نداء إلى قناة الشرقية لوقف عرض مسلسل الباشا ..!

جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 3421 - 2011 / 7 / 9 - 09:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

مسامير جاسم المطير 1900
نداء إلى قناة الشرقية لوقف عرض مسلسل الباشا ..!
من حسن حظي وسعادتي أنني عايشت مرحلتين:
الأولى شاهدت فيها انتفاضات الشعب العراقي والمصري والسوري في خمسينات القرن العشرين.
الثانية عاينت فيها من على الشاشات الفضائية العربية والعالمية انتفاضات الشعب العراقي والمصري والسوري والتونسي والليبي واليمني في القرن الحادي والعشرين .
تمر اليوم العديد من البلدان في الشرق الأوسط ، بما فيها العراق، بموجة عارمة من مظاهرات شعبية غامرة ضد أنماط الحكومات الدكتاتورية أو الشبيهة بالدكتاتورية في إطار تنامي الوعي الجماهيري في الشوارع والساحات العامة بما فيها ساحة التحرير ببغداد. يبدو أن تراكم تجارب المظاهرات السلمية في مراحل خمسينات القرن الماضي في العراق ومصر كانت ملموسة في مظاهرات عام 2011 حيث النظام السائد في المرحلتين لا يوفر شروط الاستقرار الاجتماعي والسياسي للشعبين .
خلال الفترة من شهر شباط الماضي حتى اليوم انكشفت حقائق مذهلة لدى الحكام العرب عما كان يجري في بلدانهم بعلمهم ومعرفتهم من مآس وانتهاكات ومن نهب لثروات شعوبهم وتهريبها إلى بنوك خارجية . ينفضح كل شيء في عصر الفضائيات أمام عيون الشعوب بشفافية لم يشهد لها التاريخ مثيلا من قبل.
لكن الغريب العجيب أن قناة عراقية تملك المال الوفير وعناصر الفن العراقي الغزير تظل بمواقفها مغرورة، لا تسمع نقد الناقدين ولا تقرأ تحليل المحللين . تواصل التباهي ببعض إنتاجها الرمضاني السابق لتقدم على شاشتها – مع الأسف - (أسوأ) نماذج الحكام العراقيين ممن قمعوا مظاهرات العراقيين وانتفاضاتهم في ثلاثينات وأربعينات وخمسينات القرن الماضي بالحديد والنار ، تصورهم شاشة الشرقية - مع الأسف - على غير حقيقتهم الإجرامية .
قناة الشرقية تضم ، من دون شك ، كفاءات فنية وسياسية كثيرة ، ما زال قسم التنسيق فيها (يلح إلحاحا ويصر إصرارا) على إعادة بث المسلسلين ( الباشا) و( آخر الملوك) كقلادات ذهبية مغشوشة ، تزين بها شاشتها في نفس الأيام والساعات التي نشاهد على نفس الشاشة صور الأعمال البوليسية المرذولة مدانة من قبلها ومن قبل محرريها ومقدمي برامجها في نشرات أخبارها وتقاريرها السياسية اليومية، التي تكشف جنون الحكام العرب، معمر القذافي وبشار أسد وعلي عبد الله صالح، كما تكشف مشكورة صواعق آلاف الشبيحة السفاكين في الشوارع العراقية وغيرها .
السؤال هنا ، هل يعلم سياسيو الشرقية ومؤلفو برامجها أنهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم حين يحاولون طرد الروح الشريرة من الحكام العراقيين (السابقين) بينما يكشفون عن وثنية الحكام العرب (الحاليين) الذين يمارسون قتل الناس وقهرهم بنفس أرواح الشريرين من الحكام السابقين.
قناة الشرقية تـُظهر للمشاهدين، في الليل والنهار ، في مسلسل ( الباشا) تارة وفي مسلسل (آخر الملوك) تارة أخرى نوعا من الحكام المتجبرين على الشعب العراقي مرصعين بأكاذيب أو جهل كاتب سيناريو المسلسلين عن واقع وحقائق فترة زمنية طويلة في التاريخ العراقي امتدت أكثر من 38 عاما كان الحكام فيها وخلالها (يحترفون) قتل الشعب العراقي واضطهاده، سرا وعلانية .
متى تدرك قناة الشرقية أنها ترتكب خطأ فادحاً، في سيرتها ومسيرتها، عندما تظل في نوم عميق لا تدرك فيه أن تزكية جرائم جوقة من حكام العهد الملكي (السابقين) تتناقض تناقضا صارخا مع استيقاظها المملوء بالقوة والحقيقة لإدانة الحكام العرب (الحاليين) ..؟ متى تدرك قناة الشرقية أن محاولة إلباس (الباشا العراقي- نوري السعيد) وجوقته ملابس خالية من دماء الجريمة يصيب شباب العصر العربي الراهن بصدمة عنيفة في هذا الزمان، الذي تـُنازل فيه ملايين الشباب في البلدان العربية حكامها من الأجلاف الشرسين، الذين ربما تقل جرائمهم عن بعض جرائم الحكام السابقين الذين تصرخ مسلسلات قناة الشرقية من اجل تزكية جرائم نوري السعيد وعبد الإله وسعيد قزاز وغيرهم من حكام عراقيين كانوا يتصارعون ويتقاتلون ويتشاتمون من اجل الصعود إلى كراسي السلطة العراقية، منذ تأسيس الدولة العراقية 1921 حتى سقوطهم في مزبلة التاريخ 1958 ، ليُخضعوا بالنار والحديد جماهير الشعب العراقي إلى نيران العبودية الاستعمارية والى نفوذ الإقطاعيين والمستبدين..
في أعماق الناس العراقيين، الفنانين والمبدعين، وبضمنهم كوادر الممثلين والفنيين في مسلسلات الشرقية نجد حافزا يوميا إلى المزيد من العطاء ، كما الواضح أن كثيرا منهم وجد طريقه في قناة الشرقية لاستحضار فنه وإبداعه ليقدم زادا تلفزيونيا مثيرا، حافلا بالمعاني، مملوءا بقوة جديدة نحو رفع مكانة الفن العراقي في المعالي . هذا يفترض نموذج علاقة صادقة بين غالبية الفنانين العراقيين المبدعين وبين قناة الشرقية التي تملك بيديها كما يبدو قوى مالية ميسورة إن لم نقل هائلة بإمكانها أن تسهم في جعل المستقبل التلفزيوني – السينمائي- العراقي مستقبلا معلوما ذي طبع تقدمي قائم على أسس الحرية في التعبير وعلى أسس الديمقراطية في البناء الدرامي. تلك هي مهمة الفن الحقيقي وليس التمسك بالأرواح السبعة الموجودة في أعماق كل مغرور لا يركب شعاع النقد ولا يسمع شيئا عن حدود الفرق بين الخير والشر في تفاصيل كل عمل فني ( كاتب سيناريو مسلسل الباشا - نموذجا ).
أتمنى أن لا يتضايق محررو وكتاب السياسة والثقافة في قناة الشرقية من إشاراتي النقدية إلى وقوعهم بتناقض حاد في ما يقدمونه من برامج ومتابعات للواقع السياسي الراهن في العراق وسوريا ومصر واليمن وغيرها من البلدان الداخلة في شوارع المظاهرات والثورات والانتفاضات ، فقد لاحظت ولولة وصراخ التقارير الإخبارية الصادرة عن قناة الشرقية يتناقض تماما مع ما نسمعه ونشاهده على شاشتها بذات الوقت في مسلسلي الباشا وآخر الملوك من تزكية فجة لحكام عراقيين أذاقوا المر والعذاب أكثر ألف مرة مما فعل زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وبشار الأسد في سوريا . هؤلاء الثلاثة أي( مبارك والأسد وبن علي) لم يقتلوا السجناء السياسيين كما فعل الحكام العراقيون الذين تزكيهم مسلسلات قناة الشرقية حيث قتلوا بالجملة سجناء عزل في سجن بغداد المركزي وفي سجن الكوت وغيرها .. هؤلاء لم يسجنوا النساء السياسيات في سجون بغيضة كما فعل حكام بغداد على مر العصور.. هؤلاء لم يشيدوا سجنا شبيها بسجن نقرة السلمان وبعقوبة.. وحكام مصر وتونس واليمن وسوريا لم ينصبوا المشانق في الشوارع والساحات العامة لشنق الوطنيين وإبقاء جثثهم معلقة في العراء مثلما قام حكام بغداد الذين تزكيهم اليوم قناة الشرقية حيث نصبوا المشانق لصلب معارضيهم في ساحة المتحف وباب المعظم والباب الشرقي عام 1949 وفي وسط سوق الحي عام 1956 وغيرها من جرائم القتل الجماعي بالطائرات التي أنزلت قنابلها على رؤوس الفلاحين المحتجين في سوق الشيوخ والقرنة والديوانية في 1933 – 1934 وكما قتلوا وشردوا المناضلين الكرد 1946 وقتلوا عمالا مضربين من اجل حقوقهم في ميناء البصرة 1952 وفي شركة نفط البصرة 1952 وفي كاورباغي 1946 وغيرها بيد الجلادين من حكام العهد الملكي، الذين أظهرتهم شاشة الشرقية، زوراً وبهتاناً ، بقلم فلاح شاكر، على أنهم رجال من ذوي المثل العليا .
مهما أقول فالمغرور يظل أعمى وأطرش لكنني أقدم دعوة خالصة إلى كل مخلص في قيادة قناة الشرقية بإيقاف عرض المسلسلين المزورين والاحتفاظ بهما كوثيقتين فنيتين تدللان على براعة وإبداع الفنانين والممثلين والمخرجين العراقيين في زمان الظلام والقهر والتخلف المتجه نحو الضياء بإشراقة ربيع الشباب العربي.
أتمنى أن تتقد رغبة صادقة جريئة في قناة الشرقية لوقف بث الأوهام والأكاذيب في مسلسلها (الباشا) المعروض على شاشتها حاليا، وأن تحل محل ذلك دوافع فنية جديدة لحياة التغيير للخلاص من مشقات ومرارات الطغاة وموروث أولئك ( المثقفين ) الجهلة من وعاظ السلاطين، الناطقين بأسمائهم في كل العصور كي يثق المشاهدون بما تقدمه من إدانة طغيان الحكام الحاليين .
لا موهبة فنية أن تقوم قناة الشرقية بعرض مسلسل الباشا مملوءا بالأفكار والخواطر عن طاعون نوري السعيد وتزكية جرائمه في وقت تدين جرائم حكام هم في الواقع ليسوا سوى تلاميذ صغار من أشباه نوري السعيد.
من اثمن مواهب الفن هو بلاغة الفنان في قدرته على كشف سواد ليالي الحكام الطغاة المجرمين كحقيقة واحدة لا يقيدها زمان ومكان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

#جاسم_المطير (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات