نجم خطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1019 - 2004 / 11 / 16 - 11:02
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
( رياض قه ره جوغ )
فكرت أن أكون مع أطفالي لنحتفي سوية بالعيد , ولكن خبر استشهادك يا سعدون ( وضاح ) ورفيقيك ( نوزاد ) و (حسيب ) , صدمني وأحزنني كثيرا. وكان صدمة موجعة وخسارة فادحة , ولم أتمالك نفسي وخنقتني العبرات وأنا أحدث العزيز ( كفاح ) مواسيا له بفقدان الأخ والرفيق .
انهم بارعون يا رفيقي في القتل والتنكيل والتشويه بجثث الناس , وهذه خبرة لم يكتسبوها بالقراءة والتعلم , ولكنهم أتقنوها لكثرة ما مارسوها وتدربوا عليها , وكانت مادتهم في كل مرة هم الناس الذين يشبهونك ورفاقك , , والشواهد كثيرة , وهذا ما يجعلني والآخرين أن ندرك الأسباب الكامنة وراء تمثيلهم بجثثكم وتشويهها .
أليس هو الحقد على الشيوعية والحزب الشيوعي العراقي ؟
أليس هو الخوف في أن يكون للحزب مكانته ودوره في رسم مستقبل العراق ؟
وهم يعرفون بالتأكيد وبالتمام المهمة الجسيمة التي أخذتها على عاتقك أنت ورفاقك وأنتم تبنون خلايا الحزب وتعلون بيته وبجهود جبارة وخارقة .
قالت زوجتي :
أرى حزنك كبيرا . حدثنا عن صاحبك هذا !!
قلت :
كيف أبدأ الحديث عن الفتى القادم من مدينة كربلاء , وبكل ما يحمل هذا الاسم من معاني وعبر عبر تقلب الأزمنة . يكفي أن تكون مدينته مكانا لمعلم التضحية والبسالة الأول الأمام الحسين ( عليه السلام ) , ويكفي أن تكون هذه المدينة وجارتها النجف , قد علمت الناس البطولة والصمود عبر ( سلام عادل ) و ( حسن عوينة ) وعشرات القامات الشامخة من الشيوعيين والوطنيين .
كان في الثامنة عشرة من عمره حين بدأ المجرمون حملات إبادة الشيوعيين أواخر السبعينات , واضطر لترك المدرسة والتوجه للقتال مع الفلسطينيين في بيروت , وكان هذا الحلم يراوده منذ صباه , ولم يكن الأمر غريبا , فقد قاتل العشرات من الشيوعيين العراقيين سوية مع المقاومة الفلسطينية , وكان الحزب يريد أن يرسل مجموعة من بواسله لمناصرة الفلسطينيين أيام أيلول الأسود في الأردن , وغيرها .
كان أطفالي يصغون للحديث وأنا أحاول بكل جهدي توضيح معاني الحوادث والوقائع .
لم يكن الحزن وحده يا رفيقي سيد هذا الصباح الجميل , وهو يوم العيد , فقد ملأتنا العزة والفخر بك وبجسارتك وتضحياتك أيضا , وهذا يشبه الفرح .
حين ترك سعدون مدينة بيروت متوجها صوب روسيا البيضاء لإتمام دراسته , لم يكن سعيدا جدا , وكان يرسم في مخيلته صورا أخرى , ولم يستطيع كتمانها حين صارح الحزب لاحقا على رغبته في التوجه نحو كوردستان العراق لمقاتلة نظام البعث .
وقدم الفتى صوب الجبال ومعه رفيقه وزميله في الدراسة ( جبار ) وحيد اسعد خضر الأربيلي , الذي استشهد لاحقا , والذي أصبح قبره وقبور رفاقه الثلاثة على سفح جبل سفين في كوردستان العراق , مزارا للناس .
ولأن الشجاعة ينفرد بها بعض الناس عن غيرهم , فقد كانت ثوبا يليق بك , وكان الجميع شهودا لك ولجسارتك وبطولاتك , وفي كل المنازلات في سفوح وجبال وأودية أربيل وشقلاوة وغيرها من مدن كوردستان العراق , وقد توجتها في قيادتك البطولية لتلك الكتيبة الشيوعية العراقية البطلة التي حررت مدينة شقلاوة من رجس نظام البعث المقبور عام 1991 .
عام 2001 هزني الشوق والحنين للقاء أهلي بعد ما يقارب على الربع قرن على فراقهم , وزاد شوقي وعذابي هذا مرض أمي , وكان خوفي شديدا أن ترحل دون أن أراها .
وحملت حقيبتي وتوجهت صوب كوردستان , محاولا بكل السبل إقناع أهلي , أو على الأقل أحدا منهم بالمجيء لكوردستان , ولكن دون جدوى , فقد كان الرعب والخوف أكبر من تصوراتي وأحلامي .
وكان هناك صاحبي ورفيقي وضاح ( سعدون ) , وكان حلم اللقاء به وببقية الفتية الحمر لا يقل بهجة عن لقاء الأهل ,
وحدثني في حديقة اللجنة المركزية للحزب في شقلاوة ونحن نتناول الشاي مع رفاق آخرين .
- لا تحزن يا ( رياض ) , نحن أيضا أهلك وأحبابك ورفاقك , امكث هنا وسنكون سعداء بك .
في اليوم التالي سلمني هوية مختومة بختم اللجنة المركزية للحزب وعليها صورتي و تخولني اللقاء مع الناس والكتابة الصحفية , قائلا :
- يمكنك زيارة ما شئت من الأمكنة والكتابة .
وقد سعدت كثيرا بذلك الشهر التموزي الذي قضيته سوية مع سعدون وبقية الرفاق , وقد سكنت لأيام في بيت مجاور لدار سكن عائلة الرفيق في جبل شقلاوة , وتعرفت على عائلته وأهل زوجته , وأحببت من الأعماق الصفير ( كفاح ) ابن الشهيد , وكان يومها في الثانية من عمره .
وبمساعدة الشهيد ( سعدون ) رافقتني مجموعة من الأحبة من أنصار قاطع اربيل , وذهبنا لزيارة قبور الشهداء الأربعة خلف جبل سفين , وقد كانت قبورا تليق بهم , وصارت مزارا للناس في الأعياد , تحكي عن بطولات الشيوعيين العراقيين ومآثرهم .
وبمساعدة النبيل ( سعدون ) أيضا , تمكنت وبرفقة مجموعة من الرفاق من زيارة مقبرة قرية ( بره كه ) القريبة من وادي ( باليسان ) , ووضع الزهور على قبر صديقي ورفيقي في الكفاح , الصيدلي القادم من مدينة ( بدرة ) , والذي لدغته الأفعى في يوم اسود , وهو يتجه ورفاق له في مهمة باتجاه مدينة شقلاوة , أيام المقاومة ضد نظام صدام المقبور .
وماذا تبقى لي أن أقول , فقد كنت أبعث لك وللشجعان في الوطن , بالأماني والسلام , لكفاحكم الجسور من أجل حرية الوطن وخلاصه من المحتل .
وكنت أمني نفسي بلقاء قريب بك وبالطيبين , ولكن غدرهم وخستهم وحقدهم قد حرمنا منك ومن رفيقيك .
انهم بالتأكيد كانوا يعرفون من هذا الذي قتلوه مع رفيقيه ! وكان المغزى إيلام الحزب وإيذائه , وقد تحقق لهم بعض ذلك , ولكن الحقيقة الأكبر والأكثر نصوعا هي أن الحزب الشيوعي العراقي خيار ومقاومة وعنوان وطريق , لا يمكن حجبه , ومن يجهل التاريخ سيكون واهما .
والعزيز الشهيد وضاح كان واضحا وكانوا يتخفون خلف واجهات وبراقع .
كان واضحا لأنه قاتل في سبيل أن تسعد الناس وتعيش دون ظلم .
وحين سقط الطاغية كان هناك , فهو لم يغادر أرض المقاومة يوما وكان وسط الناس ومنهم .
ويتذكر الناس مطالعته السياسية في أول جلسة من جلسات البرلمان العراقي حين نادى بالعمل للمحرومين ولتشغيل قطاعات الإنتاج ولإعادة المفصولين إلى وظائفهم .
ووضاح وحزبه لم يكن لديهم غموض ولا مداهنة , لا في مسألة النظام , ولا في مسألة الحرب , ولا في مسألة تجميع طاقات الناس من أجل رحيل المحتل , ولا في قضية الحرية والديمقراطية في وطن حر ديمقراطي وفيدرالي . وسيكون من العسير جدا قشمرة الناس التي علمتها المحن من هم الذين يصدقون في القول والفعل .
المجد والخلود لك يا سعدون الطيب الجسور .
المجد والخلود للشهيدين النصيرين نوزاد توفيق و حسيب مصطفى
عهدنا لك بأن طريق البسالة والجسارة ستظل كما كانت طريقا للسائرين صوب الحرية .
العزاء كل العزاء للرفيق الصديق كفاح ( ملازم كريم ) أخيك الأكبر , وللوالدة , والزوجة , وللرائع الصغير كفاح ابن السادسة , ولبقية العائلة في الوطن الصبر على الفاجعة .
السويد
14/11/2004
#نجم_خطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟