقطعنا رأس القاتل وبترنا يد السارق ورجمنا الزانى أمام حفل من الجماهير فسيرتدع المجرمون والخارجون عن القانون ويتراجع كل من تسوله نفسه الإقدام على الجريمة فهناك قصاص قوى لا يعرف اللين .

يقف الإدعاء منتصبا ً ليعقب على أقوال الدفاع ...
سيدى القاضى .. الدفاع لم يقدم لنا أى سند قانونى يدعم فيه مشروع تطبيق الحدود فى الشريعة الإسلامية سوى انه إستهان وسخف من المادة الخامسة من وثيقة حقوق الإنسان ووصل به الحال أنه إعتبرها سبب بقاء الجريمة وإنتشارها وهنا أقول له بداية أن تطبيق الشريعة على مدار الأزمنة وحتى الآن لم يلغى الجريمة أو يصل بها إلى حدها الأدنى بل أن الباحث سيتلمس المفارقة عندما يجد أن الجريمة وصلت لحدودها الدنيا فى الدول التى طبقت أقل مستوى من العقوبات كما فى الدول الإسكندنافية .
للأسف نجد الدفاع يلقى بمفاهيمنا وحضارتنا ورؤيتنا المتقدمة فى أقرب صندوق قمامة بغية نصرة مشروعه التراثى وهذا يستدعى منا أن نذكره بمنهجنا المعاصر وبما درسه فى كلية الحقوق عن العقاب وفلسفته .
يا عزيزى لن تنتهى الجريمة من على وجه الأرض فهى جدلية الحياة ولن ينفع تصعيد العقوبات لكى تبددها أو تصل بها إلى الحد الأدنى فالجريمة هى نتاج واقع موضوعى يظهر فيه التناقض والخلل بالمجتمع والذى لن ينتهى من الوجود بحكم جدلية الحياة .. الجريمة هى محصلة لقوى مادية ليس المجرم من خلقها بل شاء حظه ان يتواجد فيها ويستسلم لها وفقا لهيمنة ظروف مادية وثقافية حاكمة , فالسارق لا يسرق عشقاً للسرقة ولكن لحاجات إشباع أو طمع لم توفر حاجته مع تتضائل نوازع ضميرية تحول دون ذلك ... الزانى لم يزنى رغبة فى تحدى المجتمع ولكن لوجود حاجات وغريزة قابعة تحت جلده مع كبت وحرمان وقلة حيلة تحول أن يمارس فعله فى مؤسسة الزواج .. بالطبع نحن لا ندعو أن نترفق بالمخطئ ونعفيه من العقاب رغما ً عن الظروف التى دفعته للجريمة وإلا أصبحت الحياة فوضى ومستباحة من الجميع .. ولكننا عندما نعاقبه فيكون عقابنا وسيلة ردع وعامل معوق لجموحه هو والآخرين فلا تنفرد الظروف القاهرة بحرية الحركة والفعل .. نحن لا نعاقبه رغبة فى الإنتقام الثأرى والنيل منه بل لإعادة تقويمه وتأهيله وإتاحة فرصة جديدة له فى الحياة أن يعيش كمواطن صالح .

يبدو أننا فى هذه الجلسة بصدد إعادة تعريف فلسفة العقاب وإعادة التعاطى مع المنهجية القانونية الفلسفية التى تم حسمها وأقرتها كل منظومة العالم المتحضر !! .. هل العقاب هو ردع المجتمع للمنحرفين أم هو شكل ثأرى يقوم به المجتمع ضد المنحرف ..هل نحن بصدد ممارسة شكل من الإنتقام المجتمعى ضد المنحرف أم ردعه ومحاولة تقويمه ثانية .. هل نحن بصدد تأهيل المنحرف ومحاولة دمجه فى المجتمع مرة ثانية كإنسان له الحق أن يصحح مواقفه ويأخذ فرصة جديدة فى أن يكون إنسان صالح أم أننا بصدد بتره تماما كأسلوب فاشى لا يعرف الرحمة .
سيدى القاضى ..المجتمع بقواه الفاعلة والحيوية أكثر قوة من أن يمارس فعل إنتقامى متصاعد ضد فرد .. المجتمع قادر على تحمل شطط وجنوح بعض أفراده وردعهم وإعادة تقويمهم وتأهيلهم ودمجهم فى المجتمع مرة ثانية .
الحدود فى الشريعة الإسلامية تمارس فعل الإنتقام والثأر ..هى تعبير عن غضب مجتمع ورغبته فى سحق الفرد وممارسة فعل إنتقامى تجاهه ..فما معنى قطع يد السارق وممارسة عملية تشويهية له ليلحق به العار طوال حياته متمثلاً فى يده المبتورة كعلامة تجلب له الخزى والعار ,علاوة عن تضاؤل أى فرصة للقيام بأى عمل شريف لتدفعه دفعا للسرقة مرة أخرى فليس لديه ما يخسره..وماذا لو ثبت مستقبلا ً أنه لم يسرق فهل سيستعيد يده المبتورة وكيف يعوض عن عجزه وخزيه .

الزانى والزانية يفقدان الحياة فى مشهد الرجم .. فما معنى أن يصل العقاب لهذا السقف الأعلى من القسوة ونحن أمام ضعف إنسانى نتاج ظروف شتى .
الجريمة لا تواجه بالردع كوسيلة فاعلة ووحيدة بل بالتغلب على الظروف الموضوعية التى تخلق الجريمة وتحتضنها .. أن يُفعل المجتمع قواه الطبيعية فى حصار المناخ الذى يحتضن الإنحراف ويفتح إفاق لإشباع حاجات الإنسان الطبيعية .
سيدى القاضى ..مازلت أكرر أننا لست بصدد المطالبة بإلغاء العقوبات وطلب العفو عن من يُدان فى سلوكيات تم إقرارها أنها جرائم وإنحراف ولكن وفقا ً لروح المادة الخامسة من حقوق الإنسان ..لذا نرى أن عقوبة الحدود فى الشريعة الإسلامية تمارس فعل عنيف متصاعد وإيذاء جسدى بأسقف عالية تفتقد للرحمة والإنسانية وتجعل القسوة والمنهج الثأرى حاضراً بكل فجاجته .
الحدود فى الشريعة الإسلامية هى منهج ثأرى إنتقامى لا يتعاطى مع مفهوم العقاب كرغبة فى التقويم ولكن بروح بدوية تتلذذ بالعنف والبتر ولا تلقى بالا ً لأى قضية إصلاح وتقويم وإعادة تأهيل .

* منهج القسوة والعنف والتبلد .
المفهوم العقابى سيدى القاضى يرمى للردع وتحقيق العدالة والنظام وفقا ً لما يراه المجتمع الإنسانى وفى سبيلنا نحو تحقيق ذلك لا يجب أن نخرب وندمر فى إتجاهات أخرى أو نكرس للمزيد من التجاوزات .
أصحاب مشروع تطبيق الحدود يظنون أن بتصعيد أسقف العقوبات لتكون على مشهد من الحضور سيحول دون إرتكاب الجريمة وردع لكل من تسوله نفسه فى الإقدام على الجريمة ..والحقيقة أنهم واهمون ويسيرون فى الإتجاه المعاكس فيخلقون مناخ رحب لزيادة معدلات العنف !..وسنجنى تشويه إنسانى يتمثل فى البلادة والجلافة والقسوة .

إسمح لى سيدى القاضى بعرض مجموعة من مشاهد الفيديو عن القصاص وأناشد أصحاب القلوب والمشاعر المرهفة بعدم المشاهدة لما تحتويه من مشاهد قاسية ومؤلمة .
تنفيذ حكم القصاص في الخادمة الاندونيسية بمكة
http://www.youtube.com/watch?v=Bx-mh2gmQaM&feature=related
رجم زاني في افريقيا
http://www.youtube.com/watch?v=2ePFaAXobfs
جلد فتاة سودانية في ساحه عامة .
http://www.youtube.com/watch?v=DCwMtRKqfiQ&feature=related
جلد شابين في خلوة مع عجوز الـ 75 عاما .. المجانين في نعيم!
http://www.youtube.com/watch?v=nsfsq4AQBDk&feature=related

ما يهمنى فى هذه المشاهد والتى سأرفقها بملف القضية هو إنطباع الحاضرين ومدى إستقبالهم لهذه المشاهد وما سيتركه فى أعماقهم ووجدانهم ليخلق سيكولوجية ينالها التدمير ...فنحن أمام مشاهد مفرطة فى قسوتها وبشاعتها كقطع رقبة هذه الاندونسية وما تبعها من نافورة دماء تنطلق وهذا الرجم العنيف للصومالى وهو فى حفرة يستقبل الحجارة حتى الموت لنجد رد فعل الحاضرين لمثل تلك المشاهد المؤلمة هو التهليل والتكبير .!!
أن نجد بشر يستقبلون بشاعة هذا المشهد الكفيل بتحطيم نفسية وأحاسيس أى إنسان يملك قدر ضئيل من الإنسانية بهذا البرود والتهليل والتكبير فلابد أننا وصلنا لدرجة منحدرة من التبلد والوحشية ... فتحت مفهوم أن هكذا شرع الله الذى يتحقق على الأرض خلقنا مناخ لوجود إنسان بشع يمارس ويستقبل مثل تلك المشاهد فلا يستنكرها ولا تستنفره بل يطرب لرؤيتها !! ..نحن خلقنا فى النهاية إنسان لا يهاب مشهد الدم النازف ولم تتخلق فى داخله الرهبة فهل بعد ذلك سنتوقع ان القتل مهمة صعبة التنفيذ !...فإذا إنعدم وجود أى حائل معنوى ونفسى يُرهبه ويهابه من مشاهدة عملية الذبح فهل ممارسته للذبح بعيد المنال والتحقيق .
نحن نخلق حالة من البرود والتبلد من مشاهدة هذه المشاهد فلا يعترينا النفور ..ليصبح العنف والقسوة شئ عادى فى الرؤية والممارسة فلا يوجد ضمير يستقبح ويستنكر وينتفض من هكذا مشاهد .

يمكن تفسير هذه الحالة سيدى القاضى بأن الإنسان تحت جلده طاقة عنف كامنة إتسمت بالفجاجة والفظاظة فى البدايات الأولى للإنسانية حيث الصراع على أشده ..ومع تطور الإنسان أدرك أن العنف عامل مُخرب لوجوده فبدأ يقلل من ممارسته للعنف الأهوج ويقصره على الأعداء ولم يبعد التراث الدينى عن تمرير وتحليل ممارسة العنف فجعل الأعداء هم أعداء الله وسخرت فكرة الإله لحث المؤمنين والمجاهدين على ذبح الأخر ليمارس الإنسان عنفه بيد منطلقة وبدم بارد وضمير متلذذ .. كما تم تفريغ العنف فى داخل الجماعة على الخارجين عن المنظومة السياسية والإجتماعية كعقاب تم خلقه ليفرغ فيه أيضا طاقته العنيفة ..لذا نتلمس حالة الإستمتاع بمشاهدة العنف كما فى حلبات المصارعة بين العبيد أو المقاتلين والحيوانات المفترسة كما على مسارح الأولمبيك فى اثينا القديمة كمتعة تتحقق من مشاهدة الدم والعنف والقتال حتى الموت .. ومازلنا فى عصرنا الحديث نجد من يستمتع بمشاهدة مصارعة المحترفين وتزداد المتعة مع الشراسة المفرطة .
الحدود هى شكل من اشكال ممارسة العنف والإستمتاع بتفريغه ومشاهدته كما فى مسارح الأولمبيك .. إسترداد وإرتداد إلى سلوكية الإنسان البدائى الذى كان يمارس العنف بهمجيته وعنفوانه ويفرغه إما فى الأعداء أو فى الخارجين عن النظام ...ولكننا أدركنا أن الحياة تحمل الصراع فى أحشائها ولن نتقدم إلا بتقليل مستويات ومناسيب العنف لذا نحونا نحو حالة حضارية يتعامل المجتمع مع أفراده بنضج وقدرة على الإستيعاب بديلا ً لحالة إنتقامية ثأرية تتصدر القسوة والوحشية مشهدها .

الراغبين فى تطبيق الحدود القاسية بالشريعة الإسلامية يعبرون عن حالة مجتمع مُحبط ينتهك فيه حقوق الإنسان ولا يملك الوعى والقدرة التى تجعله يحافظ على حقوقه وكرامته فينفس طاقة غضبه وحنقه وإحباطه فى الإنتقام من شخص منحرف ليشفى غليله بمشاهدة مشهد عنيف يمتص طاقة غضبه الحبيسة .. لذلك هم يهللون ويكبرون عندما يرون هكذا مشاهد وليس كونه تفعيل لشرع الله .
لا يجب أن نستسلم لحالة مجتمع يعانى من غياب بوصلته لنقر علاج سيزيد الأمور سوءا ً ويوسع من دوائر الأزمة لتنزلق أرجلنا أكثر فى كثبان الوحشية والتخلف ..لا يجب ان نستجيب لمن يريد جر المجتمع لأوحال العنف المجنون الشرس كتنفيس لرغبات وشهوات ممارسة العنف أو التلذذ بمشاهدته وحضوره .
الحل سيدى القاضى أن نمنع تطبيق مثل هذه الحدود القاسية ونخلق فى المقابل مناخ من الحريات والديمقراطية والقدرة عن التعبير ليتم تفريغ الصراع بأساليب حضارية وفى مجالها الحقيقى .

دمتم بخير .

- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 28 ) - رخصة للنكاح .
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 14 ) - إشكاليات العقل الدينى وطر ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 14 ) - أفكار مدببة
- خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 7 ) - إشكاليات منطقية ف ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 11 ) - يوم القيامة بين ال ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 10) -الصلاة فعل تواصل أم ...
- تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ( 13 ) - البحث عن معنى ...
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (27) - الحنين لدهاليز وكهوف الما ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 9 ) - الوجود بين العشوائي ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 13 ) - علاقات الإنتاج كخالقة وحا ...
- تأملات سريعة فى الله والدين والإنسان ( 11 ) - إنهم يصفعوننا ...
- الأديان بشرية الهوى والهوية ( 1 ) - خرافات الأديان . جزء أول
- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا ( 26 ) - أطفالنا فى الجنه وأطفال ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 7 )- الإسلام السياسى رؤية سيا ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 12 ) - نحن نجسد آلهتنا من دم ولحم وأعصاب و ...
- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 12) - الدنيا من غير حب ما تتحبش ...
- نحن نخلق آلهتنا ( 11 ) - وهم الجَمال والله يحب الجَمال ويستح ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين ( 6 ) - الأديان كثقافة وميديا ل ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 8 ) - الإنسان بين وهم الش ...
- تأملات فى الإنسان والإله والتراث ( 7 ) - وهم حرية الإنسان وا ...


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - حكمت المحكمة ( 3 ) - القصاص فى الشريعة بين القبول والإدانة .