أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - تطوير النظام التعليمى فى مصر، بقلم أستاذنا الدكتور محمد دويدار















المزيد.....



تطوير النظام التعليمى فى مصر، بقلم أستاذنا الدكتور محمد دويدار


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3435 - 2011 / 7 / 23 - 20:00
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


النظام التعليمى
ومكانه فى دستور الثورة المصرية

الأستاذ الدكتور
محمد دويدار
أستاذ الإقتصاد السياسى
كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية


2011
(1)
التعليم: الهدف والوسيلة:

الهدف، إذ به يَرقى الفرد حياتياًً بصيرورته المتعلم والمثقف والمواطن الند فى علاقاته الإجتماعية، ندية تضمن الترقى المستمر لهذه العلاقات.
والوسيلة، وسيلة تجديد عقل المجتمع، وخلق إطاراته الكفئة فى تحقيق الشروط المادية، بالإنتاج لحياة المجتمع.

العملية التعليمية:

- كعملية تعلُُم دائم، بحثياًً وتدريسياًً وبيداجوجياًً (تربوياًً)
- كعملية للتعلُُُم المستمر لتجديد عقل المجتمع العِِِلمى الناقد.

فعملية التعليــــم هى فى الجوهـــر عمليــــــة تعلـم مستمر، عبر البحــــث العِِلمى، عبر التحـــــاور التعليمى/ التعلمى، عبر المساعى التربوية الخلاقة والدائمة الإثراء، عبر بيداجوجية التفكير والرحابة والسعى إلى الآخر والتفاعل معه والترحيب بمبادراته والإستجابة لتساؤلاته، وإذكاء ضرورة التفكير الناقد وحريته، تحقيقاًً لإنسانية الإنسان، الحريص على حريته وتحقيق ذاته الإجتماعية.

عملية التعليم لابد وأن تمثل جزءًً لا يتجزأ من واقع العملية الإجتماعية تستقرأ طبيعة هذا الواقع وحركته، وتتفاعل معه لكشف مسارات تطويره. فبدلاًً من التوسع الكمى فى نمط التعليم الإستعمارى (صراحة أو ضمناًً) أو المشتول من خارج المجتمع (أى نمط ينقل نقلاًً ميكانيكياًً من مجتمعات أخرى) يلزمنا أن نتصور نمطاًً جديداًً من العملية التعليمية آخذين فى الإعتبار الخلفية الثقافية للمجتمع، فى تغيرها عبر الزمن. على أن نسهر على الإستفادة الناقدة من تجارب الآخرين.

إذا كان الهدف المباشر من التعليم عو إعادة تكوين العقلية (فى إتجاه العقلية العلمية الحضارية الناقدة) وجب أن تبلور المادة العلمية/التعليمية نظام قيم ينفى نظام القيم الذى أبرزه التخلف الإقتصادى والإجتماعى فى ظل سيطرة رأس المال، وإحتوى قيماًً نمت فى ظل التخلف: قيم إستهجان العمل والبعد عن المنتج، الإنبهار بالغرب، والرضا بالمسطح من المعارف، وإزدراء الوطن والقناعة بالتبعية لرأس المال المسيطر دولياًً، ليستبدل بها القيم البناءة التى تبلورت عبر التجربة التاريخية لمجتمعنا: قيم تثمين العمل، تفضيل الجماعية، الإنتماء إلى الوطن والإستقرارية فى أحضانه والغيرة عليه وضرورة تأمينه . . .

طالما هدفت العملية التعليمية إلى تكوين مََن يُُسهِِم إسهاماًً إيجابياًً فى عملية التغيير الإجتماعى المستمرة لابد أن يلعب التلميذ والطالب بعقليته الناقدة دوراًً إيجابياًً فى عملية التعلم المتبادل. ليتحول الحق فى التعليم إلى حق فى الممارسة الإيجابية فى عملية التعلم، والتى تُُُنتِِج مواطناًً نداًً فى كل العلاقات فى المجتمع؛ لا رعية لا يََصلُُح إلا أن يكون محلاًً للتصرف.

لا يمكن تحقيق كل ذلك إلا فى إطار إستراتيجية تنموية شاملة ترسم إبتداءًً من إستراتيجية تنموية إقتصادية/إجتماعية/ثقافية، طويلة المدى، تحدد الإحتياجات، الكمية والكيفية، من القوة العاملة (وبمواصفات كل طائفة منها لتحقيق أهداف هذه الإستراتيجية، وذلك تحديد للنظام التعليمى" فى تكامل مكوناته من أنواع التعليم بمراحلها المختلفة" بمناهج كل منها وطرقه التربوية ومتطلباته) الواجب إقامته لكى تسهم مخرجاته فى تحقيق أهداف الإستراتيجية التنموية الشاملة. على أن توطن وحدات النظام التعليمى التى تحقق هذه الأهداف على النحو الذى تسعى معه الخدمة التعليمية/التعلمية إلى السكان؛ لا أن يشقى هؤلاء جرياًً ورائها.

عليه، يتحدد النظام التعليمى كمحصلة لإستراتيجية التنمية الإقتصادية/الإجتماعية/الثقافية الشاملة وما تتضكمه من طلب، كمياًً وكيفياًً، على القوة العاملة.

(2)
فى مفهوم التعليم وخصائص العملية التعليمية فى مصر:

يتمثل التعليم فى عملية تربية الأجيال المتعاقبة وتنشئتها بتوسيع مداركها الثقافية وتسليحها بزاد معرفى من جوهر الإنتاج العلمى والإبداعى للمجتمع البشرى يضمن التعليم أساساًً إستمرارية الحياة الإجتماعية مع الإستفادة من دروس تجارب الأجيال المتعاقبة وإنجازاتها على مستوى المظاهر المختلفة للنشاط الإجتماعى المادى أى مستوى النشاط المنتج لمستلزمات الإعاشة اليومية، ومستوى النشاط المنتج للأفكار والمعارف بصفة عامة. وهو يضمن ذلك عن طريق تحقيق التراكم المعرفى (بصور المعرفة المختلفة) الذى يمكّّن المجتمع فيما لو ساعده إطاره التنظيمى على ذلك من تحقيق التطوير المستمر للحياة الإجتماعية. إبتداءًً من ذلك يمكن أن نفرق بين دور التعليم على مستويين:
- الأول: على مستوى تجدد الإنتاج المادى يقوم التعليم:

* بنشر المعارف المتعلقة بالحياة الطبيعية والإجتماعية وتنميتها بمختلف مظاهر النشاط الإجتماعى، بفنون الإنتاج المادى، والمعارف المتعلقة بوسائل الإنسان وهو ما يسمح للمجتمع أن يعيش صراعه مع قوى الطبيعة من أجل ضمان حياته والعمل على تطويرها وجعل الكل الطبيعى أقل طبيعية وأكثر إنسانية.

* بتكوين الإطارات (أو الكوادر) اللازمة للإنتاج المادى عن طريق: (1) تنمية قدرتهم على التصرف بذكاء بصفة عامة. (2) وتزويدهم بالتأهل اللازم لنشاط محدد بعينه من الأنشطة الإجتماعية المختلفة؛ فتخلق المتخصصين. (3) وتعويدهم على مكونات الثقافة المعنوية (الوطنية والعالمية) فتخلق بذلك المتخصص المثقف.

- الثانى: على مستوى تجدد الإنتاج الأيديولوجى:

* يضمن التعليم الحفاظ على التراث الذهنى للمجتمع وإعادة النظر فيه فى ضوء مُُكتشفات العِِلم المتجددة وتنمية هذا التراث تنمية تقوم على غربلته عِِلمياًً على نحو مستمر.

* يتم بصفة خاصة تجدد إنتاج أنظمة القيم فى المجتمع أى تلك المحددة للمعتقدات الأساسية التى تحدد موقف الإنسان من الكون ومن وضع الإنسان فيه ومن قدرته على فهمه وتغييره، ومن العمل ومن الأجناس، ومن الآخرين بصفة عامة، وتحدد بالتالى مواقفه الأساسية والإتجاهات العامة لسلوكه.

* بالقدر الذى يعمل به التعليم على شحذ الروح العلمية الناقدة الواعية ثقافياًً لدى أفراد المجتمع ومجموعاته يؤدى التعليم إلى إحياء قوى التقدم الإجتماعى وتقويتها، إذ يمكّّن هذه القوى من التصرف فى الكون بذكاء إجتماعى بإكتشاف قوانين التطور الإجتماعى والعمل على إحداث التغيير الإجتماعى الذى يتضمن الإرتقاء بالمستوى المعيشى مادياًً ومعنوياًً لغالبية أفراد المجتمع، وخاصة المنتجين المباشرين بينهم.

* بهذا الوصف يمكن للنشاط التعليمى أن يََتبوأ مكانة بين النشاطات التى يقوم عليها المجتمع: (النشاط الإقتصادى) الذى لولاه ما ضمنا إعاشة المجتمع. (النشاط التعليمى) الذى بفضله يتجدد عقل المجتمع. (النشاط السياسى) الذى بدون حُُسن أدائه يضيع كُُل شىء.
على هذا النحو يتحدد مفهوم التعليم بطبيعته ومحتواه وطرقه التربوية كمرادف أساسى للثقافة وكخالق للمتخصص الذى بفضله يتجدد عقل المجتمع كمدبر للتقدم الإجتماعى. ترى إلى أى حال إنتهى النظام التعليمى فى مصر خلال النصف الثانى من القرن العشرين؟ أولا، لا شك أن المرحلة الأولى شهدت توسعا للتعليم مع إعمال مجانيته كحق دستورى فى جميع مراحله. والتوسع فى التعليم لا يمثل حسنة إلا إذا كان محتوى التعليم يتسم بالعقلانية والعلمية ومقومات التربية الاجتماعية البناءة. وهى صفات تشكل ملمحا خافتا يسعى النظام التعليمى إلى تقويته فى مساره منذ إنشاء جامعة القاهرة فى بداية القرن الماضى ولكن مع تبلور الأزمة الاقتصادية التى تبرز معها الهزيمة العسكرية أزمة المجتمع التى تعيد طرح ثنائية القضية الوطنية/ الاجتماعية بحدة أكبر، مع تقهقر تسييس الحياة الاجتماعية، يبدأ النظام التعليمى فى التجميع التدريجى لخصائص تنتهى به إلى حالة من التدهور يشل معها عقل المجتمع على نحو يتبدى فى كل مظاهر النشاط والسلوك الاجتماعيين خاصة مع حرص البلدان الرأسمالية المتقدمة على انتقاء العناصر المتميزة من خرجيه عبر استنزاف العقول بالهجرة.
- تتمثل الخصيصة الأولى فى تركيبة النظام التعليمى فى مصر من زاوية التداخل الحضارى بين المجتمع المصرى ومجتمعات أخرى من خلال النظام التعليمى وقد كان يفرض وجوده حتى منتصف سبعينات القرن الماضى من خلال محتوى التعليم المستورد والذى تمارسه المدرسة المصرية. فى اتجاه انصهار محتوياته عبر ما يزيد على قرن من الممارسة التعليمية نحو "قالب" مصرى من التعليم ليتحول منذ نهاية ثمانينات القرن الماضى نحو تنامى أنظمة تعليمية أجنبية توجد جنبا إلى جنب مع النظام التعليمى المصرى عبر الجامعات والمعاهد العليا الخاصة (والأصل أن التعليم العالى هو أكثر مراحل التعليم التزاما بتحقيق التجانس الوطنى فى اكتساب المعارف العلمية للبشرية). وهو أمر تزداد خطورته فى المرحلة الحالية من مراحل الصراع الدولى فى سبيل تأكيد السيطرة على المنطقة العربية وفى قلبها مصر، وهو صراع لم يتوقف كما رأينا طيلة قرنين من الزمان، ولكنه عاد يتجدد فى صورة إعادة الغزو العسكرى المباشر من خلال عملية لإثارة "الفوضى الخلاقة" التى لم تقتصر على فلسطين وإنما تعاود محاولاتها فى لبنان وتتسع لتشمل الصومال والعراق والآن اليمن والسعودية والسودان. هذا التداخل فى محتويات النظام التعليمى يثير على مستوى البعد الثقافى لهذا النظام مسألة التداخل الثقافى بأبعادها المختلفة والمدارس الفكرية المختلفة فى شأنها.
كما أن تركيبة النظام التعليمى يمكن النظر إليها من زاوية الصراع بين التفكير العلمى والتفكير الدينى كمحدد للخطاب الذى يسود العملية التعليمية: والتفكير العلمى يقوم على الشك والمنهج الناقد بينما يقوم التفكير العقائدى على نصوص تفترض اليقين والتحديد المسبق لمجال البحث المعرفى للإنسان.
وتثير تركيبة النظام التعليمى المصرى الحالى بالمعنيين السابقين، على صعيد البعد الثقافى فى التعليم مسألة الصراع بين ثقافات أنظمة تعليمية مختلفة، تنتمى فى معظمها إلى المجتمعات الرأسمالية السلعية بين بعضها البعض من جانب وبينها وبين ما يتضمنه التكوين الاجتماعى المصرى من مركب ثقافى نتاج التاريخ الحضارى للمجتمع المصرى. هل أٍهم هذا الصراع فى تهرؤ البناء الثقافى الذى كان موجودا قبل سبعينات القرن الماضى؟ كما تثير مسألة الصراع على مستوى طرق التثقيف بين طريقة التفكير العلمى وطريقة التفكير العقائدى الأيديولوجى. وهو صراع يضفى على ثقافة الكثيرين طابع "الدروشة" التى تعانى لدى البعض فى لحظات متقطعة من "الإفاقة العلمية". الأمر الذى يجعل من قضية "تنوير" العقل قضية دائمة التأجيل.
- وتتمثل الخصيصة الثانية للنظام التعليمى فى مصر فى تدهور الشروط المادية للعملية التعليمية فى ذاتها وفى وعائها الاجتماعى. إذ فى ظل الأزمة الاقتصادية ومع الحد المتزايد من تدخل الدولة فى الحياة الاقتصادية بل والعمل الرسمى على تقوية قوى السوق دون كابح لجماحها عند الضرورة والعودة إلى طغيان أيديولوجية العمل الحر لقوى السوق كما يروجها رأس المال الدولى. مع كل هذا يشهد الاقتصاد المصرى بصفة خاصة:
* إتساعا لقاعدة الفقر فى المجتمع المصرى بصفة عامة ويحتوى الإفقار بين آخرين، العاملين فى نظام التعليم كطائفة مهنية.
* تراجعاًً فى الوزن النسبى للإنفاق الحقيقى على التعليم فى هيكل الإنفاق العام.
* وإشتعالاًً لنظام القيم السلعى، يزيد إعتناق الطبقة الحاكمة له، تسعى لتسويده بما لها من سيطرة على وسائل تشكيل الرأى ومنها المدرسة فى أنظمة قيم بقية طبقات المجتمع وهو ما يعنى تدهور الشروط المادية للعملية التعليمية مأخوذة كما يجب أن تؤخذ فى وعائها الاجتماعى:
* للسكان الذين ينتجون التلاميذ بحالتهم الجسدية والذهنية والثقافية وهم من سيكونون طرفاًً فى العملية التعليمية بقصد أن يتعلموا وأن يثقفوا.
* للمعلمين الذى يفترض فيهم أن يكونوا صالحين جسدياًً وذهنياًً وثقافياًً ومهنياًً لأن يعلموا.
* وفى داخل المدارس والمعاهد والكليات حيث تستلزم العملية التعليمية بأبعادها المختلفة البحثية والتدريسية، حد أدنى من الرحابة والتهيئة المادية لتجرى فيها الجهود التعليمية بما يتعين أن تحتويه من أنشطة ثقافية ورياضية واجتماعية. واتجاه تدهور الشروط المادية للعدد الأكبر من السكان بتلاميذهم، بمعلميهم، وبالظروف المادية للنشاط التعليمى إنما يعكس فى الواقع الاتجاه نحو زيادة الفقر. ومع الفقر يتضاعف العبء المالى النسبى الذى تتحمله أغلبية الأسر مع الإزدياد المستمر فى نفقة الحصول على التعليم (وغيره من الخدمات الأساسية) وتتضاءل من ثم مخصصات الأسرة المالية لوسائل التثقيف. ومع ضيق الحيز المكانى للمدرسة (بالنسبة لعدد التلاميذ) وشحة الإمكانيات تنكمش الأنشطة التثقيفية من العملية التعليمية. ويتعزز الفقر المادى بفقر الثقافة ومع ضحالة المعرفة العلمية وغياب منهجها يكون الميل نحو الأفكار المناقضة، أفكار القدرية التى تُُُبرر الفقر وتعتبره من الطبيعة فتكون ثقافة تكريس الفقر، وبجدلية نشطة يعزز فقر الثقافة ثقافة جدلية الفقر.
- وتأتى الخصيصة الثالثة للنظام التعليمى فى شأن البرامج والطرق التربوية (بيداجوجية) ومن هذه الزاوية تتميز العملية التعليمية:
* ببرامج تعليمية يتسم مستواها بسطحية المعرفة وتجزئتها من حيث وحدة موضوع المعرفة وابتعادها عن ملاحقة تطور المعارف الإنسانية وانعزالها عن واقع الحياة الاجتماعية.
* بسيادة المونولوج المنفرد فى شكل الحديث المتواتر من طرف واحد، المعلم، ونادرا ما يستعان فى تحقيق هذا المونولوج بأساليب إثارة الفضول المعرفى. ومن ثم سلبية التلاميذ الذين يقنعون فى النهاية بالحفظ عن ظهر قلب لما يقدم لهم دون محاولة الفهم. ناهيك عن محاولة الإستيعاب، ومن باب أولى محاولة الإستيعاب الناقد. الأمر الذى بدوره لا يُُنمى لدى التلميذ قدرة تذكر على رد الفعل مستبعدين، بطبيعة الحال، الكلام على قدرة التلميذ على اتخاذ المبادرة. وبين فقدان الحركة لدى جمهور "المتعلمين".
* كما تتسم العملية التعليمية بغياب مُُخاطبة العقل والتركيز على إرهاق الذاكرة بكم من المعلومات التلقينية يسهل أن تكون مناسبة للتشكيك فى مصداقية العِِلم عن طريق إثارة الغيبيات والغزل مع القدريات عند التلقين.
* ومن ثم تتسم العملية التعليمية بغياب كل روح ناقدة. إذ حتى عندما تخاطب العقل لا تخلق الروح الناقدة إلا إذا كان منهج المخاطبة ناقداًً. وفيما يتعدى جهود نقل "المعرفة" تغيب حتى الإشارة إلى عملية إكتسابها ويغيب حتى التعريف بوجود البحث العلمى لإكتساب المعرفة ويتضاءل الإنشغال بمناهج البحث العلمى ويغيب من ثم تعليم هذه المناهج.
* كما تتسم العملية التعليمية بغلبة الإمتحان، فى أسوأ ما يُُمكن أن يكون عليه من صورة كسبيل لإختبار تحصيل المعرفة. فهو يقوم على التهديد لا الترغيب وإثارة التحدى. ومن ثم تُُعيّّش مجرد فكرة الامتحان جمهور التلاميذ والطلاب فى حالة من التوتر والقلق قبل موعد الإمتحان وأحيانا طوال الجزء الأغلب من العام الدراسى، يتعرضون لضغوط نفسية شديدة التركيز خوفاًً من نتيجة الإمتحان. كما أن هذه الطريقة فى إختبار المعرفة وتقييم كل نشاط التلميذ تقوده إلى قولبة نفسه فى إتجاه رغبات الآخرين (مدرسيه ووالديه) المتمثلة فى إجتياز الامتحان بأعلى قدر من الدرجات خلافا للأصل الذى بمقتضاه أن يكون التلميذ ما يريده لنفسه إبتداءً من قدراته المعرفية ومن الشخصية المتوازنة التى يكتسبها عن طريق المعرفة العلمية الواعية الناقدة. يضاف إلى ذلك أن حرص التلميذ أو الطالب على التميز بالحصول على درجات أعلى مما حصل عليها أقرانه يؤدى إلى خلق روح صراعية تتسم بالأنانية بل والعدوانية فى بعض الأحيان بدلاًً من روح التعاون والصداقة ومد يد العون للزملاء الذى يشكون من ضعف أو من مشاكل فى حياتهم الدارسية. والواقع أن شبح الإمتحان بالأهمية المحورية التى أعطيت له وعلى النحو الذى يتم به فى كل مراحل التعليم يُُسيطر على ذهن التلميذ والطالب من اليوم الأول من العام الدراسى خاصة مع تعجل من يسعى من المعلمين على إستغلال الخوف من الإمتحان لدفع تلاميذهم إلى مصيدة الدروس الخصوصية، الأمر الذى يحول بين التلميذ وإمكانية التعلم ذاتها. كما أن الضغوط النفسية للإمتحان تتعدى التلاميذ إلى الآباء وتعقد حياة الأسرة.
على هذا النحو تبلور الطرق التربوية المستخدمة من زاوية البعد الثقافى للنظام التعليمى نوعاًً من بيداجوجية القهر، التى تنأى عن الإنشغال ببعد ثقافى بناء للشخصية يتحقق من خلال الحرص على حراثة معنوية التلاميذ وتزويدهم بالحذق والفطنة ومن ثم سرعة الإدارك من خلال معرفة متعددة الأبعاد، تغطى المادى والمعنوى، تكتسب بمبادرة من التلميذ عن طريق البحث والحث على التفكير، والتفكير الناقد، وتثير المزيد من الفضول المعرفى والمزيد من الحس الجمالى وتقدير الإبداع الإنسانى، ونكون فى النهاية بصدد التساؤل عما إذا كانت هذه الخصيصة للنظام التعليمى تثير ثقافة خلق الشخص الرعية أم خلق المواطن الند فى العلاقات الاجتماعية بصفة عامة والعلاقات السياسية بصفة خاصة؟ بعبارة أخرى تثير هذه الخصيصة للنظام التعليمى أمر ثقافة المواطنة فى مواجهة ثقافة الرعية؟ ونحن نعرف أن الرعية يكون محلاًً للتصرف، قليل الحيلة مفتقراًً القدرة على أن يكون طرفا فى علاقة ندية اجتماعياًً وسياسياًً.
- وتأتى الخصيصة الرابعة التى بمقتضاها يتميز النظام التعليمى فى مصر بغلبة الإتجاه السلعى. ويُُقصد بالإتجاه السلعى أمران: الأول، أن تصبح الخدمة التعليمية سلعة لا يحصل عليها إلا القادر على دفع ثمنها فى السوق بصفة مباشرة فى حالة الحصول على مقابل للخدمة (المصاريف تدفع للمدرسة الحكومية أو الخاصة وما فى حكمها من رسوم إضافية "وتبرعات شبه إجبارية" وكذلك ما يدفع فى حالة الدروس الخصوصية). وقد إتجهت الدولة فى العقد الأخير نحو القضاء بخطوات تدريجية على مجانية التعليم فى مراحله المختلفة خاصة فى مرحلة التعليم العالى غير عابئة بحكم الدستور فى هذا الشأن. وبصفة غير مباشرة بالنسبة للحصول على مستلزمات العملية التعليمية من نفقات نقل التلاميذ إلى المدرسة والحصول على الأدوات المدرسية والمواد التعليمية وخلافه. وثانى الأمرين أن يسود نظام القيم السلعى العلاقة بين أطراف العملية التعليمية. فلا يقدم أى منهما شيئاًً للآخر إلا توقعاًً لمقابل نقدى أو قابل للتقييم بالنقود. هكذا تقوم العلاقة السلعية محل العلاقة التربوية ويُُصيب الإتجاه السلعى التعليم العام:
* بالتقلص النسبى للإنفاق الحقيقى على التعليم (على عكس الإنفاق الحربى والأمنى أو الإنفاق على تعمير السواحل الخاصة والمناطق السياحية مثلا) مع رداءة الخدمة المقدمة. ويتوافق هذا مع السياسة الإقتصادية التى ينصح بها أو يفرضها صندوق النقد الدولى التى يتزايد معها إبعاد التعليم عن أن يشغل مكاناًً متقدماًً فى نمط الأولويات.
* بالاتجاه نحو الزيادة المستمرة فى المصروفات التى يتحملها المستفيدون من خدمة التعليم.
* بالسماح أو على الأقل الوقوف موقف المتفرج بتحويل جُُل أو كُُل العملية التعليمية إلى سلعة من خلال الدروس الخصوصية. هنا تسود فى الأيديولوجية الرسمية الأفكار الزائفة الخاصة بمنطق قوى السوق: إذ يخشى المسئولون أن تواجه أية محاولة رسمية لوقف وباء الدروس الخصوصية برد فعل غاضب من جانب الطلب على السلعة فى سوق الدروس الخصوصية أى برد فعل غاضب من جانب الآباء بدعوى أنهم هم الذين يضغطون كى يحصل أبنائهم على الدروس الخصوصية. وكأن الآباء كارهون لأن تقوم المدرسة بمهمتها التعليمية فى داخل الفصل لا على هامشه أو فى خارجه.
* كما يسود الإتجاه نحو تخلى الدولة عن دورها فى التعليم وتغليب القطاع الخاص على غياب سياسة تعليمية واضحة ورقابة محترمة من جانب الدولة على ممارسة القطاع الخاص للنشاط التعليمى، الأمر الذى يكون من الطبيعى معه أن يتميز الموقف:
* بغلبة الإرباحية الفردية، وليس من الحتم أو المعتاد أن تتحقق من خلالها الإرباحية الاجتماعية ومن ثم:
* رسوم عالية جداًً تفرضها المدارس الخاصة وتتفنن فى المبالغة فى المصاريف الإضافية على نحو يجعل من نشاطها التعليمى من قبيل تعليم "الصفوة" رغم الجودة المحدودة للخدمة التى تقدمها.
* تقتير كبير فى مرتبات المعلمين بالرغم من الموارد المالية الطائلة. بل إن المرحلة الأولى من قيام التعليم العالى الخاص، قامت وما تزال على جهود أعضاء هيئة التدريس فى جامعات الدولة ومعاهدها العليا. الأمر الذى قد تتأثر معه سلبا جودة الخدمة التعليمية فى هذه المعاهد وتلك الجامعات.
* يلعب التعليم الخاص على وتر جرى الأسر نحو وهم اللغات الأجنبية فى الوقت الذى لا يجيد فيه التلاميذ اللغة العربية. الأمر الذى يزيف الوعى بالنسبة لمشكلة اللغة القومية التى هى فى الأساس مشكلة الوعى بالذات وبالهوية ويهدر المبدأ التربوى الأصيل الذى بمقتضاه يتعين أن يكون التعليم بلغة الأم للتلاميذ وهو مبدأ لا يستبعد، بل يحرص على، تعلم التلاميذ اللغات الأجنبية، إنما لاستعمالها استعمالاًً صحيحاًً كلغات تخصص فى الآداب والفكر الأجنبى وكأدوات لإكتساب المعرفة العالمية والإلمام بإنجازات العِِلم وكنافذة على ثقافات العالم بقصد التوصل إلى المشاركة فى عملية خلق الفكر على الصعيد العالمى لا كلغات يقصد بالتسلح بها مجرد العمل لدى مشروع أجنبى فى الداخل أو للتمكن من العمل فى الخارج.
ومع الشدة الاقتصادية أثناء الأزمة وتعرض المعلمين خاصة العاملين منهم فى قطاع التعليم العام للإفتقار النسبى، يلهث المعلمون وراء تسويق سلعة لم تعد تعرض فى الفصل المدرسى إلا إستثناء. بل ويشهد سوق الخدمة التعليمية تميزاًً بين سلعة تقدم فى الفصل المدرسى وسلعة مختلفة تقترب أكثر مما سيكون محلاًً للإختبار فى الإمتحان تقدم بعيداًً عن المدرسة. ومع غلبة الطبيعة السلعية على العلاقة بين المعلم والتلميذ تتآكل السلطة الإجتماعية التى يخولها المجتمع للمُُعلم والتى بمقتضاها ينشأ الطفل على الرغبة فى الإنصات للمُُعلم بإعتبار مصداقيته الإجتماعية فى نقل المعرفة والتربية. وبتآكل هذه السلطة يفقد التلميذ فى المُُعلم القدوة طالما أصبح الأول (يشغل الثانى بفلوسه) وتقوم السلطة فى المدرسة السلعية على التهديد الصريح أو الضمنى بخطر الإمتحان وعلى إمتلاك المُُعلم حقيقة أو وهماًً لناصية إجتيازه. وتقوم كذلك على المبادلة السلعية بين طرفين يكون فيها المُُُعلم الأضعف إقتصادياًً. لأنه هو الذى يتلقى الجُُعل النقدى من تلميذ يمتلك نفسانياًً القدرة الشرائية النقدية ولو كان الوالدان يوفرانها بشق الأنفس أو يقتطعانها من مخصصات كانت موجهة لإشباع حاجات ضرورية للأسرة. وتنهار العلاقة الاجتماعية التى تمثل ركيزة أية إمكانية لنقل المعرفة نقلا منزها عن الأنانية المباشرة لطرفى العلاقة. يََفقد المعلم السلطة الإجتماعية التى يُُخولها له المجتمع بالتعليم ويتحدد وضع التلميذ بالقوة الإقتصادية لوالديه وبمدى قدرتهما على مواجهة ضغط الدروس الخصوصية أى بمدى جرأتهما التربوية فى مقاومة وباء الدروس الخصوصية. وتضيع معالم موضوع العلاقة: فلم يعد موضوعها هو التنشئة المعرفية التربوية التى تحقق أمل المجتمع فى نفى التخلف وتحقيق التقدم وإنما ما يمكّّن من إجتياز لحظى لإمتحان يؤدى فى النهاية إلى سلبيات تسبغ بها شخصية التلميذ ويعصف انهيار هذه العلاقة بالإثنين معا: المعلم الذى كف عن أن يكون كذلك، والمتعلم الذى يحرم من إكتساب هذه الصفة منذ اللحظة الأولى لإلتحاقه بالمدرسة.
وبسيطرة الإتجاه السلعى على النظام التعليمى تثور التساؤلات حول العلاقة بين الفقر والتعليم فى مصر، أى العلاقة بين نمط توزيع الثروة والدخول والتعليم من جانب، وبين التعليم والحراك الإجتماعى وإمكانية هذا الأخير من أن يصحح بعض إنعدام المساواة من جانب آخر.
وتُُثير هذه الخصيصة السلعية للنظام التعليمى بالنسبة للبعد الثقافى للتعليم قضية غلبة الثقافة السلعية على الثقافة التى تنعش القيم الإنسانية البناءة. ومؤدى الثقافة السلعية بإختصار: أن كل شئ يباع يشترى، بما فى ذلك كل أنواع القيم. ويسود نظام القيم السلعى الذى يرتكز على الإختصاص الفردى بالأشياء إستبعاداًً للآخرين عن إدارتها وجنى ثمارها. الأمر الذى يضطر معه مََن يستبعد عن الأشياء إلى أن يبيع قوة عمله للحصول على ما هو لازم لإعاشته وأسرته. أى أن قوة عمله تتحول هى الأخرى إلى سلعة. هنا تتضمن إدارة الأشياء محل الإستئثار الفردى إدارة الأشخاص الذين يقومون بتشغيلها وإدارة الأشخاص للأشخاص تعنى، اجتماعياًً، غياب الحرية الاجتماعية للبعض وإنتقاص الحرية الاجتماعية للكل.
- وتتعلق الخصيصة الخامسة لنظام التعليم فى مصر بالإدارة الجارية للعملية التعليمية ومن محدداتها الأساسية العوامل السياسية الموقفية للدولة. بمعنى أولاًً، لعوامل الموقفية للطبقة الحاكمة فى مواجهة جمهور التعليم طلاباًًً ومعلمين وأعضاء هيئة التدريس. فلا إستراتيجية تعليمية تمثل جزءًً من إستراتيجية تنموية. وبمعنى ثانياًً، تحقق الإدارة الجارية بواسطة جهاز إدارى له كل خصائص الإدارة فى مصر التى تتميز بأنها بيروقراطية ذات سلوك إدارى يتميز:
* بالبطء والشكلية وعدم الفاعلية.
* بإفتقاد المبادرة والخشية من تحمل المسئولية.
* بالإنغلاق على الذات وإفتقاد الرغبة والقدرة على التأثير على أوضاع المجتمع أو حتى التعرف على إحتياجات المجتمع.
* بإفتقاد المناعة ضد أمراض الوظيفة العامة خاصة فى ظل تدهور الدخول الحقيقية فى إطار الأزمة الإقتصادية التى يعيشها المجتمع المصرى.
* ويكون من الطبيعى أن تتميز هذه الإدارة البيروقراطية بأن تكون معوقة "للإصلاحات" أو محرفة لها عن هدفها المقصود.
ومن زاوية البعد الثقافى للنظام التعليمى فى مصر تُُثير هذه الكيفية لإدارة العملية التعليمية خاصة على مستوى مؤسسات التعليم العالى، قضية المواجهة بين ثقافة البيروقراطية وثقافة المشاركة، مشاركة كل أطراف العملية التعليمية فى إدارتها، مشاركة تقوم على الإختيار الحر والمبادرة الجماعية. الأمر يتعلق فى الواقع بإطار الخلق الديمقراطى للأجيال اللازمة لتحقيق التغيير فى المجتمع المصرى نحو النفى التاريخى للتخلف الاقتصادى والاجتماعى بإستراتيجية تنموية إقتصادية وإجتماعية يعززها فى ذات الوقت ويتعزز بها الصراع من أجل تحقيق التحرر الوطنى فى مواجهة قوى العدوان الخارجية.
- باختصار إنتهى الأمر بالنظام التعليمى فى مصر إلى أن يُُصبح نظاماًً:
* يعامل بالقطاعى (بين أنواعه ومراحلها المختلفة) وبخفة كبيرة فيما يتعلق بالتغييرات التى تدخلها الحكومات المتعاقبة. تشترك جميعها فى أنها تتبلور بمنهجية عامة خاطئة فى غياب كامل لإستراتيجية تعليمية طويلة المدى. وهو ليس بالغريب بالنسبة لدولة تسيرها طبقة تفتقد الرؤية العلمية ولا تنشغل إلا بهمومها الإقتصادية الآنية. وسنرى بعد لحظات مضمون هذه المنهجية الخاطئة.
* يبدأ من حصيلة معرفية أحادية البعد يختلط فى مكوناتها العلم مع العقيدة مع الخرافة أحيانا، بطيئة التغيير، عاجزة عن تفسير الواقع الاجتماعى.
* سلطوى البيداجوجية، تلقينى الأسلوب، ينفى المشاركة، يتجاهل الفضول المعرفى، ويقضى على ملكة الفهم والفهم الناقد. ويغوص فى الخلط بين الأهداف والوسائل، خاصة عندما يُُصبح إجتياز الإمتحان سبيل إختيار مدى تحصيل المعرفة وكيفية تحصيلها، هدف الجهد التعليمى.
* سلعى الطبيعة إلى درجة ينفى فيها "الخاص" فاعلية "العام" وتتحول معه المدرسة إلى مؤسسة لا تعليمية طاردة نحو سوق السلعة مهلهلة المحتوى، فردية البيداجوجية يحكم تبادلها العلاقة بين بائع يمثل الطرف الضعيف فى العلاقة ومشتر يمتلك القوة الشرائية وينقلب معها "القدوة" إلى متلق لثمن مقابل ساعات من قوة عمله.
* ينتهى بنا إلى الخريج الرعية لا المواطن المتعلم/ المثقف، المفتقد لشخصية الند فى العلاقات الاجتماعية/ السياسية، مجرد "المحل الخانع" للتصرف، التائه فى سوق العمل الرأسمالية بشقيه الداخلى والدولى الذى يسعى إلى المغامرة بحياته فى سبيل فرصة عمل فى أدنى سلم العمل فى سوق العمل الغربية أو فى أشق درجات العمل.
* كل هذه الخصائص السلبية تتفاقم مع المنهجية الخاطئة التى تتبع إدخال التغيير (بالقطاعى) على النظام التعليمى فى مصر. حيث تبدأ هذه المنهجية من سوق العمل (مع اندماج سوق العمل الداخلية فى سوق العمل الرأسمالية الدولية). هذه السوق الدولية تبرز إحتياجات رأس المال الممثل لإقتصاديات متطورة، شهدت منذ زمن بناء الأساس الصناعى لمجمل الإقتصاد الوطنى، وتطوير الزراعة وتحويلها إلى نوع من الصناعة وتطوير الخدمات بآلية إلكترونية، والإستمرار فى إنتاج المعارف العلمية والتكنولوجية. نقول تبرز الإحتياجات من القوة العاملة بمواصفات كيفية معينة. سوق العمل هذه هى التى تؤخذ لتكون محددة للنظام التعليمى فى مصر الذى يطلب منه أن ينتج الخريجين وفقاًً لمواصفات فرص العمل فى هذه السوق، لينتهى الأمر بأميز خريجى النظام التعليمى فى مصر وقد التقطهم سوق العمل فى الخارج ويكون المجتمع قد أنفق "دم قلبه" على تكوينهم ليفقدهم فى اللحظة الأولى من لحظات جنى الثمار. ويتمثل المنهج البديل علمياًً فى البدء من تشخيص دقيق لوضع التخلف الإقتصادى والإجتماعى الذى تكون تاريخياًً للمجتمع المصرى بإدماجه فى الإقتصاد الرأسمالى عبر قوى السوق الدولية. وبلورة، إبتداء من إمكانيات المجتمع المصرى الحالية والإحتمالية، البشرية والمادية، إستراتيجية تنموية طويلة المدى نافية للتخلف تحدد الأهداف والإحتياجات. ومن هذه الأخيرة الإحتياجات من القوة العاملة كماًً وكيفاًً. وإبتداءًً من هذه الإحتياجات تتحدد مواصفات خريجى النظام التعليمى القادرين على تنفيذ برامج الإستراتيجية. وإبتداءًً من هذه الإحتياجات والمواصفات يتحدد النظام التعليمى فى ضوء الإحتياجات المستقبلة المدروسة من القوة العاملة وبشرائحها ومواصفات كل منها. على هذا النحو يكون "شكل سوق العمل" محصلة لإحتياجات الإستراتيجية التنموية وللنظام التعليمى الذى يتعين إيجاده بتطوير النظام الحالى لكى "يصنع" القوة العامة كماًً وكيفاًً على النحو الذى يمكن من تحقيق أهداف إستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتضمنة لاستراتيجية لتطوير النظام التعليمى.
(3)
إقتراح فى شأن بعض نصوص دستور الثورة المصرية فيما يخص التعليم والتعلم:

(م . . .) التعليم التثقيفى حق للمصريين. وهو إلزامى فى المراحل قبل الثانوية. تكفله الدولة بالمجان فى جميع مراحله، بما فى ذلك التعليم العالى. وله أولوية قصوى فى إنشغالات الدولة والمجتمع.

(م . . .) يقوم النظام التعليمى فى مصر على عملية تعليمية تحتوى عمليات البحث والتعليم والتعلم والتثقيف على أساس مستوى عال من الصحة البدنية والذهنية لخلق المواطن (لا الرعية) القادر على المساهمة الإيجابية فى إعادة بناء المجتمع الجديد المحقق للإنسان كرامته وحريته وإنسانيته، وذلك بخلق شخصية المواطن الند فى العلاقات الإجتماعية والسياسية، المكتسب لشخصية الإنسان متعدد الأبعاد، والفاهم لمسئوليته فى التكون، ومن ثم فى البناء، والقادر على التصرف فى الكون والمجتمع بذكاء عِِلمى يُُمكنه من تحقيق ذاته الإجتماعية بالعمل الخالق لكل قيمة فى الحياة الإجتماعية.

(م . . .) للمصريين جميعاًً، دون تفرقة لأى إعتبار من الإعتبارات، الحق فى البحث العلمى والخلق والإبداع والتفكير والإعتقاد والتعبير عن الرأى والسعى لنقله للآخرين سلمياًً، وممارسة الشعائر الدينية. والدولة تكفل هذا الحق بدعم مؤسسات المجتمع المدنى التى تقوم بتفعيله. ولا يجوز تقييد هذا الحق بقانون أو لائحة أو أى إجراء آخر.



مع خالص شكرى
وأطيب تمنياتى،،،



دكتور
محمد دويدار
أستاذ الإقتصاد السياسى
كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية
28/6/2011



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الفكر الإجتماعى والإقتصادى العربى فى شمال إفريقيا والأندل ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله، لأن ربنا ...
- قبل أن نبتهج بالثورة إبتهاج البلهاء فى بلاد البله لأن ربنا ع ...
- تجديد إنتاج السلطة
- الثورة المصرية من منظور جرامشى
- موجز -فى التناقض- لماو تسى تونج
- الموجز فى تاريخ السودان الحديث المعاصر
- مقرح أستاذنا الدكتور محمد دويدار بشأن الأبعاد الإقتصادية فى ...
- المخدرات كسلعة
- العلاقة ما بين التخلف الإقتصادى والإجتماعى وبين القيمة الزائ ...
- القيمة الهاربة، والقيمة المتسربة، والقيمة المضخة
- الحدث والضربة، ورشادة رأس المال الأمريكى
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الرابع
- الرأسمالية وحروب الإبادة (الإنكا، والإزتك)
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ 3
- كيف يرى دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الثانى
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟
- الموجز فى التكوينات القبلية فى السودان
- هوجو تشافيز والنفط وأوبك
- فنزويلا: التاريخ والجغرافيا والإقتصاد


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - تطوير النظام التعليمى فى مصر، بقلم أستاذنا الدكتور محمد دويدار