حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3437 - 2011 / 7 / 25 - 14:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
آليات العقل ومكوناته واحدة فى حالة التطرف مع اختلاف التوجه واختلاف اللافتات والشعارات المرفوعة ... كانواع الدواء التى تحمل اسماء مختلفة لاسباب تجارية ولكنها تحوى نفس المكونات ... هى نفس الدواء مع اختلاف الجرعات الموصوفة ... وكل الافكار المتطرفة مثالية وساحرة وقادرة على اجتذاب ملايين المريدين فى لحظات ... اذ هى لاتكتفى بالجنة التى وعدنا بها , والتى بالقطع لن يدخلها كل البشر , بل تحرص على اقامة جنة ارضية يدخلها كل البشر ... هذا هو مايشغل بال الثوريين ومن بينهم الاخوان المسلمين اصحاب مشروع الاسلام السياسى , والاشتراكيون والشيوعيون وغيرهم ... هذا هو بالضبط مايجمعهم فى كل المناسبات : ادانة الواقع المعاش بكل مكوناته ورفض انجازاته والاستغراق فى الحلم فقط . الحلم بذلك المجتمع العظيم الذى يسعون لتحقيقه على المدى البعيد .
ولانهم جميعا امتلأوا باليقين المطلق , فهم ليسوا على استعداد للتصور بان افكارهم وثوابتهم خطأ ... فينشأ عن ذلك يقين آخر بانهم (جند الله) ومن يناقش افكارهم هم (عساكر الشيطان) او انهم (رسل العدل والحرية ) والآخرون( باعة جائلون للظلم والاستبداد ), هم وحدهم المدافعون عن الوطن , والآخرون طابور خامس ينتظر الفرصة لطعن الامة فى ظهرها .
كل الافكار المثالية ترفع علما خفاقا تسارع كل الناس بالالتفاف حوله , ليس تصديقا للشعار المرفوع , ولكن بدافع من الرغبة القوية فى تصديقه , وخصوصا فى حالات التعاسة القومية , وتبدأ القافلة فى السير فى اتجاه هذا الحلم لتكتشف الناس انها تخوض بركة مستنقعات واوحالا جحيمية لاطاقة لها بها , ومن اجل تحقيق الهدف العظيم لدى جماعات الاسلام السياسى وغيرها لابد من عشرات ألوف من المشنوقين والمجلودين والمعتقلين والجائعين والمرضى الى اخر ماتنقله لنا وكالات الانباء والفضائيات من صور عبسية تعسة للانظمة الثورية ... كما تنادى تلك الجماعات المتأسلمة او جماعات الاسلام السياسى بانه لابد من حرمان اعداء الشعب (الشعب هنا انفسهم) من الحرية ليتمكن الشعب كله او ماسيتبقى منه , من الاستمتاع بالحرية .
فى ظل هذا المناخ , من الطبيعى ان يكون المواطن النموذجى هو المواطن (المحارب) وليس (المنتج)... لانه من المستحيل ان يتفرغ للانتاج بينما هو منشغل بالقضاء على اعداء الامة ...الى ان يأتى وقت تصبح فيه التعاسة هى السلعة الوحيدة المتوفرة فى الاسواق ... ولان المهام الملقاة على عاتق قيادات الاسلام السياسى كبيرة جدا تنوء بحملها الجبال .. لذلك كان على عامة جماعات الاسلام السياسى ان توفر لهم المعيشة الرغدة والحياة المرفهة الآمنة ليتمكنوا من الابداع فى الدفاع عن جماعات الاسلام السياسى فى مواجهة اعداءهم واعداء شعارهم المرفوع (الاسلام هو الحل ).
الغريب فى الامر سنلاحظ فى مثل هذا النوع من المجتمعات المثالية العاجزة عن الوصول الى سدة الحكم , ان اجهزة القمع الامنى هى وحدها التى تنمو وتزدهر وتستمتع بمستوى معيشى مرتفع لجسامة المهمة الملقاة على عاتقها وهى حماية الشعب والقول بأنها تحمى النظام ورجاله فقط . مما يؤكد ان سبب ارتفاع الفاتورة الامنية فى بلد مثل مصر سببه جماعات الاسلام السياسى , الذين يعطون النظام الفاشل مقومات حياته او حججه التى يقمع بها المعارضة ضده بهراوة الامن .
وتمضى الايام لتكتشف الناس ان الجنة التى وعدوا بها , تمت اقامتها بالفعل على الارض من خلال جماعة مثل جماعة الاخوان مثلا , ولكنهم لم يحصلوا على تصاريح بدخولها , فقد دخلها اعضاء الجماعة ومثقفوها واجهزتهم المعاونة , لانهم يقفون فى اول الطابور , واغلق الباب خلفهم بعد دخولهم مباشرة . ويبقى الناس الذين تم خداعهم باسم الدين فى الخارج فى عراء الجحيم , لان الثمار والفاكهة والعسل والشهد وبقية المتع فى الجنة الارضية لاتكفى سوى قيادات جماعة الاخوان او قيادات الاسلام السياسى .
مما لاشك فيه ان هؤلاء المثاليين الذين يعملون للوصول الى الطهارة المطلقة والمساواة المطلقة والنزاهة المطلقة والقضاء نهائيا على الظلم والجريمة بكل انواعها والفقر والمرض , هؤلاء تحديدا هم من سيقودون مجتمعاتهم الى أسوء انواع الجحيم ... لانهم متطرفون يؤمنون بالمطلق ولايعترفون بالنسبى ... بينما المطلق الوحيد هو الله سبحانه وتعالى , وكل ماعدا ذلك من قضايا وقيم نسبى ...
الفكر الليبرالى لايشغل نفسه باقامة الجنة الارضية لان ذلك مستحيل ...ولكنه يعمل على الوصول الى افضل انواع الجحيم , هو لايعمل على على توفير فرص العمل لكل الناس , بل يعمل على توفير اكبر قدر من فرص العمل لاكبر عدد من الناس , وهو ايضا لايخدع نفسه فيما يتعلق بطبائع البشر , فالناس فعلا تعمل بدافعين : الرغبة والرهبة ... الفكر الليبرالى يحترم العامل المنتج ويسعى اليه ... بينما الفكر الشمولى يقدر العامل عضو الجماعة او الحزب ...
فى ظل قوانين تمزج بين بين الاشتراكية والليبرالية من الطبيعى ان يلجأ بعض رجال الاعمال الى التحايل , بل والى اقصى درجات الانتهازية .. ويجب ان لا ننسى اننا شعب من الفلاحين والبنائين والحرفيين المهرة وان التجارة جديدة علينا , لذلك كان من الطبيعى ان يخلط البعض بين قواعد التجارة واساليب القرصنة . ولكن مع الوقت سيكتشف الاذكياء من رجال الاعمال ماسبق ان اكتشفه اقرانهم فى المجتمعات الليبرالية وهى : ان النزاهة والامانة والسلوك المستقيم هى الطريق الوحيد للمزيد من الارباح ... وان ارادة القوة لابد ان تتجلى فى ادوار اجتماعية حقيقية ... حيث لم يعد من المقبول ممارسة مظاهر القوة عن طريق مباريات مآدب العشاء التى كنا نسمع عنها فى المدن الساحلية .
مع الوضع فى الحسبان ان الاقتصاد الحر لايزدهر فى وجود حالة حرب عقلية , تدفع رجال الصحافة والاعلام والحروف الى التعامل مع رجال الاعمال بوصفهم شياطين يريدون الكسب فقط , وهى نظرة طبيعية من اشخاص عاشوا سنوات طويلة فى ظل نظام شمولى واقتصادى يريد الخسارة فقط , مكتفيا بمكسبه من حب الجماهير . ان السرقات الكبرى من البنوك التى حدثت منذ اعوام فى مصر ليست بعيدة عن حالة الحرب العقلية .. ففى الحياة الطبيعية قد يسرق بعض الناس اموالا من البنوك او من بنك ما , ولكن ان يتم الاستيلاء على اموال البنك كلها , فهذا هو بحق منطق غنائم الحرب , هى حرب والبنك موقع من مواقع الاعداء تم الاستيلاء عليه وتم اخذ امواله وودائعه اسرى (نظرية الاستحلال) ..هذه النظرية هى التى قادت تيارات الاسلام المسلح الى الاستيلاء على محلات الذهب فى الماضى , فى ظل الحرب العقلية .
مما لاشك فيه ان الحرية الاقتصادية والسياسية بحاجة الى التبشير بها والعمل على شرح افكارها الاساسية لكى يتبين الشعب مكاسبه فيها , وهذا امر يتحمل مسئوليته المفكرون والكتاب الليبراليون , فالحاجة ملحة اليوم لاقلامهم واحاديثهم ومحاضراتهم فى عبارات سهلة وقوية وقادرة على ان تحمل للناس رسالتهم , رسالة الحرية فى حب وبساطة .. فالحرية عبء ثقيل ولكن لامفر من ان تشرح للناس حتمية الاضطلاع بهذا العبء اذا اردنا ان يكون لنا وجود فى صراع النماذج الدائر فى منطقتنا العربية ... لذلك لابد من الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية , كما لابد من انهاء حالة الحرب العقلية بين التيارات الفكرية والثقافية .....
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟