أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - ملامح القهر والرفض في قصص سعودية















المزيد.....



ملامح القهر والرفض في قصص سعودية


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 3434 - 2011 / 7 / 22 - 20:06
المحور: الادب والفن
    


ملامح القهر والرفض في قصص سعودية
أولا : قصة سوداء كقمر
لمحمد البشير
---------------
يحمل هذا النص الثقافي موضوعا أساسيا ، فهو يوضح ثقافة سائدة ويرفضها .لكنه في الأساس يطرح قضية تحرير من ثقافة سلبية ومفاهيم خاطئة من اجل الوصول إلى مجتمع مثالي . لذا فأن النص يفجر الصراع بكل السطور داخل المتن.
صراع بين ما هو موجود ومرفوض وبين ما هو مرجو ومقبول.
لكنه ليس صراع على طول الخط يعبر عن رفض كامل لكل ما هو موجود، بل هو صراع ضد قيم سلبية مسيطرة على الثقافة العربية .
نلاحظ الصراع في العنوان وبداخل المتن .
ويبدوا النص هنا متكئا على أعمده :
العمود الأول : لون الجسد الأنثوي ، لكن النص تخلص من قيد أو بوجه أدق من فخ التعبير عن استقلالية الجسد ، لأنه عبر عن احتياجه إلى الأخر " الرجل "
والعمود الثاني : إن الأنثى في هذا النص لا تتلقى الثقافة السائدة بشكل سلبي، لأنها تملك القدرة على الإنكار ونقاش الأوضاع في المجتمع .
ويعتمد هذا العمودان على أرضية بأن الأنثى سوداء اللون قد وضعت أسيرة مفاهيم وقيود متخلفة .. باطلة .
وجمال النص ينكشف في تقديم بطلته من كل الوجوه ، وهو بهذا دخل في العمق الإنساني ، والقصد من تقديم البطلة من كل الوجوه :هو انه قدمها بلون الجسد الأسود وبجمالياته متضمنا في هذا التقديم الأعماق العاطفية والنفسية والعقلية للشخصية وتلك مقاطع داله :
- يا لبؤس السوادِ حتى بين قارات العالم يظهر أدناها ؟!
- حتى الأسودُ يميل إلى عبلةَ البيضاء ! لله نحنُ السوداوات .
- - وإلى الجسمِ الزنجي الفتي بعظَمِ صدرِهِ وردفِه وضمورِ بطنِه
قرأت تغزلاً في السود في كتب التراث . ألا غزلٌ حديثٌ في السواد ؟.
العاشقُ يفعل المستحيلَ من أجل عيني من يعشق .
وغير ذلك من مقاطع ، فالنص يميل إلى الأنثى الإنسان بكل جمالياتها الفكرية والثقافية ، لا الأنثى الجسد الجالبة فقط للمتعة .
ومع ذلك فأن النص عندما يميل إلى الأنثى الإنسان ، لا ينسى سيطرة الثقافة السائدة على الأنثى عندما يأتى بالرجل :
(تلتفتُ على غير عادتِها إلى نافذةِ السيارةِ تلمحُ وجهَ رجلٍ ينظرُ إليها ويومئ )
ان حضور الرجل أستدعى من الأنثى البحث عن الجمال فيها بقولها :
(لم تر عينيها بمثل هذا الجمالِ من قبل . للتو علمت أنَّ البياضَ أجملُ ما يكون على السواد )
وفى مقطع أخر :
(؟ ( نفلة ) يا لجمالِ اسمي وتضوعِ رائحةِ النفلِ الزكي من بين حروفِهِ بصُفرةِ زهرِهِ . )
ومقطع ثالث :
( حركةُ شفتيه تُظهِرُ حرفَ الباء بانغلاقِهما . أيقولُ : يا بدري ؟! نعم فالبدرُ مظلمٌ يضيء بضوءِ الشمس ، وهو شمسي . )
فالرجل لا يعرفها ولم يرها ، وتعتمد الأنثى على الظن بأن الرجل يطاردها لجمالها الجسدي فقط ، فالرجل لم يسبق أن قابلها ولا اتصال له معها ـ حتى يفهم ثقافتها وعقليتها
ولذا فالنص عندما انحاز إلى الأنثى الإنسان كان مخلصا أيضا إلى الترسبات الموجودة بأعماق المرأة وتكونت من ثقافة المجتمع ، وهى تتلخص في :أن الرجل يسير ويجرى وراءها لجمالها الجسدي فقط .
ومع ذلك فأن لحظة حضور الجسد بجمالياته سرعان ما ترحل إلى منطقة الغياب ويورد النص في النهاية :
(أشارَ إلى أسفلِ بابِ السيارةِ إلى قطعةٍ سوداءَ حريريةٍ تَطايرُ مرفرفةً أسفلَ البابِ ، وقد حبَسَتْها سطوةُ البابِ واهتَرَتْها قسوةُ الإسفلتِ .)
وهى نهاية تملك عبقريتها :
فأسفل باب السيارة قطعة سوداء حريرية
وهى خارج السيارة ، فهي خارج الركب ، وخارج حركة الوجود الإنساني .
وهى سوداء كرمز للون بشرة الأنثى بطلة النص .
وهى حريرية كرمز لأعماق البطلة بأن لها نفسا جميلة وأيضا جسدا جميلا
وهى تتطاير في مهب الريح بلا استقرار أو أمل في راحة
ثم إنها حبستها سطوة الباب كأن ما يحبسها باب سجن قاسى ومخيف
ثم إنها اهترئتها قسوة الإسفلت ، والإسفلت اسود يسير عليه الناس بأقدامهم وسياراتهم ودوابهم فهو اسفلهم وليس مجاورا لهم .
ومن هذا التحليل نرى بأن جسدها يبعدها عن الوجود والاندماج في الحياة الإنسانية ، رغم إنها بمشاعرها وعقلها وأحلامها تنجذب للدمج في تلك الحياة ، ورغم إنها تدافع عن جسدها وتحمله معها ، إلا إنها ترغب عميقا في الابتعاد عنه ، لا تنكشف هذه الرغبة بشكل مباشر وفج ، بل هي متوارية في عملية الرثاء .
إن لون البشرة يجعل للجسد حضورا قويا ، لكنه وجود ثقيل وضاغط ، يفسد الحياة ، وبدلا من إن يكون الجسد مصدرا للحب والحياة ، يصبح مصدرا لألم ، مفجرا لحظة العذاب .
ويشد العنوان ( سوداء كقمر ) المتلقي بتناقضه
فيقال بيضاء كالقمر ..إما إن يقال سوداء كقمر فأن الأمر غريب
فهل القمر اسود ؟
وكلمة سوداء تدل على لون البشرة ، لكنها تحمل وظيفة إشارية لنوع الحياة التي تعيشها بطلة النص .
بينما يشير القمر للجمال والسطوع ..فنحن هنا أمام عملية محو واثبات من خلال صور متنافرة ، فالعنوان ينطوي على صراع .
والابتكار الثاني في العنوان هو التقابل مقابل الصراع .. فإذا كانت سوداء لها وظيفة إشارية لأعماق البطلة ومشاعرها نحو لون بشرتها فأنها تعيش في ظلام .. والظلام يدل على الليل ، والقمر يظهر ساطعا ليلا ..إن السياق المتوتر والصراع يخف حدته ، لكنه لا يتلاشى، وهو ما يعنى كما قلنا في البداية إن الرفض ليس على طول الخط ، بل ضد قيم سلبية معينة .
إن الدلالات المختلطة في العنوان ، تنم عن ذكاء ، وينم عن كونه غير متكرر .. فهو بذلك جديد كل الجدة .
لكن ما إن ندخل إلى النص حتى نواجه مشكلة :
فالنص يعزف على أوتار المشاعر ، مثيرا للشفقة والتعاطف ..
ومثل هذه النصوص قد تفشل في وظيفتها ، لكن الكاتب نجح
في إنتاج نص نتعاطف معه .. عن طريق أمران :
الأمر الأول :إنتاج مسار جانبي من خلال اللجوء إلى عالم متخيل عبر الكراسات لتفرغ فيه المرأة شحنتها العاطفية .
وهو مسار يبدو هروبيا ، لولا لحظات الرفض التي فيه ، التي تعبر عن رفض قوالب رجعية .
والأمر الثاني : القطع بإشارات تبدو ساخرة لكنها محملة بدوال عميقة مثل :
(عنترةٌ يمتطي خيلَه ، ويثير النقعَ تحت قدميه
- حتى الأسودُ يميل إلى عبلةَ البيضاء ! لله نحنُ السوداوات
- يا للؤم الأبيضِ حين يعدو على القارةِ السوداءَ من أجلِ ماسِها ويتركُها في حلكتِها ! لماذا لا ينظرُ إلا لماسِها .)

إن مثل هذه الإشارات تجعل النص ينفلت من اسر رثاء النفس المنغلق في ذاته
فاستدعاء سيرة عنترة من خلال الإشارة إليه هو من اجل تحريك الضمير الإنساني ، ضد أنواع العبودية والتفرقة في اللون والجنس ، لكنه أيضا يستدعى الثقافة التي كانت سائدة في مجتمع الجزيرة العربية قديما ضد العبيد السود
وذكر القارة السوداء يستدعى الاستعمار والنهب دون النظر لقيمة الإنسان الذي يعيش في هذه القارة .
ومن هنا يلاح لنا إن النص ، يطلق صرخة إنسانية، و يخفى إشارات أكثر قيمة من تلك الظاهرة منه ، وهى إشارات تجعل هذا النص يتجاوز الذات الفردية ، إلى القضية الاجتماعية العامة .. ويؤكد على هذا إن البطلة متشربة بواقع تاريخي مثل اغتصاب القارة السوداء ونهبها .
ونلاحظ في النص إن الرجل حضر بشكل خافت من خلال طريقتان :
الأولى من خلال الاستدعاء بكلمة ( أبى ) والثانية من خلال الرجل الذي ظهر في الطريق
ولم يظهر الرجل في النص بشخصه كحضور فاعل، رغم انه كان مؤثرا على حياة المرأة وتفكيرها وحتى اختيار اسمها .
ويبدوا إن هدف السرد في تخفيت حضور الرجل بشخصه ، هو توسيع المجال لصوت الثقافة السائدة في المجتمع .
إن بطلة القصة هنا هي بطلة إيجابية ، رغم الرثاء الظاهر ، فهي تشعر بانتماء إلى وطن تحبه ، وبظهر ذلك من خلال إنكار استغلاله ، وهى أيضا تسعى لتغير ثقافة سائدة فيه ... فهي تنظر لما حولها بغضب يعتمل بالثورة ، ليست قانعة أو مستسلمة ، أملها يتركز في هزيمة القوى المسيطرة على عالمها ، التي تقدم شكلا مشوها من الإنسان ، لكنها أيضا مخلصة لنفسها وأحاسيسها .. ورغم سوادها فلها نورا داخليا يشع بجمال .
---------------
ثانيا : قصة " فرشاة اله الرعد"
لمحمد منصور الشقحاء
----------------------
يحيل العنوان بتركيبته إلى الأسطوري .. من حيث أن (اله الرعد ) أحد آلهة الفايكنج .. كما يشير لزيوس كبير الآلهة عند اليونان .. وهو بهذا يؤكد على القوة المسيطرة المتحكمة على فضاءات النص .. والأسطوري الذي يضرب في مجاهل القدم .. يمكن أن يمتد تفسيره ليشمل بنية المجتمعات الحديثة .. أما الفرشاة فهي أداة للرسم أو التنظيف، ولكونها أداة فليس لديها عقل يفكر .. أو نفس أو روح .. ولا تتحرر الفرشاة في العنوان من الملكية .. لأنها " فرشاة اله الرعد " فهي أداة ملكه يتحكم فيها وتخدمه كما يريد .. وتدخل الفرشاة منطقة الأنوثة ، كما يدخل اله الرعد منطقة الذكورة .. ولأن الفرشاة فرشاته ، فيكون المبطن في العنوان سيطرة الذكورة على الأنوثة .. ويضاف إلى العنوان في المبطن ملمحين :
الملمح الأول : أن الرعد لا يسمع في صفاء صافية .. لذا فأن الغيوم تسيطر على سماء النص بداية من العنوان .
الملمح الثاني : أن الرعد يسمع في سماء مبلدة بالغيوم ومقدمة على مطر .. والمطر يكون له أحيانا ملمح جنسي ..
فإذا دخلنا للمتن نجد أن مساحة التأويل لا تبعدنا كثيرا عن تفسير العنوان .
كما أن النص يدخلنا من بداية سطوره إلى الأسطورة .. لنتأمل المقطع :
(عندما حملت شهادة التخرج من الجامعة مشحونة كما عنقاء ملتهبة بجناح يلامس الماء وجناح يبلغ السماء )
ونحن نعرف أسطورة العنقاء ، التي انبعثت من الرماد .. فنحن أمام عملية بعث .. والبعث تم بعد الحصول على شهادة تخرج .. والمتخرج امرأة .. فيكون التعليم والعلم هنا أساسا لنهوض بطلة قصتنا .. والمفترض أن يقترن هذا النهوض بالفعل .. وهذا ما تحقق حيث يستطرد الحديث النفسي مؤكدا :
(.. بقدر كبير من الفعل؛ الذي في إمكاني التحكم فيه فقد ابتدعت طريقة تصنع الكائنات الحية في داخلي أنفسها بطريقة تسمح بظهور العيوب حتى يتم إصلاحها وفق قانون خاص للمقاومة، )
ها قد امتلكت حرية مكنتها بنفسها في التحكم بأفعالها دون سيطرة من غيرها .. لكننا نواجه بنقض ومصادمة فورية ، فقد أهداها أهلها " زوجا "..
وهذا الإهداء يعنى أن الزواج جاء كشكل مادي وليس روحاني .. فالمادة وحدها هي التي تهدى .. كما أنه يعنى أن حريتها منقوصة .. من حيث عدم وجود سيادة تامة على حياتها تمكنها من اختيار شريك الحياة .. ثم يعنى أيضا أن المرأة بتعليم أو غير تعليم نهايتها الزواج .. حيث تكون في مكانين : الفراش والمطبخ . وتظهر الحرية المنقوصة أو البعث الوهمي ، في حياتها مع زوج لم يشغل نفسه بتحقيق رغبتها في العمل في بيئة تتم بالمنافسة الشديدة .. فهي من حالة لم تعد تتحكم في اختياراتها .. فنقصت حريتها .. ومن حالة ثانية كأنها غير قادرة على دخول معترك منافسة حقيقة .. وتنزوي قدراتها الابتكارية والإبداعية ، وتنحسر في حيز حصص انجليزي وتربية فنية .. وتصبح حياتها خواء .. حتى الإنجاب لم يتم .. وتزيد وحدتها مع غياب دائم للزوج .
ثم تأتى أسرة صديق الزوج لعشاء احتفال .. وهناك تقابل زوجة صديق الزوج .. وتتألف المرأتان بفعل القهر والغياب .. اللذان يؤديان عملهما في داخلهما النفسي فتنجذبان لبعضهما لحد العشق الجسدي ، فترى كل واحدة منهما نفسها في الأخرى .
وليس الانجذاب و العشق الجسدي .. هو مجرد علاقة جسدية عابرة .. بل هو طاقة ناقصة تضاف إلى طاقة ناقصة .. فيستمد النقص قوته من الأخر
فهي أفعال بالسلب .. لكنها أفعال تحاول التخلص من متاهة الضياع لتدخلهما في ضياع من نوع أخر .. ثم أنه تمردا بشكل خفي على العرف فالمفترض أن تمارس المرأة العشق مع الرجل لا امرأة مثلها . .
وقد سلط السرد الضوء على الأنثى.. وكانت الراوية هي النقطة التي تستحضر عندها الشخوص وتحدث في وجودها الأحداث .. وقد منح السرد مساحة للابنة .. ابنه العاشرة التي بدأت تعرف مكانتها كأنثى عبر مقطع لافت :
(كانت ابنة العاشرة تقاوم ما حولها وفق تحرك حجارة رقعة الشطرنج، واجدها بمهارة اللاعب تعرف وجهة كل حجر )
وهى مساحة صغيرة في المتن .. لكنها مساحة واسعة في الفضاء التأويلي.
كما جاء استحضار الزميلة الجامعية.. في السرد عبر الذاكرة ولم تحضر بشخصها .
أما الزوجين فقد حصلا على مساحات ضئيلة وشاحبة كتأكيد على غيابهم الدائم عن حياة الزوجتين.. و جاء تركيب شخصية زوجة الصديق ليؤكد على عاملين مهمان في النص :
فشخصيتها تؤكد على المفارقة من حيث كونها أنجبت بعكس الأخرى .. ومن حيث كونها ضعيفة عكس الأخرى أيضا .. ولكنها تتكامل معها من حيث تعرضهما معا للقهر ومن حيث أن زوج كل منهما كثير الغياب .. كما يشتركان معا من تحررهما سرا من القيود الاجتماعية .. فيخرجان من بيت الزوجية ، ويذهبان لاستراحة ويحصلان على علاقات غير شرعية .. وكان النص حريصا على الوصف غير الفج في هذه العلاقة فمر عليها بحساسية وعناية شديدة بالصياغة فيقول :
( لم يكن رجلا ممزقا بين امرأتين، بل نحن الثلاثة نشكل حالة صعبة غير إنها تأتينا بالسعادة؛ تحدثنا أكثر مما ينبغي لم أفكر في احتساب الأمور؛ رأيتها كيف استسلمت بوهن كانت مفعمة بالحنان ودافئة)
وفى مقطع أخر :
(قامت ترقص نهض من مقعده وجلس بجواري؛ توقفت عن الرقص0 كل شيء فينا يتداخل )
وقد استحضر السرد رجلان خارج مؤسسة الزواج ،ولم يتوقف عند رجل واحد .. مما يعنى إنهما مشحونان بطاقة " الزوجان " البديلان أو المفترضان ..لأنهما حاضران .. عكس الغائبان ..فيكون حضورهما قد حقق طاقة خفية من التمرد على الوضع والتمرد على الغبن .. لكنه حقق تلك الرغبة الدفينة في أن يكون الرجل موجودا .
وقد أهتم السرد بالفنانة التشكيلة ، وتابع نموها العاطفي والفكري وانكساراتها الداخلية .. ورصد الألم الذي تحسه داخليا .. كما رصد عجزها عن الإنجاب .. لكن لها نفس تواقة للحب ..تواقة للاهتمام واثبات وجودها في الحياة .. نفس لا يمكن السيطرة عليها إلا بالسحق .. فتقول الراوية في حديثها معبرة عن داخلها الذي يفسر حياتها الخارجية :
(فأستعيد نشاطي لمواصلة سحق روحي في الألوان وفرشاة تعانق بياض اللوحات0 )
أن هذا السحق وجه مسار حياة الشخصية ، فكثرت أحاديثها النفسية ، لتعيش الشخصية وعيا تأمليا .. يمتد للماضي حينا .. وللحاضر حينا ..
ومع اكتمال الصورة الفنية في نهاية النص ، تكون الرواية قد استطاعت تحقيق قدر من الانسجام في حياة ترضى عنها ..وتؤكد النهاية :
(اكتملت الصورة التي اعتنيت بألوانها ولفتت فنياتي نظر صديق زوجي الذي نقل إعجابه بموهبتي زوجي، فقد امتزج عملي بالمعرفة ووصلت نفسي باله ممزوج بالمطر معه ذلك الرضا الضروري من اجل أن تشكل هذه التجارب الأكثر اهتماما بالاتجاه الوصفي شعورا مستقرا في زمن متحرك ، فجمعت حصادي بفرح الأماني التي معها تجاوزت جوعي0& )
وعلينا أن نتوقف عند الصورة التي اكتملت ، وقد أعجب صديق الزوج بالفن فيها ونقل هذا الإعجاب لزوج الرواية .. وقد بدا لنا أن الأمر فيه سخرية .. .. فهي صورة رسمت .. لكنها في الأصح تفريغ نفسي تحقق بشكل غير صريح .. شكل غطى بقناع .. فهو نشاط لنفس إنسانية ، استحضرت الأفكار الكامنة والرغبات .. حتى تلك التي لا يمكن التصريح بها .. امتزج الكل لينتج بدون وعى ذلك التكوين الفني للصورة.. وهو تكوين اتضحت مفرداته عبر السرد .
ويراهن النص على الصمت .. فالمسكوت عنه يظل مسكوتا عنه ، ولا يعلن إلا لدواخل الشخصيات، أو يتم البوح به في خفوت للشخصيات النسائية مع بعضها ..
( عرفت إن صديقتي وهي تهبط من السيارة تعثرت فساعدها السائق الأسود على فتح الباب وفي المدخل المعتم وهو يتفحص مفصل قدمها المتألمة ضاجعها مراهنا على السكون الذي اكتشف أهميته؛)
يستغل الخادم الأسود عجز الشخصية فيضاجعها ، والشخصية لا تتكلم .. فالسائق يعرف من أين نقلها .. ونلاحظ أن النص أحضر مفردة ( ضاجعها ) لا مفردة ( يغتصبها ) فالمرأة لم تقاوم .. لقد استسلمت في سكون لانتهاكها .. مؤكدة بذلك إنها أصبحت مشاعا .. وأنها أقل بذلك من :
( الخادمة التي أنسلت من غرفتها في سطح المنزل لأخذ ماء بارد من ثلاجة المطبخ تقف فوق رأسها فساعدتها على الصعود إلى غرفتها )
أن وقوف الخادمة فوق رأسها فيه ترميز لهبوط الشخصية وانحدارها .. النص ثرى ويعبر عن القبح المخيف للواقع .. وتمزق العلاقات النبيلة وافتقاد الدفء والمودة .. وقتامة الواقع يغلف السرد الذي عرى وكشف .
**************
ثالثا : قصة " علبة من حجر "
لوفاء العمير
-------------
وفاء العمير كاتبة سعودية ، تعمل على الكشف عن موروثات ثقافية معينة، تؤثر بالسلب على الحاضر، ومن خلال نصوصها تقدم شهادة قاسية على الواقع ، ورفضا ضد العنف النفسي، الذي يمارس بشكل قهري ومتعسف على الفئات الصامتة والأضعف في المجتمع .
ويتوضح ذلك بشكل جيد في نصها ( علبة من حجر ) وهو نص حياتي على بساطته شديد التعقيد .. والمدخل إليه يكون من العنوان " علبة من حجر " والعلب لا تبنى من أحجار .. بل من صفائح أو خشب ..الخ .. ويبدو على هذا النحو غامضا في التركيب ..وبالبحث في المتن نجد إن ما يستكمل تركيبة هو دال "البيت " فيكون العنوان المفترض " بيت كعلبة من حجر " وأهمية أيجاد الدال الغائبة.. هو النقل من الداخل الغامض ، إلى الخارج والواضح .. لكن لا ينبغي الذهاب للقول أن العنوان " علبة من حجر " هو عنوان غير مكتمل .. وأضافتنا له لا تعنى انه عنوان ناقص فعلا .. بل هو عنوان فعال.. وكل ما فعلته أنني بحثت عن دوال غائبة ، كأي قارىء يشارك و يبحث عن المسكوت عنه في العنوان أو القصة .. محاولا فك شفرات النص .. ولذا يكون العنوان بعد إضافة دال البيت إليه ، يلعب على الظاهر والمبطن .. فهو ظاهر من حيث أن البيوت تبنى من حجر ، ومن حيث هو مبطن لأن البيت هو مكان معيشة .. فهو يحوى حياة .. والحياة تتنفس .. فيكون البيت حي .. مالم تتحجر الحياة فيه .. فيتحول لبيت ميت .. أو بيت من حجر .. ويؤكد دال " علبة " على ذلك .. فالعلبة مكان ضيق ومخنوق بلا نوافذ ولا ممرات جانبية .. ولا أبواب تفتح على شرفات أو حدائق أو مناور .. وتقول ميسون بنت بحدل :( وبيت تخفق الأرياح فيه ..... أحب إلى من قصر منيف )
في عشق واضح للبراري والحرية بعيدا عن القهر والعبودية ..ويلعب النص على ذلك .. "الحرية والقهر" .. مؤكدا على عدم استقلالية المرأة في أي شأن من شؤون حياتها ..
وقد تزوجت المرأة في سن متأخرة .. وأنجبت ابنة .. ثم مات زوجها، فانتقلت تحت الضغط إلى بيت الأخ حيث عاشت هي وابنتها، ويفسح النص مساحة واسعة لمفردات حياتية صغيرة ، وذلك لمحاصرة القارىء بكل تفاهات الحياة التي تعيشها الأنثى محبوسة ، دون حياة إنشائية حقيقية ويمكن متابعة ذلك في المقاطع التالية :
1- أمها لطيفة تتصفح مجلات الأزياء في غرفتها
2- في التلفزيون مصممة أزياء تتحدث عن آخر صيحات الموضة في تصميم العباءات !
3- قالت لطيفة " نحن لا نفعل الشيء الكثير ، فما هي الحاجة إلى الأحلام ؟
أجابت فضة : " نشتري كتب الطبخ ، الكثير منها "
تابعت لطيفة وقد أعجبها الكلام :
" ونثرثر كثيراً ، في كل ما يخصّ الآخرين "
قالت فضة وهي تضحك " ونبحث عن الشائعات ، نتناقلها عبر البلوتوث "
إن هذه المقاطع وغيرها، تفصح عن رغبة في الكشف عن التدمير، الذي يعمل عمله في حياة المرأة .. وهو تدمير طال علاقة الأم بابنتها .. و تعبر الابنة عن ذلك بحديثها النفسي
(غرفة تحوي كل معاركها الداخلية ، مع نفسها ومع أمها والمدرسة والناس الذين تعرفهم ولا تعرفهم ، تشعر أنهم يتآمرون عليها ، ويضعونها في هذا القفص الممل مثل قطة ضالة . )
والأم في حديثها النفسي تؤكد :
(ابنتها نهى تعاملها وكأنها ألدّ أعدائها ، لا تدري لماذا تكرهها إلى هذا الحد ؟ ما الذي فعلته معها حتى لا تحبها هكذا ؟! )
ثم انه تدمير لحق أيضا بالأقارب.. ففضة ابنة الخال لا تصغي ولا تهتم ولا تشارك إلا في التفاهات .. مما يؤدى إلى زيادة التدمير وهى من وجهه نظر نهى :
(عندما تخالها تصغي تكتشف أنها كانت طوال الوقت تفكر في شيء آخر)
وعندما تحدثها لطيفة :
(نظرت فضة إليها ، نظرة قريبة من التوهان ، )
ويظهر لنا النص أن المأساة تبدأ من دخول المرأة بيت أخيها تاركة بيتها كما في هذا المقطع :
(" ماذا حصل لنا منذ أن وطئنا أرض هذا البيت ، وأغلقنا الباب خلفنا ، وكأنني دخلت وحدي ، وخلّفت ابنتي ورائي ، في مكان ما لا أعرفه )
لكن المأساة ابعد من ذلك .. هي مترسخة في جذور الثقافة المتحكمة في الواقع وفى الشخصيات .. فلطيفة تزوجت من طبيب زواجا تقليديا بعد اقترابها من الثلاثين .. وحانت الفرصة فاستغلتها .. فلا يوجد علاقة سابقة بين الرجل والمرأة .. لا حب ولا تعارف .. حتى طلب الزواج منها جاء من الأهل وليس من الرجل .. وكان المتوقع إن لا يصمد الزواج وتحدث التعاسة .. لكن على غير المتوقع يصمد الزواج ستة عشر عاما ، عاشتها لطيفة في سعادة ..لكن الزوج يموت في حادث سيارة ، ويصر أخوها على أن تغادر الفيلا مع ابنتها نهى ، وتعيشا في بيته .. وهنا تظهر الثقافة السائدة .. فحياة المرأة مستقلة بعيدة عن الرجل غير ممكنة .. وأمام الحجج :
1- قال لها إنه لا يأمن عليهما من اللصوص
2- وإنهما لن تجدا أحداً يهبّ لمساعدتهما عندما تحتاجان إليها
3- ومن سيقضي لهما شؤونهما ؟
لقد أظهرتها الثقافة السائدة حياتها من غير رجل مستحيلة ..
ويصف السرد هذا الأخ بهذا الشكل اللافت :
( جلس على الصوفية الزرقاء ، ماداً ساقيه الطويلتين السمينتين إلى ما تحت الطاولة ، مستنداً بذراعه الثقيلة على الوسائد ، وأصابعه العريضة تعبث بخيوطها . )
أهو وصف لأخ أم وصف لثقافة مترهلة متربعة بثقلها على حياتها ؟
وينعكس الواقع الخارجي على دواخل الشخصية ، فتشعر بالإحباط ثم الهزيمة .. فتشكك في قدرتها على تربية ابنتها ..
ومع ذلك فهناك نقد وتصادم .. فالزوج وهو رجل لم يضغط عليها أو يشعرها بتعاسة .. مما يؤكد على وجود حوار وحل .. وإمكانية التغير.. لكنها أمكانية شحبت أو ماتت بموت الزوج..
ويعطى السرد مساحة كافية للطيفة / الأم .. كأنه يعطى لها مساحة كافية للتبرير ليرفع عنها مسئولية ما يحدث لأبنتها .. نلاحظ من السرد إنها مضغوطة .. وإنها دخلت في بيت لم تعد تستطيع فيه أن تفعل شيئا .. لكن هذا المبررات التي تحاول رفع المسؤوليات عن كاهلها هي نفسها المبررات التي تتهمها .. فهي أم .. وإذا كان السرد لم يستحضر كثيرا من السلطة الذكورية في النص .. إلا إن المسكوت عنه ليس مستندا يبرر تباعدها عن أبنتها .. لأنها ينبغي إن تبحث عن طريقة لاستمرار الاتصال .
ومن ناحية الابنة فالتبرير واضح .. فهي صغيرة .. وقعت تحت ضغط والأم التى ينبغى أن تساعدها لم تتحمل ضغط الثقافة السائدة عليها فعملت بدورها على الضغط على أبنتها .. لنتأمل هذا المقطع مليا :
(حتى أن نهى تأثرت بهذه المقولة فلم تعد تهتم لزعل أمها ، وصراخها في وجهها ، ومعاقبتها على كل صغيرة وكبيرة . )
يبدو أن الضغط والوحدة والعزلة والقهر لهم السيادة في الحضور .. لكن إلى من يرجع الفشل في العلاقة ؟
أن محاولة الخلاص تدفع إلى سلوك اتجاهات مختلفة ,, وقد سلكت كل شخصية اتجاه .. الابنة إلى الطعام بشراهة لشعورها بفراغ هائل بداخلها .. وهو فراغ نفسي بالأساس بعد انكسار تمردها ضد النظام الاجتماعي برمته ، وهو تمرد ظهر في أول القصة .
وفضة ابنة الخال إلى التوهان والانطواء كمخدرة
والأم إلى عالم الأزياء ثم الانكفاء على الذات في انكسار .
وأغلب الشخصيات النسائية يسلكون نمط واحدا .. هو الهروب من عالم واقعي ضاغط إلى المخيلة حيث توجد أماني وأحلام بعيدة ..
وقد عاب النص مقاطع مباشرة توضحت سابقا في النص أو من خلال صياغة العنوان ، ومن ذلك المقطع.( .. بدأت تعي حجم المسؤولية ، في مجتمع قاس لا يرحم .)
كان الاكتفاء بحجم المسئولية يكفى أما كلمات ( مجتمع قاس لا يرحم ) فهو إضافة مباشرة ، ترهل النص وتكرر بشكل مباشر ما قيل سابقا بشكل موحى.
وقد طال حديثا حول القصة .. ومع ذلك لا يعطيها حقها ، فقد أغفلنا جوانب .. فالرجل رغم سيطرته التامة على الحياة ، لم يستحوذ على مجال السرد .. فحضوره يتم عبر الاستدعاء الأنثوي .. حتى عندما حضر بشخصه أخيرا قبل نهاية النص .. لم نره بشكل مستقل بل رأيناه عبر النظرة الأنثوية .
---------------
هوامش وإحالات :
سوداء كقمر – محمد البشير – موقع القصة العربية
فرشاة آله الرعد – محمد منصور الشقحاء – موقع القصة العربية
علبة من حجر – وفاء العمير- موقع القصة العربية



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجسور الفلسطينية
- الحرب الأهلية بدأت بمصر
- تراث السلاطين في حكم الشعوب
- الثورة والسلاحف
- الثورات، وبهاء لحظات الميلاد
- ميادين التحرير
- تبرئة حسنى مبارك
- 8 يوليو وتصليح المسار
- صمت الليل – الجزء الأول
- صمت الليل – الجزء الثاني
- البدو
- الدستور بين المواطنة والدين
- فشل الثورة المصرية
- حق الإضراب والقمع التنموي
- حق إسرائيل في الغاز، وحق مصر في الكلام
- الدستور، البيضة أولا أم الفرخة ؟
- ديكتاتورية الديمقراطيين..!!!
- استيراد البطيخ و نماذج الحكم..!!
- الإعلام، منظومة تزييف أم حقائق ؟
- مطالب الثورة، وحركة التغيير


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - ملامح القهر والرفض في قصص سعودية