عارف الماضي
الحوار المتمدن-العدد: 3412 - 2011 / 6 / 30 - 21:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قبل التجوال في واحات الفكر الاجتماعي وبداياته ومراحل نضجه وتطوره التاريخي , نرى من الضرورة تعريف قارئنا الكريم بعلم الاجتماع, والتطرق بأيجاز للظواهر الاجتماعيه وتعريفها وميزاتها قبل أن نتقفى أثر المراحل التاريخيه لتطور الفكر الاجتماعي ,فعلم الاجتماع هو العلم الذي يدرس المجتمع.. او كما عرفه (روجز) بكونه( الدراسه العلميه للناس وعلاقاتهم ضمن المجاميع الاجتماعيه), وقد أصبح لهذا العلم فروعاً متخصصه تجاوزت الثمانية عشر فرعاً, تبدء بعلم الاجتماع العام مروراً بعلوم الاجتماع البدوي والريفي والحضري والتربوي و الديني والصناعي وعلم السكان وعلم المجموعه وعلم الاجتماع السياسي وفروع اخرى0
ولكن(الظواهر الاجتماعيه) وتفسيرها كانت منذُالبدايه هي صُلب علم الاجتماع وجوهره , والظواهر الاجتماعيه وكما عرفها(مصطفى الخشاب) بكونها أساليب وقوالب واوضاع للتفكير والعمل الأنساني يزاولها الافراد ويصبون أعمالهم فيها في كل مجالاتهم الاجتماعيه, وعلى مقربه من هذا فاننا نجد أنفسنا أمام مفهوم أخر عُرف ب(العقل الجمعي group mind) والذي وصفه الدكتور سعفان , بأنه مصدر التيارات والافكار الاجتماعيه والعواصف وأنواع الشعور والتي بدورها تكون الظواهر الاجتماعيه0
وفي مايخص ميزات تلك الظواهر, فأهمها هي أن بيئة الظاهره الاجتماعيه هو المجتمع أي أنها تحصل في وسط اجتماعي, مثل الهجره من الريف الى المدينه وبذلك فهي تختلف عن الظواهر النفسيه حيث هي ظواهر فرديه(كالخجل) مثلاً, وكذلك فهي تختلف عن الظواهر الطبيعيه (كتمدد اسلاك النحاس) على سبيل المثال, والميزه الاخرى للظواهر الاجتماعيه, فليس للفرد قدره سحريه على أزالة هذه الظاهره الاجتماعيه او لكثير من المهتمين بكونها تاريخيه, وثمة ميزه أخرى بكون تلك الظواهر أغلب الاحيان تكون مُلزمه! للفرد فقد يتعرض الفرد الى ضغوط نتيجة عدم الالتزام بها0
وبعد هذا الاطراء البسيط.. ماعلينا الا العوده لعنوان بحثنا الا وهو تطور الفكر الاجتماعي, فلكون الانسان كائن اجتماعي وحياته الاجتماعيه تُملي عليه بالضروره وجود نوع من التفكير الاجتماعي ومن اجل تنظيم حياته والسيطره عليها وتحقيق افضل مستوى للعيش, ولكن بدايات هذا التفكير كانت عشوائيه واوليه وكان مبنياً على التأمل والخيال.. ومتأثر الى حد كبير بعوامل لاموضوعيه جعلته وخلال الالاف السنين بعيداً عن الدراسه العلميه المنهجيه , فكان التفكير السائد في العصور القديمه في الهند القديمه ومصر ووادي الرافدين كان قريبه من ألتأملات الفلسفيه .. ولكنها مهدت الطريق الى مراحل تاليه حيث أطلت( الفلسفه اليونانيه) والتي تمثلت في افكار افلاطون وجمهوريته الفاضله ولكن افكاره كانت بعيده عن الواقع لكونها مثاليه.. فجاء تلميذهُ ارسطو ليتجاوز هذه الافكار الى افكار واراء واقعيه رغم عدم اتباعه الاسلوب العلمي في دراسة لشتى الظواهر لعدم بزوغ مثل تلك الاساليب في تلك العصور العتيقه, ومع ذلك فكانت للأخير اّراء مثيره في زمانه , نقرأ منها وصفه الانسان باعتباره (حيوان سياسي) أي انه مرتبط تمام الارتباط بالمجتمع ,وغيرها فهو ينظر للمجتمع بكونه وحده متكامله كالمخلوق يخضع لقوانين الولاده والنمو والموت او الزوال, وان التغيير هو الشرط الوحيد لحياة المجتمع0
مرحلة(بن خلدون)0
وبعد مرحلة أرسطو فأننا ورغم تجاوزنا غير المقصود لعشرات القرون,نجد أنفسنا في ربوع مرحلة (بن خلدون 1332-1406) م , والذي عٌرف بأشهر علماء العرب في علم الاجتماع والذي كان يسمى حينها (بعلم العمران) حيث ولد الأخير في تونس وتوفى في القاهره
فقد أعتمد بن خلدون أسلوب الدراسه التحليليه وليس الوصفيه ,وبذلك تنحى عن التفكير التأملي والذي كان سائداً في الفلسفه اليونانيه سالفة الذكر... عندما اوضح بأن هنالك قوانين تحكم الظواهر الاجتماعيه.. وقد أسهم في خطوتين في بناء المنهج العلمي فكانت الاولى أنتقاده لمن سبقه ,والثانيه في تحليله للظاهره الاجتماعيه, وقد أعتمد بن خلدون في خطوتهِ الاولى على اقتصار الكتّاب والمؤرخين الذي سبقوه على مجرد نقل الاخبار دون مقارنه وهذا قد يؤدي الى زللُ في جادة الصواب, وقد كان مٌحقاَ في نقله هذا وقد أكد على عدم الاستقلاليه في أعطاء الرأي فقد كان هنالك أستقطاب للأراء والمذاهب,وكذلك فهو أبدى عدم الثقه بالناقلين, أي عدم ركون الباحث الى هذه الثقه, وغيرها فقد نَََبَهَ عن تقرب العلماء والمؤرخين والباحثين الى أصحاب المراتب العليا بالمدحٍ والثناء, مؤكداً جهل من سبقهُ من المؤرخين والباحثين بطبائع الاحوال في علم العمران0
ولقد كان منهج بن خلدون يشمل مرحلتين,اولهما (حسيه) وهي ملاحظة الظاهره الاجتماعيه وتحديدها وجمع المعلومات عنها معتمداً على المشاهدات والمراجع التاريخيه, وثانيهما(مرحله عقليه) وهي المرحله التي يجري فيها التعامل مع المعلومات الاوليه والحقائق ومن اجل التوصل الى الغرض الذي وضع للدراسه والكشف على المدى البعيد للقوانين والتي تسير وتطور الظاهره الاجتماعيه بموجبها,
وعليه فقد أصبح فكر بن خلدون ركيزه للباحثين وبداية الطريق الصحيح لتفسير الظواهر الاجتماعيه0
مرحلة اوكسنت كونت0
وهو الفيلسوف الفرنسي والذي يعتبرمن المؤسسين(لعلم الاجتماع الحديث),حيث يرى كونت أن هناك أسلوبين لتفسير الظواهر الاجتماعيه ,اولها اسلوب علمي موضوعي يُبنى على أساس الحقائق العلميه
وثانيهما:الأسلوب الميتافيزيقي والذي يسبب الفوضى داخل المجتمع!, كما يرى أن لعلم الأجتماع قسمين احدهما الاجتماع الثابت social static وألأخر هو الاجتماع المتغير
social dynamic,وقد يتناول الفرع الاول الوحدات التحليليه:وهي النُظم أو الوحدات التركيبيه للمجتمع والنظام العائلي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويّكون علم الاجتماع أستناداَ لذلك العلاقات الاجتماعيه المتبادله بين هذه النُظم والوحدات الاجتماعيه, وبمفهوم أخر معني بدراسة تفاعل أجزاء المجتمع مع بعضها0
أما مايتعلق بالديناميكيه الاجتماعيه, فيقصد بها الحركه وماينتج عنها من تغير وتطور داخل المجتمع0
ولكن كونت قد قسم المجتمع الى ثلاث مراحل, وحسب وجهة نظره, كانت المرحله الاولىدينيه, والثانيه فلسفيه(ماوراء الطبيعه) والمرحله الثالثه سماها بالمرحله العلميه00
ولكن هذا لن يكن كل شيئ فقد برزت بعد مرحلة اوكسنت كونت نظريات حديثه لتفسير الظواهر الاجتماعيه كان ابرزها
1.المدرسه العضويه: والتي كان منظرها(هربرت سبنسر) وفاد هذه المدرسه , هو أن المجتمع يتكون من أجزاء مختلفه مكمله بعضها للبعض الاخر0
2.المدرسه النفسيه(السايكولوجيه): والتي أسسها(جبرائيل تارد) والذي يعزي الظواهر الاجتماعيه الى الصفات السايكولوجيه الشخصيه ويقول في جوهرها أن الحياة الاجتماعيه هي ناتج لعاملين أحدهما الاختراع والاخر هو التقليد0
3.المدرسه الاجتماعيه:وكان قائدها العالم الفرنسي(دوركهايم) وتسمى مدرسة العقل الجمعي والذي أشرت له في بحثنا هذا ,حيث ان للمجموعه عقل أوسع بكثير من العقل الفردي0
4. النظريه التبادليه او التفاعليه: وكانت هذه النظريه تمثل أراء العالمين ,جورج هربرت وتشارلز كولي,وهي تمثل الموقف الوسط بين النظريه النفسيه والنظريه الاجتماعيه. حيث تفسر الظاهره الاجتماعيه على أساس تفاعل الفرد والمجتمع0
وفي مسك ختام بحثنا المتواضع هذا فلا بد من الاشاره الى مرحله اجتماعيه عراقيه مهمه في سفر الفكر الاجتماعي ,الا وهي مرحلة عالم الاجتماع العراقي الخالد(الدكتور علي الوردي) والذي عاصر القرن الماضي , حيث كانت آراءه ووقفاته في مؤلفاته العديده والتي تعرضت للمجتمع بشكل عام والمجتمع العراقي بشكل خاص,لتكون تلك الآراء المُثيره للاهتمام مره, والمحققه للجدل المٌزمن مره أخرى بين الكثير من المهتمين والباحثين وقد يطفوا هذا الاهتمام وذلك الجدل على سطح الروافد الفكريه الاجتماعيه حقبه زمنيه قادمه قد تدوم قرون عديده0
عارف الماضي
#عارف_الماضي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
