أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - أجنحة ضعيفة















المزيد.....



أجنحة ضعيفة


أنور مكسيموس

الحوار المتمدن-العدد: 3420 - 2011 / 7 / 8 - 23:04
المحور: الادب والفن
    


أجنحة ضعيفة
شرد بولا وهو يقف أمام عصافيره, في قفصها الصغير الجميل…يتأمل ريشها وألوانها الزاهية الجذابة!!…
يمد كل منهما عنقه نحو الآخر…ينقره بخفة, ويصدر أصواتا…يفترقان ويتلاصقان طوال الوقت, داخل ذلك القفص الصغير, أو الحصن المنيع, المصنوع من أسياخ الحديد…بدلا من الريش!!.
حدث الطفل نفسه: ماذا يقولان؟!…في أي شئ يتحدثان؟!.
مد إصبعه الصغير داخل القفص, فهرولت العصافير الى الجهة الأخرى, مذعورة!…تتعلق بجدرانه في قلق وخوف…تنظر باهتمام, وهى تتابع حركات إصبعه, من خلال تلك الأسياخ الرفيعة, التى تفصل بين عالم قيودها وعالم حريته…
تصدر أصواتا تختلف عما سبقه, سريعة, عالية ومتتابعة, كأنها تصرخ, وتبعد أقصى ما تستطيع عن إشارات أصابعه, ولكن!…الى أين؟!…
انتبه بولا على صوت أمه تناديه:
بولا …بولا أين أنت؟!…
أسرع نحوها, فجذبته من يده قائلة:
- هل تضيع الوقت كله أمام العصافير…أليس عندك واجباتك المدرسية تؤديها؟…لقد كبرت…بعد غد سوف تؤدى أول امتحان لك مثل الأولاد الكبار تماما…لقد كبرت!…ألا تعلم؟!…
- نعم, نعم اعلم…قالها تلقائيا وبدون انتباه, ثم وضع يديه على المقعد, ورفع نفسه, وجلس.
- درجات الشهر الماضي لم تكن جيدة…
ثم نظرت إليه أكملت: أن لم تهتم بدروسك, سوف اجعل والدك يأخذ هذه العصافير من هنا..
نظرت الأم الى ولدها, لترى تأثير كلماتها عليه, فوجدته على وشك البكاء, لشدة تعلقه بتلك العصافير…هذه المخلوقات الصغيرة,الجميلة,والوديعة, فآخذته في حضنها, وهو يترجاها ألا تفعل ذلك!.
طيبت الأم من خاطره, وانهمكت تستذكر له دروسه…
وبينما هي مستغرقة في ذلك, فاجأها بسؤاله:
- ماذا تقولان يا أمي؟!…فيما يتحدثان؟!…ماذا تقول كل عصفورة للأخرى؟!…
كادت الأم تنفجر في وجه ابنها, وهو يرى ملامح وجهها, تتغير نحوه بالغضب الشديد, فانكمش فى مقعده, ينظر نحو الارض, متوقعا منها لطمة, أو قرصة, أو عضة…
فانتبهت لنفسها, وهى تستشعر خطئها, وعصبيتها التى صدرت رغما عنها.
رسمت على وجهها ابتسامة وقالت:
- لا اعرف…ربما يتحدثان عنك!
سألها بولا في إلحاح, علها تجيبه في جدية:
- ماذا يقولان…" بجد" يا أمي…ماذا يقولان؟!…
تريثت الأم قليلا قبل أن تجيبه, وهى تردد كلماته مبتسمة:
- ربما…ربما يقولان, من هذا الولد الذي يقف أمامنا كثيرا, ويطيل النظر إلينا, ولا يفعل شيئا…لماذا لا يذهب ويستذكر دروسه!…يبدو انه ولد بليد!…
رد بولا: هما لا يقولان ذلك!…
فسألته الأم بابتسامة وحب, مستفسرة, تريد أن تعرف ماذا يدور في ذلك الرأس الصغير:
- ماذا يقولان إذن؟…
وفجأة بدأ يغرق في ضحك طفولى, وهو يتأمل أمه…شعرها وهيئتها…وقال:
- يقولان…يقولان هذه أمنا!…هذه أمنا …
- وهو لا يستطيع أن يكمل عباراته لاستغراقه في الضحك, ولكن الأم حدست ما يضحك ابنها, انه يريد أن يقول هذه أمنا "الغولة". فزعقت فيه بابتسامة, ونكشت شعرها أكثر, وهى تهز رأسها وقالت في دلال:ولد!!…
- ثم أردفت برقة: دمك ثقيل…
هدأ بولا قليلا, ثم عاد ليسأل:
- لماذا تخاف منى يا أمي؟!…أليس أنا من يقدم لها الطعام والماء, ولا أفكر في أذيتها!…أحبها, وأريد أن أكون صديقا لها!…
أجابت الأم وهى تفكر وتحاول أن تنتقى ما تقول:
- الطيور تأنس لطيور مثلها, من ذات الجنس…ولهذا تخاف من كل شئ غريب عنها…فالطيور التى تعيش فى الخلاء, تعشق الحرية…عندما نحبسها, فإنها تعيش فى خوف وقلق دائم…إنها تكره الأسر…
عندما يقترب منها انسان أو أي مخلوق غريب عنها, فإنها تفزع منه…إنها مثلا تراك شيئا ضخما بالنسبة لها…
- حتى لو قدمت لها الطعام والماء؟!…سأل بولا أمه.
- حتى لو قدمت لها الطعام والماء…ألم نحبسها فى قفص, ومنعناها متعة الطيران بحرية فى الفضاء؟!..هناك بعض الطيور عندما نحبسها, فإنها تصوم عن الطعام والشراب حتى تموت…
- ألم تقولى إن الطيور من ذات الجنس تأنس الى بعضها البعض؟…
- نعم, فالعصافير تأنس لعصافير مثلها…والدجاج يأنس لدجاج مثله…ماذا فى ذلك؟!…
- رد بولا: عندما ذهبنا للصعيد, عند عمتى ايريس, رأينا البط والاوز والدجاج والحمام معا, دون أن يخشى أحدهم من الاخر!!…
- صمتت الأم قليلا, وشردت, فعليها أن تنتقل من التفاصيل الى معنى اعم واشمل. فهؤلاء الاطفال يستطيعون أن ينقلوا الكبار من حديث عابر بلا معنى, الى حديث اعمق وأدق في معانيه.
قالت بعد أن سهمت بعض الوقت, وبالطبع لم يكن يدور بخاطرها ما ستقوله:
- اقصد أن الطيور المنزلية…بط, أوز,حمام, دجاج… هذه طيور منزلية, لذلك فهى تأنس لبعضها البعض…فهذه كلها طيور لا تقدر أن تطير…
- ولكن يا أمي, عند عمتى ايريس, رأيت العصافير واليمام, تأكل مع طيور عمتى, ولم تكن تخاف إلا عندما يأتي كلب زوج عمتى,عم حنا, فتخاف منه كل الطيور, وتهرب من أمامه.
كانت عمتي تقول لانطونيوس: "طير يا واد ورا الكلب" واحبسه مع الغنم. قالها وهو يضحك ويكررها مقلدا عمته بالصوت واللهجة: "طير يا واد…"
- ثم سألها: هل تعلمين ماذا تعنى " طير يا واد بالصعايدة؟"…
- اسمها بالصعيدى, وليس "بالصعايدة"…ومعناها اجري …طير معناها اجري بسرعة.
ارادت الأم وضع حد لتلك المناقشات, فقالت بحزم:
- اعتقد اننا تحدثنا كثيرا, وضحكنا بما يكفى, والآن ننتهي من درسنا…
- ولكن يا أمي لم تقولى لى…
ضاقت الأم بكثرة الاسئلة والاستفسارات, وعلا صوتها وهى تنهر بولا أن يكف عن ذلك, وينتبه معها إلى دروسه.
وكان الجد – جد بولا ودولاجى – يجلس فى الردهة, يداعب دولاجى, ويتحدث معها أحيانا, ويتابع حديث بولا وأمه أحيانا أخرى, ولكن دون أن يرفع صوته, أو يعلق بشئ, حتى حين تناهى إليه, صوت الأم فى ثورتها وضيقها من ابنها.
كان بين الحين والحين, يضحك من شقاوة الولد الصغير الطفولية, ومن أسئلته التى أرهقت أمه.
كان يضحك من قلبه, من ابنته وهى مغتاظة, وتستشيط غضبا من ولدها, لعدم استسلامه, كان حديثهما المتلاحم يسر قلبه للغاية.
قالت دولاجى لجدها على قدر تعبيرها الطفولي: بولا يضايق ماما يا جدو!
أجابها جدها وهو يقبل يديها الصغيرتين:
- بولا ولد شقي ورائع, ولكنك سوف تكونين أكثر روعة!!.
انتهت الأم من استذكارها لابنها, وهى تظهر له ضيقها, في ابتسامة رعوية جميلة, ثم قامت لتعد العشاء.
قال الجد للام وهى تعبر أمامه:
- لو صبر الكبار وتأنوا وتأملوا هؤلاء الأطفال, لتعلموا الكثير.
ردت الأم, وهى لا تدرى بما تجيب: حاضر يا أبى…
تناول بولا عشائه, بعينين غافيتين, ثم أخذته أمه, ووضعته على سريره, وقبلته ليذهب في نوم هادئ وأحلام طفولته البريئة.
استيقظ بولا في الصباح, متكاسلا, يملأ النوم عينيه, أخذته أمه ليغتسل, وينظف أسنانه. ثم تركته لتعد له إفطاره وساندوتشاته. وبينما هي مشغولة فى ذلك, هرول بولا الى قفص عصافيره, يلقى عليها نظرة قبلا أن يذهب الى مدرسته.
وفجأة صرخ وهو ينادى أمه ويبكى…
هرول جميع من بالمنزل الى مصدر الصراخ والبكاء. كانت الأم اول من وصلت الى ابنها, يتبعها ابيه ولا زالت فرشاة الشعر فى يده, وأخير جده…
وتسللت بين الجميع, دولاجى وهى لا تدرى شيئا مما يدور حولها!…
كان بولا يقف, وينظر الى القفص بعينين دامعتين…يبكى, وهو يمد يديه الصغيرتين امامه ترتعشان, وجسده الصغير ينتفض من الخوف مما رأى…
نظرت الأم والأب الى القفص, فاذا بأحد العصافبر مقطوعة الرأس!…وجسدها ممزق, وريشها الجميل ملطخ بالدماء,, ويملأ كل القفص. والعصفور الاخر ينظر فى ذعر وقلق فى كل اتجاه, ويتقافز من مكان الى آخر, ملتصقا بجدران القفص الحديدية.يصيح, ويصدر أصواتا غريبة, ويقلب نظره بسرعة فى جميع اركان القفص, عله يجد مكانا يهرب منه.وكان صراخ الطفل وبكاؤه والجميع حوله, يزيد من توتر وخوف العصفور الاخر.
لم ينتبه أحد لبكاء دولاجى الحار على بكاء اخيها, الذى أخذته امها فى حضنها وربت ابوه على رأسه, واعين الاب و الأم تتسآلان: ما الذي حدث؟!…
لم ينتبه أحد الى دموع دولاجى وبكائها…كانت تبحث بعينيها البريئة والممتلئة بالدموع الحارة والساخنة, عمن يرعى هذه الدموع!…
كانت دموعها تسقط على خدها, وتسقط على ملابسها وعلى الارض…تحس بالخوف مما يحدث حولها. إنها تبكى وتصرخ وحيدة, دون ان يحس بها أو ينتبه إليها أحد. تشبثت بملابس أبيها, ولكنه كان مشغولا ببولا…كادت تسقط عندما تحرك أبيها - وهى لا زالت ممسكة بملابسه – مفسحا الطريق للجد. تشبثت بالأم, وقد تحول بكائها وصراخها الى ما يشبه الذعر القاسي, والخوف من المجهول…هذا الذي اقتحم البيت فجأة!…
اندفعت دولاجى نحو جدها, وهى ترفع عينيها المليئة بالدموع نحوه, فانحنى نحوها بجهد شديد, وحملها الى صدره, وهو يرى ضراعتها وضعفها ودموعها, يطمئنها ويربت عليها, فطوقت رقبته بيديها الصغيرتين, وهى لا تزال تشنج, حتى هدأت وهى تلصق وجهها الصغير البارد, المبلل بدموعها بوجه جدها.
أخذت الأم ابنها الى الداخل, وتبعها أبوه, وبقى الجد يحمل دولاجى على صدره, ويتحسس جدران القفص…ويبدو انه أدرك ما حدث؟!.
سأل بولا: ماذا حدث يا أمي؟!.
أجابت الأم في حيرة: لا أعلم!.
سأل بولا أبيه عله يجيبه: ما الذي حدث يا أبى؟!.
أجاب الأب وهو يفكر: لا أعلم…العصافير داخل القفص!…لا يمكن لأحد الفئران أو "العرس", أن تدخل وتأكل رأس العصفور, وتمزقه, ثم تتركه وتخرج!…هل خرجت عندما أحست بأحدنا يقترب من البلكونة…القفص لا يسمح بدخول أي شئ, إلا لو رفع باب القفص…هل يمكن لهذه المخلوقات أن تفعلها وهى تدخل وهى تهرب!… لا اعلم؟. قالها وهو يهز رأسه يمينا ويسارا.
كان الجد قد جلس, ووضع دولاجى على إحدى ركبتيه, ثم مد يده, وأخذ بولا من حضن أمه, ليضمه الى صدره, وهو يربت عليه, وينظر إليه بهدوء وابتسامة وقال:
- الآن يجب أن تذهب الى المدرسة, وتفكر بدروسك…لقد أصبحت رجلا…أليس كذلك؟…
- نعم يا جدو, ولكنني أريد أن اعرف…من فضلك يا جدو!.
هز جده رأسه بالموافقة, تحت إلحاح بولا وهو يقول:
- نعم, نعم يجب أن تعرف…فالمعرفة تزيل القلق, ولكنها ايضا قد تأتى بهم وغم كبيرين…قالها بصوت خفيض, كأنه يخاطب نفس …
ثم اكمل موجها حديثه لحفيده: عندما يحل الظلام, تتعلق العصافير بجدران القفص…ظنا منها أن الظلام داخل القفص وحده, أو…ولا تعلم هذه العصافير , ان الظلام في كل مكان, وليس داخل القفص وحده, وان جدران القفص ليست هي حدود ذلك الظلام. ذلك أنها ولدت أسيرة…
ثم أضاف قائلا: قد يبقى عصفور فوق الأرجوحة, ويتعلق الآخر بجدران القفص…
- قاطعه بولا: نستطيع أن نضع لها مصباح…نحن ننير الشقة بالمصباح الصغير قبل أن ننام…
تناهى إليهما صوت الأم قلقة: دعه يا أبى يذهب الى مدرسته…انه كثير الأسئلة, وسوف يصدع لك رأسك…هيا يا بولا!.
رد عليها أبيها في حدة: ليس لك شأن بيني وبين بولا…دعيه لي قليلا…ثم وجه حديثه نحو حفيده:
- تنظر العصافير حولها, فإذا هي غارقة في الظلام, ولكنها قد ترى أضواء تنبعث من بعيد, من بعض الأماكن, فتأمل أن تذهب الى هناك. نعم نستطيع أن نضع لها ضوء يطمئنها…وقد يخيف هذا الضوء, تلك المخلوقات الدنيئة, آكلة اللحوم…ولكنها !…سواء, أكانت هنا أم هناك, عندما تستشعر انه لا حركة, فإنها تفعل ما فعلت…كان جده, يحاول بيديه وتعبيرات وجهه وابتسامته, أن يشرح لبولا, ما يريد قوله, وهو يتابع عينيه, وهى تحاول أن تستوعب ما يقوله له:
وفى الظلام الشديد, عندما تخفت الأصوات وتهدأ الحركة, يمر أحد الفئران أو "العرس" وهى كثيرة جدا, يمر بالقفص متلصصا ومنصتا, ويرى العصفور متعلقا بجدرانه, خائف من المجهول, ولا أحد يحميه في سجنه, فيجده صيدا سهلا, ويبدأ بأكلها…
- من خارج القفص يا جدو؟!. سأل بولا مستغربا!.
- نعم من خارج القفص, حتى العصفور الجالس فوق الأرجوحة…يترك مكانه خائفا ومرتعبا, ويبدأ في تسلق جدران القفص, كأنه يعتلى الفضاء, كأنه إذا خرج من القفص خرج من كل الظلمة!…يريد أن يهرب…لكنه…لو سكن في وسط القفص, ما وصل إليه الشيطان وما هلك…لو علم أن الظلام بداخل القفص وخارجه, ولم يتعلق بالجدران, لم وصل إليه ذلك الفأر اللعين…
- لماذا لم يفعل؟…عله نجا يا جدو!…
- أجابه جده: الظلام والأسر, والخوف والقلق…كل ذلك دفعه الى مصيره.
- قال بولا: لو لم نحبسه, ربما نجا ياجدو…أنا أخاف من الفئران يا جدو…
- رد جده: ربما…ثم ربت على بولا وهو يقول: هذه الحيوانات جبانة, ولا تقوى أو تزيد شراستها إلا مع تلك الكائنات الضعيفة والوديعة. أنها تتوحش مع الكائنات التى تستشعر أنها تخاف منها. لكنك لو تعلم يا بولا, كيف تمتلئ هذه الحيوانات رعبا وفزعا, وترتعش, عندما ترى نسرا أو صقرا أو بومة أو حدأة!…أي من هذه الطيور تنقض في سرعة خاطفة, على هذه الحيوانات الجبانة, وتأخذها بين مخالبها القوية, وتطير بها الى حيث تأكلها مع أفراخها.
- يا ليت يا جدو, يجد هذا الفار ما قلته, نسرا أو صقرا أو بومة…أو…أو ماذا يا جدو؟
- أو حدأة.
- ما هي الحدأة يا جدو؟
- ألم تقرأ عنها؟!…ثم ابتسم وهو يقول: حتى أمك لم تعرفها…فقد كانت صغيرة, عندما كانت أعداد كبيرة من هذه الطيور تملأ سماء القاهرة.
- ثم أردف قائلا:
إنها طائر قوى مثل النسر والصقر…تبيت فوق الأشجار العالية جدا…ولكنها اختفت الآن!
- اختفت؟…لماذا يا جدو؟!
- نعم اختفت, اختفت من سماء القاهرة وشوارعها, لأنها لم تعد تجد المكان الملائم لها…فقد قلت الأشجار الباسقة العالية, حيث تربى صغارها…تحميها وترعاها…حتى أفراخ تلك الطيور, مثل كل شئ, تكون ضعيفة, ولا تقوى على حماية نفسها, حتى من اضعف الحيوانات الدنيئة.
أحس الجد انه استطاع أن ينسيه موضوع عصفوره, بكل هذه المواضيع المتعددة فقال له: الآن يجب أن تذهب الى مدرستك, لقد فاتك طابور الصباح, وقد لا تستطيع دخول الحصة الأولى…ثم وجه حديثه الى أمه القلقة والمشغولة بكل شئ: خذيه من يده, واحرصي أن يدخل الفصل, واعتذري لمدرسته عن التأخير…
لملمت الأم أشيائها, وأشياء بولا, وهو لا يزال يسألها عما سمعه من جده, ثم سار معها مستكينا, مستسلما.
وجده لا يزال يتابع بولا وهو يكرر أسئلته, وإجابات جده والأم تردد: نعم…صحيح…
حتى ضعفت الأصوات عن مسمع أذنيه.
*******************
عاد بولا بعد الظهر من مدرسته, وخلع عنه حقيبته – ذلك الحمل الثقيل – من فوق ظهره, ثم ذهب من فوره الى قفص عصافيره.
نظر الى عصفوره الوحيد الباقي, وهو يأكل بحرص شديد…ينظر إليه- العصفور - بين الحين والحين, ثم يعاود إطعام نفسه…
تأمله بولا في حزن, وكأنه يحس بوحدته, وخوفه ممن حوله…
أدهشه!, أن يرى العصفور وهو يأكل بسرعة‍‍‍‍‍!…لكنه سر في ذات الوقت بما يراه.
ذهب من فوره الى جده وبادره قائلا:
انه يأكل يا جدو!…انه ليس حزينا…ألم يرى ما حدث لأخيه؟!…تعال يا جدو انظر…
ذهب الى جده وأخذه من يده, الى حيث قفص عصافيره…
- نعم يأكل, وماذا يفعل غير ذلك؟!…قالها جده وهو ينقل بصره بين بولا والعصفور, بعينين هادئتين, وابتسامة مطمئنة.
- أليس حزينا يا جدو؟.
- ربما!… حزينا وخائفا ايضا…ولكن لابد له أن يأكل ليعيش, ربما يأكل اكثر بسبب الوحدة, وبسرعة بسبب التوتر والخوف…ذكرني يا بولا, قبل أن يحل الظلام, حتى أقوم وأدخل القفص, كي يبيت العصفور معنا بالداخل.
دخل بولا وجده, وابتدأ يستذكر دروسه, فى حين مدد جده ساقيه أمامه…ربما ليستريح من آلام قدميه…
لم تمض بضع لحظات, إلا وكان جده قد أغمض عينيه, ومال برأسه على صدره, يغفو قليلا…
على أن بولا, لم يتركه, فأيقظه بالحاح, وهو يعبث بأنفه:
- جدو, جدو.
رفع جده رأسه, ونظر الى بولا, وقبل أن يفيق تماما, سأله بولا:
- أليس من الواجب يا جدو, أن نرعى العصفور الوحيد الباقي أكثر…انه وحيد, ويريد من يتحدث معه ويؤنسه…ألن نحضر له عصفورة أخرى؟…
- أجاب جده: نعم,نعم…ولكن اهتم الآن بدروسك, حتى لا تغيظ أو تضايق أمك…
ثم قام بعد قليل متثاقلا, وأتى بقفص العصافير وهو يقول: حتى لا ننساك يا عصفور الاستاذ بولا…تبيت معنا بالداخل…
******************
مرت الأيام, ونسى بولا موضوع عصفورة الأول, وبدأ يتعايش ويأنس بالعصفور الأخر, ويزيد من رعايته له, فيطعمه, ويضع له الماء, ولم يدر بخلده أو عقله, بتلك الكارثة التى سوف تحل بالعصفور الآخر!. كان جده قد جلس كعادته على الأريكة ومدد ساقيه أمامه, وغفي واضعا رأسه فوق صدره. أتت دولاجى لتضع يدها على فخذه, وتتطلع إليه فى براءة, ولوقت طويل…
ثم وضعت رأسها على فخذه ونامت.
هرع بولا الى أمه, ينبهها وهو يضحك, أن دولاجى تنام وهى واقفة.
أسرعت الأم,وحملتها, فانتبهت دولاجى وقاومت الذهاب للنوم فى الفراش.
فى ذلك الوقت,ذهب بولا الى قفص عصافيره, وفتح الباب, وتركه معلقا.وضع فى كفه بعض الطعام, ثم وضعه فى انائه الخاص به.ثم أخذ إناء الماء ليغسله ويملأه بالماء, ونسى أنه ترك باب القفص مفتوحا!!.
عاد ليجد القفص فارغا,وزاغت نظراته وهو يبحث من حوله, فوجد العصفور يتقافز على ارضية "البلكونة"…يضرب بجناحيه وهو يحاول الارتفاع عن الارض, وازداد خوفه وقلقه, عندما رأى بولا يقترب منه…
لكن جناحيه, لم تقويان على رفعه من الارض الى أعلى إلا قليلا!.جرى بولا, وهو يصرخ نحو جده, ثم نحو أمه…
اندفعت الأم نحو "البلكونة", ثم لحقها الجد بجسده الثقيل المترنح, وحاولا بحرص الإمساك بالعصفور, وهو يحاول فى ذعر وخوف, الارتفاع والطيران, ويطلق اصواتا متلاحقة, أمام تلك الزحمة المفاجئة, والحركة غير العادية من حوله.
اقتربت الأم من العصفور, وهى تخاف أن تمسكه فيعضها. فهى لا تزال تذكر عضته المؤلمة يوم أن أمسكته وهو فى القفص.
لكن الأم عادت فتجرأت , ومدت يدها لتمسك العصفور, فطار فى وجهها, واستقر على كتفها…
انزعجت الأم, ونهضت واقفة,فقفز العصفور من فوق كتفها الى سور "البلكونة", ولم يعد يربطه بذلك البيت وذلك القفص,سوى بضعة سنتمترات.
ترددت الأم قليلا, وخشيت أن يقفز العصفور من فوق سور "البلكونة", فيضيع للابد, لو أنها اقتربت اكثر وأفزعته, وأكد لها والدها ذلك وهو يقول: لندخل حتى يهدأ, وربما ينزل مرة أخرى.
وقفت الأم من بعيد, متلصصة, تراقب العصفور, كأنها فى معركة حربية.والعصفور لازال قابعا فى مكانه, يتلفت حوله فى كل اتجاه… ينظر ويمد منقاره بين ريش جناحيه, ينظفه ويحرره من الأوساخ
التى تلصقه ببعضه,استعدادا لطيران الحرية…ولكن الى اين؟!!…ربما مكانا اكثر أمنا…يفرد جناحيه ويهزهما ثم يطويهما, طيا خفيفا استعدادا للطيران.
وقف الجميع فى قلق,تتسارع أنفاسه, لامساك العصفور, و إعادته الى القفص مرة أخرى و قبل فراره وخسارته للأبد.
استجمعت الأم شجاعتها, ثم تسللت فى هدوء, دون أن تنظر إليه-العصفور- كأنها توهمه بأنه ليس المقصود, وأنها لا تعبأ به…
وفى سرعة مدت يدها لتمسك به, فاذا به يهرب من تحت يدها,محاولا التحليق الى أعلى, وهو يضرب بجناحيه بسرعة وقوة, لكنه سقط بعد عدة امتار, على الارض فى الشارع.
نظر الجميع من "البلكونة" ليروا اين سقط العصفور.
رأوه وهو يطير محلقا على ارتفاع بسيط من الارض, ليستقر على الرصيف الأخر, وقد افزعته خطوات المارة, الغير عابئة به. لقد تشددت أجنحته قليلا, ولكن!…
لأنه لم يتدرب بعد, فقد كان خائفا ومذعورا, ومثل الأعمى يتخبط…يعلو قليلا, ثم يسقط…
أسرع بولا بالنزول الى الشارع, وأمه تنادى عليه, بأن يصعد, دون أن يسمع كلمة مما تقول.
خاف عليه جده, فنزل خلفه, وجسده الثقيل المتعب لا يسعفه, كى يلحق بحفيده, فترنح ذات اليمين وذات اليسار, وهو يتساند على سور السلم…
خرج بولا الى الشارع, وهو يتلفت حوله بعينين تائهتين, ليجد عصفوره يتقافز على الأرض, فيعلو ويسقط.
لفت انتباه العامة, الجد وهو يتتبع خطوات حفيده, وينادى عليه…
فتجمع بعض الصبية من العامة والسوقة, ليشاهدوا ما يحدث!.
تعالى الصياح والجلبة حول العصفور, وهم يشيرون نحوه.
جاهد العصفور بجناحيه بكل قوة, وطار قليلا, ليستقر على سور "بلكونة" أرضية, وهو يصدر أصواتا غريبة وجميلة…
ربما اصوات فرحته بالحرية,وربما ايضا, فرحة الحرية ممزوجة بالخوف والذعر مما يحدث حوله.
توقف العصفور قليلا, يتابع المارة دون مستواه, ينظر يمينا ويسارا ويميل برأسه, يرى بعين ما يتحرك على الارض من أسفله, والاخرى تبحث عن مكان يصعد إليه, فرأى أحد أعمدة الأناره المنصوبة على الحائط, بجوار سور البلكونة", فجعلها مقصده, وضرب الهواء بجناحيه فى سرعة وقوة, وصعد الى أعلى قليلا…
اقترب أحد الصبية اليافعين, من السوقة بهدوء, وفى يده عصا, يحاول أن ينزل العصفور من علاه, وهو يسبه.
أحس العصفور باقتراب العصا منه, واستشعر الخطر من جديد, فطار هذه المرة,مسافة أطول, يحاول بكل قدرته, وضربات قلبه السريعة جدا,أن يضرب الهواء بجناحيه, عله يرفعه الى أعلى بعيدا عن الأسر والخطر,فارتفع الى أعلى ولكن!.
سرعان مااصطدم بحائط المنزل المقابل, وسقط مترنحا, وهو لا يزال يضرب بجناحيه, دون أن يقوى على التحليق. ولا زال كل من الجد والحفيد, يتابعان العصفور من مكان إلى آخر.
ضحك بعض المارة , وبعضهم رأوه منظرا مسليا, وقليلا منهم نظروا واستغربوا.
وقد حاول بعض المشاة, والمتواجدين بالشارع, امساك العصفور…من يعرف الجد, ومن لا يعرفه…مجرد المشاركة.
كانت بين المارة انثى كلب, تجرى وسطهم, دون أن يلتفت إليها أو يهتم بها أحد, وقد امتلأت اثدائها باللبن.
لقد لفت نظرها – انثى الكلب - وحدسها, أن العصفور, ضعيف الجناحين وانه صيد سهل.
فتابعت الكلبة العصفور, وهو يطير قريبا من الأرض, وما أن رأته يسقط مترنحا,حتى انطلقت نحوه,تسبق الجميع,ليقع بين فكيها, وقد تحول صوته بما يشبه الألم والصراخ…
هرول خلفها – أنثى الكلب - بعض الصبية, وعبيط المارة من الكبار, وهم ينادون من أمامهم, من بعيد, باعتراض انثى الكلب, فاستجاب أحد المارة دون أن يتأكد أو يعرف على وجه التدقيق,ما تحمله هذه الكلبة في فمها, فراوغته وهربت منه. ثم توقفت لحظات, ومدت فمها نحو الأرض, ووضعت قدميها فوق العصفور, ثم وضعته في فمها مرة أخرى, وضعته هذه المرة ملئ فمها, وضغطت عليه بأسنانها, حتى انه لم يعد يستطيع الصراخ, واستكملت هروبها, علها تجد مكانا أقل صخبا لتلتهمه.
لكن الصبية لم يتركوها, فاستمروا يجرون خلفها, ويلاحقونها وهم يقذفونها بالحجارة.
التفت أحد الشاردين في الشوارع, ليرى مصدر الجلبة, وكانت الكلبة في طريقها نحوه, فانحنى والتقط حجرا, وما أن اقتربت منه, احترزت وعدلت مسارها بعيد عنه, ولكنه عاجلها بحجر, فأصابها بشدة. صرخت أنثى الكلب عدة صرخات, وسقط العصفور من فمها, وواصلت هي هروبها بأقصى سرعة.أرادت التوقف, وهى تنظر خلفها,حيث سقط العصفور, فرأت الشارد يميل نحو الأرض مرة أخرى ويلتقط حجرا آخر,, فواصلت عدوها مرتجفة, من شدة الألم, وقد لملمت ذيلها بين رجليها, دون أن تنظر خلفها مرة أخرى.
أقبل أحد الصبية, في سرعة وامسك العصفور, يقلبه بين يديه.رأى الصبي أن العصفور منكمش بشدة, ولا يتحرك, فصاح, عل من يهرولون معه خلف العصفور, يتوقفون عن مسعاهم:
العصفور مات…العصفور ميت.
تأسف الصبي أن جريه وهرولته قد أصابت عصفور ميت, لا حياة فيه, مثله مثل بقية الطيور والحيوانات النافقة, والملقاة في الشوارع, ولا تلقى سوى تجنبها, والتقزز والقرف ممن يعبرون بها ويرونها!.
كان بولا يسير على الرصيف الآخر, يراقب ما يحدث, ويتابع جده وهو يقترب من الصبي, وينهره بصوت حازم: هات العصفور يا ولد!.
ضحك الصب,ي وهو يضع العصفور في كف جد بولا وهو يقول : العصفور مات…ها هو ميت.
لم يهتم الجد إن كان العصفور مات أم لا, فقد أخذه, وعاد في طريقه, ليقابله بولا مستطلعا ومرتجفا: أين العصفور يا جدو؟…أرني العصفور يا جدو!…
- ها هو…واراه جده العصفور, دون أن يتأكد من شئ, ثم امسكه بيده وباليد الأخرى العصفور, فسار معه بولا, وهو يحس أن جده يترنح من فرط التعب. وصلا الى المنزل وصعدا السلالم, فترك الجد حفيده ليصعد أمامه, وهو يتكأ مرة على الحائط, ومرة أخرى على سور السلم, حتى وصل الى الشقة, ودخل ليستريح, على اقرب مقعد له, ويده الأخرى لا زالت قابضة على العصفور الميت.
بادره بولا: أرني العصفور يا جدو…أخشى أن يطير مرة أخرى.
رد جده وهو لا زال ينهج: دعني يا بولا حتى استريح, لا تخشى شيئا, انه في يدي…لن يهرب بعد الآن…لن يهرب بعد الآن…ثم هدأ قليلا وقال يحدث نفسه وحفيده:
لقد اصبح حرا من كل قيد أو أسر…لن يعود يقلق أو يخاف, ولن يحتاج أن يهرب بعد الآن…عاش حياة كلها خوف وقلق وأسر…لن يعود يقلق بعد الآن, لأنه لم يترك خلفه صغارا في الأسر…انه الآن يطير في فضاء بلا حدود…وقفصه في يدي!.
انتظر بولا في لهفة وهو ينظر الى كف جده, تقبض على العصفور, وهو يستحثه أن يفتح كفه, ويكون حذرا حتى لا يطير العصفور, مرة أخرى!
فتح الجد يده, ثم ضم عليها اليد الأخرى وهو يقلب العصفور بينهما, على راحتيه.
نظر بولا الى العصفور…ثم تجرأ ومد يده, ولكنه رددها بسرعة مرة أخرى, كأن العصفور سوف يعضه!
لكن جده طمأنه, انه لن يعض ولن يطير, ولن يفعل شيئا بعد الآن.
تأمل الطفل الصغير العصفور, فرآه أقل حجما, ثم نظر الى هذين الغشاءين الرقيقين , الذين يغطيان عينيه…
نظر الطفل, فرأى بعض العصارة الخفيفة المختلطة بالدم, وقد سالت على جانبي منقاره الصغير…
مد بولا إصبعه, نحو أصابع قدميه, وهو يراها قد تكورت بشدة نحو بعضها البعض…وقد ضم العصفور ساقيه نحو صدره, كطفل يبكى من شدة الألم!.
قال بولا والدموع لا زالت في عينيه: يوجد دم على منقاره يا جدو…يبدو انه تألم كثيرا وهو في فم الكلبة…
ثم نظر الى جده مستفسرا: ماذا حدث يا جدو؟!.
رد جده وقد استراحت أنفاسه: لقد مات العصفور, وترك لنا هذا الجسد الجميل دون حراك…
تدخلت الأم لتخاطب أبيها: انه لن يفهم شيئا مما تقول يا أبى…
ثم التفت الى بولا:لقد مات العصفور, وكفى حديثا عن هذا الموضوع…لقد أتعبت جدك أشد التعب وهو يسعى ورائك…سوف أجعل أبيك يأتيك بزوج أخر أجمل, ولكن بعد أن تجتاز امتحاناتك بنجاح وتفوق.
نظر إليها أبيها معاتبا, دون أن يعقب…فاستطردت قائلة: نعم يا أبى انه لن يفهم, نقول له انه مات وكفى, حتى ينتبه الى دروسه.
صدق جده على كلامها, وهو ينظر الى بولا: نعم يجب أن تنتبه الى دروسك, كما تقول ماما, ثم وجه حديثه إليها في هدوء: هو يفهم الكثير مما أقوله له, بعقله وإحساسه, وهذه العيون الصغيرة ترى الأشياء أكبر, وبتفاصيل أدق مما ترينها…لقد ربيتك وعلمتك الكثير, ولكن يبدو انك نسيت كل شئ, وتركت خلفك كل ما أعطيته لك…
ثم اكمل: دعي بولا قليلا, ثم سأدعه يذهب يستذكر دروسه, بفكر غير مشغول.
كان بولا يتابع الحديث بين جده وأمه, وبعد أن اطمئن أن أمه لن تعترض, قال لجده:لو لم تهرب من القفص لما ماتت يا جدو؟.
أجاب جده: ربما الى حين…لأنها سوف تموت يوما ما, مثل كل شئ في الحياة…الإنسان والطيور والحيوانات, وجدو, و…
وكل المخلوقات لها عشق طبيعي الى الحرية…
رد بولا: لقد كنا نضع لها الماء والطعام ونداعبها…فلماذا تترك كل هذا وتهرب وتموت…
,أجاب جده: هي لم تقصد الهروب, وإنما أرادت حريتها, بأي ثمن تدفعه, حتى حياتها…نعم هي تضحي بحياتها من اجل حريتها, حتى لا تورث صغارها الأسر والقيود…تبحث بنفسها عن طعامها وشرابها…يجدد الخوف والحذر قوة جناحيها ومهارتها في الطيران, ويقوى بصرها في البحث عن الأماكن الآمنة, وأماكن الطعام والشراب…
تقوى خبرتها في البحث عن الأماكن الآمنة التى تبنى فوقها أعشاشها, يكون أمانها في قوة جناحيها الذين خلقهما الله لها, وليس في منعة الأقفاص الحديدية…
سكت قليلا ثم اكمل: هل رأيتها عندما أفلتت من القفص؟…كانت لا تقوى على رفع جسدها كثيرا عن الارض, وعندما انطلقت, تخبطت بكل شئ قابلها…تصطدم وتسقط…تفر مذعورة من الجلبة حولها…لكنها كانت فرحة بحريتها, وبذلت كل ما في وسعها, حتى أخر لحظة في حياتها…
لم تستسلم قط!…
تنهد جده,واستراح قليلا,ثم نظر الى دولاجى,وهى تنظر ببراءة الى العصفور الساكن في كفة…
واستطرد قائلا:حبسناها ووضعنا لها الطعام الوفير,والشراب,ولعبنا معها وبها,ولكن لم نسهر عليها,ولم نحمها…فماتت…
وانطلقت وهى ضعيفة الجناحين,فماتت ايضا…
ثم كرر كلامه وهو ينظر للجميع من حوله: حبسناها ولم نسهر عليها فماتت, وانطلقت دون أن تتدرب وتتعلم, فسقطت وماتت…
نظرت الأم الى أبيها وقالت: لازال الأمل قويا وشابا بداخلك يا أبى,أفهم ما تقول يا أبى.
ردد بولا: وأنا ايضا يا جدي.
وأنت أيضا يا دولاجى, قالها الجد ورفع دولاجى الى صدره في حب وحنان, وقبلها.




#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - أجنحة ضعيفة