أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحكم سليمان - نشيد آدم.. بين احتدام الصورة الشعرية ومقاصد الفلسفة















المزيد.....

نشيد آدم.. بين احتدام الصورة الشعرية ومقاصد الفلسفة


عبد الحكم سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 3415 - 2011 / 7 / 3 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


لابد أنك مجبر، بل مستبَدٌ بك ومتورط أيضا حينما تصلب أمام نشيد آدم, ذلك الدون الذي آثر محمد آدم أن يقدمه لنا في صورة قصيدة واحدة؛ مائة دفقة منفصلة متصلة، فلا تكاد تخلو كل جمله الشعرية من صور بارزة ومتوثبة تقتحم المتلقي – حتى وإن كان متوجسا - بضراوة ونعومة صادمتين ومدهشتين أيضاً, وهوقائم عليك يهدهدك تارة ويدغدغ وعيك تارة ويسلبك إياه تارة، ثم يعيده إليك ويرميك على الأرصفة، ثم يأتي بك نصف إله تنبع من روحك البحار وتغتسل تحت قدميك المحيطات، ثم لا تلبث أن تنام مثل قارورة مندلقة بسفح جبل، ثم تجد نفسك الثابت والمتحرك في نفس الوقت؛ فالصورة في "نشيد آدم" تجمع الأضداد في ذات اللحظة وتحتوي حركاتٍ تصطخب في الذاتين الشاعرة والمستقبلة تحض على التناوش والاحتدام
آهِ
يا ديمومة َ الروحِ الخالدةِ
أقدامي تعبر الأزلَ والأبدَ فى لحظةِ واحدةٍ
سأفككُ اللغة َ كالخرادلِ
وأدلقُ الحروفَ
على الطرقاتِ
- كالكائنات الضالةِ -
وسأترك المعانى فى العراءِ
إلى أن تجفَّ
أو تموت
بلا معنىً لأي شىءٍ
ولكل شىءْ.
وهو في هذه الدرة وجاراتها في هذا العُقد الشعري يفعل ما أشار إليه من تفكيك للغة؛ بل هو يفجرها حينما يناجي صفة الديمومة للروح - لا الروح نفسها - وهو ما يجعلك تكتفي – مع تمتُّعك المفرط – بدراسة العلاقات الصغيرة والجديدة في نفس الوقت بين مفردات قاموسه الدافق.
ومحمد آدم شاعر محتفٍ بالجسد دائما, فهو بهاء الجسد واكتمال الدائرة, ليعود هذه المرة منعدما بذلك النور الخائن ووراءه وأمامه ولا سبيل لتحقق لذاته إلا فقاعات الجنس وتكويناتِ الجسدِ الكاملِ (أريد أن اقترب أكثر وأكثر من فقاعاتِ الجنسِ وتكويناتِ الجسدِ الكاملِ).. والجسد في نشيد آدم يتمتع بالرجاحة والعقل بالحاجة إليه في مفارقة شعرية تعصف بالعقل والوجدان في آن
دونما حاجة إلى العقلِ
أو رجاحةِ الجسدِ
دونما حقيقة واحدةٍ
والصورة في هذا الديوان مراوحة بين الديناميكية التي تعني الحياة والصراع معا والسكون الذي يشير إلى الموت والعدم, وهي في كلا الحالين متصاعدة سامقة وجديدة المدلول, وكذا فهي خالقة لكونها المعنوي, معددة في تفاصبله, مرشّدة لمفردات اللغة حتي لكأنها تبدو أنها أكثر رحابة من مدلولات المفردات وعلاقاتها. فالحياة والصراع متلازمان كما في الواقع لكنهما عند آدم إما واقع أمامه أو عليه دون أن يكون طرفا فيهما
كل البحارِ تنبعُ من روحيْ
كافة ُالمحيطاتِ تغتسل تحت قدميّ وتنام تحت أشرعتيْ
فوق مخداتيْ يتقاتلُ الليلُ والنهارُ
ويشتبك النورُ مع الظلمةِ
فوق بدني
- المحشوِّ بالخياناتِ والحصى -
تتوافدُ كافة ُ القاراتِ
لتعقدَ صلحًا مع الطبيعةِ الغاويةِ
وتعيدُ توْزيعَ جغرافياتها
ويتكثف العمق الفلسفي للشاعر في ومضات نشيده المتوالية ويَبرُز الزمن فيه كأنه المحور الرئيس لتلك النظرة الساعية والمتطلعة لفهم الذات ومحيطها الكوني ويلتفت إلى ضلال الروح؛ حيث لا توجد رحمة واحدة تنزل إلى الأرض فكل شيء ساقط في نفسه: الظل والماء ويسقط الناس مرتين: مرة في الزمن ومرة في ظلمته وهو الذي يأتي ويعود دونما طمأنينة للروح. والموروت الثقافي في نشيد آدم متسلل عبر تلك الصور البارزة المفاجِئة المتوثبة على سطح نفس الشاعر - كما يري جاستون باشلار – فهو يستدعي الطوفان والسفينة في تساؤله عنهما: (هل حقـًا سوف يأتي الطوفانُ ؟
أية سفينةٍ يمكن لها أن تحملَ كل هذا العالمَ بين رئتيها الجهنميتينِ ؟) ثم يختم راجيا: (تخففي أيتها الغاشية) وقبلها يأتي نيتشه والحلاج وبيلاطس والمسيح وزرادشت وبوذا - بما لكل منهم من دلالات عامة وأخرى تخص الذات الشاعرة - في تساؤله عن مكان ذهابهم ويقر أن الوعي بلا حقيقة سابقة. لكنه لا ينسى أن يمثل نيتشه ببوذا والسهر بالمسيح في تورده ولا يفوته أن يقابل الحلاج ببيلاطس فـ(الكلمة واحدةٌ
والأفعال شتى !!
وطرق الربِ كثيرةٌ ووعرةٌ
لا أحدَ يصرخُ
ولا أحدَ يعرف ليتكلمَ.)
فالأفعال الشتى هذه, هي محاولات لسلوك طرق الرب الكثيرة والوعرة التي تؤدي إلى الحالة الصامتة التي يضعك فيها الشاعر فلا تملك أمامها إلا تكون ساكنا غير متشح بالصراخ؛ حيث لا علم لك بشيئ.
ومبرر ذلك عن الشاعر لأن:
العقلُ في اللهِ
وعلى الإنسانِ
أن يدرك حقيقةَ وجودِهِ
العقلُ يمتنعُ عن الألمِ
والألم يمتنعُ
عن الحسِّ
والعقلِ
لا يمكن لقوانا الداخليةِ أن تنحلَّ
ولا يمكن لعيوننا أن تهدأ.
وعليه فهو يحمل الإنسان مسؤولية إدراك حقيقة وجوده – هكذا بكل بساطة فالعقل لايتألم والألم ذاته لا يُحس وغير معقول أيضاً.
يمكننا إذن أن نخلص إلى أن البعد الفلسفي الذي يتبناه الشاعر يجعلنا نتعاطف كثيرا مع الذات المتأملة ونرثي كثيرا أيضا للإنسان الذي يسلك طرقا وعرة في سبيل الحكمة الكبرى. وكم نحن متخبطون متسائلون دون إجابات ودون رحمات ودون إدراك لحقيقة وجودنا فلاشيء بات مؤكدا في ذلك الكون ولاشيء بات ظاهرا ظهور العدم وكينونته. فالقوة العظمى في هذا الكون هي تلك الحكمة الكبرى ذات الطرق الوعرة التي يتبنى السير فيها الفلاسفة بوذا والمسيح والحلاج ونيتشه وبيلاطس,وأنت رهن لكل المتاهات المتتالية التي تسلمك كل واحدة منها للأخرى, فالتساؤلات كلها مشروعة هذا إذا كنا نعلم ولدينا القدرة على الكلام
الخالدُ
لا يتلقى عن الفاني
والفاني لا يأخذُ عن الخالدِ
- كل الأنهار تجري إلى البحرِ
والبحر ليس بملآنٍ –
أية حكمةٍ في الموتِ
أية صيرورةٍ في الأبدِ
والأزلِ
نقطة البدايةِ
هي نفسها نقطةُ النهايةِ.
ويدور بك القصيد وتتجاذبك الأسئلة فالأنهار تجري إلى البحر والبحر لا يمتلئ كذلك العلاقة بين الفاني والخالد يكمن فيها التأمل وتمتشق الأسئلة كالحراب (أي حكمة في الموت وأية صيرورة في الأبد) ولا إجابات.
لكن الذات الشاعرة تورطك في إجابات للأسئلة هذه:
أن توجدَ يعني أن تفعلَ
أن تقتربَ من حقيقة الفعلِ واللافعلِ
- هو الهدفُ النهائيُّ للوجودِ
والحسِّ
من حقيقةِ الكلمةِ الواحدةِ
الكلمة الحقةِ
والأفعال الجمّةِ
ثم تعود بعدها لطرح أسئلة أخرى وتعيد نفس الأسئلة دونما إجابات أو حتى شكلٍ من أشكال التملص منها.
والرؤية القلسفية تفيد بأن الأسئلة ذاتها هي المرام والمقصد غلن تكون هناك إجابات على تلك الأسئلة ولن بكون تسليم بغير الحيرة والإقرار بأنها هي نفسها نقطة البداية ونعود في بحور الحيرة ونسأل نفس الأسئلة وغيرها لتفجعنا البداية مرات أخرى.
هل هي الوحدة أم هو انعدام الوزن في هذا الكون المتهم بأنه كون خرب؟ هل ضلت الروح الطريق فعلا إلى إجابة واحدة لكل الأسئلة؟ ما الذي يجعلنا نُعلق كالفضائح المدوية؟ وما الذي يصلبنا كخطايا أخطبوطبة؟ هل لأنه لا وجود لأيشيء ولكل شيئ؟:
معلقٌ أنا مثل فضحيةٍ مدويةٍ
ومصلوبٌ مثل خطيئةٍ بألف رأسِ
الصورتان تجبرانك على رسم مشهدين في عقلك أولها للقضيحة وليس للمتشبه بها والثاني للخطيئة ذات الألف رأس, فهل تستطيع منح الحياة أو سلبها لأي من المشهدين؟ فهما يجثمان على فكرك و قؤادك ويأسران مخيلتك ورؤيتك بما تم حقنهما به من اجتراء وطغيان واقتحام لوعيك المتلقي لكل هذا الزخم الصوري المدهش.
العقل والروح مسألتان أصيلتان في نشيد آدم الذي تغنى بالجسد الكامل وبفقاعات الجنس وباللاكائن الثابت وحده دون غيره وبموتورات الجاذبية التي تجعل الأرض والمجرة يطفآن الشمس ويعم الظلام.
وهما – أي العقل والروح – متلازمان في نشيد آدم، فالعقل الحائر الذي يطرح دوما تسؤلاته المشروعة عند أرباب الفلسفة جاء هذه المرة في هذه الدرة خالدا، وكلمته آمرة متشبها بالرجل في ثقافة الذات الشاعرة. أما الروح المزدهرة التي تشرق على الأرض فهي المرأة ذات النماء والصباحة والتبعل
لأنَّ العقلَ خالدُ وكلمته آمرة
لأن الروحَ مزدهرةٌ وتشرقُ على الأرضِ
كانتِ الكلمةُ
والشاعر متوزع بين الأضداد كلها لكن اختصار هذه الأضداد في مسألتي الشر والخير مقبول من أجل ذلك صدّر الرجل كتابه بآية سورة الأنبياء (ونبلوكم بالشر والخير فتنة) ثم ترد مقولة أرنست شتاولر عن الشكل المقيد والقاسي بلا رحمة فهو يريد أن يدخل بذاته في كل الأشياء وتأتي أخيرا درة فولفانج هلبيج الفلسفية ذات العمق (إلى متى سنصبر على غيابنا
لا أحد يلاحظ كم نحن ممتلئون بالسواد
كم نحن منسحبون إلى داخلنا
إلى ظلامنا)
من تلك العبارات الثلاث مجتمعة انطلق نشيد آدم مترنما مرة وصارخا مرات، ومتأملا كثيرا ومتسائلا بلا إجابات في اغلب الأحيان، وشاعرا حداثيا يحتفي بالصورة واللغة ومنشئا معمارا قويا ومتماسكا ومتجادلا بالفلسفة المجردة التي أفقدت النص كثيرا من الشاعرية وقليلا من الجمال مع بعض الإطناب في سرد التناقضات والتكرار الذي لا يخدم نصاعة النص وبريقه ووهجه.



#عبد_الحكم_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبقات الدكتاتور.. منابع للسرد في رواية حالة سقوط


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحكم سليمان - نشيد آدم.. بين احتدام الصورة الشعرية ومقاصد الفلسفة