أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - حدود -الممانعة- السورية















المزيد.....

حدود -الممانعة- السورية


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 3423 - 2011 / 7 / 11 - 16:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما حكم الموقف من الانتفاضة الشعبية في سورية من قبل قطاع من الذين يعتبرون بأن الأس هو أميركا، وأن الأساس هو المقاومة، هو كون النظام "ممانع"، وأنه "يدعم المقاومة في لبنان وفلسطين". ولهذا كانت الثورة ليست ثورة بل مؤامرة أميركية، رغم تصريحات رامي مخلوف حول الاستقرار، والتسريبات حول مطالبة السلطة لأميركا كي تعمل على إعادة المفاوضات مع الدولة الصهيونية لأن "98% من القضايا متفق عليها".
طيب، ما معنى "الممانعة"؟ خصوصاً بعد أن كان "السلام هو الخيار الإستراتيجي" للنظام منذ زمن بعيد. المصدر هو المنع، وهي تشير إلى عدم قبول ما يطرح آخر. فمنع يمنع يمتنع يتمنّع. وهي هنا أدنى من الرفض، وأحرى من المقاومة. وبالتالي حين يتسمى النظام بأنه نظام ممانع فهو صادق في ذلك لأنه لا يرفض ولا يقاوم، والمفاوضات هي الخيار الوحيد لديه. ومن هنا فهو يمتنع عن قبول مستوى التنازلات الصهيونية ولكنه لا يرفض التفاوض من أجل الوصول إلى حل، وربما ينتظر إلى أن يصبح ذلك ممكناً. لهذا فالخلاف ليس حول المبدأ بل حول الممكن فقط، فالمبدأ هو عدم الحرب والتفاوض من أجل إيجاد حل لاحتلال الجولان، ليس بالضرورة يقوم على استعادته.
وحين نتلمس العلاقة مع الولايات المتحدة نلمس ميلاً للتفاهم، وإصرار على العلاقة، لكن انطلاقاً من أسس هي مجال الخلاف. وسنلمس بأن تصريحات تتسرّب بشكل متواتر تشير إلى هذا الميل، والى الحرص على العلاقة. من هنا ليست الممانعة سوى عدم قبول بعض السياسات، وسعي لتحقيق علاقة أفضل مع الولايات المتحدة وشروط أفضل في المفاوضات مع الدولة الصهيونية.
لهذا حين يتحدد بأن النظام هو نظام ممانعة لا بد من فهم حدود الموقف الذي يحكمه في العلاقة مع كل من الإمبريالية الأميركية والدولة الصهيونية. هكذا حدد ذاته، ولا يمكن أن يُحمّل أكثر مما يحدِّد هو. وإلا كان تسمى بالرفض والصمود كما كان بعد اتفاقات كامب ديفيد، أو تسمى بالنظام المقاوم وليس فقط الذي يدعم المقاومة، فهو يحكم دولة لها أرض محتلة، وبالتالي المقياس هنا هو المقاومة وليس الممانعة. ولا شك في أن كلمة ممانعة هي تحديد دقيق لوضعه، لكن لا بد من السؤال لماذا يمانع؟ بعد أن تجاوزنا السؤال لماذا يمانع فقط؟
ما ينطلق منه "محبّو" الممانعة هو طبيعة الصراعات في المنطقة، والتحالفات التي تؤسسها. فالنظام في هذه الصراعات مع إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين ضد "قوى الاعتدال" المرتبطة بالإمبريالية الأميركية. هذا هو الانقسام القائم على الأرض، دون أن نتلمس لماذا هو كذلك؟ ولهذا سيكون الحرص على المقاومة في لبنان خصوصاً سبباً في تكريس هذه الصفة للنظام السوري، والتمسك بها حتى العظم. فسورية طريق الدعم لحزب الله، والحماية الخلفية له. وبالتالي فإن كل تغيّر في وضع النظام سوف يفتح على حصار لهذا الحزب، وبالتالي للمقاومة، دون السؤال عن طبيعة هذا التغيّر، ومن يقوم به على الأرض، فهو أميركي "حتماً" ما دام ضد دولة "ممانعة" وتدعم المقاومة. وهو مؤامرة على حزب الله والمقاومة بالضرورة. وكل هذه الكلمات التي ستبدو جوفاء وتنم عن "عقل" سطحي، شكلي، وأرعن.
لكن حين ننتقل من هذا السطح، الذي يتلمس السياسي الخارجي، ويؤسس عليه، إلى التكوين الداخلي ستختلف الأمور بالضرورة. أليست السياسة الخارجية هي التعبير عن الوضع الطبقي الداخلي؟ وإذا كانت العولمة، التي هي سياسة الإمبريالية الأميركية خصوصاً، قد عنت لبرلة الاقتصاد، وتخلي الدولة عن تدخلها الاقتصادي سواء من أجل التعليم والصحة أو حق العمل، أو من أجل الاستثمار وبناء الاقتصاد، وحمايته من المنافسة غير المتكافئة مع المراكز الإمبريالية، فما جرى في سورية خلال العقدين الماضيين هو هذا بالضبط. فقد انهار دور الدولة وتحوّل الاقتصاد إلى اقتصاد ريعي محتكر من قبل "رجال أعمال جدد" هم رجالات السلطة ذاتها، وأصبح الاستيراد هو العملية الأساس في العلاقة مع الخارج بعد أن انهارت حتى محاصيل إستراتيجية مثل القطن والقمح. وانهارت الزراعة والصناعات بعد تحرير الأسعار وخصوصاً أسعار المشتقات النفطية. وهو الأمر الذي دفع كتلة كبيرة من السكان إلى البطالة (30%) والإفقار (80%). فمثلاً الفارق بين متوسط الأجور والحد الأدنى الضروري هو 1 إلى 3 (11 ألف ليرة إلى 31 الأف ليرة) حسب دراسات السلطة ذاتها، وسيكون أسوأ حين الدراسة الدقيقة.
إن تشكيل النمط الاقتصادي كنمط ريعي يقوم على السياحة والخدمات والاستيراد والعقارات هو المعادل الموضوعي لسيطرة الطغم الإمبريالية على الاقتصاد، بالتعاون مع مافيات محلية باتت تتحكم بالكتلة الأساس من المال. وهي تعمل على نهب الداخل وتصدير الأرباح إلى الخارج لكي تصبّ في عجلة الرأسمال الإمبريالي. وهذا النمط يفترض الالتحاق السياسي لكي يحقق "رجال الأعمال الجدد" دورتهم الاقتصادية. ولقد ظهر لزمن بأن الأمور تسير في هذا السياق، ولهذا تخلص النظام من "خطابه القومي"، وبدأ الحديث عن المصالح، لكن الأمور سارت نحو عدم التفاهم مع الولايات المتحدة "زعيمة الرأسمال" حينها. لماذا؟ هنا لا بد من لفظ كل "الأيديولوجية"، والتعلق بأفكار، فالواقع الاقتصادي الذي تشكّل هو أقوى من كل ذلك. وهنا سنجد بأن هناك قوة، هي "رجال الأعمال الجدد"، تعمل على التفاهم، وأخرى، هي الولايات المتحدة تتمنع، وهو الأمر الذي يشير إلى شروط أميركية غير ممكنة التحقيق، وهي هنا ليست المسألة الوطنية ولا إيران ولا المقاومة، بل طبيعة النظام ذاته. حيث كان الموقف الأميركي يميل نحو سيطرة "القوى الإسلامية المعتدلة"، أي التعديل الطائفي للنظم، وبالتالي لم يكن مطلوباً قبول النظام بل تغييره. أميركا هنا كانت تغلّب الإستراتيجي على المصلحي الراهن، وهذا هو أساس "الممانعة" السورية، التي انبنت على تكييف اقتصادي داخلي قابل للسيطرة والالتحاق بالنمط الرأسمالي.
المسألة هنا لا تتعلق باختلاف عميق، أي تتعلق بالاقتصاد والسياسة، بل تتعلق بالسلطة ذاتها. ومن الطبيعي أن ترفض فئة أن يكون الحل على حسابها، والسلطة هي أساس سيطرتها الاقتصادية. ولقد عملت على تحقيق "شروط العولمة" خلال السنوات الأربع الأخيرة من أجل الحصول على القبول الأميركي، وفي سياق الارتباط بالرأسمال الإمبريالي. هذه هي حدود "الممانعة"، وهي حدود تشير إلى اختلاف "تكتيكي" على صيغة السلطة التي تحقق الارتباط بالنمط الرأسمالي. ولقد عزّز هذا الاختلاف طبيعة العلاقة مع إيران (حيث تحوّل إلى تحالف إستراتيجي بعد سنة 2005 فقط)، ومع المقاومة، وفي إطار التحالفات الإقليمية، وأستعاد خطاباً قومياً باهتاً.
من هذا الأساس تسمت بأنها دولة "ممانعة" وليس دولة مقاومة أو صمود، ولا أقول تحرير فهذه باتت من الماضي فليس لدى النظام سوى المفاوضات. ولهذا سيكون الموقف من المقاومة هو موقف تكتيكي ينطلق من الوضع الذي أصبح فيه نتيجة التناقضات العالمية والإقليمية وليس عن اقتناع "أيديولوجي"، حيث أن المصالح باتت في مكان آخر، وبات الموقع الطبيعي هو في إطار التبعية للنمط الرأسمالي.
إن الشعور بالعجز لدى بعض النخب، والشعور بالمأزق لدى المقاومة (حزب الله خصوصاً) نتيجة طابعها الذي فرض انحصارها في طائفة، هو الذي يفرض التعلق بـ "حبال الهواء"، ويجعل النخب تتعلق ببقايا حلم تحرري كبير تلاشى خلال العقود الماضية، وبشبح قوى تختلف مع الإمبريالية. وفي الغالب يحكمها المنطق الشكلي الذي يجعلها لا ترى غير السياسي (السطح أو الشكل لمضمون عميق) فتتعلق بأذياله، وتُصدم حين ترى الشعب يثور من أجل التغيير فلا تجد غير المؤامرة مبرراً لما يجري. إنها نخب لا ترى الواقع، لا ترى الشعوب، لا ترى الطبقات المفقرة، بل ترى السياسي، الدولة والعلاقات الدولية. فتستسخف ثوران مفقرين مطالبين بوضع معيشي لائق، وبعمل يسمح بالعيش، وبنظام ديمقراطي. فهذه لدى النخب كلها "تفاهات" أمام "الممانعة"، ومن أجل المقاومة. رغم أن الشعوب هي قوة المقاومة الأهم دائماً. وحين تُفقر وتجوع لا يكون لديها خيار سوى التغيير، وهي في ذلك تؤسس لتناقض عميق مع الإمبريالية، يفضي إلى صراع حقيقي وليس "ممانعة" شكلية من السهل حلّها.
لدينا نخب نرجسية بشكل مرضي، وعاجزة إلى حدّ الهزل، أو عاجزة عن فهم حقيقي للواقع. المطلوب هو وعي أعمق للواقع وليس التعلق بشعارات. فالشعوب هي أعتى قوة مناهضة للإمبريالية، وهي قوة المقاومة الحقيقية. أما النظم فقد نهبت بما يكفي، وسحقت بما يكفي، وعجزت عن خوض معركة صغيرة ضد عدو. فهي لا تخوض الحرب إلا ضد شعوبها، ولا تدرّب جيوشها إلا على ذلك.
وتحيا الممانعة.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية و دور اليسار في الثورات العربية
- في مصر، النظام لم يسقط بعد
- إستراتيجية مكافحة الثورات العربية
- المقاومة والممانعة في زمن الانتفاضات العربية
- موجة الانتفاضات الثانية في الوطن العربي
- من أجل حزب يمثل العمال والفلاحين الفقراء في سورية - الواقع ا ...
- ... عن أميركا والمؤامرة والتشكيك بالثورات العربية
- ضد الليبرالية في سورية
- سورية أيضاً، لِمَ لا؟
- نحو حزب شيوعي عربي جديد-2
- حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما ...
- شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق
- مبادئ الماركسية في الوضع الراهن
- الفيس بوك، انتفاضة
- من هو الشيوعي اليوم؟
- ما حدث وما يمكن أن يحدث في تونس
- ليس رحيل بن علي فقط بل والطبقة الحاكمة أيضاً
- مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم
- الصراع الطبقي في الوطن العربي في الثمانينات
- المسألة الطائفية كتحدي للمسألة القومية العربية


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلامة كيلة - حدود -الممانعة- السورية