أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - لا دية لأسر شهداء 25 يناير















المزيد.....


لا دية لأسر شهداء 25 يناير


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3437 - 2011 / 7 / 25 - 08:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(لا دية في القتل العمد: إنما القصاص أو العفو)
في ظل ما يثار في مصر الآن من فتاوى حول القصاص من قتلة شهداء ثورة 25 يناير أو دفع الدية لهم في مقابل العفو عن القتلة، أود بدايةً أن أقول إن الذين قُتِلوا في أحداث ثورة 25 يناير بغير حق إلا أنهم خرجوا يطالبون بحقهم في حياة كريمة وعيش كريم وللمطالبة بحقوقهم المشروعة التي سلبتها منهم عصابة الطاغية الأثيم (حسني مبارك)، هؤلاء القتلى الذين خرجوا لهذا الهدف هم شهداء حقا ولا مراء ولا شك ولا ريب في هذا على الإطلاق، ولا يماري ولا يجادل في هذا إلا جاهل أو سفيه، فكل من تعرض لاعتداء على نفسه أو دمه أو ماله أو أهله أو عرضه أو دينه، فحق له أن يدفع هذا الاعتداء بكل صور الدفع إما بالقتال أو بالعصيان أو بالثورة أو بالاعتصام أو بأي صورة يراها المعتدى عليه مناسبة له.
قال تعالى:
(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِياًّ وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً). (75_ النساء).
وقال تعالى:
(وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا). (246_ البقرة).
وقال تعالى:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). (40_ الحج).

فكل من قام أو خرج يدفع الاعتداء عن ماله أو عن دمه أو عن أهله أو عرضه أو عن نفسه أو عن دينه ثم قام المعتدي بقتله فهو شهيد، فقد أخرج الترمذي أنه: (من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

## هل تجوز الدية في القتل العمد؟ :
أحكام القرآن الكريم قامت بتجريم جريمة قتل النفس بغير حق أيا ما كانت تلك النفس المقتولة وأيا ما كان دينها أو طائفتها مادامت نفسا بشرية.
قال تعالى:
(وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً) (33_ الإسراء).
وقال تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى). (178_ البقرة).
فالقصاص حكم إلهي قرآني مكتوب على جميع المؤمنين حكاما ومحكومين رعية وولاة أمر، وعلى الجميع وجوب تنفيذه والقيام به دون تأخير أو تلكؤ، إلا أن القرآن الكريم أوقف تنفيذ هذا الحكم على خيار ولي المقتول فيما لو عفا عن القاتل، والعفو لا يُجْبَر عليه ولي المقتول ولا يُسَاوَم ولا يُسَاوِم عليه، لأن الولي له حق اختيار العفو وله حق المطالبة بالقصاص وإنفاذه، فالحكم الأصلي الإلهي الحق والعدل هو القصاص، إلا أن الله جعل حكم العفو من قبل ولي المقتول عن القاتل حكما يعلو ويقدم على حكم القصاص الحق العدل، فجعل الله العفو كخلق إنساني سامي يعلو فوق العدل ويقدم عليه في حال قرره ولي المقتول، أما القصاص بالعدل فهو الحكم الملزم للحاكم أو ولي الأمر مادام ولي الدم أو ولي المقتول يطالب بالقصاص ولم يعف، وليس للحاكم ولا لأهل القاتل ولا للقاتل أن يُساوموا ولي المقتول على العفو مقابل المال أو مقابل الدية، فإن وافق ولي المقتول على العفو في مقابل أخذ مال أو أخذ دية فقد انتفت على الفور صفة العفو ويجب على الحاكم تنفيذ القصاص على الفور دون الرجوع لولي الدم، لأن العفو هو خلق إنساني سامي لا يُساوم عليه ولا يباع ولا يشترى ولا يُقَايَضُ بالمال ولا بالدية وإلا أصبح ليس عفوا على الإطلاق وتنتفي عنه صفة العفو على الفور ويصبح مقايضة وبيعا لدم المقتول.

وتشريع العفو هذا هو قمة السمو في التشريع القرآني في جانبين، الأول: في أنه ترك مجالا للقاتل للإبقاء على حياته بالعفو عنه إن رضي وعفا عنه أهل المقتول وتنازلوا عن حقهم في القصاص منه بمحض إرادتهم ودون أي مقابل. والثاني: أنه ترك مجالا للنفس المؤمنة صاحبة الحق في القصاص أن تختبر في داخلها مدى تمتعها بقيمها الإنسانية ومدى سموها ورفعتها عن أخذ هذا الحق في القصاص والانتقام، وكذلك علينا أن نعلم أنه لا دية في القتل العمد على الإطلاق إنما الدية في القتل الخطأ فحسب، كما نص على هذا القرآن الكريم.
قال تعالى:
(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (178_ البقرة).
والتخفيف الذي أشار له الحق سبحانه في هذه الآية هو إلماح لشريعة التوراة التي تقتصر على القصاص فقط، ولا تقبل عفوا ولا دية كما يبدو من سفر الخروج، الإصحاح الثالث.

وقد قرر النبي محمد عليه الصلاة والسلام هذا الحكم الإلهي في القتل العمد بالقصاص أو العفو في الصحيفة الدستورية التي كتبها عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة في البند (الحادي والعشرون) من الصحيفة من دون ذكر للدية على الإطلاق كما جاء في القرآن الكريم، وكان نص البند كالتالي: (ٱلبند ٱلحادى وٱلعشرون: وَإِنّهُ مَنْ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلاً عَنْ بَيّنَةٍ فَإِنّهُ قَوَدٌ بِهِ إلّا أَنْ يَرْضَى وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافّةٌ وَلَا يَحِلّ لَهُمْ إلّا قِيَامٌ عَلَيْهِ). (والقود: يعني القصاص). وقد رويت بعض الأحاديث عن النبي عليه السلام تقرر ذلك من دون ذكر للدية ومنها قوله: (العمد قود "أي القتل العمد قصاص", إلا أن يعفو ولي المقتول). وأخرج أبو داود عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (مَنْ قَتَل عامداً فهو قَوَد. "أي قصاص"). وأخرج ابن ماجة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (مَنْ قَتَل عامداً فهو قَود "أي قصاص"، ومَنْ حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَل منه صَرْف ولا عدل).

• الدية لا تُسَلَّم إلا في القتل الخطأ فحسب:
لقد نظم القرآن العظيم مسألة القتل الخطأ في حال كان المقتول مسلما مؤمنا، أو في حال كان من قوم أعداء محاربين، أو في حال كان من قوم بيننا وبينهم ميثاق وعهد، ففي حال كان المقتول خطئا مؤمناً فعلى القاتل تحرير رقبة مؤمنة، وتحرير الرقبة هنا لا يقصد بها تحرير العبيد والجواري فحسب، بل وتنطبق كذلك على فك رقبة من كان مرهونا في دين لا يقدر على سداده، ودية مسلمة إلى أهل المقتول، أو أن يتصدق أهل المقتول بالدية على القاتل ولا يأخذوها منه، أما لو كان المقتول خطئا من قوم أعداء محاربين، فيكتفي القاتل بفك رقبة مؤمنة من دَيْنِها، وأما لو كان المقتول خطئا من قوم غير مسلمين وبين المسلمين وبينهم ميثاق وعهد، فعلى القاتل أن يقوم بتسليم الدية إلى أهل المقتول، وعليه أن يقوم بتحرير رقبة مؤمنة من دَيْنِها، وإن لم يجد ما يعتق به رقبة مؤمنة من دَيْنِها فعليه أن يصوم شهرين متتابعين.
قال تعالى:
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً). (92_ النساء).

وهنا قد يسأل سائل ويقول: ولكن كيف أجمع جمهور الفقهاء في الماضي والحاضر على جواز قبول الدية في القتل العمد، حيث إنَّ ما عليه جمهور الفقهاء أنَّ الدية إمَّا أن تجب بالصلح مع اعتبار رضا الجاني، وهو مذهب المالكية والحنفية، وإمَّا أن تجب بدلاً عن القصاص، ورضا الجاني فيه غير معتبر، وهو المذهب المعتمد عند الشافعية خلافًا للحنابلة الذين يعتبرون الدية عقوبةً أصليةً إلى جانب القصاص في القتل العمد، ويكون ولي الدم مخيرًّا بين القصاص والدية من غير اعتبار رضا الجاني. وَقَالَ مَالِك : لَيْسَ لِلْوَلِيِّ إِلَّا الْقَتْل أَوْ الْعَفْو , وَلَيْسَ لَهُ الدِّيَة إِلَّا بِرِضَى الْجَانِي.

وقد يسأل ساءل آخر كذلك ويقول: كيف ترى الأحاديث المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام التي تقول بجواز أخذ الدية في القتل العمد وهي: قال عليه الصلاة والسلام: (من قتل له قتيل, فهو بخير النظرين: إما أن يقتل, وإما أن يُفْدَى "أي يفدي نفسه بالدية" ). متفق عليه. (أخرجه البخاري في كتاب "الديات"، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: (3/416)، ومسلم كتاب "الحج": (1/616) رقم: (448)، من حديث أبي هريرة.)، ونص حديث أبي هريرة عن النبيِّ عليه الصلاة والسلام قال: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ، كما ثبت أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: (مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ)، (أخرجه الترمذي كتاب "الديات" باب ما جاء في الدية: (1387)، وابن ماجه كتاب "الديات"، باب من قتل عمدا فرضوا بالدية: (2626)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والحديث حسّنه الألباني في "الإرواء": (7/259)، وروى أبو شريح الخزاعي قال: قال رسول الله: (من أصيب بدم، أو خبل, فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه: أن يقتل، أو يعفو, أو يأخذ الدية). رواه أبو داود. وفي لفظ: (فمن قتل له بعد مقالتي قتيل, فأهله بين خيرتين: أن يأخذوا الدية، أو يقتلوا).

فهل ترى أن هذه الأحاديث مكذوبة على الرسول، أو أنها ناسخة للقرآن كما يقول بعض الفقهاء، أو أن بها إضافة لحكم الدية إلى حكمي القصاص والعفو الواردين في القرآن الكريم؟

للجواب على هذه الأسئلة المشروعة أقول: إنه مما قد خفي على كثير من الناس وخاصة الفقهاء أن كثيرا من الأحاديث التي رويت عن النبي عليه الصلاة والسلام التي تشتمل على أحكام قد تكون مخالفة لأحكام القرآن الكريم أو مضيفة لأحكام أخرى فوق ما جاء في القرآن من أحكام هي أحكام صحيحة وسليمة، لكنها أحكام قد حكم بها النبي عليه الصلاة والسلام بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى وبين القبائل العربية التي كانت تحتكم إليه في بعض القضايا والنزاعات التي كانت تنشأ فيما بينها، ومن هنا جاء الخلط، فحين تم جمع الأحاديث المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام وحين تم تدوينها في كتب ما يسمى بالصحاح وما يسمى بكتب السنن لم يتم التفريق فيها بين أحكام الرسول بين المسلمين وبين أحكامه لغير المسلمين في هذه الأحاديث فظن جماهير الفقهاء في الماضي والحاضر أن بعض الأحكام التي وردت في أحاديث الرسول هي أحكام خاصة بالمسلمين لمجرد أنه عليه الصلاة والسلام قد حكم بها، فظنوا خطئا أن المسلمين مطالبين بهذه الأحكام الواردة في الأحاديث المنسوبة إليه عليه الصلاة والسلام، فمن هنا جاء الخلط والتناقض والتضارب والاختلاف بين الأحكام الواردة في القرآن الكريم وبين الأحكام الواردة في بعض الأحاديث المنسوبة للرسول عليه الصلاة والسلام في كتب الأحاديث.

وهناك من آيات القرآن الكريم ما تقرر أن كثيرا من أهل الكتاب ومن القبائل العربية كانوا يحتكمون إليه عليه الصلاة والسلام في بعض منازعاتهم فكان يحكم بين اليهود والنصارى بما جاء في التوراة والإنجيل، وكان يحكم بين القبائل العربية وفق (معاقلهم) أي أحكامهم الخاصة بهم والتي تعارفوا عليها وتراضوا عليها في الحكم بها فيما بينهم ما لم تحتوي هذه الأحكام على ظلم أو جور، وأقدم للقارئ آية من آيات القرآن تثبت هذا الأمر على النحو التالي:
قال تعالى:
(فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ(42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (43_ المائدة)
وقال تعالى:
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) (47_ المائدة).
وأخرج أبو داود عن بن عباس قال: (كان قريظة والنضير وكان النضير أشرف من قريظة فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة يودى بمائة وسق من التمر فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا ادفعوه لنا نقتله فقالوا بيننا وبينكم محمد فأتوه فنزلت (وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط) والقسط النفس بالنفس).
وثبت كذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يحكم بين القبائل فيما اشتجروا فيه كما جاء في الصحيفة الدستورية المدينية التي كتبها بينه وبين أهل المدينة من اليهود والنصارى والقبائل الأخرى وجاء ذلك في البند الثاني والأربعين كما يلي:
(وَإِنّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنّ مَرَدّهُ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ وَإِنّ اللّهَ عَلَى أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ وَأَبَرّهِ).

وكذلك ثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أقر في الصحيفة الدستورية المدينية لجميع القبائل بحقها في الاحتكام إلى شرائعها وأحكامها الخاصة بها والتي تعارفوا عليها فيما بينهم وبين بعضهم البعض، وبالاحتكام إلى المعروف والقسط بينهم وبين المؤمنين من أتباعه عليه الصلاة والسلام، فلم يفرض عليهم حكم شريعة القرآن حتى ولو كانت القضية بين شخص منهم وأحد أتباعه، بل جعل الفيصل والحكم هو المعروف والقسط بينهم وبين المؤمنين من أتباعه، وقد أفرد عليه الصلاة السلام لهذا الحق تسعة بنود كاملة في الصحيفة بدءا من البند الثاني إلى البند العاشر على النحو التالي:

ٱلبند ٱلثانى: الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلثالث: وَبَنُو عَوْفٍٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى كُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلرابع: وَبَنُو سَاعِدَةَ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلخامس: وَبَنُو الْحَارِثِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلسادس: وَبَنُو جُشَمٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلسابع: وَبَنُو النّجّارِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلثامن: وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلتاسع: وَبَنُو النّبِيتِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
ٱلبند ٱلعاشر: وَبَنُو الْأَوْسِ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمْ الْأُولَى وَكُلّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.

(وقد أوردت بنود هذه الصحيفة كاملة وشرحتها بندا بندا في الفصل الثاني من كتاب "النظام المديني وزوال الديمقراطية" على الرابط التالي:)
http://www.ahewar.org/m.asp?i=3281

كذلك لقد غفل القوم جميعا من الفقهاء في الماضي والحاضر عن أن كثير من الأحكام التي وردت في الأحاديث المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام هي أحكام حكم بها بين أهل الكتاب كحكمه بالرجم الذي حكم به أكثر من مرة بين اليهود طبقا لما ورد في شرائع التوراة، وكحكمه بعد فتح مكة في ثأر بين قبيلة خزاعة وقبيلة بني ليث وهما من قبائل مكة، وجاء حكمه بين هاتين القبيلتين كما ورد في حديث أبي هريرة الذي قال فيه: (أن خزاعة قتلوا رجلا وقال عبد الله بن رجاء حدثنا حرب عن يحيى حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية)، فحكم رسول الله في هذه القضية بقوله: (مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُودَى "يدفع الدية" وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ "يقتص منه"). وكذلك قوله في حديث آخر: (مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دُفِعَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلاَثُونَ حِقَّةً وَثَلاَثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً وَمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُمْ.)، فهذه الأحكام لم تكن لمسلمين ولا بين مسلمين، وما يثبت أن هذا الحكم الوارد في حديث أبي هريرة ليس حكما للمسلمين ولا بين المسلمين هو ما أورده الحافظ بن حجر العسقلاني في كتابه: (فتح الباري بشرح صحيح البخاري)، عند شرحه لحديث أبي هريرة رقم: (6486)، وأذكر هنا مقطعا مختصرا من كلام بن حجر أدلل به على ما قلته على النحو التالي:

قال بن حجر: (أن خزاعة قتلوا رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية وقع في رواية أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله حرم مكة فذكر الحديث وفيه ثم أنكم معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل واني عاقله، وأما بنو ليث فقبيلة مشهورة ينسبون الى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وأما هذيل فقبيلة كبيرة ينسبون الى هذيل وهم بنو مدركة بن الياس بن مضر وكانت هذيل وبكر من سكان مكة وكانوا في ظواهرها خارجين من الحرم وأما خزاعة فكانوا غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها وكانت بينهم وبين بني بكر عداوة ظاهرة في الجاهلية وكانت خزاعة حلفاء بني هاشم بن عبد مناف الى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان بنو بكر حلفاء قريش وأن اسم القاتل من خزاعة خراش بن أمية الخزاعي وأن المقتول منهم في الجاهلية كان اسمه أحمر وأن المقتول من بني ليث لم يسم وكذا القاتل ثم رأيت في السيرة النبوية لابن إسحاق أن الخزاعي المقتول اسمه منبه فلما كان عام الفتح وكان الغد من يوم الفتح أتى بن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة وهو على شركه فرأته خزاعة فعرفوه فأقبل خراش بن أمية فقال أفرجوا عن الرجل فطعنه بالسيف في بطنه فوقع قتيلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ولقد قتلتم قتيلا وقال بن إسحاق وحدثني عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب قال لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية قال أن خراشا لقتال يعيبه بذلك فهذا قصة الهذلي وأما قصة المقتول من بني ليث فكأنهما أخرى وقد ذكر بن هشام أن المقتول من بني ليث اسمه جندب بن الأدلع وقال بلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جندب بن الأدلع قتله بنو كعب فوداه بمائة ناقة) انتهى كلام بن حجر.

والخلاصة: أن القتل العمد لا دية فيه على الإطلاق إنما القصاص أو العفو وفقا لما جاء في القرآن الكريم، أما الدية فتسلم لأهل المقتول قتلا خطئا فحسب.


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر_ أسيوط
موبايل/ 0164355385_ 002
إيميل: [email protected]



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الثاني
- النظام المديني وزوال الديمقراطية – الجزء الأول
- من أجل إنقاذ مصر
- الدعاء في سجن (مزرعة طرة) مستجاب
- ويل لمن تنكروا لفضل الرئيس مبارك عليهم
- ثورة 25 يناير ثورة إسلامية بلا خوميني
- حقيقة حياد الجيش وقراءة أخرى في المشهد المصري
- العلاقة المشبوه بين البابا شنودة والرئيس مبارك
- ثورة مصر: ثورة طاهرة في بيت دعارة
- احذروا أيها المصريون: هؤلاء يتآمرون عليكم
- شعوب تستلهم خلاصها من المنتحرين والمحروقين والغائبين
- البطولة الزائفة للمنتحر التونسي (محمد بوعزيزي)
- الطائفية الريفية والإجحاف بالمسيحيين
- مسيحيو مصر ليسوا سواء
- متى يعتذر المصري المسلم عن انتمائه للإسلام؟
- الإعلام الخاص يحرض على الفتنة بازدرائه للمسلمين
- أخطاء الرصد الإعلامي لتوجهات الناس تجاه الفتنة الطائفية
- هرطقات طنطاوية على دفتر الفتنة (1)
- نعم لوفاء الإنسان لا لوفاء الكلاب
- إسرائيل دولة غربية بمرجعية يهودية (6_6)


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - لا دية لأسر شهداء 25 يناير