أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - القرضاوي ومكيافللي















المزيد.....

القرضاوي ومكيافللي


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3443 - 2011 / 7 / 31 - 13:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه قراءة ثانية لكتاب الدكتور يوسف القرضاوي : (الدين والسياسة). (ص ص 18-31)
http://www.e-cfr.org/data/cat1212200920352.pdf
بعد أن يستعرض القرضاوي، في هذا الفصل، تعاريف كثيرة لكتاب غربيين يخلص إلى أن السياسة عندهم تدور ((حول محورين أو هدفين أساسيين: أحدهما: القوة والسيطرة. وثانيهما: المصلحة والمنفعة)).
ومنه يقول: ((ولا مانع في نظر الشرع الإسلامي من طلب القوة والحصول عليها، ولكن لتكون أداة في خدمة الحق، لا غاية تُنشد لذاتها، والأمة المسلمة يجب أن تكون أبدًا مع قوة الحق لا مع حق القوة. والقوة إذا انفصلت عن الحق أصبحت خطرًا يُهدِّد الضعفاء، ويبطش بكل مَن لا ظفر له ولا ناب..)).
فهل كانت الأمة المسلمة مع قوة الحق أم مع حق القوة؟ وهل كانت لصالح الصقور أم لصالح الحمائم؟ الراجح كما سنرى، أنها كانت مع حق القوة، وحتى القرضاوي نفسه لا يؤمن بقوة الحق وهو يتبنى فهما مكيافلليا للسياسة عاب عليه الكتاب الغربيين كما سنرى.
نقرأ له: ((وسنرى أن تعريف الإمام ابن عقيل للسياسة أوسع وأوفى مما ذكره مَن ذكره مِن علماء الحنفية وغيرهم. فقد عرّف السياسة بأنها: كل تصرف من ولي الأمر يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يأت به الشرع، بشرط ألا يخالف ما جاء به الشرع)).
ومع هذا فهذا التعريف (الأوسع والأوفى !!!) للسياسة يبقيها دائما في اتجاه واحد: من فوق إلى تحت، من حاكم إلى محكوم، من سيد إلى مسود، من آمر إلى مأمور، من موجب إلى سالب، من راشد إلى قاصر، وباختصار من شريعة مفروضة على بشر لا حق لهم في مناقشتها بله إصلاحها. وبالتالي فهي سياسة تقتصر على "تصرف من ولي الأمر" المطلوب من الرعية طاعته في كل الظروف حسب الفقه الإسلامي، ما لم يأمر بمعصية دينية. لفظة "ولي" تعني كل ما يلي الشيء مباشرة، أي كل ما هو أقرب إليه. وعليه فولي الأمر هو صاحب الأمر حصرا وأقرب الناس إليه، وبما أن الأمر هنا يتعلق بالحكم وبالسياسة فهذا يعني أن ممارسة الحكم والسياسة من حق الحاكم واختصاصه وحده.
ثم أيضا، كيف نفهم: ((وإن لم يأت به الشرع، بشرط ألا يخالف ما جاء به الشرع))؟. ما هو هذا الفرق الكبير بين المبدئين الذي يستحق هذا الإعجاب من طرف الفقهاء؟
لنر مع القرضاوي مناسبة هذا القول قبل أن يتحول إلى مبدأ فقهي أقاموا عليه بابا واسعا من أبواب الفقه: "المصالح المرسلة"، دون أن يذهبوا بعيدا في التشريع وإعمال الرأي، مثلما فعل المعتزلة مثلا، عندما قرروا أن المصلحة أولى من الشرع، ويجب تغلبيها عندما يتعارض معها. يقول القرضاوي: ((والحق أني لم أجد من الفقهاء في تاريخنا، من تكلم عن السياسة الشرعية وشرحها فأحسن شرحها، وكَشَف اللثام عن مفهومها، وبين الفرق بين السياسة العادلة، والسياسة الظالمة، وأن الأولى إنما هي جزء من الشريعة، وليست خارجة عنها، ولا قسيما لها، مثل الإمام ابن القيم. يقول رحمه الله في (الطُّرق الحُكمية) مُعلِّقا على ما قاله الإمام الحنبلي أبو الوفا ابن عقيل،: (قال ابن عقيل: جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم. ولا يخلو من القول به إمام. فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك: (إلا ما وافق الشرع) أي لم يخالف ما نطق به الشرع؛ فصحيح. وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع: فغلط، وتغليط للصحابة. فقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل ما لا يجحده عالم بالسنن. ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف، فإنه كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق علي رضي الله عنه، الزنادقة في الأخاديد، فقال:
لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قُنْبرا (أحد عبيده)
ونفي عمر رضي الله عنه لنصر بن حجاج اهـ. )) انتهى
القرضاوي يوافق ابن عقيل الذي يوافق الصحابة (الخلفاء الراشدين، وما أدراك)، وما ارتكبوه من "قتل وتمثيل" عندما اتخذوا قرارات منافية لمنطوق الشريعة أي لم ينص عليها الشرع، بل تخالفه تماما، بحجة أن مصلحة الأمة تقتضي ذلك، حسب تقديرهم الشخصي لمصلحة الأمة ووافقهم الفقهاء على ذلك بمن فيهم شيخنا. لنر ماذا جرى: عثمان حرّق كل المصاحف التي كانت متداولة بين الصحابة وأبقى على مصحف واحد وعممه على الأمصار، وقرر ذلك بطريقة استبدادية رغم أن هناك صحابة آخرين من القراء مشهود لهم بالتقوى والسبق في الإسلام وكان معهم مصاحف مثل ابن مسعود وعلي ابن أبي طالب وحفصة بنت عمر بن الخطاب التي رفضت تسليم مصحفها حتى ماتت فتم حرقه، وأُبَيّ بن كعب أحد مشاهير القراء، وغيرهم، وكان التصرف السليم هو مقارنة المصاحف ببعضها والخروج بمصحف واحد جامع شامل خلافا لسياسة عثمان التي تعمدت إهمال المصاحف الأخرى، ثم إرغام أصحابها على تسليمها إليه وحرقها، وهو ما أدى إلى انتشار روايات كثيرة عن حذف طال سورا وآيات. فهل كان موقف عثمان موقفا سياسيا سليما يخدم مصلحة الأمة فعلا؟ ألم يكن الموقف الأسلم لو شكل فريقا من كبار الصحابة ليشرفوا على جمع القرآن في نسخة متفق عليها قبل الإقدام على حرق المصاحف الأخرى؟ أين "وأمرهم شوري" و"وشاورهم في الأمر" التي يتحدث عنها الإسلاميون ويريدون إحلالها محل الديمقراطية (المستوردة)؟
http://answering-islam.org/Arabic/Gilchrist/Jam/index.html
ونحن نعرف اليوم أن هناك روايات كثيرة تحدثت عنها كتب السير والأصول حول تعدد القراءات بل وآيات وسور تم حذفها، أطرفها قول عائشة: ((لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها)) !.
ثم ما هي المصلحة العامة في تحريق علي بن أبي طالب للزنادقة مخالفة لحكم الشريعة الذي جعل الحرق حكرا على العقاب الإلهي فقط (لا يحرق بالنار إلا الواحد القهار)، فقد روى البخاري ((إنّ علياً حرق قوماً فبلغ ابن عبّاس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من بدل دينه فاقتلوه)).
فماذا فعل هؤلاء القوم حتى يستحقوا هذا العقاب الشنيع؟ أغلب الروايات تتناقل الخبر كما يلي: ((كان أناس يأخذون العطاء والرزق ويصلون مع الناس (أي كانوا مسلمين في الظاهر وثنيين في الباطن)، وكانوا يعبدون الأصنام في السر ، فأتى بهم علي بن أبي طالب فوضعهم في المسجد؛ ثم قال: يا أيها الناس، ما ترون في قوم كانوا يأخذون معكم العطاء والرزق ويعبدون هذه الأصنام؟ قال الناس: اقتلهم قال: لا، ولكن أصنع بهم كما صنعوا بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار)).
اليوم يلجأ الإسلاميون إلى خداع الناس، خاصة عندما يتوجهون بكلامهم نحو الغرب، حتى يقبلهم كشركاء سياسيين متحضرين ولا يعرقل مسيرتهم نحو السلطة ويتشدقون أمامهم بآيات التسامح الديني (لكم دينكم ولي دين)، (من شاء فليؤمن ومن شاء فيكفر)، (لا إكراه في الدين).
وأخيرا ما هي المصلحة في "نفي عمر رضي الله عنه لنصر بن حجاج" لا لشيء إلا لكونه وسيما شد إليه انتباه النساء فشببن به؟
ثم يقول الشيخ القرضاوي: ((من ذلك ما كتبه في (كتاب العلم) من الإحياء (يقصد أحياء الدين لأبي حامد الغزالي) عن الفقه والسياسة، أو العلاقة بين الفقيه والسياسي، فهو يجعل الفقه من علوم الحياة أو علوم الدنيا، وهنا يذكر أن الناس لو تناولوا أمور الدنيا بالعدل لانقطعت الخصومات، وتعطل الفقهاء! ولكنهم تناولوها بالشهوات، فتولدت منها الخصومات، فمست الحاجة إلى سلطان يسوسهم، واحتاج السلطان إلى قانون يسوسهم به)).
حقا لقد صدق من قال: مصائب قوم عند قوم فوائد، وبالتالي، فمن مصلحة رجال الدين أن يبقى الناس غارقين في الشهوات والخصومات، بل المضحك المحزن أنهم كانوا دائما يساهمون في تفرقة الناس من أجل مزيد من الشهوات والخصومات، حتى تبقى حاجة الحكام إليهم متواصلة. وهنا نتساءل أمام هذا الفهم للسياسة والسلطة: أليست التعاريف التي استشهد بها القرضاوي حول السياسة عند الغربيين أكثر أمانة وموضوعية من تعريف الدولة السلطانية الإسلامية في الفقه الإسلامي والتي هي أيضا تعبير، وإن بصورة أفضع، عن إرادة القوة والعصبية بثوب مقدس يتعالى على النقد والتجاوز والتطوير بل هو ثوب قد يقبل الترقيع ولكنه لا يقبل التجديد بتاتا، مثل بردة النبي التي تداولها الخلفاء تبركا قرونا من الزمان، وهي سياسة أبعد ما تكون عن التعبير عن إرادة الجماعة الإسلامية التي هي الشعب في المفهوم الحديث؟ فملاحظة الكيفية التي كان يتم بها التداول على حكم الناس طوال القرون تقول لنا إن الدولة كانت غالبا تعبيرا عن إرادة القوة أو العصبية حسب التعبير الخلدوني وكانت تجد عند الفقهاء قبولا وتبريرا مهما جنحت عن الحق. القول بأن ((الناس لو تناولوا أمور الدنيا بالعدل لانقطعت الخصومات، وتعطل الفقهاء! ولكنهم تناولوها بالشهوات، فتولدت منها الخصومات، فمست الحاجة إلى سلطان يسوسهم، واحتاج السلطان إلى قانون يسوسهم))، يتجاهل أن السلطة لم تكن تعبيرا عن عقد اجتماعي بل تعبيرا عن قانون الغاب، وقد نجد لهذا القانون ما يفسره في المجتمعات القديمة، ولكن الناس في أيامنا صاروا أكثر وعيا و أقل توحشا في أساليب فض خلافاتهم وأكثر قدرة على إدارة شؤونهم بحيث تكون السلطة تعبيرا عن إرادة جماعية تصدر عنها القوانين والقرارات حسب موازين القوى الفاعلة التي يفرزها صراع إرادات سلمية متعددة (أحزاب، نقابات، لوبيات فكرية ودينية واقتصادية، صحافة، مراكز بحوث..) وليس إرادة واحدة كما كان الحال قديما، وكما هو الحال في أغلب بلداننا حيث تسيطر العصب العسكرية أو العائلات القبلية والتي تكتسب شرعيتها من القوة والبطش مهما زعمت لنفسها من شرعيات تستند إلى الدين أو الثورة أو انتخابات صورية هي أبعد ما يكون عن النزاهة والشفافية.
وعلى سبيل المقارنة يتعرض القرضاوي للسياسة عند الغربيين فيأتي بنماذج من التعريفات:
((قول هانس مورغنتاو: (السياسة: صراع من أجل القوة والسيطرة!). قول هارولد لاسويل: (السياسة هي: السلطة أو النفوذ، الذي يحدِّد: مَن يحصل على ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟). وقول وليم روبسون: (إن علم السياسة يقوم على دراسة السُلطة في المجتمع، وعلى دراسة أُسسها، وعملية ممارستها وأهدافها ونتائجها). ... فكل هذه التعريفات تدور حول (السلطة) والقوة والسيطرة. ويسأل جان باري دانكان في الفصل الثاني من كتابه (علم السياسة) سؤالا أساسيا: ما هي السياسة؟ ويجيب الكاتب عن السؤال بتفصيل وتحليل وتعميق، استغرق (32) صفحة، وكان مما قاله: (إن هناك استعمالات نوعية لكلمة السياسة، واستعمالات غير نوعية). ويعني بغير النوعية: تلك التي من السهل أن تستبدل فيه كلمة سياسة بمرادفاتها، ويذكر هنا ثلاثة استعمالات:
(الأول: أن كلمة (سياسة) تعادل تقريبا كلمة (الإدارة)، وخصوصا الأمور الجزئية، مثل سياسة النقل، وسياسة الطاقة، وسياسة صناعة السيارات، ونحوها.
الثاني: كلمة السياسة تُعادل كلمة (الاستراتيجية) مثل: سياسة الحزب، أو سياسة النقابة، أو سياسة الحكومة ... إلخ.
الثالث: تتضمَّن كلمة السياسة قِيمة تحقيرية بشكل واضح، حيث تفكر بفكرة العمل المكيافللي، المراوغ والضال. فهنا ينظر إلى (السياسة) باعتبارها عالما مثيرا للاشمئزاز. والكلمة تستعمل بشكل شائع من أجل الحط من قيمة من تطلق عليه. فعبارة: (هذا من فعل السياسة) هي عبارة تحقيريَّة، وليست تعريفًا). أقول: وهذا المعنى معروف أيضا في العرف الغربي؛ أن ينسب العمل إلى دهاليز السياسة وألاعيبها. وهو ما يُحكى عند الإمام محمد عبده أنه قال: أعوذ بالله من السياسة، ومن ساس ويسوس، وساس ومسوس. ولا أدري مدى صحة هذا عنه.
وعلى كل حال، تدور السياسة في الغرب حول محورين أو هدفين أساسيين:
أحدهما: القوة والسيطرة.
وثانيهما: المصلحة والمنفعة.
ويستخلص أن ((المصلحة التي ترتبط بها السياسة في نظر الإسلام، والتي يتحدث عنها الغربيون وغيرهم، ليست هي كل ما يُحقِّق اللذة للإنسان، أو يجمع بها لنفسه أكبر قدر من حظوظ الدنيا، ولو كان ذلك على حساب غيره، أو على حساب القِيَم والأخلاق)). انتهى.
لنر في هذا الموقف للقرضاوي فيما إذا كانت السياسة الإسلامية كما يتصورها تراعي القيم والأخلاق والمصلحة العامة، أم هي سياسة مكيافللية تتم على حساب الغير وعلى حساب القيم والأخلاق والحريات والديمقراطية والمواطنة.
نقرأ له مثلا في إحدى خطب الجمعة موقفا يبلغ من المكيافللية درجة مفضوحة:
http://islamyoon.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&pagename=Islamyoun/IYALayout&cid=1173694923699
"...هناك بدعة جديدة في عالمنا العربي والإسلامي اسمها توريث الرئاسة الجمهورية، بأن تورث الرئاسة من الآباء للأبناء أو من الأجداد للأحفاد، كأنها عزبة. (القرضاوي قال هذا الكلام منذ عدة سنوات) وليست هذه هي الديمقراطية التي نريدها، نحن نريد ديمقراطية حقيقية تقوم على الشفافية والمصارحة وإعطاء الحرية للناس، ديمقراطية تمنحهم الحق في النقد والمعارضة".
بعد هذا الكلام يأتينا بكلام غاية في النفاق والانتقائية وهو يتملق الملكيات العربية المتخلفة: "إذا كانت الملكية تورث الحكم؛ فإنها تعلن ذلك، ولها نظامها الخاص وحدودها وقوانينها المعروفة والمعلنة، لكن الغريب هو الجمهوريات الدائمة، والأصل في النظام الجمهوري تداول السلطات وتداول الرؤساء، لكن عندنا الرئيس مخلد ولا يزول عن ملكه أبدا!!".
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=210344
القرضاوي إذن يمارس قمة المكيافيللية وهو يقول: ((والأصل في النظام الجمهوري تداول السلطات وتداول الرؤساء)) وكأن الحكم الملكي معفى من أي التزام ومسؤولية تجاه الشعب، وكأن الشعب في قطر والسعودية والبحرين وعمان وغيرها لا يستحق ويريد "ديمقراطية حقيقية تقوم على الشفافية والمصارحة وإعطاء الحرية للناس، ديمقراطية تمنحهم الحق في النقد والمعارضة". وكأن القرضاوي لم يرَ في الغرب إلا الجمهوريات الديمقراطية ولا يريد أن يرى كيف تحولت الملكيات في الغرب إلى ملكيات دستورية ديمقراطية، بل مجرد مؤسسات شكلية بعد أن اضطرت إلى تسليم السلطة إلى ممثلي الشعوب واحتفظت ببعض الصلاحيات الرمزية.
ومع ذلك لا يتحرج الشيخ فيقول "سواء حاضرنا أم كتبنا، (فإننا) نعبر عن الحق، الذي قامت به السموات والأرض، والحق أحق أن يتبع، وأولى أن يستمع، والباطل مهما انتفش واستطال، فهو لابد زائل (وقل جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا).
فأين الحق يا شيخ عندما تدافع عن الملكيات العربية وتبرر حكمها الاستبدادي وتمدحها بقدر ما تذم الجمهوريات العربية؟ وما الفرق بين التوريث هنا والتوريث هناك مادام الاستبداد واحدا بل هو أقبح في الملكيات؟ هل لأنها قائمة باسم الإسلام؟ أم لأنها تتربع على بحار من البترول تتمكن بها من شراء الضمائر و(تكريم العلماء) وتغدق عليهم الجوائز على ما يقدمونه للأمة من (علوم غزيرة)؟ !
ثم يواصل الشيخ انتهاج مكيافللية لم ينزل إلى انحطاطها مكيافيللي نفسه. فإذا كانت الجمهوريات العربية تسعى لتوريث الحكم بطريقة همجية متخلفة، فهل يصدق قولك: " إذا كانت الملكية تورث الحكم؛ فإنها تعلن ذلك، ولها نظامها الخاص وحدودها وقوانينها المعروفة والمعلنة"؟
فأي نظام خاص وأية حدود وقوانين معروفة ومعلنة في هذه الملكيات، بما فيها إمارة ولي نعمته، تبيح لهذه الأسر البدوية القبلية أن تتربع على عروش بلداننا وتصرف الملايير لعرقلة التطور في العالم العربي الإسلامي بل وفي العالم قاطبة، بلا حسيب ولا رقيب ولا وازع حضاري متمدن؟
طبعا هذه المكيافللية لدى الشيوخ تجعلهم يمارسون السياسة في أقبح صورها، بحيث يطبقون مبدأ عزيزا عليهم : "الحرب خدعة"، لأنهم ينظرون إلى خصومهم السياسيين من أبناء أوطانهم كأعداء يجب استغفالهم وخداعهم في انتظار أن تحين الفرصة للقضاء عليهم.
فعن أية قيم وعن أية أخلاق تتحدث يا مولانا؟ !!!
سنرى ذلك في المقالات اللاحقة.



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة في الإسلام: ساس الدابة يسوسها
- لماذا نقد الدين؟
- تمخض الجبل فولد فأرا
- ما حقيقة الدولة الإسلامية (المدنية)؟
- هل العلمانية مسيحية متنكرة؟
- هل في الإسلام مواطنة: قراءة في فكر راشد الغنوشي 5
- هل في الإسلام مواطنة؟ قراءة في فكر راشد الغنوشي
- راشد الغنوشي هل في الإسلام مواطنة؟ 3
- راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة 2
- قراءة في فكر راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة
- العلمانية مفهوم للترك أم للتبني؟ 2
- العلمانية: مفهوم للترك أم للتبني؟
- انتفاضة الشباب في الجزائر من وجهة نظر لبرالية ويساري
- قراءة (2) في مقال ((الماركسية والتنوير المزيف)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال ((الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال -الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل- ...
- قراءة في مانيفستو المسلم المعاصر لجمال البنا (تابع)
- قراءة في -مانيفستو المسلم المعاصر- لجمال البنا.
- هل تصح المقارنة بين الشريعة الإسلامية وتجارب البشر؟
- هل طبقت الشريعة الإسلامية في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا؟


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - القرضاوي ومكيافللي