أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - لماذا نحتاج إلى تخطِّي التناقض بين نيوتن وآينشتاين؟















المزيد.....


لماذا نحتاج إلى تخطِّي التناقض بين نيوتن وآينشتاين؟


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3418 - 2011 / 7 / 6 - 14:20
المحور: الطب , والعلوم
    


هل "الجاذبية" Gravitation "قوَّة" Force؟

نيوتن أكَّد أنَّها "قوَّة"؛ أمَّا آينشتاين فنفى؛ وفي هذا يكمن أوَّل فَرْقٍ جوهري بين نظريتي نيوتن وآينشتاين في "الجاذبية".

لكنَّ إجابة نيوتن لم تُجِب (ولم تتضمَّن ما يسمح بالإجابة) عن السؤال الذي وَلَدَتْه، وهو "كيف يمكن أنْ يؤثِّر جسم ما (الشمس مثلاً) عن بُعْدٍ بجسمٍ آخر (كوكب الأرض مثلاً)؟".

وهذا الاستعصاء في الإجابة جَعَل "قوَّة" نيوتن، أي الجاذبية بصفة كونها "قوَّة"، مبهمة غامضة.

أمْران آمَنَ بهما نيوتن، فقَادَه هذا الإيمان إلى فَهْم "الجاذبية" على أنَّها "قوَّة"، ولو ظلَّت مبهمة غامضة؛ وهذان الأمْران هما: "القصور الذاتي" Inertia، والانبساط (الاستواء) المُطْلَق للفضاء، أو الفراغ (فنيوتن لم يخطر بباله قط أنَّ الفضاء نفسه يمكن أنْ ينحني ويتقوَّس).

لقد نَظَر نيوتن في حركة أو سَيْر الأجسام (كواكب ونجوم..) في الفضاء، الذي لا يُمْكِنه، بحسب وجهة نظره، إلاَّ أنْ يكون، ويظل، منبسطاً مستوياً، فَوَجَد أنَّ الجسم (كوكب أو نجم..) لا يسير في الاتِّجاه نفسه، أي لا يسير في خطٍّ (أو مسارٍ) مستقيم؛ إنَّه يسير في خطٍّ مُنْحَنٍ (أو دائري، أو بيضاوي). وإنَّه، أيضاً، يسير بسرعةٍ مختلفةٍ متغيِّرةٍ غير ثابتةٍ؛ فكيف لهذا الجسم (قال نيوتن متسائلاً) الذي يسير في فضاءٍ منبسطٍ (دائماً) أنْ يُغيِّر اتِّجاه سَيْرِه (أي أنْ ينحني مساره) وسرعته، زيادةً أو نقصاناً، وهو بخاصية جوهرية ثابتة هي خاصية "القصور الذاتي"؟

لا جواب عن هذا السؤال، يوافِق طريقة تفكير نيوتن، إلاَّ "القوَّة (الخارجية)"؛ فالجسم السائر في فضاءٍ منبسطٍ (دائماً، على ما تصوَّر نيوتن وافْتَرَض) لا يُمْكِنه (بسبب "قصوره الذاتي") أنْ يغيِّر اتِّجاه سيره (المستقيم) أو أنْ يَزيد، أو يُنْقِص، سرعته، إلاَّ إذا أثَّرت به "قوَّة (خارجية)"؛ وهذه "القوَّة" لا يمكن إلاَّ أنْ تكون "قوَّة" الجاذبية، التي هي قوَّة شدٍّ متبادَل بين جسمين (أو أكثر).

إنَّ الشمس (مثلاً) هي التي بـ "يَدِها الخفية، غير المرئية"، أي "قوَّة" جاذبيتها، تَجْعَل جسماً (كان يسير في خطٍّ مستقيم) يدور حولها، وتَجْعَل سرعته (التي كانت ثابتة) تزيد، أو تَنْقُص.

لكن، ما هي "القوَّة" Force؟

قبل نيوتن، عُرِفَت، وعُرِّفَت، "القوَّة"؛ ولقد تواضَع القائلون بوجود "القوَّة" على أنَّها شيء يستحيل أنْ يؤثِّر عن بُعْد؛ فلا "قوِّة" تؤثِّر، أو يُمْكِنها أنْ تؤثِّر، إلاَّ بـ "الاتِّصال"، أو "الملامَسَة".

وهذا ما نراه جليِّاً واضحاً في مثال كرة ساكنة، ثابتة في مكانها، فتضربها بيدكَ، فتشرع تتحرَّك؛ فلو لم تضربها، وتمسها، بيدكَ لَمَا كان لهذه "القوَّة"، التي تمثِّلها يدكَ إذ ضَرَبَت ولامست الكرة، أنْ تؤثِّر بـ "الكرة الساكنة" على هذا النحو المخصوص، أي أنْ تحرِّكها؛ وهذه الفكرة، فكرة "التأثير بالاتِّصال (أو الملامَسَة)"، مَنَعت، زمناً طويلاً، تطوير مفهوم "القوَّة".

إنَّنا الآن في زمن فيزيائي يسمح لنا بغَرْس مفهوم "القوَّة" في تُرْبة "المادية"، والنأي به، من ثمَّ، عن الأوهام المثالية والميتافيزيقية.

"القوَّة" إنَّما هي "تعريفاً، أو في بعضٍ من "تعريفها (الفيزيائي)"، "التأثير" الذي تَحْمِله، أو تنقله، جسيمات (كالجسيم المسمَّى "فوتون") تُدْعى "الجسيمات الحاملة، أو الناقلة، للقوى". و"الجسيم الحامل للقوَّة"، والذي ينبغي له أنْ يكون "عديم الكتلة (كتلة السكون Rest Mass)"، ويسير، من ثمَّ، بسرعة الضوء، ينطلق من جسم، أو جسيم، فيسير في الفضاء، أو الفراغ، فيَضْرِب، أو يصيب، جسماً، أو جسيماً، آخر، "مُفْرِغاً فيه حمولته"، أي "التأثير"، فيتأثَّر (يختلف، ويتغيَّر) الجسم، أو الجسيم، المضروب، أو المصاب، على نحو مخصوص.

و"الجسيم الحامل (أو الناقل) للقوَّة (أو التأثير)" يُمْكنكَ أنْ تتصوَّره على هيئة "كرة متناهية في الصِّغَر" Quantum، تحتوي وتتضمَّن "طاقة". وهذا الجسيم "يَنْبُع" من "منبع"، أي من جسم، أو جسيم، فـ "يَصُبَّ" في "مَصَبٍّ"، أي في جسم، أو جسيم، آخر، بعد أنْ يجري في "مجرى"، هو الفضاء، أو الفراغ، بين "المنبع" و"المصب".

"القوَّة"، في مفهومها "الجسيمي" هذا، لم تَظْهَر في تفكير نيوتن، ولا حتى (على ما أَزْعُم) في تفكير آينشتاين.

لقد نَبَذَ آينشتاين تماماً (في نظريته "النسبية العامة") فكرة الجاذبية بصفة كونها "قوَّة (مبهمة غامضة) تؤثِّر عن بُعْد"، مفسِّراً "الجاذبية" على أنَّها "مُنْتَج لانحناء (أو تقوُّس) الفضاء"؛ فإنَّ عبقرية آينشتاين (في "النسبية العامة") تكمن في اكتشافه أنَّ الفضاء "شيء قابل للانحناء (والانبساط)"، وكأنَّه شيء مصنوع من "مطَّاط".

أمَّا سبب هذا "الانحناء (أو التقوُّس)" فهو "كتلة" الجسم (النجم أو الكوكب..). وينبغي لنا أنْ نتذكَّر (ونحن نَذْكُر "الكتلة") مبدأ "التكافؤ (التساوي)" بين "الكتلة" و"الطاقة"، على ما بسطه وشرحه آينشتاين أيضاً.

إنَّ الفضاء حَوْل (أو في جوار) كتلة نجم (مثلاً) ينحني (كانحناء سطح كرة) فـ "يُرْغَم" الجسم السائر فيه (والذي لا يَمْلِك إلاَّ أنْ يَتْبَع "المسار") على السير في مسارٍ مُنْحَنٍ (بما يتناسب مع درجة أو شدة انحناء الفضاء نفسه). وهذا السَّيْر المنحني هو، من وجهة نظر الجسم نفسه، سَيْرٌ في مسارٍ مستقيم؛ لأنَّه سَيْرٌ في مسارٍ يمثِّل "المسافة الأقصر بين نقطتين".

والجسم لا يُمْكِنه أنْ يسير في مسارٍ مُنْحَنٍ من غير أنْ يصبح جسماً "متسارِعاً".

ومع نَسْبِ هذا "التسارُع (بوجهيه: تغيُّر السرعة، وتغيُّر الاتِّجاه)" إلى "انحناء الفضاء نفسه (والذي تُحْدِثه "الكتلة")"، أخْرَج آينشتاين "القوَّة (المبهمة الغامضة التي تؤثِّر عن بُعْد)" من مفهوم "الجاذبية".

إنَّ الجسم (مع بقائه محتفظاً بخاصية "القصور الذاتي") يتسارَع، وينبغي له أنْ يتسارع، في الفضاء المنحني، من غير أنْ يتعرَّض لتأثير "قوى خارجية"، نعزو إليها هذا التسارُع.

الجسم في الفضاء المنحني ظلَّ محتفظاً بخاصية "القصور الذاتي"، وظلَّ حُرَّاً من تأثير القوى الخارجية، وظلَّ يَتْبَع مساراً هو "المسافة الأقصر بين نقطتين"؛ ومع ذلك، أصبح "متسارِعاً"، سرعته تزيد، أو تَنْقُص، واتِّجاه سيره يتغيَّر. هذا الجسم (المحتفِظ بخاصية "القصور الذاتي"، والذي لا يخضع لتأثير قوى خارجية) ظلَّ يسير في "خطٍّ مستقيم"، أي يَتْبَع مساره المستقيم؛ لكنَّ "المستقيم" نفسه انحنى بانحناء الفضاء، وإنْ ظلَّ يمثِّل "المسافة (المنحنية) الأقصر بين نقطتين".

تخيَّل أنَّكَ في فضاء خالٍ من "المادة"، بعيد عن حقول الجاذبية، غير متأثِّر بها، ويخلو تماماً، في الوقت نفسه، من كل قوَّة يمكن أنْ تؤثِّر بحركة الأجسام فيه.

في هذا الفضاء دَفَعْتَ بيدكَ كرة. هذه الكرة تظل تسير فيه بالسرعة نفسها، وفي الاتِّجاه نفسه، أي في خطٍّ مستقيم استقامة خطٍّ مرسوم على ورقة.

هذه الكرة تحتفظ بخاصية "القصور الذاتي"، فلا تستطيع من تلقاء نفسها أنْ تغيِّر حركتها، مقداراً أو اتِّجاهاً؛ وهذه الكرة تقاوِم، في الوقت نفسه، كل تغيير في حركتها (تحاوِله قوَّة خارجية إذا ما وُجِدَت).

هذه الكرة منقادة لمسار حركتها، تتبعه في استمرار، ولا تستطيع الانحراف عنه؛ وهي، في مسارها هذا، إنَّما تسير دائماً في الخط الذي يمثِّل المسافة الأقصر بين نقطتين.

الكرة نفسها نَقَلْتَها الآن إلى الفضاء الآخر، أي إلى فضاء خاضع لتأثير حقول الجاذبية؛ لكنه يخلو تماماً من القوى الخارجية التي يمكن أنْ تؤثِّر في حركة الأجسام فيه. وهذه الحقول، ولجهة تأثيرها في حركة الأجسام، ليست بـ "قوَّة (خارجية)".

الكرة تتحرَّك هنا في مسارٍ منحنٍ، أو دائري، أو بيضاوي.

ومع ذلك، هي تسير دائماً (هنا) في خطٍّ يمثِّل المسافة الأقصر بين نقطتين؛ إنَّها منقادة لهذا المسار، تتبعه في استمرار. وهذا السير، من وجهة نظرها، هو سير في خطٍّ مستقيم؛ لكن سير الكرة في مسارٍ دائري (هو مسار مستقيم من وجهة نظرها) هو سير متغيِّر الاتِّجاه دائماً؛ وهو، من ثمَّ، سيرٌ يجعلها "متسارِعة".

ومقدار سرعتها يتغيَّر هو أيضاً في هذا الفضاء، الذي يخلو من القوى الخارجية، والذي يتأثَّر بجاذبية ليست بـ "قوَّة" كالتي تصوَّرها أو افترضها نيوتن.

الحركة ضمن هذا الفضاء هي حركة متسارعة؛ إنَّها متسارعة مع أنَّ الجاذبية ليست بـ "قوَّة" كالتي تصوَّرها أو افترضها نيوتن، ومع أنَّ هذا الفضاء يخلو من "القوى"، ومع أنَّ الجسم المتسارع ظل محتفظاً بخاصية "القصور الذاتي.

الفضاء ينحني؛ وحيث ينحني الفضاء أو المكان (وبما يتناسب مع درجة أو شدة انحنائه) ينحني "المسار"، وينحني "الزمان"، أي "يتمدَّد"، أو "يبطؤ".

لكنَّ "النسبية العامة" لآينشتاين، والتي أطاحت جاذبية نيوتن بصفة كونها "قوَّة مبهمة غامضة تعمل وتؤثِّر عن بُعْد"، لم تُجِب (بما يكفي من الوضوح) عن السؤال "كيف؟"، أي كيف تُنْتِج "الكتلة (ككتلة الشمس)" انحناءً في الفضاء الذي تستقرُّ فيه؟

وإجابة هذا السؤال تصبح من الأهمية بمكان إذا ما تواضَعْنا على أمْرين مهمين، الأوَّل، هو أنَّ الجاذبية تأثير ينتقل (في الفضاء) بسرعة تَعْدِل سرعة الضوء، أي بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ والثاني، هو أنَّ الجاذبية تنتقل على هيئة موجات؛ فإنَّ "الكتلة" تشبه حجراً ألْقَيْتَه في بِرْكةٍ، فتموَّجت البِرْكَة من حيث وَقَع الحجر.

و"موجة الجاذبية" الأقرب إلى "المركز"، أي إلى كتلة النجم مثلاً، هي الفضاء الأكثر انحناءً، و"موجتها الأبعد (حتى الآن)" هي الفضاء الأقل انحناءً.

إنَّنا يكفي أنْ نسعى ونجتهد في إجابة هذا السؤال حتى تشتد الحاجة لدينا إلى استعادة شيء من مفهوم "القوَّة".

وهذا إنَّما يعني أنْ نفهم "الجاذبية" على أنَّها "قوَّة (أو تأثير)" يُحْمَل، أو يُنْقَل، على "متن" جسيمٍ ما، عديم الكتلة، ويسير بسرعة الضوء، وأنْ نَعْزو، من ثمَّ، انحناء الفضاء (وتموُّجه) إلى هذا الجسيم؛ ولقد افْتَرَض فيزيائيون وجوده، وسمُّوه "غرافيتون" Graviton.

تخيَّل أنَّكَ الآن موجود في فضاءٍ منبسطٍ مستوٍ، وبغتةً، ظهر "نجم" على مقربة منك. أنتَ الآن تَبْعُد عن هذا النجم الذي ظهر 900 ألف كيلومتر.
إنَّكَ لن تتأثَّر بجاذبيته (أي بموجة جاذبيته) إلاَّ بعد 3 ثوانٍ.

من ذلك النجم انطلقت (وظلَّت تنطلق) سيولٌ من الجسيمات الحاملة للجاذبية والتي تسير بسرعة الضوء، فشرع الفضاء ينحني (ويتموَّج) بدءاً من "المركز"، أي من كتلة النجم.

حتى وصول تلك الجسيمات إليك كان الفضاء عندك منبسطاً مستوياً؛ فلمَّا وصلت إليه انحنى وتقوَّس، متَّخِذاً شكل "موجة". الآن، والآن فحسب، تتأثَّر بالجاذبية، أي بهذا المنحنى الفضائي؛ ولا بدَّ لكل جسم يقع في "محيط الدائرة" نفسه، أي في محيط الموجة، من أنْ يتأثَّر مثلك بالجاذبية.

هذه الموجة هي الآن، والآن فحسب، الموجة الأبعد عن المركز؛ لكنَّها لن تظل الأبعد بعد ثانيةٍ واحدةٍ؛ فالجسيمات الحاملة للجاذبية تظل تسير بعيداً عن "المركز" أو "المَصْدَر"، منتِجَةً مزيداً من التموُّج في الفضاء؛ والموجة الأبعد حتى الآن هي "الأضعف" و"الأقل انحناءً".

بهذا التصوُّر، نتخطَّى التناقض بين نظريتي نيوتن وآينشتاين، فنَفْهَم "الجاذبية" على أنَّها "مُنْتَج لانحناء الفضاء" الذي تسبَّبت به "الكتلة" عَبْر "جسيمات طاقة الجاذبية" المنطلقة منها، في استمرار، وفي كل اتِّجاه. هذه الجسيمات إنَّما تؤثِّر مباشَرَةً بـ "الفضاء (فتَجْعَلَه ينحني)"، وليس بالجسم الموجود، أو السائر، في هذا الفضاء؛ فإنَّ حركة هذا الجسم تتأثَّر مباشَرَةً بانحناء الفضاء.

لكنَّ هذا التصوُّر لن يكتمل ويصح منطقاً إلاَّ إذا تخطَّينا التناقض بينه وبين نظرية "الثقب الأسود".

إذا أقَمْنا ومَدَدْنا جسراً بين "النسبية العامة" و"القوَّة" بمفهومها "الجسيمي"، فكيف لنا أنْ نظل نفهم "الثقب الأسود" على أنَّه "الجاذبية التي لشدتها لا يفلت من قبضتها حتى الضوء"، ولا يفلت من قبضتها، من ثمَّ، حتى "الجسيم (الافتراضي) الحامل لهذه القوَّة"؟!

إذا كان جسيم الجاذبية لا يستطيع الإفلات من "الثقب الأسود" فكيف لجسمٍ ما أنْ يتأثَّر بجاذبية هذا "الثقب"؟!
و
كيف لـ "الثقب" أنْ "يتبخَّر"، فاقِداً مادته، إذا ما كان الضوء نفسه لا يستطيع الإفلات من قبضة جاذبيته؟!

نيوتن وآينشتاين اتَّفقا على أنَّ لكل جسمٍ (لكل كوكب أو نجم..) سرعة إفلات (أو هروب) من قبضة جاذبيته تتناسب و"كتلة" هذا الجسم؛ مع أنَّ سرعة الإفلات من "سطحه" يجب أنْ تتناسب، أيضاً، مع "كثافة" هذا الجسم، أي مع "نصف قطره"؛ فسرعة الإفلات من الجاذبية عند سطح الأرض، والتي هي الآن نحو 25 ألف ميل في الساعة، يمكن أنْ تزداد إذا ما رُكِّزت كتلة الأرض نفسها في حيِّز أو حجم أصغر، أي إذا ما انكمش وتقلَّص طول نصف قطر الكرة الأرضية (مع ثبات كتلتها).

نظرية نيوتن في الجاذبية سمحت لبعض الفيزيائيين بافتراض أو تخيُّل وجود جسمٍ (نجم مثلاً) هائل الكتلة، تفوق سرعة الإفلات من الجاذبية عند سطحه سرعة الضوء، فلا يستطيع، من ثمَّ، الضوء نفسه مغادرته إلى الفضاء الخارجي.

آينشتاين قال هو أيضاً بوجود جسمٍ لا يستطيع حتى الضوء الإفلات من قبضة جاذبيته الهائلة؛ لكنَّه اعتبر أنَّ الجَمْع بين "نجمٍ" وبين "سرعة إفلات تَعْدِل، أو تَفُوق، سرعة الضوء" هو ضَرْبٌ من المستحيل.

لقد فكَّر آينشتاين مليِّاً في أمْر هذا "النجم الافتراضي (التخيُّلي)"؛ ثمَّ تساءل (على ما أتوقَّع وأفْتَرِض) قائلاً: نجمٌ بهذه الجاذبية الشديدة، هل يبقى "سطحه" في مكانه؟

وهل لهذا "السطح" أنْ يظل بعيداً (هذا البُعْد) عن "مركز" النجم؟

مع وجود هذه الجاذبية القوية لا شيء يظل باقياً (ماكثاً، مستقراً) في مكانه أو موضعه؛ فكل شيء ينبغي له (في هذه الحال من الجاذبية الشديدة) أنْ "يتحرَّك وينتقل نحو الداخل". حتى "سطح" النجم ينبغي له أنْ يفعل ذلك. في هذه الحال (من الجاذبية الشديدة المانعة للضوء من الإفلات) ينبغي لـ "الانهيار" أنْ يستمر (أنْ لا يتوقَّف).

و"النتيجة النهائية" لهذا "الانهيار (المستمر، المتعاظِم، المتسارِع) هي زوال النجم نفسه، ونشوء "منطقة (حقل) في الفضاء تنبثق منها جاذبية هائلة"؛ وهذه "المنطقة" هي ما يسمَّى "الثقب الأسود".

إنَّ ما يدفع إلى "الانهيار (انهيار "السطح" وكل شيء)" هو نفسه (لجهة شدته وقوته) ما يمنع الضوء من الإفلات (من "السطح").

"المادة" هي دائماً (وربَّما هذا من خواصِّها الجوهرية) في وَضْع "الانهيار على نفسها"؛ و"الجاذبية" الملازِمة لها وجوداً هي ما يجعلها في هذا الوضع؛ لكنَّ هذا الوضع تلازِمه دائماً قوى مضادة (للانهيار) مختلفة متنوِّعة، باختلاف وتنوُّع حالات وجود المادة.

ونرى هذا واضحاً جليَّاً في حياة النجم؛ فإنَّ كل طور من أطوار انكماشه (التي تُعْزى إلى الجاذبية) يُقاوَم، ويُقْهَر، بقوى مضادة (داخلية) معيَّنة؛ ويستمر النجم بين "مَدٍّ" و"جَزْرٍ"، أي بين "تمدُّدٍ" و"تقلُّص"، حتى تُحْرِز جاذبيته قصب السبق، بعد، وبفضل، "جفاف" تلك "القوى المضادة".

لكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ ولادة "ثقب أسود" من موت "نجم" تُنْهي كل وجود للقوى المضادة للجاذبية في داخل هذا "الوليد"، الذي مهما كان قويَّاً في احتباسه للمادة في داخله لن يتمكَّن أبداً من أنْ يكون في حال "المُسْتَقْبِل غير المُرْسِل" للمادة؛ فإنَّ "جسيمات طاقة الجاذبية" يمكنها؛ بل ينبغي لها، أنْ تنتشر منه في استمرار.

هل كان "الانفجار الكبير" Big Bang انفجاراً لـ "ثقب أسود" في منتهى الضخامة (لجهة كتلته ونصف قطره)؟

أستاذ الفيزياء الشهير جون آرتشيبولد ويلر يميل إلى فهم "الثقوب السوداء" على أنَّها الظاهرة التي قد نعثر فيها على ما يؤسِّس لتعليل، أو تفسير، مختلف لـ "الانفجار الكبير".

لكنَّ أصحاب نظرية "الانفجار الكبير"، والمدافعين عن أركانها، ينكرون إمكانية أن ينفجر "ثقب أسود" عملاق. وهذا إنَّما يعني أنَّ تحوُّل الكون إلى "ثقب اسود" في منتهى الضخامة (لجهة كتلته ونصف قطره) بعد، وبسبب، انهياره على نفسه، لن يؤدِّي إلى "الانفجار الكبير".

لقد عَرَفْنا بفضل هاوكينج، ونظريته المسمَّاة "إشعاع هاوكينج"، أنَّ "الثقب الأسود" قابِلٌ لـ "التبخُّر"، الذي رأى فيه نتيجة تترتَّب حتماً على التفاعل بين "الجاذبية الهائلة" لـ "الثقب" و"الجسيمات الافتراضية" Virtual Particles التي تنبثق من "الفضاء الفارغ" Empty Space في "ضواحيه".

و"التبخُّر" ليس كـ "الانفجار" الذي مال إلى الأخذ بفرضيته جون آرتشيبولد ويلر، والذي تعرَّضت له "البيضة الكونية"، فخَرَج (على يديِّ هذه "القابلة القانونية"، أي "الانفجار الكبير") الكون إلى الوجود (على افتراض وجود وجودٍ قبل هذا "الانفجار").

إنَّ "البيضة الكونية" نفسها، مع "انفجارها"، ومع ولادة الكون من هذا "الانفجار"، لا يمكن فهمها وتفسيرها (إذا ما أرَدْنا البقاء على أرض الفيزياء وعدم مغادرتها إلى أرض الميتافيزياء) إلاَّ على أنَّها "اتِّحادٌ لا انفصام فيه" و"صراعٌ دائم"، في الوقت نفسه، بين "طاقة الجاذبية" و"الطاقة المضادة لها".

وليس من سببٍ فيزيائي (لا ميتافيزيائي) لـ "انفجار" تلك "البيضة" إلاَّ "طاقة الجاذبية" بكثافتها الهائلة.

تلك "الكثافة (لا غيرها)" هي التي أنْتَجَت، أخيراً، "الانفجار الكبير"، الذي لعُنْفِه وشِدَّته وقوَّته أنْتَج ظاهرة "التمدُّد الكوني (أو الفضائي) المتطرِّف في سرعته"؛ فغدا الكون (في طفولته، ولجهة الصلة بين "المادة" و"الفضاء") على هيئة "جُزُرٍ (هي "كُتَل المادة")" في "بحر (هو "الفضاء") واسع يزداد اتِّساعاً"؛ ولقد ترتَّب على ذلك أنْ هيمنت "الجاذبية" موضعياً، أي في مواضِع تركُّز "المادة"، والتي شبَّهناها بـ "الجُزُر"؛ وترتَّب عليه، أيضاً، أنْ تعاظَم شأنْ "الطاقة المضادة (للجاذبية)"، والتي تسمَّى "الطاقة الداكنة" Dark Energy، في الفضاء الواسع والذي يزداد اتِّساعاً بين تلك "الجُزُر" أو "مواضِع تركُّز المادة".

الهيمنة "شبه المُطْلَقَة" لـ "طاقة الجاذبية" ضِمْن "البيضة الكونية" تسبَّبت، أخيراً، بـ "انفجارها"، وبولادة الكون، وتمدُّده؛ ولسوف تتسبَّب الهيمنة "شبه المُطْلَقَة" لـ "الطاقة المضادة (للجاذبية)"، وهي "الطاقة الداكنة"، بـ "انفجار الكون نحو الداخل (هذه المرة)"، وبانهياره على نفسه، وصولاً إلى "بيضة كونية ثانية (أو أخرى)".



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردود على ردود
- معالي الوزير.. سعادة النائب!
- في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخلق من العدم-!
- هذه هي خُطَّة بشار للبقاء!
- هذا المسخ والتشويه ل -مادية- المادة!
- هذا التشويه لحقيقة الثورات العربية!
- الفصل بين -الرأسمال- و-الصحافة-!
- -الاقتصاد السياسي الإسلامي-.. حديث خرافة!
- -حزب الله-.. هل اختار أنْ يشارِك بشار مصيره؟!
- -حُرِّيَّة الإرادة- بين -الدِّين- و-العِلْم-!
- هكذا تكلَّم الرئيس بشار!
- في الحركة والسكون
- ميثولوجيا عربية تسمَّى -الإصلاح-!
- المشتبهات في حرِّيتنا الإعلامية!
- في فلسفة -الراتب-!
- الأُمَّة بصفة كونها -مَصْدَر السلطات-!
- سورية.. حتى لا يتحوَّل -الربيع- إلى -خريف-!
- -الاقتصاد السياسي- للإعلام!*
- جبريل يقود -الفرقة الرابعة- في مخيم اليرموك!
- ما معنى -أيلول- المقبل؟


المزيد.....




- حبوب منع حمل ذكورية.. هل يُقبل الرجال عليها؟
- تراجع أرباح الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال 21% في 2023 ...
- لماذا يتوجه المعماريون للدمج بين الطبيعة والبناء؟
- لافروف يوصي الأوروبيين بقراءة غوغول ودوستويفسكي
- باحثون -يزرعون الجلود ويصبغونها- في الوقت نفسه.. السر في الب ...
- العمليات التشغيلية في مطار دبي الدولي تعود إلى وضعها الطبيعي ...
- العمليات التشغيلية في مطار دبي الدولي تعود إلى وضعها الطبيعي ...
- “الطبيعة تكسب دايمًا” .. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجديد ...
- “نزلها واستمتع بمشاهدة ممتعة” .. تردد قنوات mbc الجديد مجانً ...
- “من هُنـــا رابط مفعل” .. دفع فاتورة التليفون الأرضي بالخطوا ...


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - لماذا نحتاج إلى تخطِّي التناقض بين نيوتن وآينشتاين؟