أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي شكشك - تحررت الجزائر، فهل تحرر الغزاة؟















المزيد.....



تحررت الجزائر، فهل تحرر الغزاة؟


علي شكشك

الحوار المتمدن-العدد: 3418 - 2011 / 7 / 6 - 00:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لجنة الحرية لاسرى الحرية فى الجزائر
ملف خاص فى الذكرى التاسعة والاربعون لاستقلال الجزائر
الافتتاحية
الاستقلال
تحررت الجزائر، فهل تحرر الغزاة؟
علي شكشك
هو التعبير النهائي لتلك الحالة التي نكمل فيها عبور الهوة المستحيلة في داخلنا، حين نتجاوز مطلق مخاوفنا ونعبر اللحظة الحرجة التي ننتصر فيها في ميدان النفس على النفس وترجح رغبة الإنسان فينا على مجرد العيش لنصبح أكبر من الحياة ذاتها ونتجاوزها إلى الحرية، حينها تصبح التضحيات المتوقعة في الميدان أقل بكثير من الإنجاز الذي عبرناه فينا وقد أصبحت الحرية بطعم هذه الحياة، إذ ليس الاستقلال إلا أحد مفردات الحرية التي تحققت سلفاً في العميق من أغوار الروح ولم تعد بلورتها في المحيط الخارجي على الأرض إلا مسألة وقت، فقد حُسِمَ الأمر من قبل هناك في الميدان الأهم، ميدان الإرادة،
وهو في المقابل التعبير الأول لجوهر الخلق، كلِّ الخلق من الذرة حتى الإنسان، لتكون كلُّ مفردةٍ مستقلةً بذاتها وحرَّةً في كينونتها، نبتةً تستنشق النور وتزهو بحريتها في الأرض والماء والهواء وبحريتها الكاملة تمنح ثمارها وعسلها وتغرد كما تشاء، مع فارق أنَّ الخالق قد كرَّمَ الإنسان وفضله على كثير من خلقه تفضيلا، مما جعله أهلاً لحمل ألأمانة وأفاض عليه من التميز والاستقلال والحرية حين منحه المشيئة التي تضفي حرية على الحرية واستقلالاً على الاستقلال، وميزه بأشواق الروح حيث الحرية الكاملة والحصانة الشاملة التي لا يطالها غيره مهما استبدّت أدوات قمعه، ولقد كانت الكرامة حارسة وضامنة لاستمرار هذه المعاني، ترفض أن تُمَسَّ أو تُمتهَن، مسباراً لكل ما يخدشها، ومستفزّةً لكل آليات الدفاع عنها، عن هذا التكريم الذي خصّه الله إياه،
وبين التعبير الأوّل والتعبير الأخير قد يحدثُ التعدّي فتفرض بعضُ الشعوب إرادتَها ضدّ بعض الشعوب الأخرى بفضل وسائل الدمار المتقدمة أو بفعل تفوقها العددي، كما يذكر فرانز فانون، ذلك أن الغريزة الكولونيالية تقوم على العنف وتترجم انحرافاً عن المفهوم الأوّل لجوهر الخلق الحرّ المستقل بكينونته والمتساوي بهذه السمة مع غيره من البشر، وهو بهذا التعدّي يكشف عن انحراف يمتد إلى الجانب النفسي ويسعى للاستعلاء على أبناء جنسه وإشباع رغباتٍ تكون قد تملكته هو سلفاً وأسقطته في دركها واستعبدته قبل أن يشرع هو في استعباد شعبٍ آخر، ولذلك فهو يلجأ إلى صياغة منظومة كاملة تتجاوز العنف المادي إلى العنف النفسي وتتجاوز ارتهان الحاضر إلى الماضي والمستقبل وتتجاوز الممارسة إلى النظرية "حين تصوّرُ أيديولوجيا الغزاة الشعبَ المستعمَر على أنه شعبٌ توقف عن التطور ولا يستوعب العقل وعاجزٌ عن إدارة شؤونه بنفسه ومحتاجٌ على الدوام لحضور من يديره ويقوده"، "وهذا النظام المفروض بالعنف لا يمكن له إلا أن يكون وفياً مع ذاته" فيغرق في دوامة العنف التي لا يملك غيرها والتي ترهن استمراره بمقدار ما يختزن من قدرة على استخدام هذا العنف، والذي سيولد لدى المستعمَر آلياتِ المواجهة "غضبا يفتش عن تعبيرٍ له" على حدّ تعبير فانون، ذلك أن مسبار الكرامة المكنونة بفعل التكريم الرباني لا يقبل ولا يستقيم مع التعبير الأول لجوهر الخلق ولا ينسجم إلا باستعادة ذاته وحريته واستقلاله الذي فُطر عليه، فيكون ما يكون، وقد كان، حين تصبح الحرية والكرامة أكبر من الحياة ذاتها وتهون التضحيات أمام عدوٍّ مأسورٍ مستعبَدٍ لشريعة النهب والعنف والظلم والعنصرية والاستعلاء، لقد استقلت الجزائر وتحررت، فهل تحرر الغزاة؟.
******

وثيقة الروح
"استقلال الجزائر"

ع ش
الحضارات أوانٍ مستطرقة, لا يكفي أن تتسم بالقدرة على البطش والإفساد, هذا إن لم يكن هذا عينُه دليلَ همجيتها, وشفيعَ نزعِ السمة الحضارية عنها, فهكذا كان المغول والتتار رغم ما فعلوا من بطش وحرق وتدمير, فقد انتهوا وذابوا وتبخّروا مع الأثير, "فهل تُحسُّ منهم مِن أحدٍ أو تسمعُ لهم رِكزا", فكان لابد من فصلٍ أخير تستعيدُ فيها الأمورُ سياقَها بفطرة الأشياء المجبولة على الحرية, ورفضِ الظلم والاستغلال والعبوديّة, وهو دأبُ الذّرّات والكائنات الحيّة, وهي نفسُ الحرّيّة الكامنة في المجرّات, وهي نبضُ القلب وفسحةُ الروح وشرطُ الحياة.
وبذا فإنَّ المساسَ بها يعني بداهةً انتفاءَ شرط الوجود الأوّل, وهل يُمكن أسرُ البحرِ والسماء, فكيف إذن بما طواهما وَوَسِعَهُما, وسعى لِلـ ما وراء, أقصدُ روحَ الإنسان, فكيف إذا كانت هذه الروحُ ذاتَ سماتٍ حضارية متميزة ومستعلية ومتفوقة على الغازي المستعمِر, وذاتَ شأنٍ وتاريخٍ وثقافةٍ مستنيرة أبيّةٍ, ومستعصيةٍ على الدّنِيّة,
لكنّ الغريبَ أنْ يكونَ هناك مَنْ يُفكّرُ ويحلم ويخطّط ويَسعى للنهب والسرقة والظلم واستعباد الشعوب ونهب خيراتها وحرمان أهلها من أملاكهم وتوزيعها على أفراد العصابات الوافدة من ما وراء البحار, أيُّ نفوسٍ هي تلك النفوس, وكيف يُمكنُ أنْ يقرَّ لها قرار, وهنا, في هذه الديار, يتماهى الإنسان بِحُرّيّةِ الصحراء, ولا يحدُّه البحرُ, وهو الذي ركبه, وجعلَه لُعبتَهُ, والجبلُ أحدُ تضاريس روحه, مداهُ لا نهايةٌ, وأفقُه الفضاء, وبيتُه العتيقُ حدُّ شوقِه, وقدسُه معراجُه إلى السماء, فما تقولُ فيمن افترى وجاء؟, غيرَ الظلامية والجهل والغباء,
لكنّه قد جاء, ومنذ يومه الأول ابتدأ الفساد ولإفساد, بجرعة زائدةٍ لعلها تحسمُ الأمور وتصلُ الرسالةُ وتنكسرُ الأرواح وتستسلمُ النفوس ويطيبُ له ولها المقام, لكنّ هذا اليومَ الأول طال واستطال لأكثر من خمسين عاماً في إشارةٍ ذات دلالة إعجازية, بل لم تهدأْ لحظةً واحدةً مظاهرُ الرفض والإباء, وعمد الشعب إلى تخزين ومراكمة وتطوير وإبداع أدواتٍ تعجزُ بصيرةُ العميان عن إدراكها, وقد حجبَتْها عنهم قراءتُهم الآثمة لمعنى الحياة, وعمدوا ـ وقد ظنّوا أنْ قد استقرَّ الحال ـ إلى الإيغال في الضلال, بإلحاق الجزائر حديقةً لخدمةِ السّيّدِ المُختال, وإلغاءِ هويتها وذاتِها وكرامتها وشخصيتها وملامحِها الحضارية, جاهلين بعمى البصر والتقدير والبصيرة أنّه بكثيرٍ قبل العصور الغربيّةِ والتنوير, كان هنا امرأةٌ متنورةٌ بحجم زنوبيا وكليوباترة وذكاء وفطنة وحكمةً بلقيس, تقودُ الجيوش, وتسوسُ النفوس, ديهيا الجميلة, الكاهنة الجزائرية الأمازيرية, والتي تواصلَتْ في مسامات التاريخ إلى أنْ رأَوْها بأمِّ أعينهم مجسَّدةً في لالّة فاطمة نسومر التي وُلدَتْ في نفس العام الذي وطئوا فيه شاطئ سيدي فرج, الطاهر الشريف, وهي أختُ العالم سي الطاهر, وهي ربيبة العائلة المتعلمة, وهي العالمة المتفقهة وبنتُ الزاوية الرحمانية, وبنتُ سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الطريقة الرحمانية, وأمُّها لالة خديجة التي منحَتْ اسمَها للجبال في جرجرة, فلعلهم لا يدَّعون أنهم جاؤوا إلى هنا في مهمَّةٍ حضاريّةٍ تعليمية, وقد علَّمَتْهم لالة فاطمة دروسَ البطولة والحنكة والفروسيّة والدراية في إدارة المعارك, إذ لم يكونوا أهلاً لِتُعَلِّمَهم دروسَ الحكمة والتصوف والأدب, وأوقعَتْ بهم وبجنرالاتهم هزائمَ نكراء, كان منهم الجنرالان زوندوف ويوسف التركي, وقتلتْ الخائنَ الجودي بيدها, وأنقذَتْ من الموت المحقَّقِ زميلَها في السلاح الشريفَ بوبغلة, وقد تواصلتْ هجماتُها وانتصاراتُها بنواحي يللتن والأربعاء وتخجلت وعين تاوريج وتوريرت موسى, حتى جاء الجنرال روندون وجنَّدَ جيشاً من خمسة وأربعين ألف رجل معززاً بدعم قوات الجنرال مكمهون التي جاءت من قسنطينة, وكان المشهدُ الذي يُلَخِّصُ الحكايةَ حين التقى الجمعان واحتدمَ السيفان, وبرزَتْ لالة فاطمة نسومر في مقدمة الجمع كأبهى ما يكونُ المعنى في لباسها الحريري الأحمر, ولم ينتِه الأمرُ إلا بمفاوضاتٍ واتفاق, ثُمّ غَدْرٍ {كالعادة} مِن السلطاتِ الاستعمارية, فقد أُسِرتْ رغم الاتفاق, وأُبعِدَتْ, إلى أنْ وافتها بعد سبعِ سنواتٍ المنيّة, وقد كان كلُّ هذا وعمرُها ثلاثٌ وثلاثون سنة ميلاديّة,
وهل كان يمكنُ لأولاد قلعة سلامة حيث اعتزل ابن خلدون ليكتبَ مقدمتَه, أن يقبلوا بالضيم, وهل توقَّعَ المستعمِرُ أنَّ أحفادَ عُقبة سيقبلون لحظةً واحدةً ويستسلمون ويسلِّمون, كيف وأجدادهم قد جابوا البحارَ وما وراء البحار لتحريرِ الأقوام, من ربقة العبودية والجهل والظلام, دونما طمعٍ في نهب واستغلال أو استعباد, فهم الذين فتحوا الأندلس, ووهبوها للنور والحرية والمجد, فعشقَتْهم الأماكنُ وتعلَّقَتْ بهم, واستعارت أسماءهم ومجدَهم, فأصبحَ الجبلُ أحَدَ آثارِ طارق, والمضيقُ ملحقاً به,
فمَنْ هؤلاء إلا أحفاد هؤلاء, فلو تصوَّرْنا أنَّ طارق بن زياد سيقبل بالعبودية, لَتَحَطَّمَ الجبلُ واختنقَ المضيق, فكان كلُّ الجزائريين طارق, وكانت كلُّ الجزائريات لالة فاطمة نسومر, وما حسيبة وجميلة إلّا عيناتٍ ماجِدات,
وقد ركَّز المستعمِرُ جهدَه على المرأة, وقد عبَّأت قوى الاحتلال لمعركتها على المرأة أغزر مواردها وأكثرها تنوُّعاً, ووضعَ نظريةً سياسية محدّدة "إذا أردنا أن نضرب المجتمع الجزائريَّ في صميم بنيته وفي قدراته على المقاومة فيجب علينا قبل كل شيء كسبُ النساء", وإذا كانت "البنات مرايا البلاد على القلب", كما يقول محمود درويش, فإنها تصبح شارتَه ورمزَه ومغلاقه ومفتاحه, وباختصار كُلُّ الوطن, ولهذا وكما يقول فرانز فانون؛ "إنَّ هناك عدائيةً متبلورةً تتجلَّى في درجة العنف لدى الأوروبي إزاء المرأةِ الجزائرية, فنزعُ الحجاب عن هذه المرأة هو كشفُ جمالها للأنظار, وهو هتك سرِّها,وتحطيمُ مقاومتها, وجعلُها رهنَ الإشارة للمغامرة, وإنَّ إخفاءَ الوجه هو أيضاً إخفاءُ سرها, وهو إحلالُ عالمٍ من الأسرار ومن الخفاء, وهكذا يعيشُ الأوروبي في مستوى شديدِ من التعقيد صلتَه بالمرأة الجزائرية, تتملكه رغبةٌ شديدة في جعل هذه المرأة في متناول يده, وفي أن يصنعَ منها متاعاً, امتلاكُه محتمل",
وهذه الحال ليست إلا ترجمةً لرغباته إزاء الجزائر, فالمرأة ليست في أغوار الروح إلا الوطن, فهي التي تلدُه وترضعه وتهدهده وتربيه وتحتمي به, ثم حين يجبُ, تصونُه وتحميه,
"وعندما شنَّت السلطاتُ الاستعمارية حملةً لجعل المرأة الجزائرية تأخذ بأسباب الحضارة الغربية وهُدِّدَت خادماتٌ بالطرد وجُذِبت نساءٌ مسكينات من منازلهن, واقتيدت سيداتٌ إلى الساحات العامة لِيُنزعَ عنهن الحجابُ في جوٍّ من هتافات تحيا الجزائر الفرنسية, وأمام هذا الهجوم فإنَّ نساءً جزائرياتٍ سافراتٍ منذ زمن طويل وبصورةٍ عفوية وبدون أوامرَ قد عاودن ارتداءَ الحجاب, مؤكداتٍ, هكذا, أنَّ المرأةَ الجزائرية لا تتحرّر بدعوةٍ من فرنسا ومن الجنرال ديجول"{فرانز فانون}.
"وقد تكررت لعبةُ خلع وإعادة الحجاب في مراوغةٍ أربكت المستعمِر, وأصبح الحجاب يُستخدمُ كآلةٍ يُحَوَّلُ إلى فنٍّ في التمويه ووسيلةً للكفاح"{فانون},
وقد أصبحت رغبةُ المستعمر في نزعِ الحجاب آليةً معقدةً من السخرية من المستعمِر, وتأكيد استقلال الذات, إنها حربٌ معقَّدَةٌ وشاملة, وإنَّ بداهةَ الإبداع لدى المرأةِ الجزائرية لم تخطر على بال الكولون, في تأكيدٍ متجدّدٍ على أن لالة فاطمة نسومر –رغم عدم زواجها- فهي متناسلةٌ في كل الجزائريات,
"وإنَّ الشجاعةَ التي تُظهرها المرأةُ الجزائرية في الكفاح ليست ابتداعاً غير منتظَر أو نتيجةً لِتحوُّل, بل هو جواب الدعابة الساخرة في المرحلة التمرُّديّة"{فانون},
لقد سَخِرَ الجزائريون من المستعمِر, ومن حلمه, وكيّفوا سخريتَهم طول الوقت وفق الكيمياء التي تسمح بها معادلةُ البطش والمجازر, بل لقد تجاوزَتْ سخريتُهم كلَّ حدٍّ وهم يَهبّون للجهاد إلى فلسطين ويعقدون الندوات ويجمعون لها التبرعات, وكأنّهم قد تجاوزوا إنجازَ استقلالهم, ولم يعُدْ تحقيقُ الأمر إلا مسألة وقت ما داموا قد قرروا,
لقد بدأت معركةُ الحرية في الخامس من جويلية عام ألف وثمانمائة وثلاثين, وخاضها كلُّ فردٍ في هذه البلاد, وكلُّ شيءٍ فيها, وكانت الجزائر طولَ الوقت مستقلة, بمعنى أنها لم تَتْبعْ ولم تخضع لحظةً واحدة, فلم تتبدل الأشعارُ, ولا اتجاه القبلة, ولا الأسماء, ولا العواطف, ولا الحايك, ولا الأهازيجُ, ولا الزغاريدُ, ولا رقصات الرجال, ولا آيات التنزيل, ولم تكن الثورة والقنابلُ إلا ترجمةً عنيفةً لنغمات وتميُّز الزغاريد الجميلة مِن حناجر مَن يلِدْنَ البلاد, فهل كان يمكنُ أنْ يكونَ إلا ما كان, أن يخرج الكولون من سياقٍ مستقلٍّ عنه وعصيٍّ عليه, ولو طال الزمان, فقد كان عليه أن يتقهقر إلى نفسِ النقطة التي بدا منها .. الخامس من جويلية, وإلى نفس المكان .. شاطئ سيدي فرج, لينكفئَ هناك, في عملية إقلابٍ للتاريخ, خرج منه بكل الخزي والعار, محملاً بما لا يمكن حصرُه من الأوزار, تاركاً ما لا يليقُ به لأهلِ الدار, المجدَ والفخار, وأكاليلَ الغار, ومائة واثنين وثلاثين عاماً بالتمام وبالكمال, شاهدةً عليهم, أنه لا بُدَّ مهما طال الليلُ من نهار,
وسَجَّلَ الجزائريون وثيقةً للروح, ووقّعوها بالدّم المسفوح, لِكُلِّ مُعَذَّبي الأرضِ والمظلومين, أنّه لا مستحيل .. وأنّه مهما استوطنَ المستوطنون .. من قدسِنا سيخرجون.
*******


أن تحيــا الجــزائــر
بسام الهلسه

إلى شهداء وشهيدات حرية الجزائر
مع أمنيات صادقة للشعب الشقيق باجتياز
آلام البناء، والنمو، والاختيارات الصعبة
كما إجتاز من قبل آلام الولادة الضـارية
وأن تسترد الجـزائـر عـافيتها ودورها،
مثلما استعادت بالثورة روحها وذاتها وإرادتها ووطنها

لم يلحظ "البيركامو" الشبه بين سلوك "ميرسو"، بطل قصته "الغريب"، وسلوك بلده فرنسا إزاء الجزائر.
أطلق "ميرسو" النار على العربي لسبب سخيف: لأنه وقف بحيث حجب عنه ضوء الشمس! مثلما احتلت فرنسا الجزائر بدعوى أن حاكمها "الداي حسين" أهان مبعوثها!؟
ومثل "ميرسو" –الذي لم يشغله موت أمه، بقدر ما انشغل بوقت وصول البرقية التي أبلغته بذلك، كانت فرنسا ميتة الإحساس إزاء مصير الجزائر, فيما انهمكت بدأب متواصل بقتل شخصيتها الحضارية ونهب ديارها وثرواتها.
لكن فرنسا لم تكن غريبة شأن "ميرسو" "كامو" الغريب". وحادثة مبعوثها الذي لطمه "الداي" بمنشة كما قيل، لم تكن سوى ذريعة لقرار إتخذ فتم إنفاذه. وما من جدوى ترجى من "السؤال" عن مدى "مشروعيته" أو "ملائمته" لشعارات ثورتها: (الحرية، الإخاء، المساواة)، أو "علاقته" بفكر "عصر الأنوار" وعقلانيته.
فـ"القوي عايب" كما يقول أهل حوران
و"السؤال" –إستفهامياً كان أو إستنكارياً- يليق فقط بالطيبين البلهاء الذين نشهد أمثالهم في أيامنا يحتجون (بغضب) على (ازدواجية معايير) أميركا وتعارض أفعالها مع مزاعمها عن حقوق الإنسان والديمقراطية ,
فمثلما لا تتغير طبيعة الذئب باختلاف لونه، ظلت فرنسا أمينة لغريزتها وشهيتها التوسعية الاستعمارية في كل العهود: الملكية والجمهورية والإمبراطورية
وهي شهية نلحظ علائم الحنين لها تطل من عيني رئيسها "نيكولا ساركوزي" الذي اكتشف أهمية وضرورة "الدور الفرنسي في العالم" بالتعاون مع أميركا
* * *
كان غزو الجزائر في العام 1830م، هو الغزو الثاني الذي تقوم به فرنسا لبلاد عربية بعد غزوة مصر النابليونية المخفقة عام 1798م. وشيئاً فشيئاً بسطت احتلالها على الأرض الجزائرية ودفعت إليها تباعاً بالمستعمرين الذين استولوا على أخصب الأراضي الجزائرية، فحولوا معظمها إلى كروم عنب على شرف صناعة "النبيذ"
وإذ أعلنت فرنسا أن الجزائر قطعة منها، فقد عملت كل جهدها لمحو شخصيتها الحضارية (العربية- الإسلامية)، بالتدمير المنهجي لمدارس ومراكز التعليم العربي، وبفرض اللغة والثقافة الفرنسية على البلاد: لتأبيد بقائها من جهة، ولقطع تواصل الجزائريين مع مجالهم الطبيعي: العربي-الإسلامي
ولئن كان ممكناً –وقد حدث هذا ويحدث بالفعل- تصنيع وإستنبات قادة، وحكومات، وأحزاب، وحتى "دول"، بقرارات يفرضها الأقوياء، فإن الأمم وهوياتها وشخصياتها الحضارية أمر آخر لا يمكن تلفيقه بقرارات
فالأمم وشخصياتها الحضارية تتكون في سياق تفاعل مركب مديد: تاريخي، روحي، ثقافي، اقتصادي، جغرافي... وتنشأ وتنمو في الفضاء الطلق للحياة المشتركة, لا في مختبرات ودفيئات المهيمنين
لذلك، وبرغم إمكانياته المحدودة وضعف وخذلان "الدولة العثمانية" له، قاوم الشعب الجزائري (بعربه وأمازيغه) المستعمرين محبطاً محاولاتهم لتفرقته وتمزيقه. وتواترت ثورات وانتفاضات أجياله ومناطقه المختلفة خلال القرن التاسع عشر ذوداً عن الهوية والحرية والوطن
ويحتفظ التاريخ بذكريات ناصعة لثورات: "الأمير عبدالقادر" و"الشيخ الحداد" والمتصوفة "لالا فاطمة" (السيدة فاطمة) التي أطلق عليها بعض الفرنسيين اسم بطلتهم القومية في الحرب ضد الإنجليز، فلقبوها بـ"جان دارك" القبائل
وبنتيجة التفوق الاستعماري الساحق، والخسائر الفادحة التي لحقت بالجزائريين، وتردد وتقاعس وتواطؤ بعض فئاتهم، هزمت فرنسا أخيراً المقاومة. ومر وقت قبل أن يرمم الشعب بعضاً من قواه ويستأنف الجهاد، فتأسست الجمعيات والمنتديات والمدارس والصحافة والأحزاب السياسية التي كرّس معظمها لمواجهة الفَرْنَسَة، ولبعث وإحياء روح وشخصية الجزائر التي عبّر عنها ولخصها رئيس "جمعية العلماء المسلمين في الجزائر" الشيخ: "عبد الحميد بن باديس" ببيت الشعر الشهير
"شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب"
لكن المراهنات على حل سلمي عادل للقضية الجزائرية، والآمال المعولة على استجابة فرنسا للمطالب الوطنية للجزائريين، تبددت المرة تلو المرة. وكان جزاء نصرتهم لفرنسا الحرة خلال الاحتلال النازي لفرنسا، ومشاركة بعض من أبنائهم في مهمات الجيش الفرنسي، هو الإصرار المتعجرف على "فرنسية الجزائر" وعلى المعاملة الاستعلائية العنصرية التمييزية بحقهم
وسقط عشرات الآلاف منهم ضحية للقمع الوحشي للمظاهرات والمسيرات التي انطلقت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية منادية بالحرية والعدالة
* * *
ولما كانت الحرب العالمية الثانية قد انهكت الإمبراطوريتين الاستعماريتين: (بريطانيا وفرنسا) فقد تحفزت الشعوب المُسْتَعْمَرَة للنضال التحرري، فظفرت تباعاً باستقلالها: سورية ولبنان، الهند وباكستان، كوريا، الصين، ومصر التي عززت ثورة 1952 من استقلالها وتوجهاتها التحررية العربية
وكان لهزيمة فرنسا في معركة "ديان بيان فو" -1954- الفاصلة في فيتنام، أصداؤها القوية في عقول وقلوب الشباب الجزائريين الذين كان تيار منهم قد تبيَّن عقم وعبث الكفاح بالوسائل السلمية، فحسم أمره وشرع بالإعداد للسير في الطريق الوحيد الممكن لخلاص الجزائر وتحقيق استقلالها وبناء دولتها السَّيدة
وفي الفاتح من نوفمبر –تشرين الثاني 1954- دوّى الرصاص المُحرر لـ"جيش التحرير الوطني" في مواقع متعددة من الجزائر، معلناً إنطلاق الثورة وولادة إطارها السياسي "جبهة التحرير الوطني" التي أذاعت بيانها الأول المحدد لمبادئها وأهدافها
ومثل الرصاص المبشر بالحرية، تعالى النشيد الوطني للشاعر (مفدي زكريا) الذي إحتضنته الأمة العربية كلها ورددته بعزم

قسمـاً بالنـازلات المـاحقـــات
والدمـاء الزاكيـات الطـاهـرات
******
نحـن ثـرنـا فحيـاة أو ممـات
وعقـدنا العـزم أن تحيـا الجزائر
فـاشهدوا.. فـاشهدوا.. فـاشهدوا
* * *
لم تمض ثمانية أعوام، حتى كانت الثورة قد وضعت خاتمة أطول استعمار عرفه العرب في تاريخهم الحديث ودام 132 عاماً.
وفي تموز –يوليو 1962 أنجزت الجزائر استقلالها بعد آلام ولادة رهيبة، لتبدأ من بعد رحلتها الصعبة مع آلام البناء، والنمو، والاختيار، والتحول، والحياة.
[email protected]
*********

حينما بكت الجزائر فلسطين
عبدربه العنزي
على ذروة جبل الشريعة في البليدة أخذت انظر إلى المروج والروابي والتلال المحيطة .كنت أرى نفسي في أعالي جبال الجليل شمال فلسطين.فتأخذك عظمة الإحساس وأنت تحلق في أعالي جبال عزيزة واعتدال الروح في سموها.
هناك شيء ما بين هذه الأرض في الجزائر وبين فلسطين،منذ ستة أشهر وأنا في الجزائر أحاول أن أتلمس دلالة هذه العلاقة،وأحاول الوقوف على أوجه الشبه بين صورة الجزائر وصورة فلسطين،لا التقط بيقين ما سر الحميمية بين هنا وهناك،ولكني على يقين بان هناك ما يكوننا معا.
أحيانا أفسر أن تشابهنا مرده إلى تكوين انفعالي شكلته عقود من المأساة والوجع العميق وظروف استعمار فرنسي وصهيوني مارسا قسوة على كلا الشعبين بشكل لم تشهده شعوب اخرى،إن كمية القوة المفرطة وأصناف التنكيل الذي تعرض لها الشعبين،دفعا إلى تبلور سمات مزاجية ونفسية متقاربة،فالحساسية والاعتزاز بالنفس والمزاج الحاد والاندفاع نتاج تكوين تاريخي لظروف مجتمعية متشابهة.
حينما ابحث عن التفاصيل واجد ما يشبهنا،اكتشف تفاصيل أخرى-ربما أكثر أهمية-فأبدأ رحلة الاكتشاف مرة أخرى،ما الذي يجعلني مصرا على وجود التشابه بين الفلسطيني والجزائري ولدرجة التطابق في أحيان كثيرة.
هل هو سحر الجزائر في اخضرار سهولها ،ودفء شطانها،دلال أشجارها الباسقة،تموج وديانها،نار صحرائها،هي صور لطبيعة تتجلى بأرشق تعبيرات للبصر،يستأنس الموجوعون بجمالها، هنا اكتشف أشياء من جنات فلسطين التي سرقت.
لقد ترددت طويلا أن أعلن حبي للجزائر ،ليس شكا بهذا الحب ،ليس غرور العاشقين،وليس خجل المحبين،ولا هو كتمان عفة،إنما نحن الفلسطينيون كتب علينا أن نعلن دوما عن وافر الشكر لهذا الشقيق أو ذاك حتى لا ينقطع عنا دعمه،أو يفلت علينا شره،أو يرتاب من أمرنا، مما يضر بقضيتنا ويشتت انتباهنا عن عدونا،انه شكر تفرضه نواميس السياسة وواجب الأدب،خشيت أن أعلن حبي للجزائر ،فيظن بي الظانون أنني امضي على سيرة المجاملون.لذلك ترددت،وفكرت،وأحجمت طيلة الشهور الماضية أن أقول للجزائر أني احبك،ربما الآن جاءت لحظة البوح كما هي حال العاشقين المتعبين بسرهم الكبير .
حب تلمسته يداي في الجزائر التي تحب فلسطين بلا نفاق،إحساس بان بيننا وبين الجزائر ملحمة دم متشابهة، انتهت هنا في مشاهدها الأخيرة بإعلان انتصار دم الجزائر على بندقية الجلاد الفرنسي،لكنها لم تكتمل هناك في فلسطين فما زال الوريد يضج بالدم الزكي الطهور بلا توقف أو انقطاع.هنا ثمن من الشهداء لم تكرره تواريخ الثورات أو الشعوب،حجم مفرط من بنادق القتلة ضد الجزائر،هناك في فلسطين ثمن سخي تدفعه كل شجرة زيتون،كل حجر شيده تاريخ الآباء،كل لحظة هناك تؤذن باقتراب موت وجنازة.
هنا يقابلك الجزائريون صغارا كبارا ومن كل الطبقات وبكل لهجاتهم من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، أهل السهل والجبل والوادي،لتعلم بيسر ان الجزائريين يتوارثون الكرامة وحب فلسطين،هناك يمكنك أن تسال أي فلسطيني حتى الذين لم يدخلون المدارس ليقولون لك أن الجزائر بلد الشهداء والثورة الحمراء،هناك يتعلم الفلسطينيون بشكل يومي درس الدم الجزائري الذي سال زكيا فأينع وردا في ضفاف المقل ،أو حصة لتدريب الفلسطيني على الموت بلا دموع في تقوس الخدود.
قال لي سائق الأجرة البسيط الذي ركبت معه:"نحن كما قال الرئيس الراحل بومدين مع فلسطين، ظالمة أو مظلومة"،هي نفس الجملة التي قالها لي صاحب المتجر،نفسها التي قالها لي عاطل عن العمل في مقهى،وقالها لي طالب جامعي،والرجل المسن الذي جلس بجواري في حافلة النقل،هل هي مصادفة أن يحفظ كل هؤلاء الناس نفس الجملة؟أم هي ثقافة حب لفلسطين وأرضها؟ أليست هي شيم الكرام الذين لا يرضون ضيما لأرض الإسراء والمعراج.
ألا يكللني هذا الإحساس بالمجد وأنا امتلك محبة من هؤلاء الأباة ؟أليس ميزة أن تحبني الجزائر كفلسطيني بكل هذا الفيض من النبل؟
قبل أيام فازت الجزائر في مبارة كرة القدم على زامبيا،فاحتفلت الجزائر في كرنفال مثير بهذا الفوز وتزينت الشوارع والحافلات والسيارات بأعلام الجزائر،لكن علم فلسطين كان حاضرا بين أعلام الجزائر،وهو ما تكرر في أكثر من مناسبة ،مما دفع صديق لي هنا ليبعث برسالة إلى صديقه في غزة ليقول له،إنها مفارقة عجيبة أن تجد علم فلسطين حاضرا هنا مع علم الجزائر في كل مناسبة لها"،لم يكن سؤالا من صديقي أو استفسارا،بل كان شهادة لهذا البلد ،استثناء على شعار الفلسطينيين "يا وحدنا"،تجاوزا للمألوف العربي معنا،مناصرة لعذاب الفلسطيني الذي يئن بلا ظهر يسنده،إقرارا بالحب من والى هذا البلد.
أثناء الاعتداء الصهيوني على غزة في بداية هذا العام،وحين كان الدم الفلسطيني يستباح على الملأ،وأشلاء الأطفال تتناثر في شوارع غزة،وقفت سيدة جزائرية عجوز على باب سفارة فلسطين،صرخت مستغيثة أن تذهب لتقاتل في فلسطين،وحين كان صعبا أن تحقق أمنيتها التي ربما تكون الأخيرة،انفجرت في بكاء يهز الأفئدة والضمائر،كانت هذه السيدة تجسد الجزائر كلها،كانت تبكي واعين الجزائر كلها تبكي معها. هذا المشهد جسد ما بين الجزائر وفلسطين من تاريخ وحاضر،استوجب مني البكاء على أهلي الذين يذبحون مرة،وعلى وجع المرأة وحزنها مرة ثانية. بعد ذلك كله، أليس لي أن أعلن حبي للجزائر بلا تردد أو حرج.

**********

الثورة الجزائرية

تعرف الثورة الجزائرية باسم"ثورة المليون شهيد"، وهي حرب تحرير وطنية ثورية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي قام بها الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وكانت نتيجتها انتـزاع الجزائر لاستقلالها بعد استعمار شرس وطويل استمرّ أكثر من 130 عاماً.
انطلقت الرصاصة الأولى للثورة الجزائرية في الاول من نوفمبر 1954 الذي يصادف عند الأوروبيين يوم "عيد جميع القديسين" معلنةً قيام الثورة بعد حوالي 130 سنة من الاستعمار الفرنسي للبلاد.
وقد بدأت هذه الثورة بقيام مجموعات صغيرة من الثوار المزوّدين بأسلحة قديمة وبنادق صيد وبعض الألغام بعمليات عسكرية استهدفت مراكز الجيش الفرنسي ومواقعه في أنحاء مختلفة من البلاد وفي وقت واحد.
ومع انطلاق الرصاصة الأولى للثورة، تمّ توزيع بيان على الشعب الجزائري يحمل توقيع "الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني" وجاء فيه: "أن الهدف من الثورة هو تحقيق الاستقلال الوطني في إطار الشمال الأفريقي وإقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادىء الإسلامية".
ودعا البيان جميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية إلى الانضمام إلى الكفاح التحريري ودون أدنى اعتبار آخر.
وتمّ تشكيل الأمانة الوطنية لجبهة التحرير الوطني من تسعة أعضاء..
وقبل الدخول في تفاصيل هذه الثورة يمكن القول إنها لم تكن وليدة أول نوفمبر 1954.. بل كانت تتويجاً لثورات أخرى سبقتها، ولكن هذه الثورة كانت أقوى تلك الثورات، وأشملها، وتمخضت عن إعلان استقلال الجزائر بعد ثمانية أعوام من القتال الشرس، ويمكن تقسيم عمر الثورة إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى (54-56): وتركز العمل فيها على تثبيت الوضع العسكري وتقويته، ومد الثورة بالمتطوعين والسلاح والعمل على توسيع إطار الثورة لتشمل كافة أنحاء البلاد.
أما ردة فعل المستعمر الفرنسي فكانت القيام بحملات قمع واسعة للمدنيين وملاحقة الثوار..
المرحلة الثانية (56 - 58): شهدت هذه المرحلة ارتفاع حدة الهجوم الفرنسي المضاد للثورة من أجل القضاء عليها.. إلا أن الثورة ازدادت اشتعالاً وعنفاً بسبب تجاوب الشعب معها، وأقام جيش التحرير مراكز جديدة ونشطت حركة الفدائيين في المدن.
كما تمكّن جيش التحرير من إقامة بعض السلطات المدنية في بعض مناطق الجنوب الجزائري وأخذت تمارس صلاحياتها على جميع الأصعدة.
المرحلة الثالثة (58 - 60): كانت هذه المرحلة من أصعب المراحل التي مرّت فيها الثورة الجزائرية، إذ قام المستعمر الفرنسي بعمليات عسكرية ضخمة ضد جيش التحرير الوطني. وفي هذه الفترة، بلغ القمع البوليس حده الأقصى في المدن والأرياف.. وفرضت على الأهالي معسكرات الاعتقال الجماعي في مختلف المناطق.
أما رد جيش التحرير، فقد كان خوض معارض عنيفة ضد الجيش الفرنسي واعتمد خطة توزيع القوات على جميع المناطق من أجل إضعاف قوات العدو المهاجمة، وتخفيف الضغط على بعض الجبهات، بالإضافة إلى فتح معارك مع العدو من أجل إنهاكه واستنـزاف قواته وتحطيمه.
وفي 19 أيلول - سبتمبر عام 1958 تمّ إعلان الحكومة الجزائرية المؤقتة برئاسة السيد فرحات عباس، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت هذه الحكومة هي الممثل الشرعي والناطقة باسم الشعب الجزائري والمسؤولة عن قيادة الثورة سياسياً وعسكرياً ومادياً، وأعلنت في أول بيان لها عن موافقتها على إجراء مفاوضات مع الحكومة الفرنسية شرط الاعتراف المسبق بالشخصية الوطنية الجزائرية.
وفي تشرين الثاني - نوفمبر من عام 1958 شنّ جيش التحرير الوطني هجوماً على الخط المكهرب على الحدود التونسية، كما خاض مع الجيش الفرنسي معارك عنيفة وبطولية في مختلف أنحاء الجزائر.. وعلى الصعيد السياسي، طرحت قضية الجزائر في الأمم المتحدة وفي مؤتمر الشعوب الأفريقية بـ"أكرا" ولاقت التضامن والدعم الكاملين والتأييد المطلق لها...
وفي كانون الأول - ديسمبر من 1958، ألقى الجنرال ديغول خطاباً في الجزائر العاصمة أشار فيها إلى الشخصية الجزائرية، وانتخب في 22 من هذا الشهر رئيساً للجمهورية الفرنسية.
وفي 16 أيلول - سبتمبر 1959، أعلن الجنرال ديغول اعتراف فرنسا بحق الجزائر في تقرير مصيرها. وكان جواب الحكومة الجزائرية المؤقتة قبولها لمبدأ تقرير المصير واستعدادها للتفاوض المباشر في الشروط السياسية والعسكرية لوقف القتال وتوفير الضمانات الضرورية لممارسة تقرير المصير.
المرحلة الرابعة (1960 - 1962): المرحلة الحاسمة، خلال هذه الفترة الهامة والحاسمة من حرب التحرير.. حاول الفرنسيون حسم القضية الجزائرية عسكرياً.. ولكنهم لم يفلحوا في ذلك.. لأن جذور الثورة كانت قد تعمقت وأصبحت موجودة في كل مكان. وأضحى من الصعب، بل من المستحيل القضاء عليها، ورغم هذا الواقع.. فقد جرّد الفرنسيون عدة حملات عسكرية ضخمة على مختلف المناطق الجزائرية، ولكنها جميعاً باءت بالفشل وتكبّد الجيش الفرنسي خلالها خسائر فادحة، وقد تمّ في شهر كانون الثاني - يناير 1960 تشكيل أول هيئة أركان للجيش الجزائري الذي كان متمركزاً على الحدود الجزائرية - التونسية والجزائرية - المغربية وتمّ تعيين العقيد هواري بومدين أول رئيس للأركان لهذا الجيش.
وفي هذه الفترة بالذات، تصاعد النضال الجماهيري تحت قيادة الجبهة، وقد تجسّد ذلك في مظاهرات 11 كانون الأول - ديسمبر 1960، وتمّ خلال هذه الفترة عقد المؤتمر الثاني لجبهة التحرير الوطني في مدينة طرابلس بليبيا عام 1961.
أما على الصعيد السياسي، فقد عقدت الدورة 16 للأمم المتحدة (أيلول - سبتمبر 1961 وشباط - فبراير 1962)، وأمام أهمية الاتصالات المباشرة بين جبهة التحرير والحكومة الفرنسية، فإن الأمم المتحدة "دعت الطرفين لاستئناف المفاوضات بغية الشروع بتطبيق حق الشعب الجزائري في حرية تقرير المصير والاستقلال، وفي إطار احترام وحدة التراب الجزائري".
وهكذا انتصرت وجهة نظر جبهة التحرير الوطني.. وأُجبرت فرنسا على التفاوض بعد أن تأكدت فرنسا نفسها أن الوسائل العسكرية لم تنفع، خاصة بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به حملاتها الضخمة وعدم فعالية القمع البوليسي في المدن، ورفض الشعب الجزائري المشاركة في الانتخابات المزوّرة واستحالة إيجاد "قوة ثالثة" تكون تابعة للمستعمر بأي حال.
وقام الفرنسيون بمناورات عدة وتهديدات كثيرة لتحاشي التفاوض، وعملوا كل ما بوسعهم لتصفية جيش التحرير الوطني كقوة عسكرية وكقوة سياسية.. فتهربت فرنسا من كل محاولات التفاوض النـزيه عاملة على إفراغ حق تقرير المصير من محتواه الحقيقي، متوهمة بذلك أنها ستنتصر عسكرياً على الثورة.
وكان يقابل سياسة المفاوضات هذه.. حرب متصاعدة في الجزائر بهدف تحقيق النصر؛ فقد كان الفرنسيون يعتقدون أن رغبة جبهة التحرير في السلم وقبولها للاستفتاء يعتبر دليلاً على الانهيار العسكري لجيش التحرير الوطني.. إلا أن الجبهة عادت وأكدت من جديد أن الاستقلال ينتـزع من سالبه ولا يوهب منه، فاتخذت جميع التدابير لتعزيز الكفاح المسلح..
وعادت فرنسا بعد ذلك لتقدم لمندوبي جبهة التحرير صورة كاريكاتورية للاستقلال: جزائر مقطوعة عن أربعة أخماسها (الصحراء) وقانون امتيازي للفرنسيين... فرفضت الجبهة المقترحات جملة وتفصيلاً.. ولما عجزت فرنسا عن حلّ القضية بانتصار عسكري.. أجرت اتصالات ومفاوضات جديدة لبحث القضايا الجوهرية، وقد دخلت هذه المرة مرحلة أكثر إيجابية، وتحددت الخطوط العريضة للاتفاق، أثناء مقابلة تمت بين الوفد الجزائري والوفد الفرنسي في قرية فرنسية بالقرب من الحدود السويسرية.
وبعد ذلك.. عقدت ندوة حول إيقاف القتال في إيفيان من 7 إلى 18 آذار - مارس 1962 تدارست الوفود خلالها تفاصيل الاتفاق.. وكان الانتصار حليف وجهة نظر جبهة التحرير، وتوقف القتال في 19 آذار - مارس بين الطرفين وتحدد يوم الأول من تموز لإجراء استفتاء شعبي.. فصوّت الجزائريون جماعياً لصالح الاستقلال.. وبذلك تحقق الهدف السياسي والأساسي الأول لحرب التحرير، بعد أن دفع الشعب الجزائري ضريبة الدم غالية في سبيل الحرية والاستقلال.. وبعد أن استمرت الحرب قرابة ثماني سنوات سقط خلالها ما يقرب من مليون ونصف مليون شهيد.
وقد صادف بدء انسحاب القوات الفرنسية في 5 تموز - يوليو 1962 في يوم دخولها 5 تموز - يوليو 1830 أي بعد 132 عاماً من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة "سيدي فرج" القريبة من الجزائر العاصمة وتمّ في هذا اليوم تعيين السيد أحمد بن بيللا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.

يرجع الفضل في انتصار الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري الذي عبأ كل طاقاته لتحقيق الانتصار، يضاف إلى ذلك الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها المجاهدون والمجاهدات لتوجيه الضربات الأليمة لجيش متفوق في العدد والعدة. وأخيراً التأييد العربي (قواعد الثوار في تونس والمغرب والدعم الشعبي والمادي الواسع من مصر عبد الناصر وسورية والعراق)، والعالمي (دول العالم الثالث والدول الاشتراكية)

*******
خالد وعقبة : كلمة سر اندلاع الثورة الجزائرية
بقلم : سري القدوة
في عام 1985 وانا امضي فترة اعتقالي في سجون الاحتلال الإسرائيلي قررنا إقامة دورة أساسية للكادر السياسي وبالفعل أشرفت علي اعداد برنامج الدورة لمجموعة من ابناء حركة فتح .. وقررت تدريس كراس حركي كان يتناقلة ابناء حركة فتح حول الثورة الجزائرية وحرب التحرير الشعبية ، أسلوب الكفاح المسلح وتكتيك الثورة الجزائرية التي اعتمدته في مقاومة الاستعمار حتى نالت الحرية والاستقلال . وفي ذلك الوقت والتاريخ لم أكن اعرف الجزائر او أفكر بأنني سأكتب مقالا حول استقلال الجزائر وانا علي أرضها في عام 2010 .
وبين قرار تدريسنا للكراس الحركي واليوم فترة ممتدة فاقت الخمسة والعشرون عاما ، لم أجد في الجزائر الا روح الثورة كما كانت في محصلة الذكريات مع اختلاف مراحل العمل الفلسطيني المختلفة وحصيلة افرازات اوسلو التي شكلت عوامل متعددة أدت الي بلورة رؤيا جديدة علي صعيد العمل الفلسطيني فيما بعد , وبالعودة الي اسلوب ومنهجية الثورة الجزائرية ويوم الاثنين يوم الاول من نوفمبر 1954 تاريخ انطلاق العمل المسلح للثورة الجزائرية , تواصلت رحلة التحرير بكل بطولة ومواقف ورجال صنعوا المعجزة وكتبوا التاريخ بنداء الاسمين ( خالد وعقبة ) حيث تم تحديد كلمة السر لليلة أول نوفمبر 1954 (تيمنا بالصحابة الكرام خالد بن الوليد و عقبة بن نافع ) واستمرت الثورة من شارع الي شارع ومن بيت الي بيت حتي نالت الجزائر الاستقلال متحدية الاستعمار وعنجهيته فكانت ثورة وتاريخا وشرفا وبطولة وفداء ..
انه نداء الثورة نداء الوطن والواجب نداء خالد وعقبة الذي لبّـاه الشعب الجزائري بالانضمام الي الثورة لكتابة التاريخ وصناعة اهم حدث علي الإطلاق في التاريخ العربي المعاصر وهو استقلال الجزائر حيث اعتقدوا بان الجزائر هي ارض فرنسية وضمت الي فرنسا . متناسين ان الشعب الجزائري قدم مليون ونصف شهيد .. وأنه شعب نال الحرية بشرف وحصل علي الاستقلال بتضحيات جسام .. كتبت بالدم وتواصلت الثورة الجزائرية لتشكل محورا مهما لصناعة التاريخ العربي المعاصر .
ومن هنا من ارض الجزائر الحرة .. ارض الأحرار والشرفاء .. ارض المجاهدين الإبطال.. ارض الرجولة والشرف.. ارض الثورة.. ارض هواري بو مدين و مصطفى بنبولعيد و ديدوش مراد و كريم بلقاسم ورابح بيطاط و العربي بن مهيدي ، تواصلت ثورة الجزائر وكانت كبيرة بعطاء الشعب الجزائري لتكتب صفحات مشرقة ومشرفة في تاريخنا العربي المعاصر ..
كانت بداية الثورة بمشاركة 1200مجاهد على المستوى الوطني بحوزتهم 400 قطعة سلاح وبضعة قنابل تقليدية فقط. وكانت الهجمات تستهدف مراكز الدرك والثكنات العسكرية ومخازن الأسلحة ومصالح إستراتيجية أخرى ..
كانت الثورة الجزائرية .. ثورة الجماهير والحرب الشعبية التي خاضتها والكفاح المسلح الذي عمد بدماء الشهداء أساس طريق النصر وتحقيق البطولة قي هذا الزمن العربي الرديء فشكل انتصار الجزائر ثورة المليون والنصف شهيد حافزا أساسيا لبلورة مفهوم الانطلاقة للثورة الفلسطينية وإعلان حراك حركة فتح علي الصعيد الفلسطيني مستفيدة من الانجاز التاريخي الذي حققته ثورة الجزائر ومستلهمة من فكر الثورة الجزائرية أساسا في رسم إستراتجية الكفاح المسلح واعتماد حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد أسلوبا للممارسة ، وأيضا كانت خصوصية الوحدة الوطنية ووحدة الهدف بين مختلف الاتجاهات وتيارات المقاومة في الجزائر داعما أساسيا لإعلان وتبني حركة فتح شعار الوحدة الوطنية وربط هذا التقدم بمفهوم التكامل الوطني الذي استرشدت منه الثورة الفلسطينية في برامجها الكفاحية علي صعيد صياغة أسس التحرير وتشكيل قيادة جيش التحرير الفلسطيني ودمج لواء العاصفة كأساس ونواة أساسية لجيش التحرير الوطني الفلسطيني والتي حرصت الجزائر علي احتضان المقاومين الفلسطينيين وتدريبهم وتلقيهم العلوم العسكرية في كليه شيرشال فيما بعد ..
لا يمكن لنا ان نتحدث عن ثورة الجزائر وتلك البطولة دون الخوض في بعدها العربي وهذا الانجاز المهم الذي حققته ثورة الجزائر علي صعيد دعم الثورة العربية المعاصرة وترابط حركات التحرر في الوطن العربي حيث كانت ثورة الجزائر داعما لحركات التحرر العربية بكل شمولية الموقف والهدف والوحدة ..
ان الانجاز التاريخي الهام لثورة الجزائر ونيلها الاستقلال شجع العديد من البلدان العربية لنيل حريتها وشكلت الثورة الجزائرية أساسا للمشاركة الفاعلة لتكون النبراس الذي يسترشد منه الآخرون وهنا لا بد من الإشارة الى مقولة الزعيم التاريخي للجزائر المناضل القومي الكبير هواري بومدين حيث قال انا مع فلسطين ظالمة او مظلومة فهذا الحب الجزائري واحتضان الثورة الفلسطينية من قبل الجزائر الثورة والشعب وتدعيم العلاقات الأخوية يؤكد صدق العلاقة وقوتها بين الثورة الفلسطينية وثورة الجزائر .
بعد قرن وربع القرن من الزمان نالت الجزائر استقلالها، ولعل الثورة الجزائرية من أشد الثورات عنفاً وقتالاً وشراسة ، فيها سقط الشهيد تلو الشهيد حتى تجاوزوا المليون ونصف المليون شهيد ، وفيها نصب المستعمر قلاعه وسجونه ونال الشعب الجزائري الويلات وأيقن أن أكثر من قرن وربع القرن من الوجود زمن كافٍ حتى ينسى تسعة ملايين جزائري أنهم جزائريون، وحتى يذوبوا في الوطن الكبير فرنسا وفي مليون من الأوروبيين، هؤلاء الذين اعتقدوا أو أوهمتهم الرؤى الاستعمارية أنهم على أرضهم يعيشون , ولكن التاريخ كان الأقوى فانتصرت ثورة الحق وانتصرت الجزائر لتمحوا فرنسا ولتعيش الجزائر حرة عربية مستقلة .
هنيئا للجزائر رئيسا وحكومة وشعبا في عيد استقلالها , وعاشت ذكري الاستقلال والمجد للثورة والخلود للشهداء الإبطال .
رئيس تحرير جريدة الصباح – فلسطين
******

على درب الجزائر
لجنة الحرية لاسرى الحرية

نكابد ما كابدتم ونقاوم ما قاومتم ،
جئناكم ونحن ندرك أنكم الأكثر دراية بهمومنا، فقد كابدتم الاستعمار الاستيطاني ورفضتم محو تاريخ بلدكم وانتزاعها من محيطها العربي وثقافتها الممتدة في التاريخ.وقاومتم بنجاح آلته الحربية الغاشمة، قدمتم خلال المقاومة اشرف أبناء شعبكم على مطهر الشهادة، فكلما ذكر اسم الجزائر يمر في الخاطر طيف جدنا المعري ينشد:
خفف الوطء ما أرى أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
قاومت الجزائر محاولات محو تاريخها، ويقاوم الشعب الفلسطيني أيضا محو تاريخه.ومحاولة محو التاريخ العربي في فلسطين تكمن خلف كل المجازر و أعمال الهدم و التهجير و التخريب التي تضعها إسرائيل على جدول أعمالها.
ولم تواجه الجزائر قوة استعمارية واحدة ، بل تكتل قوى استعمارية ، وتواجه فلسطين تكتلا من الدول يسترشد بالمسيحية الأصولية الساعية ل " تصوير الكتاب المقدس " فاثبت باطن الأرض الفلسطينية انه خال من أي معلم لتوراتية فلسطين .فشلت أبحاث التنقيب في العثور على ما يسند مزاعم التلمود ، كاثلين كاينون ، كيث وايتلام ، صاحب كتاب "اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني " سنة 1996، ثم بروفيسور حضارة الشرق القديم بجامعة تل أبيب ، زئيف هيرتسوغ ، أكدوا مع آخرين أن كل شيء مختلق ، ولم يتم العثور على شيء يتفق و الرواية التوراتية .هذا بعد أن انفرد علم الآثار الإسرائيلي – الأمريكية بتزييف المكتشفات الأثرية طوال قرن من الزمان و "تصوير الكتاب المقدس " ومزاعمه التي رددت قبل قرنين من تشكيل الحركة الصهيونية.فالصهيونية ،سياسة وفكرا حاجة ضرورية للهيمنة الامبريالية على منطقة الشرق الأوسط ، ورغم النتائج المخيبة لآمال الاستيطان الاستعماري تعوض إسرائيل فراغ المقدس بعمل الجرافات والصواريخ والقنابل الفسفورية .
من يشك أن الاستيطان الصهيوني في فلسطين ليس من طينة الاستيطان الفرنسي في الجزائر ؟ ومن يظن أن الصهيونية قصرت كيدها على فلسطين ؟ الم يغتل الموساد الإسرائيلي المناضل الجزائري محمد بودية ، ومن ينسى هبة الثوريين الجزائريين انتصاراً لجمال عبد الناصر عندما خاطب رئيس حكومة فرنسا "أتركك لشعب الجزائر يؤدبك" فوجهوا ضربات موجعة لجيش الاحتلال ، كسرت غطرسة فرنسا الاستعمارية ؟ في أوج عربدة الفاشيين من ضبط الجيش الفرنسي كان تعفن جثث الأبرياء الملقاة في الشوارع رمزاً لتعفن الرأسمالية الامبريالية ، كما قال كاتب جزائري آنذاك واليوم ترمز ممارسات إسرائيل للتوحش يغشى الكون بأجمعه .
ولكننا نذكر بالامتنان الكبير أولئك الذين وقفوا بجانبنا من جميع الأعراق و الأديان يناهضون الوحشية الإسرائيلية في عدوانها على غزة تكرار لما فعلته في لبنان، نحن نحيي جميع الأشقاء العرب ومنظمات حقوق الإنسان والقوى الشريفة التي وقفت مع و خلف تقرير غولدستون وأيدت قرار محاكمة المسئولين الإسرائيليين ممن خططوا للمجزرة الشرسة، لقد عرفنا من التدافع حول تقرير غولستون إننا لسنا وحيدين في كفاحنا .
فيا أشقائنا الجزائريين نحن نمضى على خطاكم ونسترشد بمآثركم يوم نجحتم في الحفاظ على وحدة قواكم فكسرتم بضرباتكم ظهر الاستعمار الاستيطاني وحررتم دياركم مدعومين من قوى الحرية والتقدم في العالم.وكما انتصر نضالكم سوف ننتصر .إن ثقافة التحرر ينبغي أن تبرز نزعتها القومية الديمقراطية ، وأن تنفتح على الثقافة العربية الوطنية في أمصارها كافة ، فتحية من القدس إلى شقيقتها الجزائر التي كانت ولازالت خير نصير وداعم للقدس وقضيتنا فذاكرتنا حية بكم و بنضالكم و انتم من احتضن إعلان استقلالنا الوطني على أرض المليون ونصف مليون شهيد فطوبى لكم و طوبى لنا بكم أيها الأشقاء الأعزاء.
واليوم بات على الثقافة الفلسطينية أن تنهض بعبء الحفاظ على عروبة فلسطين وتعزيز روابط التضامن العربية و العالمية، إن ثقافة المقاومة الفلسطينية مناهضة للتوحش والفاشية العنصرية.وخلال التصدي لمشروع المحو الوحشي كان لابد لفلسطين أن تتبلور فكرتها من أشواق النضال من اجل الحقيقة و العدالة و مناهضة العنصرية، وكان لابد لثقافة
مقاومة العنصرية المتوحشة أن تكتسب مضامين إنسانية ديمقراطية تحريرية ومنفتحة على الحضارة حوله، روابط التضامن العربي و الدولي وكما أكد شاعرنا محمود درويش ، بات على الفلسطينيين أن يلتزموا بالتفوق الأخلاقي على خصومهم ، دين على الثقافة الفلسطينية أن لا تخوض في وحل العنصرية ، وان تحض على تقليد أساليب التوحش الإسرائيلي .ففي تجنب العنصرية و الفاشية يكمن خلاص الشعب الفلسطيني و اختراقه لحائط الكراهية المشيد حوله، واستعصاؤه على الاندثار.
نحتفي وإياكم بالقدس عاصمة أبدية للثقافة العربية و على مر السنين كما أسميتموها في الجزائر، هذه المدينة مدينة السلام، عاصمة الأرض والسماء و الأنبياء ومدينة الله في الأرض.هي لنا ولكم وهي عاصمة الدولة الفلسطينية .
رافعة جراحنا وآلامنا وأمل حياتنا التي نحب وكما قال درويش عن القدس.
نحب الحياة ماأستطعنا إليها سبيلا
وفي بلادنا لنا ما نزرع ولنا ما نعمل ونحصد
وعلي هذه الأرض ما يستحق الحياة

*******

دروس للمقاومة الفلسطينية في ذكرى استقلا ل الجزائر
عبدربه العنزي
قبل نحو نصف قرن استطاع شعب الجزائر تسطير واحدة من أعظم انتصارات شعوب العالم، حينما تم اعلان استقلال الجزائر بعد ثورة استمرت نحو ثماني اعوام، جسد فيها شعب الجزائر نموذجا للفداء اثار اعجاب العالم كله ، ومثلت هذه الثورة تاريخا جديدا من تواريخ مقاومة الشعوب ضد جلاديها. واتضح أن هذا الشعب الباسل بتضحياته وصموده قد وضع النهاية الطبيعية لواحدة من ابرز وأخطر تجارب الاستعمار الاستيطاني، ودفع فرنسا على التسليم بهزيمة مشروعها الاستعماري الذي امتد نحو مائة واثنين وثلاثين عاما، استمرت عبرها محاولات طمس الهوية القومية للجزائر، وتشويه عمقها الثقافي الاسلامي، في محاولة لتكريس و تأصيل تبعيتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.لكن ارادة الجزائريين انتصرت على الرغم من تباين موازين القوى والامكانيات والادوار ، بين فرنسا ذات التاريخ الامبراطوري الكولينيالي، وأحد أهم اركان حلف الاطلسي، وبين أحد شعوب العالم الثالث، التي سعت فرنسا الى اغراقها يالتخلف والجهل. علما ان فرنسا حينما غزت الجزائر سنة 1830 كانت نسبة الامية في فرنسا أعلى منها في الجزائر، كما يؤكد ذلك عدد من الباحثين والمؤرخين.
لقد ارادت فرنسا في اطار مشروعها الاستعماري للجزائر الحصول على حظوظها الاستعمارية التي سبقتها إليها انجلترا واسبانيا والبرتغال وهولندا.حيث كان الدافع الاقتصادي هو المحرك الرئيسي لذلك. ولقرب الجزائر من فرنسا غدت ملجأ لالوف متزايدة من الايدي العاملة الفرنسية الباحثة عن العمل، والتي اختصت بأخصب الاراضي. ولاضفاء المشروعية على العملية الاستعمارية اصطنعت مقولة "استرداد الجزائر"
لقد نجح مجاهدو الجزائر في فرض صيغة استقلاله بعد اقل من ثماني سنوات بعد الفاتح من نوفمبر 1954، بعد ان تبنى قادة الثورة الجزائرية خطوطا انضباطية لحالة الصراع والاختلاف الداخلي،في سعي محمود لتعزيز وحدة الصف الوطني الداخلي طوال سنوات الجهاد الثمان، برغم كل عمليات اغتيال وتصفية رفاق الدرب ومسلسل محاولات التآمر الداخلية والخارجية يومذاك، ولم تتفجر الصراعات الداخلية فيما بين اجنحة الثورة لتبلغ مرحلة التصفيات والغرق في التناقضات الثانوية او الولوج في مرحلة"الاحتراق الذاتي" في وقت المواجهة مع العدو الفرنسي المستعمر،وهو الدرس الاول والاستراتيجي في تجربة الثورة الجزائرية.
لقد انحازت الجزائر في صراعها ضد الاستعمار الفرنسي الى عمقها القومي متجاوزة بدلك الانغلاق القطري ومتمسكة بهويتها القومية الاسلامية والعربية ،وقد كان هذا الانفتاح والتلاحم من الاسباب التي مكنتها من تحقيق انجازات مؤثرة في صراعها ،وهو الدرس الثاني الهام الذي نتعلمه من تجربة الثورة الجزائرية .
لقد انطلقت الثورة الجزائرية في توقيت محلي ودولي مناسب،ففرنسا كانت تعاني من الحرب الضروس في الهند الصينية،وكانت تعيش مرارة تداعيات الحرب العالمية وهزيمتها من الالمان،والمغرب العربي يعيش حراكا سياسيا نشطا،وثورة عبدالناصر القومية التي الهمت العرب ورفعت معنوياتهم،فقد ساعدها دقة التوقيت وموضوعيته في تحقيق إنجازات عسكرية وسياسية، وفرضت على ديغول التوجه للمفاوضات والوصول إلى تسوية تنقذ ما يمكن إنقاذه من علاقات اقتصادية وثقافية مع الجزائر المستقلة.وهو الدرس الثالث الذي يبين ضرورة ان تتجاوز ثورة شعب وتقرير مصيره عملية الانفعال الى تبني خطوات محسوبة ومدروسة.
و في شباط/ فبراير 1955 تشكلت جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي شارك في تشكيلها ممثلو كل من: جمعية العلماء برئاسة الشيخ محمد البشير الابراهيمي، وجماعة مصالي الحاج، وحزب البيان برئاسة فرحات عباس، واللجنة المركزية المنشقة، وثلاثة من قادة جيش التحرير الناشىء في الجزائر: احمد بن بللا، ومحمد خيضر، وحسين آيت أحمد. وقد تم توقيع اللائحة الداخلية لجبهة التحرير من الجميع تأكيدا لالتزامهم بمنهج المقاومة بقيادة جيش التحرير. وبتشكيل الجبهة من أبرز الأحزاب الوطنية أمكن الحيلولة دون نجاح الدعوة الفرنسية للتهدئة من خلال الأحزاب . وفي الوقت ذاته احتفظ جيش التحرير بوحدة البندقية الجزائرية،وهو الدرس الرابع التي تعلمنا اياه هذه الثورة العظيمة.
اما الدرس الخامس الذي تقدمه لنا الثورة الجزائرية ،فهو يتعلق بادارة مفاوضات سياسية لا تبدو فيها عملية السلام كوجه اخر من الهزيمة،بل امتدادا لفكرة الثبات والصلابة التي كانت بقدر ثبات المجاهدين وصلابتهم،وباعتبار ان العمل السياسي لا يعني التفريط بالثوابت وبالقواعد العامة،ولا تعني بحال تجاوز تضحيات الجزائر يتقديم تنازلات استراتيجية،فقد لجات الثورة الجزائرية للتفاوض كاحد خيارات المقاومة،وليس باعتباره خيارا استراتيجيا لا تحول عنه،وهو ما استطاعت الثورة الجزائرية في أواخر فبراير 1962 بعد جولة من المفاوضات انتهت بالاتفاق على اعتراف فرنسا باستقلال الجزائر وسيادتها الكاملة على اراضيها ووحدة ترابها .
ان قراءة الثورة الجزائرية تستوجب منا كفلسطينيين الاستفادة منها،والاخد باسباب نجاحها،والتعلم من سياق تطوراتها التاريخية في شقيها العسكري والسياسي،وتجاوز الاخفاقات التي تعيشها حركة المقاومة الفلسطينية حاليا،خاصة مع حالة الانقسام الوطني الفلسطيني،وتشتت الجهود الحزبية في صراعات جانبية استنزفت القدرة الفلسطينية والجهود الثورية مما ادى الى تجميد جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني ومنحه راحة يعيد فيها بناء هجمات جديدة على الشعب الفلسطيني.



#علي_شكشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سطرٌ في كتاب التاريخ
- المبتدأ والخبر
- جرح التاريخ
- في المصالحة
- المصالحة في مفردات العالم السيمفوني وتحقق الإنسان
- جسر العودة
- فى الأسر
- مزاج
- السؤال
- تفكيك الأسر
- أسيرها
- جدل
- أن نشاء
- حجر الزاوية
- كيف يكون المحبُّ
- الطريق الى القدس
- العماء
- روح الكيان
- الانطلاقة
- رأس الحال فى رأس العام


المزيد.....




- رسالة لإسرائيل بأن الرد يمكن ألا يكون عسكريا.. عقوبات أمريكي ...
- رأي.. جيفري ساكس وسيبيل فارس يكتبان لـCNN: أمريكا وبريطانيا ...
- لبنان: جريمة قتل الصراف محمد سرور.. وزير الداخلية يشير إلى و ...
- صاروخ إسرائيلي يقتل عائلة فلسطينية من ثمانية أفراد وهم نيام ...
- - استهدفنا 98 سفينة منذ نوفمبر-.. الحوثيون يدعون أوروبا لسحب ...
- نيبينزيا: روسيا ستعود لطرح فرض عقوبات ضد إسرائيل لعدم التزام ...
- انهيارات وأضرار بالمنازل.. زلزال بقوة 5.6 يضرب شمالي تركيا ( ...
- الجزائر تتصدى.. فيتو واشنطن ضد فلسطين وتحدي إسرائيل لإيران
- وسائل إعلام إسرائيلية: مقتل أبناء وأحفاد إسماعيل هنية أثر عل ...
- الرئيس الكيني يعقد اجتماعا طارئا إثر تحطم مروحية على متنها و ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي شكشك - تحررت الجزائر، فهل تحرر الغزاة؟