موقف الرسول بولس من المرأة

وليد يوسف عطو

الحوار المتمدن-العدد: 3413 - 2011 / 7 / 1 - 12:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

نحن في البداية نريد ان نعطي الرسول بولس حقه، فهو ينتمي الى مجتمع ذكوري ابوي (بطرياركي) وهو المجتمع القديم سواء كان يهودياً او رومانياً. علاقة الرجل بالمرأة علاقة هرمية (الرجل رأس المرأة) هو مصدر السلطة والقوة والمنبع والقرار. لذلك يكون من العبث ان ننتظر من بولس نظرة عصرية لوضع المرأة، او نحرجه امام المحاكم بتهمة الاساءة للمرأة، ويلزم لكي نعطيه حقه ان نلتزم بثلاثة شروط:
1.عدم خلط خطاب بولس بخطاب لاحقيه من اباء الكنيسة او من الذين اضافوا على رسائله ما ليس فيها.
2.الحكم على الموقف انطلاقاً من فكرته الاساسية (ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد و لا حر، ليس ذكر ولا انثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع) غلاطية 3/28
3.لا يمكن تصنيف بولس من فئة المحافظين او التقدميين الا قياساً بالمجتمع في زمنه، فلا يجوز ان نقيس اراءه عن تحرير المرأة بمقاييس القرن الحادي والعشرين، ترجع حركة تحرير المرأة في اوربا الى ستينيات القرن الماضي.

مشكلة غطاء الرأس
ادخل بولس في جماعة كورنثوس العادة السائدة في المجتمع اليهودي وهي ان يصلي الرجال مكشوفي الرأس بينما تصلي النساء مغطيات الرأس. ارادت بعض النساء التحرر من الغطاء لأنهن شعرن بالحرية في المسيح: (المسيح قد حررنا فاثبتوا ولا تعودوا الى نير العبودية) غلاطية 5/1 وحيث ان العبودية في احد معانيها تعني الشريعة.
اوقع موقف النساء هذا بولس في حرج وسبب الحرج ان النساء كن اكثر مغالاة واكثر تحرراً في تطبيق شعارات بولس من بولس نفسه. كان بولس ينظر للمسألة من زاوية هوية المرأة، اذ انه كان قديماً ذو رمزية كبيرة ، (كان اليهود يساوون بين سدل المرأة لشعرها والزانية) لوقا 7/38 وكان من العار ان تحلق المرأة شعرها. رفض بولس تخلي النساء عن غطاء الرأس: (اريد ان تعلموا ان رأس كل رجل هو المسيح واما رأس المرأة فهو الرجل، ورأس المسيح هو الله. كل رجل يصلي او يتنبأ وله على رأسه شيء يشين رأسه، اما كل امرأة تصلي او تتنبأ ورأسها غير مغطى بشيء فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه) اكو 11/3-5
يقدم بولس ترتيب هرمي للخليقة، وعندما يقول ان الرجل رأس المرأة فأنه يقصد بذلك الاصل او المنبع او الحماية بمعنى السلطة. في فكر الرسول بولس عندما تتغاضى المرأة عن غطاء الرأس فأنها تلغي الفارق بين الجنسين وتتنكر لأنوثتها. لهذه الاسباب يرفض بولس ان تتخلى النساء عن غطاء الرأس. يؤدي التمسك بهذا الموقف الى تكريس علاقة هرمية بين الرجل والمرأة. يتفادى بولس الوقوع بهذا الفخ الذي وقع فيه عدد كبير من قرائه.
ان قراءة متأنية للنص تثبت انه يؤكد ثلاث مرات منطقاً نسميه التبادل والمساواة، هو الذي ينظم العلاقة المتوازنة بين الرجل والمرأة. بعد ان يقول (لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل) يضيف (لذلك يجب على المرأة ان تغطي رأسها علامة الخضوع) لأنها مجد الرجل، يقوده القول (غير ان الرجل ليس من دون المرأة) الى ان يضيف (ولا المرأة من دون الرجل). يتبع بولس النظام ذاته عندما يتعرض لموضوع الزواج: (اما المتزوجون فاوصيهم لا انا بل الرب ان لا تفارق المرأة رجلها) اكو 7-10، ثم يواصل فوراً (ولا يترك الرجل امراته) انه توازن في الواجبات. ويقول ايضاً (لا سلطة للمرأة على جسدها فهو لزوجها). ثم يكمل (كذلك الزوج لا سلطة له على جسده فهو لأمراته). انه توازن في المسؤوليات.
يكتب بولس في (1 تيمو 2/11-15) : (على المرأة ان تتعلم بصمت وخشوع تام، ولا اجيز للمرأة، ان تعلم او تتسلط على الرجل، بل عليها ان تلزم الهدوء، لأن ادم خلقه الله اولاً ثم المرأة. وما اغوى الشرير ادم بل اغوى المرأة فوقعت في المعصية ولكنها تخلص بالامومة اذا ما ثبتت على الايمان والمحبة والقداسة والرصانة). كثير من علماء الكتاب المقدس واللاهوت يقولون ان النص ليس من وضع بولس بل كتب بعده، هذا النص للنموذج النسائي السلبي المستسلم الخانع للرجل.
هذه الصورة النسائية الخطيرة والتي تؤهل فقط بالانجاب والامومة هي غريبة عن فكر وممارسات بولس ولا تنتمي اليه . وسيقوم وليد يوسف عطو بتحليل النص وتفكيكه. النص يتعارض مع الحرية في في المسيح كما كتب بولس في غلاطية 5/1 (المسيح قد حررنا فاثبتوا ولا تعودوا الى غير العبودية). النص يجعل المرأة في درجة ادنى من الرجل في حين يعلن بولس في رسائله المساواة ( ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا انثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع) غلاطية 3/28 فالمساواة موجودة . الكنيسة هم جماعة المؤمنين المتحدين بالمسيح والذين يقول عنهم بولس انهم جسد المسيح هم نساء ورجال . ان المرأة كما نقرأ في رسائل بولس وفي سفر اعمال الرسل كانت تعظ وتبشر بالانجيل وكان برسلها بولس كممثل عنه الى الكنائس تحمل رسائله كما في الرسالة الى روما (راجع ترجمة فاندايك). وكانت النساء يقمن بجمع الاموال والتبرعات لفقراء الكنيسة . يمدح بولس في نهاية رسالته الى روما ( رومية ) بفيبي خادمة كنيسة كنخريا (روما 16/1). كما يسلم على اكيلا وبريسكلا (روما 16/3). ومريم التي تعبث في الخدمة (روما 16/6)، واندرونكوس ويونياس، وهي امرأة شرفها بولس بلقب في رسالته الى روما . هذا نموذج لاسماء نسائية ذكرها بولس في رسالته الى روما . ثم كيف يطلب بولس من المرأة الصمت والتعليم يحتاج الى كلام؟ كما ان الخدمة في الكنيسة مثل الصلاة والتنبؤ تحتاج الى كلام فكيف يفرض عليها الصمت؟ اخيراً ان الرسول بولس في جميع رسائله لا يتحدث عن انجاب او امومة للمرأة. بل بالعكس هو يدعو الفتيات والفتيان غير المتزوجين الى عدم الزواج.
يكتب بولس في رسالته الاولى الى كنيسة كورنثوس (7/1-2): (واما من جهة ما كتبتم به اليَ، فخير للرجل ان لا يمس امرأة. ولكن، خوفاً من الزنى، فليكن لكل رجل امرأته..). ويكتب في نفس الرسالة (7/8-9) : (واقول لغير المتزوجين والارامل انه خير لهم ان يبقوا مثلي اما اذا كانوا غير قادرين على ضبط النفس، فليتزوجوا. فالزواج افضل من التحرق بالشهوة). ان موقف الرسول بولس من عدم الزواج ليس مرتبطاً فقط بفلسفة العرفان التي بحثناها في المباحث السابقة (موقف المسيحية من السلطة).
(ابليس.. اله اليهود واعداء يسوع). بل هناك سبب اهم وجوهري في عدم تفضيل بولس الزواج ودعوته للعزوبية والتبتل وعدم الانجاب والامومة. وهو اعتقاده واعتقاد الكنيسة وهو اعتقاد راسخ بأن المسيح سيعود للدينونة وللقضاء على الشر وابليس وسيقيم الموتى المؤمنين به ويخطف الاحياء الباقين المؤمنين به الى ملكوته السماوي. وهذا الايمان الراسخ بمجيء المسيح نجده في اغلب رسائله. نقرأ في رسالته الاولى الى كورنثوس (1/7) : (وانتم تنتظرون ظهور ربنا يسوع المسيح). وفي رسالته الى كنيسة فيلبي (4/5-6) : (مجيء الرب قريب، لا تقلقوا ابداً).
وفي رسالته الاولى الى كنيسة تسالونيكي (4/ 15-18) : (ونقول لكم ماقاله الرب، وهو اننا نحن الاحياء الباقين الى مجيء الرب لن نتقدم الذين رقدوا، لأن الرب نفسه سينزل من السماء عند الهتاف ونداء رئيس الملائكة وصوت بوق الله، فيقوم اولاً الذين ماتوا في المسيح، ثم نخطف معهم في السحاب، نحن الاحياء الباقين، لملاقاة الرب في الفضاء، فنكون كل حين مع الرب، فليشجع بعضكم بعضاً بهذا الكلام).
وفي رسالته الاولى الى كنيسة كورنثوس (11/30): يشير الى الذين يسيئون الى جسد المسيح ويتناولونه دون استحقاق (أي الخبز والشراب) سينالون دينونة (لذلك كثر فيكم المرضى والضعفاء ومات بعضكم) اكو (11/30). وهكذا ترى عزيزي القارئ ان النص في (اتيموثاوس 2/11-15) يتعارض مع فكر الرسول وممارساته. كما ان النص التالي في (اكو 14/4 3 و35) يثير مشكلة ايضاً (فلتصمت نساؤكم في الكنائس وليخضعن كما تقول الشريعة، فأن اردن ان يتعلمن شيئاً فليسألن ازواجهن في البيت لأنه عيب على المرأة ان تتكلم في الكنيسة) لندقق جيد في هذا النص والكلام لوليد يوسف عطو. لا يستند بولس في كتاباته الى الناموس الطقسي، ثم هذا النص يتعارض مع الحرية في المسيح (غلاطية 5/1) : (المسيح قد حررنا فاثبتوا ولا تعودوا الى نير العبودية). ويتعارض مع مبدأ المساواة والتبرير بالايمان كما جاء في غلاطية (3/28) : (ليس يهودي ولا يوناني، ليس عبد ولا حر، ليس ذكر ولا انثى، لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع). ثم هذا النص يطلب من النساء الصمت يتعارض مع ما كتبه بولس في (1 كو 11/5) : النص (اما كل امرأة تصلي او تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها). اذ ان الصلاة والتنبؤ لا يكونان الا بالكلام فكيف يطلب منهن بولس الصمت؟ لذلك قالت بعض الكنائس ان بولس يفرض الصمت لأن النساء كن يثرثرن، ولكن بولس هنا لا يتحدث عن ثرثرة النساء. لذا لا يمكن ان يكون هذا النص من كتابة الرسول بولس. بل مقحم على اصل الرسالة.
منحت الهوية المنفتحة الافراد في الجماعات التي اسسها بولس حق المساواة وكشف الجدل حول غطاء الرأس مسألة هامة في كورنثوس حيث مارس الرجال والنساء العبادة من صلاة وتنبؤ وجمع التبرعات وغيرها من الخدمات. هذا الامر غير مألوف. كانت النساء تماماً مثل الرجال تمارس في الجماعات وظائف سميت في ما بعد خدمات. تشهد رسائل بولس بالعدد الكبير من النساء في الكنائس.
لقد كان بولس مثال الثوري في عصره. حيث لم تصل المرأة بعد الفي عام الى مكانة المرأة في الكنائس التي اسسها بولس .
المادة الاساسية للبحث منقولة ومقتبسة بتصرف من كتاب (بولس الطرسوسي، الرجل الذي قاوم الله) بقلم دانيال مارجيورا ترجمة الاب الدكتور كميل وليمن اصدارات دار الثقافة، القاهرة ط1 2006.

مصادر اخرى دخلت في هذا المبحث
2.مجلة الفكر المسيحي: العدد المزدوج 445-446 لشهري ايار-حزيران 2009 مقال بعنوان (ارسل الله ابنه مولوداً لأمراة) للخوري بولس الفغالي. وهو موجود على النيت
3.الفكر اللاهوتي في رسائل الرسول بولس للدكتور القس فهيم عزيز، اصدار دار الثقافة، القاهرة .

#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات