أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - ربيع الثورات العربية... عوائق تأخره وآفاق نجاحه















المزيد.....

ربيع الثورات العربية... عوائق تأخره وآفاق نجاحه


ماهر اختيار

الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 22:45
المحور: المجتمع المدني
    


ربيع الثورات العربية... عوائق تأخره وآفاق نجاحه

الخوف والجهل والتشبث الأعمى بالآراء هي بعض العلل التي ذكرها سلامة موسى في كتابه حرية الفكر وأبطالها في التاريخ. إذ تمثل هذه العلل عقبات تقف بقسوة في وجه التغييّر وتعمل على اضطهاد كل من يحاول تجديد الفكر الديني أو الفلسفي أو السياسي أو حتى العلمي في كل زمان ومكان. سنحاول دراسة هذه العلل لمعرفة مدى مقاربتها للواقع العربي المعاصر ودورها في إعاقة ربيع الثورات العربية. بدايةً، تبرز أمامنا عدة تساؤلات بصدد الاحتجاجات الشعبيّة التي تجتاح معظم أقطار الوطن العربي: فمن ناحية أولى، ما هي الأسباب التي جعلت من المواطن العربي، خلال عدة عقود، كائناً ساكناً ميّالاً للكسل في وجه الاستبداد الذي اختبره وعايش جُور حكامه؟ لماذا تحول مجتمع البلدان العربية إلى مستنقع راكدٍ خالٍ من أوكسجين الحرية؟ مستنقع عمل على تثبيط عزائم الناس في التجديد والتغيير، ودفعهم للخوف من الفكر الثوري، قاتلاً فيهم كل ميل لاحترام التعدد والاختلاف، وساعياً لتوحيد الآراء من أجل إنتاج ماكينات تردد وتكرر سلوكها دون تفكيرٍ أو تأمل؟ ومن ناحية ثانية، ما هي الظروف والمعطيات الجديدة لتي أتاحت لهذا المواطن كسر حاجز الخوف معلناً عزمه على فتح ثغرات في مستنقعه المؤسساتيّ هذا، وذلك من أجل تجديده وتزويده بأوكسجين الحرية الذي يهب الحياة ويوقظ النائمين بعد سُبات عميق، سُبات شوه شخصية المواطن العربي وحوله لعبد مطيع لا يكرر سوى سلوك الطاعة؟ قد نجد إجابات على هذه الأسئلة في معالجتنا لعددٍ من العوائق التي تقيد، على ما يبدو، العقل العربي وتمنعه من السعي نحو التغيير، ومنها:
أولاً- نجد في قراءتنا للتاريخ الإنساني أن الثورات السياسية والاجتماعية وحتى تلك المتعلقة بالتقنية لا تتجسد على أرض الواقع في كل يوم أو في كل عام، بل تبرز وتفرض نظرتها الجديدة عندما تصل الأزمات إلى مرحلة تعجز فيها نماذج المؤسسات القائمة عن إيجاد حلولٍ مناسبة. من هنا يمكننا أن نفهم لماذا يكون السلوك الجمعيّ مطبوعاً، خلال سنوات طويلة، على الكسل وعلى تكرار ماضيّه في حاضره، ميّالاً أيضاً لإتباع السلوك الذي اكتسبه سابقاً ومبتعداً عن كل جديد. فالجدة تتطلب مزيداً من التفكير وتعديلاً في نمطِ العيش وتغييراً في رتابةِ أيام الإنسان المتشابهة. لذلك نرى معظم الناس في البلدان العربية يخشون من نتائج الاحتجاجات الشعبية، فقد اعتادوا على الخنوع طلباً للاستقرار، ويخافون من التغيير حرصاً على الخبز مهمليّن حريتهم وحقهم في العيش بكرامة، ومؤجلين دائماً خطوة نضالهم من أجل تأسيس مجتمع يحترم إنسانية أجيالهم القادمة إلى لحظةٍ مستقبليّةٍ مبهمةٍ غير محددة. ولعل اسبينوزا يعبر بعمقٍ عن عواقب الخوف عندما قال بأنه لا يمكن للخوف أن ينتج أملاً. وبالنتيجة فإن استمرار الخوف- غير المُسيطر عليه- من التغيير لن يمهد لمستقبل أفضل.
ثانياً- إن عدم تكرار الثورات في فترات متقاربة زمنياً يعود لسبب مفاده أن بنى المجتمع تتضمن نُظماً تسمح بتحقيق توازنٍ واستقرارٍ لفترةٍ طويلة. من هنا يصيب أنصار هذه النظم نوعاً من التعصب والتشبث الأعمى بمبادئها، وهلعاً من محاولة تغييرها. وهذا سلوك لاعقلاني وانفعالي لا يخدم في النهاية مصالح الوطن والمواطن، لأن التعصب يعمل على إلغاء الآخر المُختلف، والخوف من التغيير يتضمن حكماً مسبقاً بأنه لن يؤسس لمستقبل أفضل. ولعل هذا التعصب يتولد أيضاً من الجهل بالبديل المُقترح من قبل شباب الثورة العربية، فمن يجهل النتائج الاجتماعية والإنسانية للنظام الديمقراطي، ومن يتجاهل ضرورة الاتفاق على دستورٍ ضامنٍ لتطبيق القانون على الجميع حكاماً وشعباً، ومن لا يعلم متضمنات نظريات الحرية الشخصية التي تبقى ضمن إطار القانون، في الواقع من يجهل كل هذه المبادئ التي تّقر وتعترف بكرامة وإنسانية الإنسان فهو يعمل انفعالياً على رفضها مفضلاً ما اعتاد عليه أجداده من أنظمة. إنه يرفض البديل ليس لأنه على قناعة بأن النظام القائم أفضل، وإنما لجهله بهذا البديل المُقترح، ففي هذه الحالة الجاهل يجني على نفسه وعلى وطنه لأنه وحسب ما يقول ألبير كامو إن الإنسان يجني على نفسه في حق ما يجهله. حقيقةً إن جهلَ طائفةً كبيرةً من الناس يعود لعوامل شخصية ومؤسساتية، فقدرتها العقلية الناقدة وحقها بنيل حريتها والعيش بكرامة قد تّم إقالتهما من قبل الحاكم العربي ومؤسسات أعوانه، فهم من يُّمثلون إعلامياً النخبة الأعلم والأقدر على قيادة البلاد.
ثالثاً- يعني الاستقرار الكثير لطبقة الأغنياء، فهؤلاء لا يبحثون عن الحرية والكرامة وإنسانية الإنسان، لأنهم يشترونها بأموالهم، لا بل إن الاستقرار السياسي والاجتماعي يساعدهم على زيادة ثرواتهم وعلى ترسيخ تميّزهم الطبقي. وماذا يعني التميّز الطبقي غير حرية النزوات، وكرامة الأجداد، وإنسانيّة مُسطرة في كتب يملكونها وأشعار يحفظها لسانهم ولا يطبقها سلوكهم تجاه الآخرين. إنهم يدعمون الاستقرار ويعادون كل من يسعى للتغيير، لأن الاستقرار الاجتماعي والسياسي يحفز الناس على الاستمرار في الشراء والاستهلاك، وعلى الحفاظ على عاداتهم في زيادة أرباح التجار. أما بشائر التغيير والتجديد فتؤدي ظرفيّاً إلى تعطيل هذه العادات وإلى إيقاف ماكينة جمع المال وتدويره تجارياً من أجل تخزينه في بنوك الغرب. إذاً سلوك طبقة الأغنياء هذا قائم على المصلحة الشخصية وليس له أية صلة بأمن الوطن وحقوق المواطن. إنه تواطؤ الأغنياء مع الحكام في سبيل مصالحهم الشخصية.
في واقع الأمر، لو نظرنا لهذه العلل مجتمعةً لوجدنا فيها ما هو موضوعي وما هو ذاتي، علل عملت ولا زالت تعمل على ترهيب الناس وعلى تهويل أمر التغيير، لا بل إنها قد زرعت فيهم عقدة الرهاب من محاولة إسقاط البنى السياسية التي اعتادوا التعامل معها، والانطواء تحت لوائها بشكل أعمى مترددين في الجهر بقدرتهم على التأمل وعلى نقد أخطاء ونواقص أصحاب المناصب العليا في الدولة. بمعنى ما إنها علل تعمل على إعاقة التغيير بشكل عام وعلى دفع الناس للتشبث اللاعقلاني بالأنظمة السياسية القائمة، ورفض أية محاولة لبناء ما هو أفضل منها.
لكن لماذا نتحدث إذاً عن ربيع الثورات العربية في ظل استمرار تجسد هذه العوائق في فكر وسلوك معظمنا ؟ لأن لكل حركة اجتماعية آفاق تسعى لتحقيقها، ولأن تجارب الماضي تخبرنا بأن إرادة التغيير والدفع بعجلة التاريخ للتقدم هي من تفوز في النهاية، وبأن الرغبة في تجديد بنى المجتمع - المهترئة والمنهكة والمثقلة بالأزمات - هي التي تتغلب على تلك الأطراف التي يرهبها التغيّير وتميّل لتكرار ما اعتادت عليه. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تنتصر غالباً إرادة التغيير على ذاك التيار المحافظ والخائف من كل جديد؟ إن إرادة التغيير تنبع من قدرة الإنسان على تأمل الوضع السياسي والاجتماعي القائم وعلى نقده ومحاولة التأسيس لبناء ما يمكن أن يحل مكانه في الحاضر تمهيداً لمستقبل أفضل. ولكن هذه القدرة على النقد وآلية التفكير لا تمتلكان وجودهما الفعلي إلا من خلال التمتع وممارسة الحرية الشخصية، فالأفكار الجديدة تبقى سجينة صاحبها ومقيدة بتلافيف مخه، فاقدة لأية إمكانية في التجسد والتحقق طالما صاحبها فاقد لمعنى ولممارسة الحرية. لا بل إن الأفكار الجديدة عبارة عن طاقة تبحث عن منفذ لخروجها على أرض الواقع، والحرية هي الجسر الذي يوفر لها هذا المنفذ. فلولا الحرية لمّا تقدم التاريخ ولا تحققّت انجازات طالت ميادين الحياة كافة وحافظت على حياة الإنسان وعلى استمرار بقائه.
إذاً، إن الحرية هي الشرط الأول لتجاوز هذه العلل التي تقف في وجه التغيير والسعي لإسقاط أنظمة الاستبداد في البلدان العربية، لا بل يمكننا القول إن هذا المواطن لن يستطيع تحقيق أي تغيير جذري في أعمدة النظام السياسي والاجتماعي القائم دون امتلاك لحريةٍ شخصيةٍ بعيدةٍ على الانفعالات والخوف الغير مُسيطر عليه، حرية تمتلك معرفة بقوانين التاريخ التي تتجه دائماً بهذا الأخير نحو الأمام، حرية تساعده على استيعاب لعبة الأغنياء في تواطئهم مع السلطة السياسية سعياً وراء مصالح شركاتهم ومعامل إنتاجهم. ولعل هذا ما عناه هيجل عندما قال بأن الحرية هي معرفة الضرورة، فالمعرفة وما تفضي إليه من وسائل- تتضمن التأمل والتساؤل، والقدرة على المقارنة بين نماذج راهنة، ونقد الواقع دون التسليم الأعمى بمبادئه- تجعل من المواطن– حسب ما قاله سارتر- حراً وملتزماً وبالتالي مؤهلاً للمساهمة في بناء الوطن وفي التأسيس لقانون المواطنة الذي يساوي بين الجميع تحت لواء نظام ديمقراطي يحترم المواطن بوصفه إنساناً ذو كرامة وحقوق قبل كل شيء.



#ماهر_اختيار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوازن البيئي من الضرورة الجغرافيّة إلى مسؤوليّة الإنسان ال ...
- أهمية ودور الشعب من أدبيات التصوف الاجتماعي إلى مناهج الحولي ...
- الإنسان أمام كوارث الطبيعة، من الوجود إلى السلب
- أنسنة الحاكم العربي وفعل المواطنة، المبالغة في مدحه خيانة لل ...
- يبحثون عن طاقة لا تقتل وسطهم البيئي، ونبحث عن حاكم لا يقتل ش ...
- ضرورة التأسيس لأنظمة حكم قابلة للخطأ في البلدان العربية
- التصوف الاجتماعي... وجه من وجوه انتقاد الاستبداد السياسي
- علاقة الحاكم العربي بشعبه...استمرار لماضٍ قاتم!
- الثورات العربية وضرورة التأسيس لدولة القانون...إسقاط الطبقة ...
- غياب القانون بوصفه أزمة في بنية البلدان العربية


المزيد.....




- بعد قانون ترحيل لاجئين إلى رواندا.. وزير داخلية بريطانيا يوج ...
- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ماهر اختيار - ربيع الثورات العربية... عوائق تأخره وآفاق نجاحه