أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - !العراق في معادلات الشرق الأوسط والعالم















المزيد.....



!العراق في معادلات الشرق الأوسط والعالم


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1026 - 2004 / 11 / 23 - 10:13
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


منذ سنوات العقد الأخير من القرن العشرين حصلت تحولات جذرية في الخارطة السياسية العالمية وفي موازين القوى الدولية وعلى مستوى الأقاليم المختلفة, تلمسها البعض واعترف بها وأخذها بنظر الاعتبار في رسم برامجه وسياساته بغض النظر عن موقفه منها, في حين تجاهلها البعض الآخر وكأن لم يحدث أي تغير في واقع العالم الذي نعيش فيه وراح يمارس ما كان يمارسه من قبل, وأصبح بهذا الموقف يعيش في وادٍ والعالم يعيش في وادٍ آخر. ولم يقتصر هذا التمايز في المواقف على دول العالم, وخاصة الدول النامية, بل شمل أيضاً الأحزاب والقوى السياسية في الكثير من بلدان العالم بما فيها بلدان الشرق الأوسط, ومنها العراق. وإذ كان النظام العراقي المخلوع قد جسد هذا الموقف غير الواعي لما طرأ على الواقع الدولي والإقليمي وحصد ما كان متوقعاً منذ فترة قصيرة, فأن أحزاباً سياسية عراقية ما تزال تمارس نفس الموقف الذي لا يمكن اعتباره إلا نموذجاً لموقف النعامة التي تدفن رأسها بالرمال عندما تجد عدوها يقترب منها. والسؤال المطروح هو: ما هي الحقول التي شملتها التحولات الفعلية العميقة والمؤثرة الجارية حتى الآن على حركة واتجاهات تطور عالمنا المعاصر؟ يمكن فيما يلي الإشارة إلى بعض أهم الحقول التي شملتها وما تزال تعيش عملية التغيير:
• الحقل السياسي الدولي: وتجلى في غياب الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي من الخارطة السياسية وتكريس مكانة الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم الرأسمالي وسعيها لضمان هذه المكانة والدور الأول على صعيد الأمم المتحدة والعالم باعتبارها القطب الدولي الأوحد من حيث القدرات العسكرية والإنتاج الحربي والمكانة الاقتصادية الأولى في العالم. وفي الوقت الذي كان التناغم وكأنه سائداً في ما بين الدول الرأسمالية قبل ذاك, بدأت التناقضات والصراعات في إطار المراكز الرأسمالية تتخذ صيغاً جديدة أكثر وضوحاً, كما برز التناقض بين مصالح الدول النامية (المحيط), ومصالح الدول الرأسمالية (المركز) يتخذ هو الآخر صيغاً جديدة وأكثر بروزاً من قبل, لم يعد في مقدور دول المركز تجاهله إذ أنه يسبب للعالم كله مشكلات لا حصر لها, وليس أولها ولا آخرها التطرف والأصولية والإرهاب.
• الحقل الفكري: وتبلور في واقع أن تجربة بناء الاشتراكية في جزء من العالم وبالطريقة التي مورست لم تكن تمتلك القاعدة المادية والمستلزمات الموضوعية لإقامتها, وبالتالي فأن فكرة العدالة الاجتماعية المقترنة بالحرية العامة والفردية وبالديمقراطية وحقوق الإنسان, التي هي جوهر الفكر الاشتراكي العلمي, لم تنهزم, بل الهزيمة لحقت التجارب البيروقراطية ذات المضمون الشمولي والرؤية الذاتية لبناء الاشتراكية في أرضية لم تكن بعد صالحة, وبالتالي فأن الفكرة ما تزال قائمة والنضال من أجلها ليس عبثياً والوصول إليها سيتخذ طرقاً وأساليب مختلفة, علماً بأن الأساس المادي للاشتراكية على الصعيدين المحلي والدولي لم ينضج بعد وسيأخذ وقتاً أطول مما تصوره البعض الكثير ومسارات أخرى عديدة ومتنوعة, إذ أن الرأسمالية ما تزال تمتلك مقومات استمرار وجودها. وإذ كان البعض قد رأى بأن الاشتراكية كانت قاب قوسين أو دنى من الشيوعية, فأن البعض الآخر قد بدا له وكأن الاشتراكية هي التي فشلت والرأسمالية هي التي انتصرت. في حين أن الموقفين خاطئان. وعلى أساس هذا النمط من التفكير برزت تلك الأفكار التي تتحدث عن نهاية التاريخ أو عن صدام الحضارات بدلاً من صراع الطبقات, صراع العمل ورأس المال, كما ورد في كتابات فرنسيس فوكوياما وصموئيل هنتنكتون مثلاً. من المفيد أن نشير هنا إلى أن النضال من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية سيستمر في ظل النظم الرأسمالية القائمة للحصول على أقصى ما يمكن من مكاسب لصالح الشغيلة, سواء أكانوا من شغيلة اليد أو الفكر.
• الحقل العلمي: تحققت للعالم ثورة علمية تقنية وجدت تعبيرها الأكثر أهمية في التحولات الكبيرة في مستوى تطور القوى المنتجة وتغيرات عميقة في بنية الإنتاج المادي ونشوء فروع علمية واقتصادية جديدة لم تكن قائمة قبل ذاك. وتمكنت الولايات المتحدة من قيادة هذه العملية واحتلت الموقع الأول في التعليم والبحث العلمي والتقني وفي وضعها حيز التنفيذ بالمقارنة مع أوروبا الغربية, التي تخلفت كثيراً خلال العقود الثلاثة الأخيرة في هذا الحقل, وكذلك اليابان, عن اللحاق بها. أما بلدان العالم الثالث فقد بقيت بعيدة جداً عن المشاركة في إنتاج وتطوير العلم والتقنيات الحديثة مع مراكز إنتاجه الأساسية واستمرت في كونها مستهلكة لها بشكل عام حيث يكلفها ذلك مبالغ طائلة إضافة إلى عواقب سلبية كثيرة أخرى. وارتبط بهذا الواقع خسارة كبيرة ومستمرة تتحملها البلدان النامية وهي ناجمة عن بقاء خريجيها في البلدان المتطورة وعدم عودتهم إليها أو هجرة الأدمغة منها إلى البلدان الرأسمالية المتطورة لا بسبب التخلف فحسب, بل وبسبب غياب الحرية والديمقراطية والحرية الأكاديمية والقهر والاضطهاد الفكري والسياسي والاجتماعي.
• الحقل الاقتصادي والتجاري: وتجلى تطور الرأسمالية على الصعيد العالمي في بروز متميز وقوي لظاهرة العولمة, باعتبارها عملية موضوعية لا حياد عنها مرتبطة بمستوى تطور القوى المنتجة, ومنها الثورة العلمية والتقنية, ثورة الإنفوميديا, على الصعيد الدولي وفي مختلف المجالات, والدور الرئيسي للولايات المتحدة في هذا الجانب أيضاً, التي تقف في مقدمة الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى, ومحاولتها الجادة والدءوبة لفرض سياساتها العولمية, المستندة إلى مصالحها الخاصة, على العالم كله. ونتيجة للإمكانيات الكبيرة للولايات المتحدة من جهة, واستناداً إلى توجهها في الهيمنة الدولية من جهة أخرى, تعزز دور المؤسسات المالية والتجارية الدولية التي تخضع فعلياً لسياسة ومراقبة الولايات المتحدة بسبب مكانتها وقوتها المالية فيها, وأعني بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الحرة الدولية. وتبدو الفجوة هائلة بين المستوى الرفيع لمشاركة الدول الرأسمالية المتطورة في إنتاج الخيرات أو السلع المادية وفي حجم التبادل التجاري الدولي وبين المستوى المتخلف للدول النامية في هذين الحقلين وتجليات ذلك في معدل حصة الفرد الواحد السنوية من الدخل القومي ومن التبادل التجاري في هاتين المجموعتين من الدول.
• واقترنت كل هذه التغيرات, وبسببها أيضاً, ببروز تيار عاصف للقوى المحافظة الجديدة المتشددة في يمينيتها والمتمسكة بقوة بالرؤية اللبرالية الجديدة في الرأسمالية (وهي رؤية أصولية متطرفة لدور وفعل السوق) لا على صعيد بعض الدول المتقدمة فحسب, بل وعلى صعيد العالم تشمل جميع الحقول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية والمعرفية عموماً في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أولاً, ومن ثم في جميع دول أوروبا الغربية واليابان وبقية دول النظام الرأسمالي العالمي, بما فيه الدول الاشتراكية السابقة (دول التحول) التي انتمت حديثاً إلى عائلة الاتحاد الأوروبي أو التي في طريقها إليه. وتتجلى أبرز معالم ذلك في الموقف من الدولة وقطاعها الاقتصادية ومن البرامج الاجتماعية ومحاولة استعادة أو تقريم جميع المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحققت للطبقة العاملة والفلاحين وبقية المنتجين للثروة المادية والروحية في المجتمعات المختلفة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الحرب الباردة, وتفاقم التمايز الطبقي بين الفئات الأكثر غنى في المجتمعات الرأسمالية والنامية وبين الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً فيها, وكذا الحال بين أكثر بلدان الشمال غني, وأكثر بلدان الجنوب فقراً. ويساهم كل ذلك في تعميق التناقضات واحتمال تفجر الصراعات الطبقية والسياسية على المدى المتوسط والمدى البعيد بأقوى مما كان عليه سابقاً.

كانت الولايات المتحدة سباقة في السلبي والإيجابي من كل ذلك, مما منحها إمكانية أن تلعب الدور الأول والأكبر وأن ترفع من درجة تأثيرها المباشر على مواقع عديدة مهمة على الصعد المختلفة, ومنها بشكل خاص:
• مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة, حيث أصبح وكأنه جزءاً من مؤسساتها, وبشكل خاص قبل شن حرب الخليج الأخيرة 2003.
• الدول التي تعتبر صديقة للولايات المتحدة أو مرتبطة بها عبر أحلاف واتفاقيات سياسية ثنائية أو متعددة الأطراف, أو تابعة في سياستها لها بشكل تام.
• حلف الأطلسي وعلى قراراته العسكرية بشكل عام.
• المؤتمرات الدولية الخاصة بالبيئة أو بالمشكلات الاجتماعية أو غيرها من المنظمات الاقتصادية والمالية والتجارية الدولية.
• السياسات التي تمارسها حكومات الكثير من بلدان العالم ومنها بلدان الشرق الأوسط.

ومن أجل تحقيق الإستراتيجية الأمريكية على الساحة الدولية توجهت إلى استخدام الأساليب التالية, بغض النظر عن مواقف الدول والأقاليم المختلفة ومصالحها المباشرة وغير المباشرة, وهي:
1. محاولة إبعاد الأمم المتحدة عن اتخاذ القرارات الأساسية التي يراد اتخاذها على الصعد الدولية والإقليمية والمحلية بهدف ترك الأمر للمؤسسات الدستورية الأمريكية, أي محاولة الحلول محل المنظمة الدولية أو إهمالها كلية في حالة عدم الأخذ برأيها وتنفيذ ما تراه مناسباً.
2. استخدام العقوبات الاقتصادية والمقاطعة التجارية وتجميد الأرصدة المالية في البنوك الأجنبية في حالة رفض بلد من البلدان اتخاذ المواقف أو السياسات التي تسعى إلى ممارستها.
3. إدخال مبدأ ممارسة الحرب الإستباقية لمواجهة احتمالات نشوء مخاطر تهدد الولايات المتحدة أو حليفاتها في العالم من جانب هذا البلد أو ذاك. أي الاستعداد إلى خوض حروب إقليمية محدودة شريطة أن تكون بعيداً عن حدود وأراضي الولايات المتحدة.
4. الاستمرار بتطوير أجيال جديدة من الأسلحة الهجومية والدفاعية الأكثر حداثة وتقدماً وتوجيه موارد مالية هائلة لإقامة تلك الدفاعات الجديدة.
5. الإصرار على إقامة قواعد عسكرية متقدمة للولايات المتحدة في الكثير من بلدان العالم وخاصة في تلك المناطق التي تحتل أهمية استثنائية من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية, ومنها منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا وجنوب شرقي آسيا.
6. الإصرار على تحقيق المكاسب الخاصة المرتبطة بمصالحها مباشرة وعدم الاهتمام بمصالح الدول الأخرى الحليفة لها, بما فيها مجموعة السبع الكبار زائداً روسيا الاتحادية.
ونظراً للتطورات الجديدة الملموسة في ممارسة هذه المواقف من جانب الولايات المتحدة الأمريكية نشأت على الصعيد الدولي مظاهر جديدة أسرع مما كان يتوقعها الإنسان, ومنها:
• بروز حركة شعبية واسعة تقودها منظمات غير حكومية وتجمعات شبابية في مختلف بقاع العالم, وخاصة في الدول الرأسمالية الأكثر تطوراً مناهضة لسياسات العولمة التي تمارسها الولايات المتحدة وضد سياسات المؤسسات المالية والنقدية والتجارية الدولية وضد سياسات الولايات المتحدة في مسائل البيئة والفقر والأمراض في العالم, أو إزاء بلدان العالم الثالث.
• بروز منافسة متميزة وصراع بارز بين دول مجموعة السبع الكبار زائداً روسيا الاتحادية حول سبل تحقيق المصالح وأسس تقسيم المنافع في ما بينها.
• انتقال هذا الصراع إلى أروقة الأمم المتحدة وتجليه في التباين في وجهات النظر حول الأساليب التي يفترض ممارستها في تحقيق المصالح وتقسيم المنافع. وبدأت ببروز محاولات أكثر جدية من السابق تدعو إلى إجراء تغييرات في تركيبة مجلس الأمن الدولي ونظم العمل فيه وزيادة عدد الدول الدائمة العضوية, وخاصة ألمانيا واليابان وإيطاليا والبرازيل والهند .. مثلاً.
• وبدا الأمر وكأن قطباً جديداً بدأ يتبلور على الصعيد العالمي هو القطب الأوروبي الذي بدأ يتخذ مواقف معارضة للقطب الأوحد حتى الآن, وبشكل خاص فرنسا وألمانيا. كما أن القطب الصيني يتحرى عن موقع له في هذا الصراع ويسعى إلا خلق محور أخر في جنوب شرق آسيا, ستكون له أهميته على المدى البعيد.
• وبدأت بلدان العالم الثالث تتململ في محاولة منها لتحقيق بعض المكاسب في خضم الخسائر التي تتحملها والأرباح التي تجنيها منها الدول الرأسمالية المتقدمة. ويبدو هذا واضحاً في مطالبتها بإلغاء الديون والفوائد المترتبة عليها أو في ضمان الحصول على مساعدات أو في معالجة قضايا الأمراض المعدية كالأدز في إطار ما يسمى بعولمة المنتجات ذات المنفعة العامة وجعلها في إطار قطاع الدولة لإبعادها عن الرؤية الربحية.
تمسك الولايات المتحدة حتى الآن بزمام الأمور في العالم ومصممة في سيرها في الهيمنة الفعلية على السياسة الدولية, إذ أن انتخاب بوش الابن للمرة الثانية لرئاسة البيت الأبيض يؤكد ذلك, ويعزز لدى الإدارة الأمريكية التوجه السياسي الراهن, بغض النظر عن احتمال إجراء بعض التعديلات الطفيفة, إلا أن النهج العام سيتواصل تقريباً كما كان عليه خلال الفترة الرئاسية السابقة. وستخلق هذه المسألة إشكاليات كبيرة, إذ أن الولايات المتحدة ذاتها ترفض حتى الآن رؤية التحولات الجارية في الطرف الأطراف الأخرى من العالم وتركز على مصالحها, خاصة وأن بوش الابن يؤمن بأنه جاء من أجل أن يحقق انتصار الحق على الباطل والخير على الشر.

لم يشترك الشرق الأوسط حتى الآن بأي دور مميز في السياسة الدولية, بل هو في الغالب الأعم كان وما يزال يستقبل تلك السياسات الأمريكية والأوروبية وأصبح يشكل موقعاً مهماً للصراعات الدولية فيه. ولكن الشرق الأوسط يساهم في إعادة إنتاج وتصدير العديد من المشكلات إلى العالم. وتبدو الصورة على النحو التالي:
جميع حكومات دول الشرق الأوسط دون استثناء, بما في ذلك إيران, تسعى إلى الحصول على قبول ورضا الولايات المتحدة, ولكنها لا تعرف كيف تحقق ذلك, إذ أن السياسات الأمريكية متطرفة للغاية وهمجية في رغبتها في فرض اتجاهاتها أو حتى سبل تحقيق تلك الاتجاهات, وبالتالي فهي تبدو أحياناً وكأنها تصطدم بها وتتصارع معها. ولكن في حقيقة الأمر لا تعرف كيف تتصرف لترضي الولايات المتحدة وتحافظ على مواقع حكامها في آن واحد.
أما شعوب بلدان المنطقة, في ما عدا إسرائيل, فهي تتصرف بالضد من حكامها وترفض السياسات الأمريكية جملة وتفصيلاً ولا تستطيع أو حتى لا تريد أن ترى التناقضات القائمة بين الإدارة الأمريكية وحكام بلدانها لتستثمرها لصالحها, إذ أن الأحزاب السياسية الفاعلة في غالبيتها والمؤثرة على نسبة مهمة من السكان الذين يمارسون السياسة بطرق مختلفة لا ترى التغيرات الكبيرة التي طرأت على العالم وموازين القوى والتغييرات التي يفترض أن تجريها على مختلف جوانب فكرها وبرامجها وسياساتها ونشاطاتها وخطابها السياسي. ولهذا فهي تصطدم بالولايات المتحدة حتى عندما تطرح الأخيرة موضوع التغيير الديمقراطي في هذه البلدان, إذ تعتبرها محاولة للهيمنة الأمريكية وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط, وكأن حكومات الشرق الأوسط لا تساير اليوم سياسات الولايات المتحدة. إذ حتى لو كان الأمر كذلك فأنها ستكون الخطوة الأولى على طريق انتزاع الحرية والديمقراطية من الحكام الحاليين ثم التصدي للقسم الآخر من العملية التي تعلن الشعوب العربية في المنطقة بشكل خاص رفضها لها. إن موقف الكثير من الأحزاب والقوى السياسية يبد وكأن شعوب هذه البلدان لم تكن تطالب بالحياة الديمقراطية حتى قبل طرح الولايات المتحدة لهذه الفكرة بسنوات أو عقود عديدة! إن الولايات المتحدة في سعيها للهيمنة على العالم سياسياً واقتصادياً تريد تحقيق الهدوء والاستقرار في جميع مناطق العالم وفق رؤيتها ومصالحها. وهذا لا يتعارض بالضرورة في بعض جوانبه مع مصالح الشعوب, كما يتناقض في بعضها الآخر مع مصالح حكام بلدان المنطقة. ولهذا يتطلب الأمر التمييز الواضح بين ما هو مفيد للشعوب وبين ما لا يجوز القبول به, شريطة أن يكون تحركنا وفق وعي سليم لميزان القوى على الصعد المختلفة وإلا فستصطدم بجدار سميك ومرتفع ولا نؤذي سوى مصالحنا. يقول المثل الإنكليزي أن الحقائق صخور صلدة من لا يعترف بها يصطدم بها ويكسر رأسه. وعلينا أن نتعلم من هذا المثل الصادر من تجارب الدولة العجوز.
ما يزال الشرق الأوسط مستهلك للسياسة التي ينتجها الغرب وليس مبدعا فيها أو مشاركاً في وضعها. وهذه الظاهرة ناجمة عن طبيعة النظم القائمة فيها وعلاقتها بمجتمعاتها والبون العلمي والتقني والتعليمي بينها وبين الدول الأخرى التي ترسم تلك السياسات. ولهذا فسياسات المنطقة ليست سوى مسايرة لها أو ردود فعل لما يرسم في العالم, كما أنها لا تمتلك إستراتيجية واضحة أو مشتركة بسبب الصراعات الدائرة في ما بينها, وبشكل خاص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي – الإسرائيلي, إضافة إلى دور إيران في المنطقة بعد زوال نظام صدام حسين. وعلينا أن نؤكد بأن الجماعات المتطرفة في إسرائيل والدول العربية غير مستعدة للمساعدة في الوصول إلى حلول عملية للمشكلات القائمة, إذ ما تزال أحلام إسرائيل في إقامة إسرائيل الكبرى فاعلة في المجتمع الإسرائيلي وحكومة شارون الراهنة وقيادة الليكود من جهة, كما لا تزال أحلام رمي إسرائيل بالبحر وإزالتها فاعلة في قوى الإسلام السياسي المتطرفة والقوى القومية اليمينية المتطرفة وبعض القوى اليسارية المتطرفة من جهة أخرى وهي التي تجعل من الصعب الوصول إلى حلول عملية للمشكلات القائمة. وتتحمل إسرائيل مسؤولية أساسية في ذلك بسبب مواصلتها الاحتلال وبناء المزيد من المستوطنات اليهودية في وسط المساحة القليلة المتبقية القليل للفلسطينيين من ارض فلسطين أو القسم الذي خصص لهم وفق قرار التقسيم لعام 1947.
إن التحولات التي تجري في العالم ليست بطيئة الحركة بل سريعة حقاً, ولكن نظم وشعوب المنطقة وأحزابها السياسية الحاكمة وغير الحاكمة هي التي تتحرك ببطء شديد. إنها ما تزال نائمة عموماً والمياه تجري من تحت أقامها. وهذا لا يلغي وجود قوى وفئات واعية ومدركة حقاً لما يجري وراغبة في إجراء التغييرات الضرورية, ولكنها غير قادرة على التأثير والفعل المباشرين لتحقيق الرؤية المنشودة.
تبذل الدول الأوروبية والولايات المتحدة جهوداً كبيرة لتحقيق رؤية مشتركة للوضع في العالم, ورغم صعوبات الوصول إلى ذلك, إلا أن التغيرات المحتملة في أجواء الديمقراطية والانتخابات في تلك البلدان يجعل من ذلك أمراً ممكناً حين تتغير مواقع بعض الأحزاب أو تحالفات لها وتحل محلها بعض الأحزاب الأخرى أو تحالفات أخرى. والجهد الذي نتلمسه في هذا الاتجاه يبرز في مؤسسات الاتحاد الأوروبي, ومن المتوقع أن تصل إلى رؤية متقاربة على الأقل في الموقف من القضايا العالقة, ومنها قضية العراق, إضافة إلى القضية الفلسطينية ومشكلة تخصيب اليورانيوم في إيران ..الخ.
كما تسعى روسيا إلى تنسيق مواقفها مع الولايات المتحدة بهدف معالجة مشكلاتها الداخلية, وخاصة مشكلة الشيشان, وما يمكن أن يتفجر من مشكلات أثنية فيها لاحقاً. وتسعى الصين إلى معالجة مشكلة تايوان, وبالتالي فهي مجبرة على إيجاد لغة مشتركة معها, رغم أن الصين لها مصالح جديدة في منطقة الشرق الأوسط برزت في السودان بشكل خاص بالارتباط مع التحري والتنقيب واستخراج النفط الخام, والتي جعلت الصين تتساهل مع السياسات العنصرية المقيتة التي تمارسها حكومة السودان الإسلامية المتطرفة إزاء الشعوب الأفريقية غير العربية.

أما العراق فهو يعيش حالياً في دوامة الصراع الدولي والإقليمي والعربي بعد سقوط النظام الاستبدادي, قبل أن يعيش صراعاً داخلياً, رغم وجود الأخير. إذ ما تزال الدول الأوروبية تحاول معاقبة الولايات المتحدة بسبب عدم رغبتها في مقاسمتها الغنائم في العراق ومنطقة الشرق الأوسط, وخاصة في أعقاب حرب الخليج الثانية بعد غزو الكويت. وازداد الأمر سوءاًً في أعقاب حرب الخليج الثالثة وسقوط النظام العراقي. وتخشى بعض حكومات الدول العربية على نظمها ومصالحها, وليس على بلدانها, من حرب مماثلة ضدها, وكذا بعض دول المنطقة, وخاصة سوريا وإيران, وبالتالي نرى بأن مجموعتي البلدان الأوروبية والإقليمية, ومنها بعض الدول العربية, تسعيان إلى خلق المزيد من المشكلات للولايات المتحدة وتحميلها المزيد من الخسائر في العراق لكي تتراجع وتنسق معها على مستوى الدول السبع الكبار زائداً روسيا الاتحادية, أو في إطار مجلس الأمن الدولي. وفي الوقت الذي كانت تتصارع على من يحصل على جزء مهم من قالب الكيك العراقي في فترة الازدهار المالي للعراق أثناء حكم صدام حسين, تتحرى الآن عن موقع مهم لها عند البدء الفعلي بعملية إعادة بناء العراق للحصول على الموارد المالية والأرباح الكبيرة أيضاًً. والمبتلى في كل ذلك هو شعب العراق.
يشكل العراق موقعاً مهماً في إستراتيجية ومعادلات الشرق الأوسط وعلى الصعيد الدولي لعدة أسباب جوهرية, وهي:
- الاحتياطي النفطي الغزير الذي يفوق ما تمتلكه المملكة السعودية من احتياطي وخاصة على المدى البعيد.
- موقعه الجغرافي الإستراتيجي المهم وقربه من إيران وروسيا الاتحادية.
- مكانته ودوره في العالم العربي وتأثيره على السياسة العربية وعلى الصراعات الدائرة فيه, بما في ذلك الصراع العربي - الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي, إذ أنه يأتي بالمرتبة الثانية بعد مصر.
- تعدد قومياته وتنوع أديانه ومذاهبه التي شكلت في فترات مختلفة أساس تطوره وفي فترات أخرى أساس صراعاته, والتي يمكن أن تتحول إلى أساس مادي متين لتطوره اللاحق وتقديم النموذج الديمقراطي والحر في منطقة الشرق الأوسط وفي سبل معالجة مشكلاته القومية.
- إمكانياته المادية والبشرية والكفاءات البشرية الكبيرة والرفيعة التي يمتلكها والتي تؤهله لبناء عراق حر ديمقراطي فيدرالي مسالم ومزدهر اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
والسؤال الذي يفترض الإجابة عنه: كيف يمكن للعراق أن يلعب هذا الدور وأن يكون مشاركاً في سياسة المنطقة ويساهم في الحياة السياسية الدولية؟
لا بد من الإشارة إلى تلك العوامل التي تمنع العراق من أن يلعب هذا الدور, قبل بلورة تلك العوامل التي تساعده على ممارسة هذا الدور. فالعوامل التي تمنعه تتلخص فيما يلي:
• سيادة الاستبداد المطلق على مدى عقود في العراق وحرمان المجتمع من القدرة على الاحتكاك والتفاعل مع العالم الخارجي وفرض التقوقع على الذات والسقوط في فخ الغيبيات التي ألحقت أضراراً فادحة بفكر الإنسان وقدرته على التفكير الحر والمتفتح وتخريب روحه الداخلية ووضعه النفسي وعلاقاته الاجتماعية الإنسانية.
• عدم تمتع الشعب لعقود طويلة بالحرية والديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان أو حتى عدم معرفة كثرة من كادحي المجتمع في الريف والمدينة, ومنهم الغالبية العظمى من النساء, لتلك الحقوق أو حتى للواجبات.
• عدم تمتع القوميات العديدة في العراق, وخاصة الشعب الكردي بحقوقه المشروعة, بما في ذلك وقبل كل شيء حق تقرير المصير, وحقوق القوميات الأخرى الإدارية والثقافية., واشتداد شرس للتمييز القومي والديني والمذهبي والفكري والسياسي وإزاء المرأة.
• عدم الفصل بين الدين والدولة وتشابكهما مما تسبب بإلحاق أضرارٍ بليغة بأتباع الديانات والمذاهب المختلفة وبالدولة ذاتها وبتطورها على أسس مدنية حضارية حديثة وفي ضوء مبادئ حقوق الإنسان.
• عدم تمتع الشعب فعلياً بثروة البلاد النفطية والغازية والفوسفاتية والكبريتية والزراعية كما ينبغي من خلال وضعها في خدمة التنمية الاقتصادية والبشرية في إقليمي العراق (وادي الرافدين وكردستان) ولصالح تحسين مستوى معيشة الإنسان العراقي, إذ أنها تعرضت للنهب الاستعماري البريطاني وللاحتكارات البترولية الدولية فترة, ولنهب الحكم الاستبدادي الصدّامي واستخدامها غير العقلاني والشرير في إنتاج الأسلحة والحروب وقهر الشعب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً فترة أخرى.
• وزاد في الطين بلة ضعف الوعي الديمقراطي والاجتماعي للسكان بشكل عام, والذي تجلى بصورة واضحة في سياسات وممارسات جميع الأحزاب والقوى السياسية العراقية منذ ثورة تموز 1958 حتى الوقت الحاضر وبصيغ مختلفة. ومما يؤكد ذلك ضعف التقدير, وأن كان متبايناً من حزب إلى آخر في الوقت الحاضر, للتحولات التي طرأت وما تزال تجري على عالمنا المعولم المعاصر, والذي يتجلى في برامجها الفكرية والسياسية وخاصة تلك القوى الأكثر تطرفاً, سواء تلك التي تريد إقامة مشروعها الإسلاموي السياسي السلفي المتطرف الذي يربط بين الدين والدولة, أم تلك التي تدعو إلى إقامة نظام قومي يميني شوفيني مقيت, أو تلك التي تسعى إلى طرح مشروعها اليساري المتطرف الذي لا يصلح لمجتمعنا في مرحلة تطوره الراهنة وعلى مدى غير قصير. وهي وبهذه المشاريع تزيد من انقسام المجتمع وتشتته وبعثرة جهوده لبناء جمهورية عراقية حرة ديمقراطية فيدرالية متحررة.
• ولا شك في أن هناك عاملين أساسيين راهنين يلعبان دورهما في إعاقة المسيرة, وأعني بهما استمرار وجود الإرهاب الدموي الذي يقتل يومياً عشرات العراقيات والعراقيين والذي لا بد من إيقافه وقطع دابره من جهة, وكذلك وجود قوات الاحتلال التي تثير مشاعر المواطنات والمواطنين وتدفع بهم للنضال في سبيل التحرر وامتلاك الإرادة الحرة من جهة ثانية. وهي إشكالية خلقها نظام صدام حسين المقبور للعراق بسياساته ومجازره وحروبه واتجاهاته في العسكرة والحروب. ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الهيمنة على العالم لم تعد بحاجة إلى قوات مسلحة وسيطرة عسكرية, بل يمكن تحقيقها بطرق أخرى. لهذا لا أرى بأن الولايات المتحدة, وهي التي تمتلك تلك القواعد المهمة في الخليج, وخاصة في قطر, ستفكر بالبقاء عسكرياً في العراق وتخلق لنفسها مشاكل إضافية. وتشير الدلائل إلى أنها ستكون مستعدة للخروج من العراق في حالة الانتهاء من الوضع الإرهابي الجاري وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1546 لسنة 2004.
إن هذه العوامل المعرقلة غير ثابتة بل متحركة صوب التغيير, كما إنها ليست دائمة الحضور, بل يمكن معالجتها والتخلص التدريجي منها. وما علينا إلا أن نتوجه بتصميم لمعالجتها. نحن أمام المهمات التالية من أجل تأمين المشاركة الفعالة في عالم اليوم:
1. إنهاء الإرهاب الدموي الجاري في العراق حالياً. إذ أن القضاء عليه يفتح أمامنا الطريق التالي:
أ?. الطلب من الأمم المتحدة أن تجهز العراق بقوات سلام دولية للمحافظة على أمن واستقرار العراق لفترة لاحقة دون أن تخشى إرهاباً مماثلاً لما جرى واليوم في العراق والذي يقلل من حماس توجهها للعراق بعد أن تكبدت خسائر فادحة في عام 2003 في بغداد مثلاً.
ب?. الطلب من قوات الاحتلال الأجنبية,بعد إيقاف الإرهاب وأعمال العنف, بإنهاء الاحتلال والانسحاب الفوري من العراق وتسليم الأمر بيد القوات العراقية وقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام.
وفي هذا الصدد تقع على عاتق الأحزاب والقوى السياسية السعي الجاد, الآن وبعد الانتهاء من الانتخابات القادمة, للبحث في موضوع استبدال القوات العاملة في العراق بقوات من مجلس الأمن الدولي بعد أن تتم العمليات الراهنة ضد قوى الإرهاب المنظم في سائر أرجاء العراق, إذ ترفض قوات الأمم المتحدة العمل تحت الراية الأمريكية باعتبارها لم تنفذ قرارات مجلس الأمن الدولي بسبب عدم صدور أي قرار عن المجلس يبيح للولايات المتحدة بخوض الحرب في العراق, كما ترفض الأخيرة منح مجلس الأمن الدولي حق قيادة القوات في العراق. ويبدو لي بأن على مجلس الوزراء, أياً كانت الهوية التي تميزه, أن يدرك بأن الشعب لا يمكنه احتمال فكرة استمرار قوات الاحتلال في العراق فترة طويلة.
وبموازاة ذلك يفترض استكمال أعمال التهيئة لإجراء الانتخابات للمجلس الوطني ورئيس الدولة وتسليم الحكومة للأكثرية البرلمانية من أجل استكمال أسس السيادة والاستقلال الوطني بوضع الدستور الديمقراطي الفيدرالي الدائم وإقرار قانون جديد للانتخابات القادمة ...الخ وإجرائها فعلاً. وهنا يعتبر اجتماع دوكان في كردستان العراق خطوة على طريق خوض الانتخابات بقائمة وطنية وديمقراطية موحدة لضمان التحولات الديمقراطية في العراق.
2. توجه الأحزاب السياسية العراقية القائمة حالياً, القديمة منها والجديدة, بإجراء مراجعة حقيقية لبرامجها وسياساتها وخطابها السياسي ومواقفها المختلفة من منطلق الوعي بما يجري في العالم وما يفترض أن نكون عليه في هذا الإطار بعيداً عن التطرف أو الاغتراب بمختلف أشكال ظهوره ورفض العنف كوسيلة لمعالجة المشكلات أو القفز على السلطة.
3. التوجه صوب تغيير معالم التعليم في العراق بمختلف مراحله وإبعاد الأديان والمذاهب والإيديولوجيات عن المناهج التعليمية الرسمية والخاصة, إذ للأديان والمذاهب المختلفة حقها في تدريس مناهجها في حوزاتها العلمية ومجالاتها الدينية بعيداً عن الأفكار العنصرية والمعادية للشعوب والأديان والمذاهب الأخرى...الخ.
4. التثقيف الواسع النطاق بأفكار الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والسلام وضد الحروب والعنف والاضطهاد بكل صوره وأساليبه. وهذا يعني التثقيف ضد الفكر والسياسات العنصرية والطائفية والتمييز الديني والمذهبي وضد التمييز ضد الفكر والرأي الآخر أو التمييز ضد المرأة أو المعوقين ...الخ, أي التثقيف بمضمون المواطنة الحرة والمتساوية.
5. الإصرار على الاستفادة الفعلية من تجربة العراق الطويلة بشأن حل المسالة الكردية لصالح الشعب الكردي ولصالح مستقبل تطور وازدهار العراق. فتجربة ما يقرب من ثمانية عقود يفترض أن تكون قد علمتنا بأن منع أي شعب من تقرير مصيره بنفسه لن يكون لصالح كل القوميات المتعايشة سوية في العراق. وبما أن المجلس التشريعي قد اقر الفيدرالية, فأن من واجبنا تأييدها وجعلها جزءاً من طبيعة نظام الدولة العراقية. فالعراق يفترض أن يكون جمهورية ديمقراطية فيدرالية متحررة ومستقلة تتعايش فيه بأخوة وتضامن وسلام القوميات العربية والكردية والتركمانية والآشورية والكلدانية, إضافة إلى الأرمن الذين يعيشون منذ عقود في العراق أيضاً.
6. الانفتاح الصادق على شعوب وبلدان المنطقة وتصفية القضايا المعلقة بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية إقليمية ودولية وتكريس علاقات الاحترام والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشئون الداخلية. كما يمكن عقد اتفاقية إقليمية أمنية بين جميع دول المنطقة تمنع وقوع الحروب وحل المشكلات بالطرق السلمية وبآليات ديمقراطية. أن التعاون الإقليمي وفق أسس جديدة سيفتح الطريق لانتعاش اقتصادي واجتماعي وثقافي في جميع البلدان, وهو ما تحتاجه المنطقة.
7. الانفتاح على العالم فكراً وسياسة وثقافة واقتصاداً, والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية من خلال إقامة أفضل وأوسع العلاقات مع جميع بلدان العالم وشعوبها والحكم عليها من خلال علاقتها بقضايانا الأساسية ومواقفها منها.
8. إيلاء اهتمام استثنائي بواقع الفئات الاجتماعية الكادحة التي عانت الأمرين خلال العقود المنصرمة وكانت وقوداً فعلية لحروب النظام وضحايا إرهابه الدموي, بهدف مساعدتهم على النهوض من التركة الثقيلة ومكافحة البطالة الواسعة وتأمين معدلات نمو اقتصادي عالية وزيادة إنتاج الدخل القومي وضمان السير على طريق التنمية. إن العوامل الكامنة وراء نجاح الإرهابيين من أتباع أسامة بن لادن والزرقاوي وأنصار الإسلام وغيرهم من قوى الإرهاب الساكتة حالياً التي يمكن أن ترفع رأسها في كل لحظة, من أمثال جماعة وميليشيا مقتدى الصدر, تكمن في وجود فقر مدقع وبشع وبطالة واسعة ومرهقة للعائلات الكادحة وفئات من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة ممن تقترب حياتهم ومستوى معيشتهم من الفئات الكادحة, وتفاقم التمايز في ما تحقق لمختلف فئات المجتمع منذ سقوط النظام. لا يمكن كسب الشعب دون إعارة مصالح الغالبية العظمى من السكان جل اهتمام المسؤولين عن إدارة البلاد حالياً, إذ لا يمكن تحريك الشعب باتجاه مقاومة الإرهاب ما لم نضع في يد الشعب مصالحه وإرادته وما لم نمنحه الدور الذي يفترض أن يلعبه, وهو الذي لم يحصل حتى الآن على شيء يذكر.
9. محاربة جادة وفورية تحت رقابة السلطة القضائية ومراقبة الشعب للفساد الإداري والمالي والمحسوبية والمنسوبية ونهب موارد الدولة ... الخ. ورفض التعامل على أساس طائفي وتوزيع الوظائف الحكومية في ضوء هذا المبدأ الرجعي, ودعم التوجه صوب تكريس مبدأ المواطنة والمساواة بين الجميع بغض النظر عن القومية أو الدين أو المذهب أو الجنس أو الفكر أو الرأي السياسي, مع رفض تام للفكر العنصري والتمييز الديني والطائفي.
10. الاهتمام الاستثنائي بتطوير دور المرأة العراقية وتخليصها من التخلف الراهن ومنع فرض الحجاب عليها, ومنحها كامل حقوقها وواجباتها أسوة بالرجل, وإصدار القوانين التي تحرم ضرب المرأة أو تحقيرها أو الإساءة إليها وتضمن استقلالها وضمان مشاركتها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقوات العسكرية.
11. تقديم قوى النظام السابق والمتهمين بجرائم القتل إلى المحاكمات لنيل العقاب المناسب أولاً والاستفادة منها لتربية الشعب وإعادة تأهيل نفسه في مجتمع حر ديمقراطي فيدرالي. كما يفترض أن تكون درساً لكل الذين يفكرون أن يلعبوا نفس الدور الذي مارسه صدام حسين في العراق أياً كانت الواجهة التي يتستر بها ويروج لها.
إن نضالنا في سبيل العدالة الاجتماعية يتم اليوم في إطار المجتمع الرأسمالي الدولي المعولم وفي مجتمع ما يزال يعيش في ظل علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية والعلاقات العشائرية الأبوية وعلاقات رأسمالية تنمو ببطء شديد, رغم إنها بدأت منذ العقد الثالث من القرن الماضي في الولوج إلى الاقتصاد العراقي عبر رؤوس الأموال الأجنبية وشركات النفط الاحتكارية والشركات التجارية البريطانية. كما أن الغالبية العظمى من السكان تتشكل من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة المدينية والمثقفين والفئات الاجتماعية المهمشة وطبقة عاملة غير واسعة وبرجوازية متوسطة ضعيفة العدد والقدرات. من هنا تنشأ أهمية الوعي بواقع العراق الراهن ليتسنى لنا طرح البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المناسب الذي لا يقفز على المراحل ولكن لا يرضى بالواقع القائم بأي حال. لا يمكننا الفرار من عملية العولمة الموضوعية الجارية في العالم, ولكن علينا أن نجد الأسلوب والوسيلة المناسبتين اللتين تساهمان في استفادة العراق منها دون تحميله خسائر فادحة بسبب السياسات التي تمارسها الدول الصناعية المتقدمة إزاء بلدان العالم الثالث ومنها العراق.
لا يمكن للعراق أن يلعب دوراً مهماً في العالم الراهن ما لم يلعب دوره المناسب والضروري في منطقتي الخليج والشرق الأوسط , ما لم ينخرط في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية, وما لم يساهم في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة وليس العكس الذي تميز به خلال العقود الأربعة المنصرمة, وما لم يشارك في عملية التخلي عن التسلح الهجومي أو التخلي عن التفكير بامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وهي المسألة التي يفترض أن تصبح سياسة عامة وشاملة لجميع دول منطقة الشرق الأوسط دون استثناء, وما لم يشارك بفعالية في مكافحة الإرهاب الذي تمارسه قوى الإسلام السياسي السلفية والأصولية المتطرفة على صعيدي العراق والمنطقة وعلى المستوى الدولي.
برلين في 22/11/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض الملاحظات حول مقال مكونات الطبقة الوسطى في العراق للكاتب ...
- هل ستكون تجربة محكمة الشعب درساً غنياً لمحاكمات عادلة للمتهم ...
- !كان القتلُ ديدنهم, ولن يكفوا عنه ما داموا يدنسون أرض العراق ...
- !!ليس العيب في ما نختلف عليه ... بل العيب أن نتقاتل في ما نخ ...
- ! ...أرفعوا عن أيديكم الفلوجة الرهينة أيها الأوباش
- لا تمرغوا أسم السيد السيستاني بالتراب أيها الطائفيون؟
- !بوش الابن والأوضاع السياسية في الشرق الأوسط
- هل من مخاطر محدقة بانتقال الإرهاب في العراق إلى دول منطقة ال ...
- ما هي الأسباب وراء لاختراقات الراهنة من قبل فلول النظام المخ ...
- إلى أنظار المجلس الوطني ومجلس الوزراء المؤقتين كيف يمكن فهم ...
- هل بعض قوى اليسار العربي واعية لما يجري في العراق؟ وهل يراد ...
- هل التربية الإسلامية للدول الإسلامية تكمن وراء العمليات الإر ...
- ما الهدف الرئيسي وراء الدعوة إلى محاكمة الطاغية صدام حسين ور ...
- الولايات المتحدة, العالم والعراق
- هل لوزارة الثقافة معايير في النظر إلى الثقافة والمثقفين؟
- إعلان عبر الإنترنيت إلى دور الطباعة والنشر العربية
- هل أمسك الدكتور ميثم الجنابي في تعقيبه بجوهر ملاحظاتي أم تفا ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- فكر وسياسات الدولة السعودية والحوار المتمدن! غربال السعودية ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - !العراق في معادلات الشرق الأوسط والعالم