أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - عن الشاعر الجواهري وتموز والزعيم عبد الكريم قاسم















المزيد.....

عن الشاعر الجواهري وتموز والزعيم عبد الكريم قاسم


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3443 - 2011 / 8 / 1 - 00:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



نشر الصديق النشيط الدكتور عقيل الناصري مقالا على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 22 تموز 2011 بعنوان (الجواهري وتموز) سدّ فيه ، كعادته، حاجة القراء المهتمين بوقائع وتاريخ ثورة 14 تموز إذ تضمن المقال التعرف على جديد المعلومات، عن علاقة الجواهري بزعيم الثورة عبد الكريم قاسم، إضافة إلى منابع معلوماتية أخرى عن شخصية عبد الكريم قاسم، كما عودنا دائما، في جميع مقالاته وكتبه التموزية – القاسمية.
تضمن مقاله نقوشا هامة جميلة على جدران صفحة تاريخية، بصور ٍ زاهية وبإشكال ٍ زاهرة، عن تاريخ عبد الكريم قاسم، وقفتُ أمامها مشدوها شاكرا جهد الباحث عقيل الناصري في تقديم الصور البينة والحقائق الواضحة كي تطفو جلية أمام أنظار الجيل الجديد ، الذي ما زال قلقا في موقفه إزاء تاريخ ثورة 14 تموز وزعيمها وتعقيداتها وإزاء واقعية علاقاتها وتناقضاتها وصعوبات مسيرتها وما أحاطها من عثرات ومؤامرات لتوجيه الضربة لها منذ ساعة ميلادها.
كنت سعيدا بلا ريب أثناء قراءة المقال لكني وجدت نفسي مستسلما بالوقوف والتأني أمام نقطتين اعتقد أنهما بحاجة إلى تسليط شيء من نور الذاكرة عليهما ولو أن ذاكرتي في الغربة بأشد الحاجة إلى المصادر الدقيقة التي تجنبني وتجنب ما اكتبه من سطور في هذه المقالة من أي قصور أو زلل. ليس لي في هذه المناسبة غير التعقيب ومقاسمة الدكتور عقيل الناصري الحديث عن موقفين ورد ذكرهما في المقالة المذكورة:
أولا ما يتعلق بموقف عبد الكريم قاسم من نقيب الصحفيين العراقيين محمد مهدي الجواهري وما جرى في احتفالية النقابة بمناسبة الذكرى الثانية لثورة 14 تموز.
النقطة الثانية تتعلق بالخلاف الناشب بين محمد مهدي الجواهري وعبد الكريم قاسم حول مقالة الجواهري التي كتبها في جريدته ( الرأي العام) تحت عنوان( ماذا جرى في الميمونة) حسب ذاكرتي .
أقول، أولا، أنني كنت من المشاركين في مؤتمر نقابة الصحفيين الأول ضمن وفد مدينة البصرة الذي كان يتكون من عشرة صحفيين - كما أتذكر - وقد كنت قد حضرت إلى بغداد قبل يومين من انعقاد المؤتمر بسيارة الصديق كامل عبايجي ( قومي) صاحب (جريدة الخبر، وهي سيارة صغيرة من نوع فوكس واكَن (ركَة) بصحبة محمد الجزائري ( مقيم حالياً في الإمارات) ومدير تحرير جريدة صوت الطليعة الشيوعية ( مقيم حاليا في السعودية) وعباس سكران . انقلبت بنا السيارة بعد مغادرتنا مدينة العمارة بمسافة 20 – 25 كيلومترا بعد اصطدامنا بـ(نعجة) خائفة ، فاجأتنا بمحاولة العبور من أمام سيارتنا من الشارع العام إلى الجانب الأيمن من الطريق الترابي متمرغة بالوحل عدة مرات ، بانقلاب مستمر، لكننا نجونا جميعا بشكل لم نصدقه نحن ولم يصدقه سواق السيارات واللوريات، الذين سارعوا لنجدتنا وسحب السيارة التي لم تصب بأذى غير تهدم الدعامية الأمامية . كان حزننا الوحيد في تلك اللحظة على موت (النعجة) التي رفض الراعي استلام مبلغ التعويض الذي قدمناه له قائلا : نعجتي فداء لسلامتكم.
كما بادر في اليوم التالي الصديق سعود الناصري إلى وليمة غداء بسيطة (احتفالا) بسلامتنا وقد توفرت لنا صورة فوتوغرافية أثناء الغداء (قوزي على تمن) متوفرة تحت يدي الآن، لكنني لا أود نشرها لأنها (تفضحني..!) فقد كنت الوحيد أتناول الغداء (بيدي) على (الطريقة البدوية) ، بينما كل المدعوين الآخرين كانوا يستخدمون الشوكة والملعقة . بعد الغداء ابلغني سعود الناصري بتفاصيل برنامج المؤتمر التأسيسي الذي سينعقد غدا وعن دورنا فيه . كما نشط محمد الجزائري بنفس اليوم بالعمل في قسم الهويات لجميع المشاركين مانحا أياي هوية نقابة الصحفيين رقم 4 .
انعقد المؤتمر في موعده. تعرفت في يومه الأول على الصحفي سليم البصون وعبد المنعم الجادر، اللذين امتدت صداقتي معهما زمنا طويلا إلى حين مغادرة الأول إلى لندن قبل منتصف سبعينات القرن الماضي حيث ودعته قبل يومين من سفره وامتدت مع الثاني إلى ما قبل رحيله. أسرني سليم البصون المحرر في جريدة الجواهري (الرأي العام) أن المعركة الانتخابية ستحتدم بين محمد مهدي الجواهري وقاسم حمودي صاحب (جريدة الحرية) المعادية للشيوعية واخبرني بضرورة التعبئة الانتخابية للجواهري، بينما كان سعود الناصري واثقا من فوز الجواهري ثقة مطلقة غير قابلة للنقاش، خاصة بعد فترة ازدهار المنظمات الديمقراطية حيث تأسست فيها وانعقد مؤتمرات عدد كبير منها مثل منظمة أنصار السلام والاتحاد العام للجمعيات الفلاحية واتحاد الطلبة العام ونقابة المعلمين ونقابة المحامين ورابطة المرأة والاتحاد العام لنقابات العمال . كان البصون – وهو على حق - يظن أن الصحفيين المحيطين بالزعيم عبد الكريم قاسم ومنهم يونس الطائي صاحب (جريدة الثورة) الذي كان يحمل حقدا شخصيا في كتاباته على الشيوعيين عامة وعلى الجواهري خاصة.
بالفعل لعب الصحفيون التقدميون داخل المؤتمر من اجل ضمان فوز الجواهري فوزا كبيرا بعد أن عرفنا أن العناصر المناوئة للشيوعية قد اتفقت على ترشيح قاسم حمودي ليكون منافسا للجواهري. من المعروف في تلك الفترة أن عناصر المخابرات المصرية في بغداد و جمال عبد الناصر وجماعته في العراق ، من البعثيين والقوميين ، كانوا من المشجعين لكل الضغط الصحفي الذي تمارسه جريدة (الحرية) على الرأي العام العراقي، ضغطا متعدد الأغراض، كان أوله عزل الجماهير عن زعامة عبد الكريم بما كانت تبثه الجريدة من منتجات فكرية وسياسية سامة ضد الشيوعيين والتقدميين ومؤيديهم في الشارع العراقي، بصورة مباشرة وغير مباشرة.
لكن هذه الجهود السمية لم تحقق أغراضها في تلك الآونة، بل انكشفت عزلتها التامة داخل المؤتمر عندما جرت انتخابات الهيئة الإدارية لنقابة الصحفيين. فقد حاز الجواهري ليس فقط على أعلى الأصوات، بل نالت 163 صوتا من 172 صوتا وجعلته نقيبا للصحفيين العراقيين. لم ينل قاسم حمودي غير ثلاثة أصوات..! كما فاز محمد السعدون عن جريدة (الأهالي) نائباً للنقيب 106 أصوات . أما أعضاء الهيئة الإدارية فقد فاز فيها كل من :
عبد الرحيم شريف( جريدة اتحاد الشعب) بــ 154 صوتا ، وجلال الطالباني ( جريدة خه بات) بــ65 صوتا ، ولطفي بكر صدقي( جريدة صوت الأحرار) بـ 60 صوتا. كما فاز آخرون بأصوات متفرقة. وقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم في تصريحاته الصحفية اللاحقة مسرورا بهذه النتائج.
في اعتقادي أن (الخلاف) بين الجواهري والزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن شديدا أو مستعرا حد القطيعة منذ بداية الثورة كما يشير البعض ممن كتبوا عن هذه الموضوعة. فكل منهما قال في الآخر أفضل الصفات بمناسبات عديدة، كما أن الجواهري كان منذ البداية حتى شباط 1963 ، ملتصقا بأهداف الثورة وكان له دوره الكبير في تأسيس اتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين اللذين لعبا دورا كبيرا في التعبئة الجماهيرية الواسعة للالتفاف حول قيادة الثورة داخل البلاد خلال النشاطات والكتابات في الصحف الوطنية وخارجها حيث شارك الجواهري بنشاط مع أول وفد أدبي في أعمال المؤتمر الأدباء العرب المنعقد في الكويت وكان بصحبته الدكتور صلاح خالص والدكتور مهدي المخزومي وعبد الوهاب البياتي وغيرهم وكان مع الوفد الأدبي كل من الصحفيين بديع بطي (جريدة البلاد) وسلمان الصفواني ( جريدة اليقظة) . كان دور الجواهري والوفد المرافق له في المؤتمر أثر كبير في تصحيح رؤى الأدباء العرب عن الثورة العراقية.
كان بعض الصحفيين المحسوبين على التيار القومي وهم بذات الوقت مقربين بشكل أو آخر من عبد الكريم قاسم يحاولون بالغمز أحيانا وبالصراحة أحيانا أخرى تكريس جل طاقاتهم الصحفية على تحقيق أحلامهم بإيجاد قطيعة حادة بين الجواهري وعبد الكريم قاسم ، أي بين الثقافة والثورة ، مستغلين الحساسية الشديدة بين هذين القطبين ، مثلما كانت كل تلك الطاقات الصحفية، الواقعة تحت تأثير عبد الناصر والبعثيين، مكرسة لتهييج عبد الكريم قاسم ضد الشيوعيين انسجاما مع دور وسائل الإعلام الناصرية وفي مقدمتها إذاعة صوت العرب وانفعالات المزاج الصارخ للمهووس احمد سعيد المذيع الأشهر في تلك الإذاعة ، في ذلك الزمان.
في الفترة اللاحقة لقيام ثورة 14 تموز ظهر العديد من الصحف التقدمية والديمقراطية التي انتهجت نهجا صحفيا حرا مستقلا مثل صوت الأحرار، والاستقلال، والرأي العام، والبلاد، والأخبار وغيرها. كما صدرت جريدة اتحاد الشعب بعد شهور من قيام الثورة ثم أصبحت بسرعة الصحيفة الأكثر توزيعا مما أثار غيض وكراهية الصحف التي تدعي القومية مثل الثورة والحرية وبغداد والفجر الجديد. وقد اندفعت الصحف التقدمية في بعض مقالاتها بالدعوة لتأسيس نقابة الصحفيين العراقيين خاصة في بعض أعداد جريدة صوت الأحرار وجريدة البلاد والاهالي لسان حال الحزب الوطني الديمقراطي قبل وبعد إجازة صدور جريدة اتحاد الشعب في 25 – 1 – 1959
لم تلتزم الصحف المسماة بـ(القومية) مثل الحرية واليقظة وبغداد والفجر الجديد بالمهمات الصحفية لمساندة الثورة وقواها لبناء مجتمع حر جديد ينبثق على أنقاض المجتمع القديم، شبه الإقطاعي شبه الرأسمالي، لكنها استغلت حريات المرحلة الجديدة من اجل تفتيت تلاحم القوى الوطنية خلال المرحلة الانتقالية، وقد وجدت نفسها طليقة بمهاجمة القوى الديمقراطية وإبعاد عبد الكريم قاسم عنها. تسابقت صحيفة بغداد لصاحبها خضر العباسي وصحيفة الثورة لصاحبها يونس الطائي لتقسيم المجتمع العراقي إلى شيوعيين وقوميين معتمدة على نشر كل ما هو باطل ومسيء في هذا التقسيم الذي ترجمته في كثير من مقالاتها إلى أكاذيب منشورة على صفحاتها الأولى بكيل الشتائم إلى الحزب الشيوعي حتى جاء اليوم لكيل الشتائم البغيضة لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري ( رئيس اتحاد الأدباء ونقيب الصحفيين) بمحاولة تزييف تاريخه ونضاله حين ردّت صحيفة بغداد على مقالة الجواهري المعنونة ( ماذا في العمارة .. ماذا حدث في الميمونة) بمستوى سوقي – شتائمي متهمة إياه بتزوير الحقائق عن وقائع حوادث القمع البوليسي الذي قامت به شرطة مدينة العمارة على الفلاحين الكادحين المنتفضين في ناحية الميمونة . كتب خضر العباسي بقلمه على ظهر صحيفته مقالا بتاريخ 26 – 7 – 1959 أوصافا الصقها بالشاعر الجواهري مثل: ( انتهازي.. سافل.. شعوبي) كما وصفه بأنه إيراني الأصول والجنسية.
هذا المقال هو الذي أثار الجواهري، ليس فقط ضد خضر العباسي، بل ضد عبد الكريم قاسم حيث كان يعتقد أن هذا المقال لا يمكن كتابته ونشره من دون موافقة الزعيم إنْ لم يكن بدفع وتشجيع منه، ربما يوجد هناك شخص ما رسخ في الجواهري مثل هذا الظن . في اليوم التالي ردّ الجواهري بقلمه في مقال تضمن هجوما حادا للدفاع عن كرامته كما تضمن نقدا مباشرا لحكومة الثورة قائلا: ( إلى هذا الدرك الأسفل هوت الأخلاق المنحدرة والى هذا الحد بلغت الاستهانة بكرامات الناس وأقدارهم وبمثل هذه الصفاقة على خيرة رجال الفكر والعلم والشعر والأدب وبمرأى ومسمع من حكومة وطنية مسؤولة عن كل ما يشرف سمعة هذا البلد وما لا يشرفها يقع مثل هذا ..).
قال مهدداً أن اتحاد الأدباء سيتخذ كل تدبير يسعه لإبلاغ أصوات الاحتجاج المرتفعة منه على مثل هذه الأساليب المستخدمة ضده عن طرق وضيعة مثل هذه. وقال ، أيضاً، (هل يظن من يعنيهم الأمر أن الحصاد الذي سيجنيه الحاصدون من هذا الزرع اللئيم مساو للغاية التي زرع من اجلها وان الثمرة التي يحلم بها الناطقون ستكون حلوة وحتى قليلة المرارة كما يتوقعون كذب ما يظنون وعبث ما يتوقعون..؟). ولا شك ان هذا القول يحمل صورة مصغرة لتشابه سلوك جريدة بغداد مع سلوك بعض أجهزة الثورة ربما وصلت إلى أسماع عبد الكريم قاسم مضخمة ومؤذية، جعلته غير مرتاح من الجواهري رغم أن كلام الجواهري في ما كتب كان يجب أن يجعل الزعيم عبد الكريم أن يكون أكثر انتباها لأوراق اللعب المعادي للثورة بأيادي العناصر المعادية ذات المواهب والملكات القادرة على الغش والتزوير بهدف تفكيك قوى الثورة تمهيدا لإسقاطها .
يبدو أن عبد الكريم قاسم أراد أن يخفف من غضب الجواهري ويسترضيه وقد حانت الفرصة في حفل نقابة الصحفيين بمناسبة الذكرى الثانية لثورة 14 تموز أقامته في 31 تموز 1959 حين وقف الاثنان جنبا إلى جنب في منصة الاحتفال حيث شاهدنا عبد الكريم قاسم يرفع بيده يد الجواهري إلى أعلى معلنا :(أنكم تحتفلون هذا اليوم بتوديع نقيب الصحفيين فقد انتدبناه لعمل آخر وأننا لا نظن أنكم تبخلون علينا بهذا النقيب العزيز عليكم فأننا نثمنه ونقدره في أعماله وجهوده ومن يأخذ على شخص من الأشخاص وعلى مخلوق من الخليقة بالخطأ والزلل فذلك إنما يكون على ضلال مبين.. إننا بشر وكلنا معرضون للخطأ والزلل وأنني اقدر نقيب صحافتكم وأثمن جهوده وأعماله وقد انتدبناه لعمل آخر وسوف تقومون بانتخاب نقيب آخر وأننا نعتز بهذا النقيب ونأخذه إلى جانبنا ).
هذه الأقوال في وصف الجواهري وتكريمه من قبل الزعيم عبد الكريم لا تزال تحتاج إلى كثير من الجهد لتفسيرها وتحليلها فقد ظن الصحفيون والمثقفون العراقيون، تلك الليلة، انه رسم تخطيطا جديدا لعلاقة المثقف بالثورة وقد اعتقد المثقفون أن نموذجا مقارنا للعقل الثوري أصبح أمرا واقعا في موقف الثورة من المثقف، بتمييز قاطع أوضحه كلام الزعيم عن نقيب الصحفيين العراقيين محمد مهدي الجواهري، بينما حدث تغير غريب في شخصية عبد الكريم إذ أعلن في اليوم التالي عن اعتقال الجواهري لبضع ساعات تم إطلاق سراحه بعدها بكفالة (50 فلساً) إمعانا في اهانة الجواهري جعل المثقفين العراقيين في حالة الانتباه إلى أهانتهم جميعا بهذا النوع المفاجئ من الاعتقال وإطلاق السراح حيث ذوت سريعا أفكار وآمال الليلة الماضية باحتمال تعيين الجواهري الأديب والصحافي بمنصب وزير في حكومة الثورة .
أسفر ذلك عما يلي :
1- تعميق الخلاف بين قاسم والجواهري من جهة بزيادة البغض في قلب كل منهما تجاه الآخر حتى صار كل منهما ينطلق من فلسفته وجدليته الخاصة بالنظر إلى الثورة وقواها وكيفية معالجة مشاكلها، من جهة ثانية.
2- حاول بعض المحيطين بالزعيم عبد الكريم ، خاصة وصفي طاهر، إصلاح ذات البين بينهما فجمعهما بـ(لقاء عتاب ومصالحة) في مكتب الزعيم بوزارة الدفاع، لكن الجدل المتشنج بينهما لم يعزز الصلات ، بل بالعكس ابعد واحدهم عن الآخر رغم أن النصف الساعة الأخير من هذا اللقاء كان مشتقا من المظهر الواضح في (المصالحة والتسامح) ولم يكن في جوهره مضاء بضوء المحبة الحقيقية. ظل هذا الوضع قائما بينهما ، معمقا تصورات كل منهما تجاه الآخر، رغم أن احدهما لم يطعن بإخلاص الآخر أو بوطنيته حتى بعد مغادرة الجواهري بغداد قبل قيام انقلاب 8 شباط الأسود عام 1963.
لم يكشف مؤرخو الحقبة القاسمية حتى الآن من مثل الصديقين الدكتور عبد الخالق حسين والدكتور عقيل الناصري عن تفاصيل هذه الواقعة المثيرة، ذات التعقيد البالغ، التي تحتاج إلى درس وتحليل عميقين عن البناء الفكري في خطى عبد الكريم وعن مستوى وعيه بما يقول ويخطب كما لم يكشفا حتى الآن الدور السري الملعوب من قبل المقدم جاسم العزاوي سكرتير الزعيم عبد الكريم قاسم لصالح مؤامرات عبد الناصر وحزب البعث هو الدور الملعون الذي اوجدا تدريجيا تعقيدا واضحا في الجهاز العصبي للثورة جعل زعيمها يحمل فكرتين متضادتين في نفس الوقت، فكرة معطاءة وفكرة ضاربة، فكرة متسامحة وفكرة انتقامية. ترى هل أن لذلك علاقة بما أشار إليه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي عن ازدواجية الشخصية العراقية التي تحدث عنها في كتابه المعنون ( دراسة في طبيعة المجتمع العراقي) أم أن هناك عوامل أخرى وتفسيرات أخرى لا شك أن التعرف عليها وفحصها أمر مفيد جدا في هذه المرحلة من مراحل التحرك النفسي والثوري التي تمر بها الثورات العربية والظواهر الجديدة في العراق المتغير بإيقاع معقد ..؟
لكنني أقول رغم كل ذلك فان العلاقة بين ( قاسم والجواهري ) التي هي انعكاس للعلاقة بين (الثورة والمثقف) تحتاج إلى بحث معمق دقيق كي يمكن تحديد مقياس مستوى الوعي في هذه العلاقة فتحليل هذا الوعي يساعدنا جميعا في إزالة بعض الالتباسات عن مجموع مشاعر الجواهري تجاه عبد الكريم أو مشاعر عبد الكريم قاسم تجاه الجواهري.. إن مثل هذه الإزالة توصلنا جميعا إلى لحظة إدراك حقيقة الوعي العام خلال الفترة القصيرة من عمر ثورة 14 تموز حيث لعبت فيها الاميبا الرجعية دورا خبيثا في بيئة الثورة ووضعها في متاهات الطرق والمسالك الخطيرة لتمزيق قواها تمهيدا لضرب الثورة بعنف انقلاب شباط والحرس القومي.
أعتقد أن من المهم للباحثين أن يتعرفوا على حقيقة النمط التصادمي غير المنتظم في سياسة سلطة الثورة الذي جر رأسها بالابتعاد عن القوى الأساسية المحركة للثورة سواء بنشاطها الجماعي في الأحزاب التقدمية كالحزب الشيوعي العراقي أو بنشاطها الجماعي في المنظمات الجماهيرية والثقافية كاتحاد الأدباء ونقابة الصحفيين اللتين كان محمد مهدي الجواهري يرأسهما.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 31 – 7 – 2011



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن سياسة سرج الصحفي ولجمه..!
- مجلس الرئاسة.. ثلاثة طيازة بفد لباس ..!
- ضياء الشكرجي.. ثوري بلا أقنعة
- المؤتمر التاسع مظلة الديمقراطية فوق اليقين الشيوعي
- عن أفكارٍ في إناء ٍ مثقوبٍ لا تحترم الحقيقة ..
- نداء إلى قناة الشرقية لوقف عرض مسلسل الباشا ..!
- أخلاق الدكتاتور وأخلاق المجرم واحدة..
- أكبر سرقة مالية في التاريخ الأمريكي..
- حوار ديناصوري بين القائمة العراقية ودولة القانون..!
- هناء أدور في بلاد العجائب..!
- البلطجية اشتكوا من ساحة التحرير..!
- عادل عبد المهدي يتسلق أسوار الاحتجاج
- المثقف والتغيير و الديمقراطية الالكترونية
- لا تستغربوا من انتشار الخمور في كربلاء ..!
- احترامي للمحافظ..!
- تحررت بلادنا من مجتمع القرود يا تشارلس دارون..!
- بعد هروب الشقراء غالينا معمر القذافي يأكل الفسيخ..!
- أمراض تتفشى بالمزاد العلني
- يا حسرتاه .. أنظار الدولة تغيب عن الفنان فؤاد سالم
- الفساد المالي يبدأ من فوق كرسي الوزارة..!


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - عن الشاعر الجواهري وتموز والزعيم عبد الكريم قاسم