أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - الشبيط...الشوك الدامي-الفصل التاسع















المزيد.....


الشبيط...الشوك الدامي-الفصل التاسع


أنور مكسيموس

الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


صعدت أحلام سيدة وخيالاتها بدرجة كبيرة من طموحاتها. وأصبح الصبي يعود من عمله في الفيلا , فتأخذه جانبا ليقص عليها كل ما حدث في عمله وما رآه في الفيلا بتفصيلاته.
وتقوم سيدة بتوعيته ونصحه وإرشاده بما يجب عليه عمله, واهم شئ كيف يندس, ويخفي نفسه تماما, عن أعين الكل, حتى يتحقق المراد. أراد أن يحدثها عن لقاء اليوم, وهو يأكل فتخرج الكلمات غير واضحة, فأسكتته حتي ينتهي من طعامه, وهي تنظر اليه بشغف وتحلم...
أصبحت سيدة تشرد كثيرا, وتتخيل أكثر. كانت تحلم بأن ولدها قد تزوج سوسن, وأنها قد أصبحت سيدة المنزل, ولكن كيف؟!. كانت تحلم بأن الفتاه قد تعلقت بحجاج جدا, وأن قلب أمها وحبها لها, دفعها الى الوقوف مع ابنتها, لتقنع ذلك الرجل الرهيب عبد الرحمن بك بزواج ابنته من حجاج!…
وعندما كانت تعاندها أحلامها, كانت تتخيل أن الفتاه قد حملت من حجاج, وكيف أن هذا الرجل-عبد الرحمن- الذي تنحني له, رؤوس الجميع قد أتى إليهم ذليلا كسيرا, يطلب منهم مداراة الفضيحة, وزواج حجاج من ابنته!…
سرح بها خيالها أكثر,فهيء لها أن تماطل, وتقول لعبد الرحمن بك الواقف أمامها منتظرا- في تردد وتوسل - الرد:
-سوف نرغمه أنا وأبوه على الزواج منها, درءا للفضيحة…
ويجيبها المفتش في انكسار:
-نعم, نعم, وسوف يكون كل ما أملك تحت أمركم, أنا أعلم أن حجاج بك, شهم!…
-ظلت تنتقل بين خيالاتها حتي وصلت لمرحلة خلط الواقع بالخيال: بنت يا سوسن, انهضي لتجهزي الأكل لحجاج بك!…
انتبهت سيدة وقد خرجت الكلمات من خيالها الى فمها, ونظرت فرأت أن حجاج لا يزال يأكل.
كانت أمامه بقايا بصلة وطبق "المش"...
لم تستطيع أن تصبر أكثر والولد يأكل كثيرا وبتمهل ففاجأته بسؤالها: ماذا حدث بالضبط؟…أريدك, وأنت تأكل أن تحكي لي بالتفصيل, ماذا فعلت هذه العقرب-تقصد أم نحمده زوجة بلال- عندما رأتك جالسا, أمام فريدة , وابنتها سوسن؟!…
لم تعد سيدة, تنطق فريدة هانم, أو تصف إبنتها بالسنيورة لكثرة ما عاشت معها ومع إبنتها في أحلامها وخيالاتها, وساوت نفسها بعائلة عبد الرحمن بك ...
فتح الصبي فمه للأكل والحديث في آن واحد: كنت أجلس أمام الزريبة, أدخن, بعد أن أنهيت عملي, وأتتني الخادمة من الداخل لتقول لي: الهانم تريدك!!…
فكرت أن أقول لها اذهبي وسوف آتي, لكنني ذهبت معها, واستقبلتني بحفاوة بالغة, وهي تضحك وتبتسم!…
عقدت الأم حاجبيها, وهي تقاطعه: هل جننت يا ابن…الهانم ترسل خادمتها, وأنت تريد أن تقول للخادمة اذهبي وسوف آتي…ألم أقل لك, أن تظهر كل الخضوع والطاعة, وأنت تكون خجلا!…ألا تريد الزواج بالسنيورة حبيبة القلب؟! … هل تريد أن تفسد كل شئ بغبائك؟…أكمل!..أكمل! وسوف نتحدث في ذلك فيما بعد!. أكمل, أكمل!.
طلبت مني السيدة فريدة الجلوس, أو لم تطلب, كنت مرتبكا فجلست على أحد المقاعد المقابلة لهما, حتى لا أكون أقل منهما…
-وهل طلبت لك فريدة شيئا لتشربه, أو تأكله؟.
-كادت, لولا حضور البومة, أم نحمده…كنت أريد أن أراها وهي تجلس على الأرض, مثلما تفعل دائما!…هل تجلسين الى جوارها, أم تجلسين على الأرض, عندما تزورينها؟…
دعك من هذا وأكمل, ماذا حدث خبرني؟.
قالت لي وهي تزعق كالبوم: انزل اجلس على الأرض!…كيف تجلس أما سيدتك على المقعد؟…
-عقبت سيدة: امرأة عويله وغيورة, أتتها مصيبة تأخذها…أكمل, أكمل!…
-لم أهتم لكلامها, وقلت لها أن الأرض مكان الحريم أمثالك…لكنها ظلت واقفة وقد خرست, ولست أدري لماذا لم تنصرف…
ردت الأم في حنق وغيظ: أنني أعلم ماذا يدور في رأس هذه الحية, ورأس الحنش زوجها…قل!...أكمل!.. لقد نفد صبري, وغلى الدم في عروقي من ذكر هذه المرأة…أكمل!…
-طلبت مني السيدة فريدة الانصراف…أحسست أنها تخشى على, قبل أن يوغل الليل في الظلام, فأبيت أول الأمر, لكنها ألحت, وهي تقوم وتقول لي: هيا قم!…لقد تأخر الوقت, ويبدو أن والديك, قلقين عليك الآن…اذهب!…
صرخت في العقرب وهي تقول: الست هانم تقول لك اذهب, امضي الى بيتك…وشتمتني وهي تقول: ولد "نطع", عديم الفهم…قم!…
رددت عليها: ومالك أنت…أنا أجلس معهما أؤنسهما حتى يأتي البك المفتش, هي التي تقول لي, لست أنت!…
غضبت زوجة المفتش, وصرخت في وجه البومة أن تخرس وتجلس, وألا يكون لها شأن فيما تتحدث, ثم زعقت في أن أنصرف, فانصرفت. تلك العقرب كانت السبب في غضب زوجة المفتش…أعتقد أنها طردتها بعد أن انصرفت…
سهمت سيدة قليلا فيما قاله ولدها, وراحت تقيم المواقف…
أرادت السيدة فريدة تسلية ابنتها سوسن, برؤية منظر الصبي بملابسه المضحكة هذه عن قرب, فدعت الخادمة كي تأتي بحجاج. وعندما حضرت أم نحمده, وجدت الصبي جالس على المقعد, في مواجهة سيدته, الغارقة في الضحك هي وابنتها.
لم تستطع أم نحمده استيعاب ما يحدث وأهالها, ما رأت, فهي لم تستطيع ولو مرة واحدة, أن تتجاوز الحدود, برغم طيبة وذوق السيدة فريدة وسماحتها.
فأم نحمده تعرف قدر نفسها, وهي تعرف وان جلست على المقعد فلن تكون, اكثر من تلك المرأة, التي دخلت المنزل أول مرة, وسوف تظل كذلك…فكيف يتصرف ابن الزرايبى مثل هذا التصرف!.
كما أنها امرأة قنوعة وليس لها طموحات أكثر من رضاء زوجها وسترة بناتها الخمس, ومتطلبات الحياة اليومية العادية, وبعض الأملاك التي يسعى خلفها بلال لاهثا دون أن تطلب هي ذلك, فهي امرأة بسيطة, ومفردات حياتها, ليست معقدة.
لكنها في ذات الوقت, امرأة خبيرة بطبائع نساء بلدتها, وتستطيع أن تقرأ الكثير من أفكارهن واحتياجاتهن, وان لم يفصحن مباشرة عن حقيقة ما يردن, عند اللقاء, أو الزيارات المفاجئة والمفتعلة, والتي أول ما يبدأن الحديث, باللهفة والشوق…
وهي تعرف أيضا أن مثل هؤلاء- سيدة وزوجها همام الزرايبى- مثل الشبيط, إن التصقوا بشيء, أصبح من الصعب التخلص منهم. إن إبعادهم مثل إبعاد الشبيط قد يؤدي الى إدماء أجساد من التصق بهم هذا النبت الشطاني أو هؤلاء القوم.
ولذلك كانت أم نحمده, صادقة في ردة فعلها عندما رأت الصبي قد تجاوز الحدود. فهي ممتنة أشد الامتنان, لما تمنحه لها السيدة فريدة, من وقت للجلوس معها.
قالت السيدة فريدة بعد أن تخلصت من ذلك الصبي: أعتقد أن المشكلة في أن أهل الصعيد, يعتزون جدا بأنفسهم, وخصوصا الرجال والأولاد…
ردت أم نحمده: لا…لا يا ست هانم…هذه وقاحة وبرود…أنا من هذه البلدة, وأعرف طبائع أهلها…
سكتت قليلا وهي غاضبة, وقد زمت شفتيها, وعقدت حاجبيها, ثم أكملت: عندك بلال أفندي, لا يجرؤ على الجلوس أمامك أو أمام البك, على مقعد, ويجلس على الأرض, ولو كنت أنا موجودة معه, نجلس نحن الاثنين معا على الأرض…لكن في المنزل, لا يستطيع أن يراجعه أحد في أي شئ, أو يرفع صوته, أو يعمل أي شئ يغضبه…نحن نعرف الأصول…هؤلاء لا يعرفون الأصول, ولا يعرفون حدا لطموحاتهم…ولا يذكرون جميل لأحد!…هل أعجبك يا ست هانم رد ذلك الصبي؟!…والغريب أنه لم يرى لبسه ولا حتى "بربورة" النازل على فمه!…
- أن أعلم يا أم نحمده أنه كان وقحا ولذلك صرفته, ولكن لا داعي لهذه الألفاظ المقززة!.
- حاضر يا ست هانم, ولكن ما كان يجب أن تدخلي مثل هذه الأصناف بيتك…الولد جالس في "نطاعة" واستمساك. ثم قلدته أم نحمده, بطريقة أضحكت السيدة فريدة.
ثم أردفت أم نحمده تقول وهي ترجوها: هذه الأصناف مثل "الديابة", تعوي من بعيد, نحن أهل هذه البلدة نميز أصواتها, وهذه "الديابة", إذا ما اقتربت, اندست دون أن تعطي صوتا, ودون أن يشعر بها أحد.
أكملت أم نحمده دون أن تفصح صراحة: لكننا نعرف أنها موجودة وساكنة...نعرفها من ذعر الطيور والحيوانات نعرفها…رائحتها تدل عليها والكلاب تنبح لتعلن عن وجودها, اليست من جنسها لكنها ألعن...
إنها تثير الفوضي العامة في أي مكان تتواجد فيه,
عجبت السيدة فريدة, من كلامها الذي ينطوي على خطر لم تفهم ماهيته, فطلبت الاستزادة, غير أن أم نحمده, قالت لها فاقدة الصبر دون وعي منها ودون أن تلحظ السيدة فريدة ذلك, ووجهها نحو الأرض, حتى لا تراها سيدتها فريدة, كأنها تريد أن تقول وتخفي في نفس الوقت: يا ست هانم أنت سيدة حسنة النية, وطيبة جدا, حتى انك لو رأيت ذئبا ساكنا في الطريق, لظننته, كلبا مسكينا وأليفا,
لكن!... نحن نعرف أن نميزها, فهي تعيش بيننا, ونعرف أساليبها وخطرها…هذا الولد العويل, يأتي وينتهي عمله, ويذهب فورا, الى بيته…أرجوك يا ست هانم لا تدخلي أحد من هؤلاء, أو تأنسي لهم…
لم يخطر ببال فريدة هانم, ما يمكن أن تقصده أم نحمده, لا بالنسبة لها, فهي سيدة محترمة, ولا بالنسبة لابنتها, فهي لا زالت طفلة…
وإنما كل ما تفكرت به فريدة هانم, أن أم نحمده تقصد, وقاحة هؤلاء وبلادتهم وقلة ذوقهم, أو أنهم يسرقون, ما قد تصل إليه أيديهم,…, لم يخطر ببالها كل ما سوف تراه وتعيشه, وليس بعيدا عنها!…
نظرت إليها السيدة فريدة, فوجدتها, على غير عادتها التي ألفتها منها من الضحك والمرح, فطيبت خاطرها, وهي تقول: أول مرة أراك تعقدين حاجبيك, وتذمين شفتيك…حاضر يا أم نحمده, أنت أدرى بأهل بلدتك, ولو أنني لم أفهم ما تعنينه…ثم أردفت وهي ضاحكة: ماذا يحدث في بلدتكم, حتى يقول هذا… ماذا تقولين عنه؟… أنه يجلس حتى يأتي البك…ثم غرقت في الضحك, هي وابنتها…
-"العويل"!…يظن أنه يجلس في بيت أبيه, ,انه سوف يرعى الست هانم وابنتها…كيف تسمحين بذلك يا ست هانم, ثم أردفت: بالله عيك, لا تدخلي هذه الأصناف بيتك…وأنا أيضا لن أدعهم يدخلون بيتي بعد اليوم!…
-لماذا؟… احكي لي!.
ترددت أم نحمده, قبل أن تجيب: الحقيقة!…الحق أقول لك…ثم توقفت قليلا قبل أن تحزم أمرها قائلة: هو هكذا, هم ناس لا يعرفون الأصول!…
-فريدة هانم: كيف؟!…
-أم نحمده: خطبوا لابنتهم فتاه تدعى "أم زنون"…
-فريدة هانم مبتسمة ومشمئزة: أتقصدين, وشاورت على أنفها…
-أم نحمده: نعم…
-ما هذه الأسماء التي تثير الاشمئزاز؟!…
-لا تؤاخذيني!…هذه أسمائهم, الفتاه كثيرة المخاط والتمخط!…لكن اسمها سيدة علي إسم المحروسة أمه!…
ضحكت السيدة فريدة, بين السرور والاشمئزاز, وضحكت معها ايضا, في براءة أبنتها سوسن, واستحثتها السيدة فريدة على الكلام, لمزيد من المعرفة وتمضية الوقت.
أكملت أم نحمده: بعد ما خطبوا الفتاه لهذا العويل, وعرف الجميع, بربط هذه الفتاه لابن الزرايبى, لم يتقدم لها أحد آخر…ثم فجأة تركوا الفتاه…
-فلماذا؟!…
-لأن أهلها لم يعودوا مناسبين لهم!…
-فريدة هانم: وأيضا لماذا؟!…
-أم نحمده: لأن الحنش الكبير, و"السلعوة" المسعورة…
-فريدة هانم: تقصدين أبيه وأمه؟…
-أم نحمده: نعم…عندما رأوا أن ولدهم, عمل في التفتيش بفضل قلبك الطيب, وأصبح موظفا, رفضوا هذه الفتاه, وبدءوا في البحث عن فتاة أخرى, تناسب الأفندي!…
-فريدة هانم: من هو ذلك الأفندي؟ أتقصدين ذلك الولد القرف…
-أم نحمده: نعم ذلك العويل الذي كان يجلس هنا منذ قليل!…
-فريدة هانم: لكنه لا زال صغيرا, وأنت كما تقولين…القرف النازل على فمه, لقد سمعت أشياء مثل هذه في بلادكم ولكني لم أصدقها!…
-أم نحمده: هذا ما يحدث في بلادنا. لن أطيل عليك, تقدم أبيه, الى بلال, أبو نحمده, يطلب يد ابنتي الصغرى, أم العنز, لولده "العويل" هذا. رفض بلال وقال له, ليس قبل أن تتزوج الكبرى, نحمده, والأخرى أم العيون…
-ولماذا لم يطلب نحمده؟‍‍‍‍!…قاطعتها فريده هانم في دهشة.
-أم نحمده: يقولون أنها كبرت!…
-فريدة هانم: فما هو سنها؟!…أعتقد أنها صغيرة.
-لم تكمل الأربعة عشرة سنة!…
-فريدة هانم: ويقولون أنها كبرت!…ما هو سن الزواج في بلادكم؟!…
-أم نحمده: في الغالب ما بين التاسعة, والثانية عشرة, وكلما صغرت الفتاه كانت طوع زوجها وأهله…أحيانا يزوجون الفتاه في سن السابعة, والثامنة, عندما يرون أن الفتاه موفورة الجسد!…
هلعت فريده من هول ما تسمع, ونظرت الى ابنتها, التي أثارها علامات الدهشة على وجه أمها, والتي أرادت التأكد أن ابنتها لا زالت صغيرة!…
-فريدة هانم: كفي كلاما عن هذا الحديث المقيت!…ثم طلبت من ابنتها سوسن أن تأتيها بكوب من الماء, ولما أرادت الفتاه أن تنادي على الخادمة كما اعتادت أن تفعل, أمرتها أمها أن تذهب هي…
أردفت فريده هانم بعد أن ابتعدت سوسن: حذار أن تتحدثي في مواضيع خارجة مثل هذه أمام سوسن…هل فهمت؟…
-أم نحمده: نعم فهمت…ثم أردفت لتؤكد لفريدة هانم مكانتها ومكانة وجهاء البلد: هذا هو الفرق بين أولاد "الأكابر" وبين هؤلاء. عندنا يندس الأولاد بين آبائهم, والفتيات بين أمهاتهم…يسمعون ويتابعون كل شئ, كل ما يقولون عن…
ثم قطعت حديثها عندما حضرت سوسن.
أصاخت فريدة هانم السمع, لتتبين أن القادم هو عبد الرحمن بك, فوقفت أم نحمده, تداري وجهها بشالها, وهي ترى هذا الرجل الضخم يدخل, وينقل بصره بين فريدة هانم وبينها, ألقى تحية المساء, ثم دخل الى غرفته!…
صرفت فريدة هانم, أم نحمده وهي تقول لها: احضري غدا صباحا, حتى تذهبي مع الخادمة, لشراء بعض مستلزمات الفيلا. ثم دخلت بعد ما انصرفت أم نحمده الى عبد الرحمن بك, وبادرته ضاحكة: لماذا أتيت مبكرا اليوم؟!.
-يريدني الباشا في مكتبه هذا المساء, فقررت أن استريح قليلا قبل ذهابي…من هذه المرأة وماذا تفعل هنا؟!.
أنها زوجة بلال…امرأة دمها خفيف…تسليني وتضحك سوسن, سوف أحكي لك بعد أن تأكل.
خرجت, ونادت على الخادمتين, أن تجهزا الطعام للبك.
أنهى الجميع طعامهم, وذهبت سوسن مع خادمتها, الى غرفتها لتسليتها, وذهبت فريدة هانم خلف عبد الرحمن بك الى غرفتهما, حيث يستريح أو يغفو قليلا…
لكن فريدة هانم تمسكت بالحديث معه, فلم يشأ أن يغضبها, واغلق عينيه, ومال برأسه نحوها يستمع إليها.
قالت فريدة وهي تظن أنها حصلت على معلومات لم يعرفها زوجها من قبل: هل تصدق, أنهم هنا في هذه البلاد, يزوجون الفتيات, في سن صغيرة جدا!…
أجابها مازحا: معقول!…
-لقد حكت لي أم نحمده عن زواج الفتيات, في سن التاسعة, وربما السابعة…هل هذا معقول!…
-وما سبب الحديث في هذا الموضوع؟.
-لقد حدث شجار بين أم نحمده, والصبي عامل الزريبة…
فتح عبد الرحمن بك عينيه وهو يسألها: أين؟.
-هنا في القاعة الخارجية…
-في بيتي…أتقولين مشاجرة في بيتي؟.
هدأت فريدة من غضبه وهي تقول: ليست مشاجرة بالمعنى…لكنها عندما دخلت ووجدت الصبي جالس على الكرسي, انتهرته, وأمرته أن يقوم, ويجلس على الأرض…
سألها غاضبا: وما الذي أتى بهذه الأشكال هنا…الى داخل البيت؟…كيف تسمحين لنفسك بالجلوس مع هؤلاء؟!…أم نحمده وقلنا لا بأس, فهي لا تتعدى الحدود وتسليك وتسلي سوسن كما قلت…ما الذي أتى بهذا الولد الى داخل الفيلا؟…
-فريدة هانم: لقد أخطأت!…
هدأ هذا الرد من غضب عبد الرحمن بك, والذي استمسك بالحلم, حتى يستبين ما حدث!.
كرر عبد الرحمن سؤاله: ما الذي أتى بهذا الولد الى داخل الفيلا, وأنت تعلمين جيدا انه ممنوع على أي عامل من هؤلاء الدخول هنا…
-أجابت السيدة فريدة: لقد كنا نتحدث أنا وسوسن, وقد غرقت ابنتك في الضحك, وهي تذكر منظر هذا الولد…
-عبد الرحمن بك: أليس هو ذلك الولد الذي طلبت له عملا, وأظن أن تلك المرأة, زوجة بلال, طلبت منك التوسط لأجد له عملا…أليس كذلك؟...لقد قبلته, لاجل خاطرك, وحتى يكون لك قدرك. لقد كان أكثرهم قذارة وقرفا…مخاطه يغطي أنفه حتى فمه, ويبدو من منظره, كأنه عبيط من أهل تلك البلدة…
فريدة هانم: انك لم تره وهو يرتدي, بنطلون وقميص! …
أطاح الحديث, ما تبقى له من رغبة في النعاس, وهو ينتبه الى حديثها وسألها: يرتدي ماذا؟…قميص وبنطلون!…
أجابته فريدة هانم وهي تضحك: بنطلون ضيق جدا, كأنه لصبي أصغر منه بكثير, وقميص كأنه أحد قمصانك…كلما رأيناه أن وسوسن, غرقنا في الضحك, وخصوصا عندما يرتدى البنطلون الآخر…يبدو أنه من قماش الفلاحين المصبوغ…بنطلون ضخم جدا ليست له أية معالم…
-بنطلون وقميص لهذا الصبي!…في هذه البلدة…قالها وهو يهز رأسه, وأراح نفسه ورأسه من ذلك العجب بأن أضاف: هم يتوقون للبس الأفندية حتى وان بدوا مثل الأراجوزات…لكنه كمن أفاق فعاوده الغضب: كيف سمحت لهؤلاء بالتطاول على بعض في بيتي…كيف وصلت بهم الجرأة الى ذلك الحد؟…شئ غريب!…أنت تعلمين أنه لم يتجرأ أحد أن يخطئ, سواء كنت موجودا أو لم أكن…كيف حدث هذا؟!…سوف أقوم بفصل بلال, وهذا الولد.
ترجته فريده ألا يفعل, وانه خطأها, ولا يجب قطع أرزاق الفقراء, ما دام يستطيع ذلك. وحكت له ما سمعته من أم نحمده, وهي تضحك, عن خطوبة هذا الولد, للبنت أم" زنون", ثم طلبه الزواج من بنت بلال الصغيرة, ورفضه الزواج من نحمده, التي قاربت الربعة عشرة ربيعا, ثم كيف حدثت المشاجرة, حتى سألته: هل تعلم أنهم يزوجون بناتهم في هذه السن الصغيرة جدا!…
هدأ عبد الرحمن وأخذ يتابعها دون أن يقاطعها, حتى أعادت عليه هذه المعلومة, فرجع الى نفسه, ليختصر في القول: انهم يزوجون الفتيات في سن صغيرة جدا, خوفا من العار, حتى إذا ما انتقلت الى بيت زوجها, أصبح هو المسؤول عنها, وعن أفعالها. إنهم بالرغم من هذا الجفاء وهذه الشدة بين بعضهم البعض, فإنهم ضعاف الشخصية, والبنت تمثل لهم مصدر قلق وخوف دائم, يتمنون نقل مسؤليتها إلي آخر جنيا للسترة وتجنبا للعار!...
-أي عار لفتاة صغيرة؟!…
-عبد الرحمن بك: انظري يا حبيبتي, انهم يختنون الفتاه, حتى لا تصبح شهوانية, هذا في رأيهم وطبيعتهم…انهم ينظرون الى الفتاه, نظرتهم للحيوان الذي لا رابط أو رادع لرغباته…
سكت قليلا ثم أكمل نصف شارد: إن الفتاه غير المختتنة تصبح مصدر قلق دائم لأهلها, ومصدر ريبة زوجها. ويشيع الخبثاء أن أهلها قصروا في واجباتهم نحوها…
-فريدة هانم: أنا لا أصدق!...
-عبد الرحمن بك: أغلقي هذا الحديث المقيت, ولا تصدعي لي رأسي…لقد أطرت النوم من عيبني!.
-فريدة هانم: لقد سمعت أن الكثيرين, يفعلون ذلك, وقد فكرت في أن أفاتحك في ذلك, لأخذ رأيك ولكنني خشيت على سوسن…
-عبد الرحمن بك مندهشا ومنزعجا لما يسمعه: تفاتحيني في ماذا؟…
-أن نقوم بتختين سوسن؟. ولكنني خشيت عليها من العملية.
-عبد الرحمن بك كأنه ينظر إلى إمرأة غريبة ويراها لأول مرة: لقد جننت؟…أكيد جننت…ما الفرق بينك وبين هؤلاء!.
ذعرت فريدة من اللهجة التي بدرت عن عبد الرحمن بك وأحست بالخجل. كيف وهي امرأة وأم تفكر في مثل هذه الأمور بتلك الطريقة, وزوجها الرجل, يحرص أن تشب ابنته طبيعية وتكبر دون عقد أو مشاكل…
أكمل عبد الرحمن قائلا: هم يعتبرون الفتاه, مثل الحيوان, تنطلق للبحث عن شهوتها, وتسبب لهم العار والفضيحة, لذا هم يختنونها وهي صغيرة, ويزوجونها, أيضا وهي صغيرة, حتى تنتقل مسئوليتها, الى رجل آخر…يكون هو المسؤول عن تلبية احتياجاتها, وقتلها إن لزم الأمر...إنهم يلبسونها تلك العباءة السوداء التي يسمونها "البردة"…ألم تريهن وهن يسرن, ولا ترين منهن شيئا, ينظرن من خلال شق البردة, النساء يرين كل شئ, والرجال لا تر منهن شئ…المهم عندهم أن لا يراهن أحد…فهذا في حد ذاته عار…بين الحين والحين, يحمل النيل, جثة فتاة مجهولة…كان من الأفضل أن أتركك في مصر-يقصد القاهرة-بدلا من وجودك هنا…يبدوا أن زحمة العمل أخذتني منكم كثيرا…
-فريدة هانم: يبدوا أنها بلاد غريبة, في كل شئ, ربما يتغيرون مع الأيام…
-عبد الرحمن بك: مطلقا…يتغيرون في استبدال الأشياء بنفس الفكر الجامد, تسانده العادات والتقاليد, ولن يغيرهم شئ, انهم يقولون أشياء ويفعلون غيرها…
-فريدة هانم: ربما لو كانوا متعلمين, لكانوا أفضل…
-عبد الرحمن بك: ولا حتى التعليم يغيرهم, سوف يفعلون نفس الشيء, ويأخذون مما تعلموه ليعضدوا ما إعتادوا ونشأوا عليه وإعتقدوا به… سوف يفعلون نفس الشيء اليوم وغدا وسوف يجدون دائما المبررات لما يعملون ويعتقدون!…
أردف بحب ينهي الحديث ليستقيم مسار فكر زوجته: هل نعدل علي الله؟!...هل نقول لله عز وجل لقد خلقت الانثي هكذا, ونقوم بتختين بناتنا ونقول لله اننا نري ذلك أفضل!...
الآن أقوم استعد لمقابلة الباشا…سامحك الله أنك لم تتركيني أغفو قليلا…حذار أن يتكرر ما حدث اليوم, وإلا أمرت بلال بعدم إرسال زوجته هنا مرة أخرى, وربما فصلته!...



#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبيط...الشوك الدامي- الفصل السابع والثامن.
- الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الخامس والسادس
- الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الرابع
- الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثالث
- الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثاني
- الشبيط...الشوك الدامي.الفصل الأول
- إعرف كيف يفكر الآخر:داود الملك والنبي...النسر واليمامة
- إعرف كيف يفكر الآخر:صعب عليك أن ترفس مناخس...
- إعرف كيف يفكر الأخر: الله وقيصر
- إعرف كيف يفكر الأخر - الفقراء
- أجنحة ضعيفة


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - الشبيط...الشوك الدامي-الفصل التاسع