أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال النجار - النظام السوري يكشف كل أوراقه















المزيد.....

النظام السوري يكشف كل أوراقه


طلال النجار

الحوار المتمدن-العدد: 3416 - 2011 / 7 / 4 - 17:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من القواعد الأساسية التي يعرفها لاعب الشطرنج أن التهديد بالهجوم كثيراً ما يكون أقوى من الهجوم نفسه، لأن الخوف من التعرض لهجوم كثيراً ما يثير ارتباك الخصم وتردده ويدفعه إلى اتخاذ قرارات خاطئة، في حين أن الهجوم يكشف كل الأوراق ويضع الخصم أمام خيارات محددة وواضحة لا مجال فيها للتردد. والقاعدة نفسها تنطبق على الترهيب بالقوة الذي يعتمد عليه الطغاة في كبت شعوبهم، والذي نرى فيه حلاً للمفارقة الكامنة في كل الأنظمة القمعية، والتي تتمثل في سيطرة أقلية صغيرة على الغالبية العظمى من جموع الشعب. فالطغمة الحاكمة تمتلك القوة دون شك، ولكن تلك القوة المجردة ليست في حد ذاتها ما يبقيها في السلطة، ذلك أنها حتى مع الأجهزة التابعة لها تبقى بطبيعة الحال عاجزة عن مواجهة الشعب بأكمله، والذي ما أن يهب هبة رجل واحد حتى تنهار الأجهزة الأمنية والعسكرية، مهما بلغت من البطش والتطور.
ما يعتمد عليه الطغاة أساساً هو التخويف من القوة. أما استخدام القوة الصرف فشرطه أن يكون مفعولها مضموناً وحاسماً، بأن تسحق بشكل نهائي ودون إبطاء من يجرؤ على رفع رأسه من الشعب لتجعل منه أمثولة للباقين، بما يضمن بقاء الخوف سائداً ومهيمناً. وحين تفشل القوة في تحقيق ذلك الأثر الفوري تجد الأنظمة نفسها في موقع حرج، فكلما طال أمد الخروج على السلطة دون أن تتمكن من إنهائه بشكل حاسم، فقدت القوة هيبتها وقدرتها على التخويف وازدادت جرأة المقموعين واحتمال أن يكسروا حاجز الخوف، وينضم جميع الشعب أو معظمه إلى التمرد المتسع. وحينها تخرج الأمور عن السيطرة، وتفقد القوة كل قدرة على قمع الجموع، ولا يعود لها من نفع إلا تأخير النهاية الحتمية للنظام والتنفيس عن الخوف الذي يستولي على الطغاة عن طريق إراقة المزيد من الدماء. وذلك هو الوضع الذي نشهده حالياً في ليبيا. ولذلك فحين قال معاوية "إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني" فإنه لم يكن يتحدث من دافع الحكمة أو الحذر، بل من إدراك سياسي عملي أنه لا يستطيع أن يقمع كل الرعية بالقوة، ليس في نفس الوقت على كل حال، وأنه لا يجوز استخدام القوة إلا إذا كانت نتيجتها محددة وواضحة.
هذا الدرس لم يستوعبه كما هو واضح النظام الأسدي في سوريا، رغم أنه فيما يفترض وريث مدرسة عريقة في الدهاء السياسي البراغماتي. فمنذ اللحظة الأولى للاحتجاجات الشعبية، أطلق النظام العنان لكامل القوة التدميرية لأجهزته الأمنية، والعسكرية أيضاً، والهدف طبعاً واضح، وهو إرسال رسالة لا تحتمل الجدل مفادها أنه لن يكون هناك تقبل لأي شكل من أشكال الاختلاف مع السلطة، حتى لو لم يكن تمرداً أو حتى تحدياً مباشراً. وغاب عن النظام أن القوة إذا استخدمت لابد أن يكون تأثيرها كما ذكرنا فورياً وحاسماً، وإلا فأنها تفقد تأثيرها مع كل يوم يصمد فيه التمرد.
ولا غرابة في ذلك الارتباك الذي أصاب النظام، لأن سوريا يحكمها الآن مجموعة من الهواة، من بشار الأسد، الطبيب الذي لا يملك أي خبرة سياسية، والذي جيء به في الوقت الضائع ليستبدل الأخ الذي كان يجَهز للخلافة بعد أن توفي في حادث مفاجئ، إلى أخيه الذي رفِّع بشكل مصطنع إلى عميد ركن، إلى آصف شوكت، الضابط الصغير الذي تحول إلى عماد بعد زواجه من أخت الرئيس. ولذلك فإن تاريخ حافظ الأسد الطويل في سياسة القوة، والتي تقتضي الاقتصاد في استخدامها حتى لا تفقد هيبتها، لم يكن في واردهم. ما يعرفونه من مبادئ الحكم أن لديهم القوة، وأن هذه القوة قادرة على كل شيء. وهل يمكن للمتظاهرين العزل مقاومة الجنود المدربين والدبابات وطائرات الهليكوبتر؟ وهكذا انطلقوا في تطبيق الدرس الوحيد الذي يبدو أنهم يعرفونه، وهو درس حماة، فالظروف كما يظنون، أو يأملون، متطابقة، وإن لم تكن فلابد أن نجعلها كذلك. وفاتهم في أثناء ذلك اختلاف الظروف الداخلية والخارجية؛ أننا لسنا في عصر الحرب الباردة الذي كانت الديمقراطية فيه أيديولوجية غربية مريبة، والذي طغت فيه توازنات القوى العظمى على أية اعتبارات إنسانية، وأن روسيا ليست الإتحاد السوفيتي، وأننا في عصر لم يعد من الممكن فيه إخفاء شيء، وفاتهم الأهم من ذلك، أن المحتجين الآن ليسوا تنظيمات إرهابية (وإن حاولوا إيهام أنفسهم والآخرين بذلك)، وأنه لا يمكن استخدام الأساليب التي نجحت في مواجهة ميليشيات مسلحة مع متظاهرين عزل، على الأقل في هذا العصر، كما فاتهم أن السياسي الحق هو من يرى الأحداث كما هي، حتى لو تظاهر بعكس ذلك، لا من يحاول أن يقسر المعادلات المسبقة الصنع على الواقع، بل ويحاول فرضها على الآخرين أيضاً.
واليوم وبعد أشهر من الإمعان في الحل الأمني بكل عناد ومكابرة، والأصرار الذي يتبدى ضلاله يوماً بعد يوم على أن الدبابة يمكن أن تحل كل المشاكل، لا يبدو أن قمع النظام قد أفضى إلى أي نتائج، إلا توسع رقعة الاحتجاجات وزيادة السخط الشعبي. فقد رأينا قوات النظام تنقض على مدينة بعد أخرى، وتحاصرها وتقمع أهلها وتروعهم، وتعتقل من تعتقل وتعذب من تعذب، ولكن ما أن تغادرها إلى شقيقتها في تحدي النظام، حتى تعود الاحتجاجات فيها مثلما كانت، بل أن الاحتجاجات آخذة في الانتقال إلى أماكن جديدة. باختصار، انهار حاجز الخوف، وفقدت القوة قدرتها على الترهيب بعد أن استخدمت إلى حدها الأقصى. لعب النظام كل أوراقه دفعة واحدة، وكشف كل ما لديه فلم يعد أمام الناس شيء يخشونه، فلقد عرفوا ثمن التمرد وثمن الكرامة والحرية، والواضح أنهم مستعدون لدفعه. وأمام ذلك الإصرار ليس أمام النظام ما يمكن فعله. من الممكن له طبعاً أن يواصل سياسته العبثية هذه، ويبدو أن هذه هي نيته حالياً لأنه لم يفهم الدرس بعد، ولكن الثمن هنا باهظ وهو يتزايد كل يوم، من عزلة خارجية، وانكشاف أخلاقي في الداخل والخارج، وزيادة الانشقاقات، وتعاظم رقعة الاحتجاجات وخروجها عن السيطرة، مما يهدد بأن تصل في أمد غير بعيد إلى نقطة تحول حاسمة.
المحتجون اليوم يخوضون مع النظام حرب استنزاف بمعنى الكلمة، وخروجهم كل يوم دليل شجاعة فائقة، ولكنها ليست عبثية. فلقد أدركوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، أن النظام ليست لديه خطة حقيقية لمواجهتهم، وأن سياسة البطش المطلق لا يكمن ورائها إلا ضيق في الأفق وعزلة عن معطيات الواقع، بل وتخبط حقيقي. لقد رأوا أسوأ ما يمكن أن يصدر من النظام، فماذا يخشون بعد؟ لقد فشلت القوة في تحقيق هدفها المباشر ومبررها الوحيد، وحين فات الأوان لذلك فقد سقطت هيبتها وقدرتها على التخويف. والنظام الذي فقد هيبته ليس أمامه إلا إطالة أمد المواجهة التي لا يستطيع حسمها إلى أقصى حد ممكن، بينما قواه الأمنية والاقتصادية تستنزف يوماً بعد يوم. وهذا في تقديري ما يعول عليه المحتجون، وتلك بكل المعايير النتيجة الحتمية لما يجري حالياً، إلا إذا أدرك النظام، أو بمعنى أدق جزء منه، الرهان الخاسر الذي أدخل نفسه فيه، والذي لا يملك، إن كان لديه أي قدر من الإدراك وغريزة البقاء، إلا أن يحاول الخروج منه بأي ثمن وقبل فوات الأوان.



#طلال_النجار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في منطق التضحية


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال النجار - النظام السوري يكشف كل أوراقه