أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية















المزيد.....



منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 3409 - 2011 / 6 / 27 - 15:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



يعود تاريخ ظهور منظمة الى الأمام ضمن منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، الى بداية النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي . اما تأسيسها بصفة رسمية فيعود الى 20 غشت 1970 بعد ان كانت منظمة 23 مارس الماركسية قد تأسست في 23 مارس 1970 . وقد ضمت هذه المنظومة الماركسية مجموعة من الحركات والمنظمات التي تأثرت في أدبياتها السياسية والإيديولوجية وحتى التنظيمية ، بمجموعة من الأفكار والنظريات الفلسفية الرافضة لكل ما هم مؤسساتي ورسمي ، والتي سادت العالم منذ النصف الثاني من الستينات ، وخاصة وقد زكى هذه الظاهرة الجديدة في ذلك الوقت ، العديد من المحطات التاريخية التي أقنعت شباب تلك الفترة بصحة الأطروحات الرائجة التي جاءت على أنقاض الفلسفة والمذاهب السائدة في أوربة وبالولايات المتحدة الأمريكية ، وكان أهمها العمل لتجاوز الأفكار الستالينية المتزمتة والرجعية التي أنتجتها الأحزاب الشيوعية الستالينية العربية والاروبية التابعة لموسكو ، ورغم محاولة هذه الأحزاب الستالينية إضفاء نوع من التمييز بسبب الخصوصية ، أي ما كان يسمى بأحزاب الآروشيوعية ، خاصة منها الحزب الشيوعي الايطالي والحزب الشيوعي الفرنسي أيام زعيمه جورج مارشي الذي أيد ربيع براغ في هنغاريا .
وقد سوت هذه الحركات الشبابية الثورية والاجتماعية بين الاتحاد السوفيتي السابق وبين الولايات المتحدة الأمريكية حين اعتبرت الأول امبريالية اشتراكية يمارس نهب الدول باسم الثورية المفترى عليها ، اما الثانية فهي امبريالية رأسمالية تخدم مصالح الشركات الكبرى من خلال نهب استعمار واحتلال الدول الضعيفة لخدمة أجندة لا علاقة لها بحقوق الإنسان او بالديمقراطية الداخلية . لقد شمل النقد أوجها عديدة شملت البنية التنظيمية لهذه الأحزاب وتوجهاتها الفكرية والإيديولوجية ،تم أشكال ارتباطها مع مصالح استخباراتية كانت تثير الريبة والشك لدا زعماء تلك الحركات الرفضوية . اما في عالمنا العربي مصر ، تونس ، العراق ، سورية ،الأردن ،فلسطين والمغرب ، فقد جاءت تلك المنظمات على أنقاض الأحزاب الشيوعية الكلاسيكية من جهة ، والأحزاب البعثية والقومية والوطنية من جهة أخرى ( حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ) ، فحكمت بإفلاس مشروعها السياسي والإيديولوجي والتنظيمي التي استنزف في مرحلة النضال ضد النظام الكلونيالي . ومثل باقي الدول العربية فقد ظهرت بالمغرب منظمات وحركات عديدة ، كان أبرزها منظمة الى الأمام التي انشقت عن حزب التحرر والاشتراكية الذي تحول الى حزب التقدم والاشتراكية ، ومنظمة 23 مارس التي انشقت عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، تم حركة لنخدم الشعب التي انفصلت عن منظمة 23 مارس في يناير 1972 . وإضافة إلى هذه المنظمات التي كونت يسار السبعينات ، ظهرت بعض الحركات المتطرفة ذات طابع محلي وعنصري مثل ( حركة اسود الريف ) التي أسسها سليم رضوان ، الشعلة ، التكتليون .. لخ .الملاحظ ان هذه الحركات لم تعمر طويلا ، فسرعان ما عاود أصحابها الانتماء الى كبريات منظمات الحركة الماركسية اللينينة المغربية ( منظمة الى الأمام ومنظمة 23 مارس ) . وللإشارة فان هذه الانسحابات والانشقاقات التي عرفتها الأحزاب السياسية ،لم تكن الوحيدة التي عرفتها الخريطة الحزبية . لقد عرف الاتحاد الوطني / الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انسحابات أخرى لأشخاص كونوا تنظيمات مستقلة . ان قرارات 30 يوليو 1972 كانت قطيعة تنظيمية وإيديولوجية مع تجربة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيخرج عنه حزب جديد عرف في سنة 1974 بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . كما ان هذا الأخير سيعرف مباشرة بعد عقد المؤتمر الوطني الاستثنائي في سنة 1975 خروج مجموعة الفقيه محمد البصري التي كانت تسمى باروبة الغربية وبسورية والعراق بحركة الاختيار الثوري .وفي 3 مارس 1983 ستنسحب مجموعة أخرى عرفت بمجموعة ( اللجنة الإدارية الوطنية ) التي ستؤسس لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ، هذا دون ان نتجاهل انسحاب مجموعة النقابي نوبير الأموي وتأسيسه لحزب المؤتمر الاتحادي ، وانسحاب مجموعة الأستاذ بوزوبع وتأسيسها للحزب الاشتراكي ، وانسحاب مجموعة الوفاء للديمقراطية وانخراطها في الحزب الاشتراكي الموحد ، اما انسحاب عبدا لكريم بنعتيق فسيسفر عن إنشاء الحزب العمالي . وبعد طرد الفقيه محمد البصري في سنة 1982 من طرف مجموعة حركة الاختيار الثوري ، على اثر بيان باريس حلت هذه الحركة نفسها والتحقت مجددا مع رابطة العمل الثوري بالمغرب التي كانت تعرف ب ( الوحدة والنضال ) التي انشقت بدورها عن منظمة 23 مارس ، بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي . لقد حصل انسحاب آخر من مجموعة 23 مارس الاتجاه اليميني الذي أسس لتجربة أنوال ( الانواليين ) التي تحولت الى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي . هذه المنظمة عرفت انسحاب مجموعة إدريس البصري التي كونت الحزب الاشتراكي الديمقراطي . وانسحبت مجموعة نفس الوزير من حزب التقدم والاشتراكية ولتأسس لحزب ( جبهة القوى الديمقراطية ) . ويلاحظ ان تجربة منظمة العمل سيتم الإجهاز عليها لصالح ترتيبات انتهت بالاندماج مع مجموعة ( الوفاء للديمقراطية ) في الحزب الاشتراكي الموحد .
إجمالا نستنتج ان تاريخ اليسار في المغرب ، هو تاريخ انقسامات وانشقاقات ليس بسبب اختلاف في الفهم الإيديولوجي والتنظيمي ،بل بسبب المصالح وتوزيع مناطق النفوذ . والسؤال هنا : هل هذه الخاصية التي يعرف بها اليسار المغربي تعتبر ظاهرة صحية ام انها تشكل ورما خبيثا يضعف الجميع أمام قوة التنظيمات الإسلامية المسيطرة في الساحة خاصة جماعة العدل والإحسان ؟ . وإذا كان هناك أكثر من طرف يتبنى تجربة منظمة الى الأمام ( النهج الديمقراطي )الذي يشكل الامتداد اليميني التحريفي للمنظمة غداة تأسيسها في بداية السبعينات ، ( النهج الديمقراطي القاعدي ) ( التوجه القاعدي ) ( القاعديون التقدميون ) ، وهي نفس الحلقات قادت الصراع غداة الإعداد للمؤتمر الوطني السادس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في مواجهة الحلف الثلاثي الذي تكون من فصيل أنصار ك د ش ( الاتحاد الاشتراكي – المكتب السياسي )،فصيل الطلبة الديمقراطيون ( منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ) وفصيل الطلبة الوحدويون ( حزب التقدم والاشتراكية ) . لقد تكونت تلك التيارات التي كانت تتحرك باسم القاعديين من : ( النهج الديمقراطي ) ، ( الطلبة القاعديون ) ، ( الطلبة التقدميون ) ، الطلبة المجالسيون ) و ( الطلبة أنصار المجالس ) ، حيث تحالف هؤلاء مع فصيل رفاق الشهداء ، رفاق المهدي وعمر ) الذي كان محسوبا عن يسار الاتحاد الاشتراكي ( اللجنة الإدارية الوطنية ) . هذا قبل ان يظهر الطلبة الثوريون بشكل لا باس به كما هو الحال اليوم في بعض المواقع الجامعية .
الفصل الأول : ظروف نشأة منظمة إلى الأمام : لقد ظلت منظمة الى الأمام منذ تأسيسها بصفة رسمية في غشت 1970 تعيش أزمة سياسية مستمرة لم تستطيع تجاوزها باعتبارها أزمة بنيوية لا ترتبط فقط بالتوجهات الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية لهذه المجموعات ، بل ترتبط كذلك بوجودها كمنظم ، وبطبيعة المشروع السياسي الذي نظرت له منذ انفصالها عن حزب التحرر والاشتراكية . وان الصراع الذي تفجر منذ سنة 1976 من القرن الماضي داخل مختلف التنظيمات السياسية وبما فيها منظمة الى الأمام ،لم يبق صراعا محدودا في قضايا تتعلق بالتوجهات الإيديولوجية والتنظيمية لهذه المجموعات ، ولكنه شمل مختلف الأشكال المرتبطة بوجودها وتاريخها وظاهرة بروزها في المجتمع . وهنا من الطبيعي ان يكون التاريخ موضوع صراع حاد لما يرتبط به من آراء حول التاريخ الاجتماعي والسياسي للمجتمع بأكمله ، ولما توظف في إطاره هذه الآراء من دفاع عن تصورات سياسية حول الوضع الحالي للبلاد بما في ذلك المجموعات وآفاق مستقبلها .
لقد نشأت منظمة الى الأمام كغيرها من مجموعات الشباب في إطار الظروف السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع المغربي خلال سنوات 67 والى سنوات 1970 والتي تميزت باحتداد التناقضات السياسية في البلاد ، تلك التناقضات التي كانت نفسها وليدة صراع اجتماعي ابتدأ منذ مؤامرة النصف الأول من الستينات ( أحداث 16 يوليو 1963 ) ضد الملكية . وقد تعددت أشكاله حيث تميز بالعنف والحدة في عدة مراحل عاشها المغرب بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية وقواه السياسية ، تمحور حول الاختيارات والتوجهات الاجتماعية المتناقضة التي بدأت تتضح أكثر فأكثر بعد تراجع النظام الكلونيالي عن المغرب ،،، واذا كانت أحزاب البرجوازية الصغيرة والحركات الشعبوية التي كانت تطمح الى إقامة نظام برجوازية الدولة على شاكلة النظام الناصري والبعثي والجزائري خاصة في فترة بن بلة ، قد فشلت في انجاز مشروعها العام بسبب الحلقية والنخبوية وبسبب حب المغامرة وحتى بسبب الخيانة التي تسببت في انشقاق 30 يوليوز 1972 ( فرع الرباط في مواجهة فرع الدار البيضاء في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ) ، ثم ما تلى ذلك من أحداث 3 مارس 1973 بجبال الأطلس المتوسط وببعض المدن المغربية ،،، فانه في خضم هذه الأحداث ، مضافا إليها أحداث أخرى مثل مظاهرات 23 مارس 1965 ، انتفاضة بعض القبائل مثل قبيلة ولاد خليفة ، وممارسة الازدواجية في الكواليس بين القصر وبين أحزاب برجوازية الدولة ، إضافة الى عوامل خارجية أخرى مثل انتفاضة الطلاب في اروبة في ماي 1968 ( جامعة السوربون) التي تأثرت بأفكار العديد من المفكرين والسياسيين الذين اثروا في تلك المرحلة مثل جورج لوكاتش،لوسيان غولدمان ،مارشال شاتز ، برودون ، باكونين ، غيفارا ، هوشيمين ، ماوتسي تونغ ، جياب ..ثم الصراع الصيني – السوفيتي ، واعتبار الصين علم ثالثي ثوري لجمعها بين العمال والفلاحين ،،، تبنت منظمة الى الأمام جميع الأطروحات وأدبيات الحزب الشيوعي الصيني ، وأساليب الصراع السياسي الصيني التي انتهجها حزب ماو تسيتونغ خلال الثورة الثقافية ، وهي الأساليب التي تستند إيديولوجيا على الفهم الصيني الثنائي للدياليكتيك ، أي في أي شيء يوجد ضدان متصادمان . ضدان اثنان بالمعنى الحسابي . فداخل الحزب مثلا يوجد خطان ، الخط البرجوازي الإصلاحي ، والخط البروليتاري الثوري . واذا حدث ان تواجدت عدة خطوط أخرى ، فاحدها يكون بروليتاريا ، اما الخطوط الأخرى فهي منوعات لا غير . وان الاتجاه المسيطر هو الذي كان يتقرر في صحة هذا الخط او في خطئه . ان الاختلاف مع اتجاه او فكرة معينة ،إما ان يرفع المرء الى قمة الخط البروليتاري ، او انه يهبط به إلى حضيض الدفاع عن مصالح الطبقة البرجوازية ..لخ . ففي هذا الخضم من الأحداث والتجاذب السياسي والإيديولوجي في داخل المغرب وخارجه شهدت الجامعة المغربية ميلاد المجموعات اليسارية المختلفة ، كان من أهمها صلابة منظمة الى الأمام .
لقد ساد رأي داخل منظمة الى الأمام والمجموعات اليسارية الأخرى ، يعتبر بروز هذه الظاهرة ارتبط بمرحلة مد ثوري عرفه المجتمع المغربي خلال سنوات 67 و 68 و 69 و 1970 عبرت عنه الجماهير بتجاوز الأحزاب السياسية الإصلاحية ، فطرحت من ثم بديلها الثوري التاريخي الذي جاء تأسيس منظمتي الى الأمام و 23 مارس ، والانفصال عن الأحزاب تعبيرا ن ذاك التحول واستجابة له ، وعليه فان الانفصال وتأسيس تلك التنظيمات يعد في نظر أصحابها موقفا ثوريا ومكسبا للجماهير ونواة لأداتها الثورية . واذا كان هذا الرأي يحاول ان يقدم تلك المجموعات اليسارية باعتبارها النتاج الرئيسي للتطورات السياسية والاجتماعية التي عاشها المغرب آنذاك ومحورها الثوري الوحيد ، فان انشقاقها عن الأحزاب السياسية كان نتيجة مباشرة لمواقف برزت بشكل رئيسي من وضع القطاع الطلابي الذي كان يعرف بعض المشاكل النقابية والسياسية ، وانطلاقا من الخلافات التي برزت داخل الحركة الطلابية حول تلك المشاكل بذات بعض المجموعات الطلابية المرتبطة بحزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب التحرر والاشتراكية ، تحاول إعطاء الخلافات أبعادا تتجاوز القطاع الطلابي والمشاكل المحيطة به . وفي هذا الخضم نادت منظمة الى الأمام الى مشروع نظري وسياسي تمحور حول تشكيل بديل ثوري للأحزاب السياسية يقود الطبقات والفئات الشعبية نحو الثورة لإقامة نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية . وكان أهم ما استطاع هذا اليسار المتطرف القيام به لبلوغ مشروعه الإيديولوجي العام ، تلك الوحدة التي جمعت بين منظمة الى الأمام ومنظمة 23 مارس في حلف جبهوي ثوري خاصة بالجامعة ضد الحكم وضد الأحزاب ، وهذا ما سماه احد اطر هذا اليسار الذي يشغل اليوم سفيرا للمغرب بالأرجنتين عبد القادر الشاوي في كتابه " بتجربة الحلم والغبار 1970 – 1974 " .
الفصل الثاني : فترات تطور منظمة إلى الأمام : مرت منظمة الى الأمام منذ تأسيسها في 20 غشت 1970 الى حين انفجارها في سنة 1979 بثلاث فترات متميزة بعض الشيء عن بعضها .
الفترة الأولى تمتد من 1970 الى حدود 1972 وهي فترة نشأة المجموعات اليسارية بالجامعة . لقد عرفت منظمة الى الأمام كغيرها من المجموعات اليسارية خلال هذه الفترة نوعا مما يمكن ان نسميه مجازا بالازدهار مقارنة مقارنة لوضعها لما بعد سنة 1972 . وكان يجد الإقبال العددي على الاتجاهات اليسارية بصفة عامة خلال هذه الفترة أسبابه وأسسه الموضوعية في الأوضاع التي عرفتها الجامعة والمدارس العليا والثانويات التي تميزت بإضرابات طويلة ، ومظاهرات كان يتخللها العنف بين الطلبة وبين القوات العمومية ، وصلت الى حد مقتل شرطي بحي يعقوب المنصور الشعبي بمدينة الرباط في سنة 1972 . فكان من الطبيعي وسط هذا الجو الطلابي المشحون بنفحات ثورية ، وتأثير باقي الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك عليه ، ان تظهر نزعات التطرف اليساري وتؤدي في تلك الظروف الى بروز المجموعات اليسارية التي أثرت بدورها في هذا الواقع عن طريق نشر الفكر المتطرف والمغامر وسط شباب المدارس والكليات ، وجدت فيه ما يدعم وجودها ويمنحها القدرة على الاستقطاب والاستمرار .وهذا طبعا ما حفز منظمة الى الأمام كغيرها من المجموعات اليسارية على طرح ورفع شعار الجمهورية كما هو الشأن اليوم حيث يعيد التاريخ نفسه بشكل هزلي .
الفترة الثانية وتبتدئ مع نهاية 1972 وتستمر الى ما بعد سنة 1974 وبشكل أدق الى سنة 1977 ، وفيها بدا يسجل مظاهر التراجع النسبي في المسيرة النضالية لمنظمة الى الأمام مقارنة مع الفترة الممتدة من 1970 الى 1974 ، وذلك بسبب المواقف المتطرفة التي اتخذتها مع منظمة 23 مارس خلال النضالات التي خاضها التلاميذ والطلبة خلال السنوات الدراسية 70 – 71 – و1972 ، وكان في مقدمة هذه المواقف رفض الوداديات بعد ان كان التلاميذ قد انتزعوها بالنضالات ، تم الدعوة الى لاستمرار الإضراب اللامحدود ، ومقاطعة امتحانات نهاية السنة الدراسية بما في ذلك امتحان الباكالورية ، وفي نفس الوقت الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس النقابة الوطنية للتلاميذ التي ارتبطت عضويا بمنظمة الى الأمام ومنظمة 23 مارس . لقد عاش التلاميذ في الثانويات أول تجربة مع جبهة الطلبة التقدميين المكونة من المنظمتين أعلاه الى جانب حركة لنخدم الشعب . وجربوا مواقف يسارية أدت بهم الى ضياع السنة الدراسية ، وما ترتب عنها من انعكاسات سلبية مثل تكرار السنة والطرد من المدارس ، إضافة الى الاعتقالات التي شملت أعدادا كبيرة . اما داخل الطلبة فان ممارسات المنظمات اليسارية المتطرفة ،وبعد انفرادها بقيادة المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب خلال المؤتمر الوطني الخامس عشر المنعقد بكلية العلوم بالرباط في غشت 1972 ،،، أدخلت الطلبة في طريق مسدود اتضح جيدا بعد حظر المنظمة الطلابية في 24 يناير 1973 . ولقد ساهمت الاعتقالات التي طالت صفوف هذه المنظمات في تعميق ازمة وضعيتها . وقد جاءت التطورات التي عرفتها المملكة مع انطلاق أحداث 3 مارس 1973 بجبال الأطلس المتوسط ، والانقلابان العسكريان 71 و 72 ، واتساع موجة الاعتقالات الواسعة التي عرفها المغرب بعد كل هذه الأحداث لتزيد من مشاكل هذه المنظمات . ورغم أنها حاولت طيلة السنوات من 74 والى 1978 الخروج من هذه الوضعية ، لكن كان ذلك بدون نتيجة ، حيث أدت محاكمة يناير – فبراير 1977 بالدار البيضاء بهذه المجموعات الى عزلتها في وقت لاحق . وللإشارة فان هذه العزلة ستزداد بعد سنة 1974 بعد بروز قضية الصحراء المغربية كقضية ذات حساسية سياسية دقيقة لمستقبل المغرب الإقليمي والدولي . لقد استغلت الدولة عزلتها التي تعمقت مع النهج اليساري الذي تدعم بالتعامل الخاطئ مع مسالة الصحراء ، فوجهت لها ضربات قاضية من سنوات 74 والى 78 . وفي سنة 1979 عرفت منظمة الى الأمام انسحابات أخرى على اثر برقية التهنئة التي وجهتها الى الرئيس الجزائري الشاذلي بنجد يد بعد انتخابه رئيسا للجزائر ، وبسبب حضور المنظمة احتفالات ومؤتمرات جبهة البوليساريو في تندوف وباروبة الغربية .
الفصل الثالث : الفكر الإيديولوجي والسياسي لمنظمة الى الإمام : بعد النهاية التي وصلت إليها منظمة الى الإمام بعد محاكمة يناير – فبراير 77، بعد ان كانت تطمح منذ تأسيسها ان صبح حزبا ثوريا يقود الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء نحو انجاز الثورة وإقامة الجمهورية ، نطرح تساؤلات كثيرة حول أسباب الفشل في تحقيق المشروع الإيديولوجي العام الذي وظفت كل مجهودها الفكري والسياسي والتنظيمي لتجسيده في الواقع . هل ان أسباب الفشل تتعلق بخلل وانحراف في إطار المشروع نفسه ؟ ام انه يتجاوز هذا الحد الى جوهر المشروع نفسه الذي تشكل منظمة الى الأمام جزءا لا يتجزأ منه ؟ تم ما هي طبيعة الأزمة التي عاشتها المنظمة مع باقي المجموعات اليسارية الأخرى ؟ .
اذا كان الوعي بالأزمة الإيديولوجية العامة للماركسية قد جاء متأخرا ، أي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي المنحل ، وجدار برلين ، زميل الصين التدريجي نحو نظام السوق ، حيث تحولت الآن الى امبريالية رأسمالية تغزو الأسواق والقارات ، فان أزمة المنظمات اليسارية ومن ضمنها منظمة الى الأمام قديمة نشأت معها ، وارتبطت بالمشروع ذاته ، مشروع تحويل مجموعات طلابية الى حزب ثوري ينوب عن العمال والفلاحين ، تم الانتقال من التعبير الفكري والسياسي عن فئات طلابية برجوازية ومصلحية ، الى محاولة التمثيل الطبقي والسياسي والإيديولوجي للبروليتارية والتعبير عن مصالحها الطبقية لانجاز الثورة .
ان التساؤل عن جوهر هذا المشروع في حد ذاته ، مسالة ظلت منظمة الى الأمام ترفضها محاولة بذلك حصر وتوجيه النقاش عن الأزمة في إطار المشروع ذاته . ان هذا الموقف يجسد في الحقيقة وعيا ناقصا بالأزمة ، أي غير ناضج يظل في حدود البحث في النتائج ولا يتجاوز الى البحث الى البحث في الأسباب . لقد ولد هذا الرأي لدا العديد من من مناضلي الى الأمام الذين عاشوا أزمتها مراهنة مهزوزة على إمكانية تصحيح مسيرتها عن طريق تصحيح بعض مواقفها وممارساتها ، وأشكال علاقاتها الداخلية والمراهنة على تغييرها من الداخل ، وهو موقف لا يخرج عن جوهر البنية الفكرية والسياسية لمختلف مجموعات الشباب المثقف التي كانت تعتقد بقدرتها على خلق البديل الثوري في المغرب .
ان من المسائل النظرية المعقدة التي تطرح بحدة بالنسبة لكل باحث ومحلل لتجربة منظمة الى الأمام والمجموعات اليسارية الأخرى ، هي مسالة الارتباط بالجماهير ، أي القفزة النوعية من تنظيم طلابي الى تنظيم عمالي فلاحي وجماهيري . لقد طرحت منظمة الى الأمام على نفسها هذه المهمة منذ انشقاقها عن حزب التحرر والاشتراكية ، وتزايدت حدة طرحها خاصة بعد سنة 1972 ، حيث ظلت مقتنعة نظريا وسياسيا بإمكانية انجاز تلك المهمة وبقدرتها على تحقيقها . لذا سعت نحو هذا الهدف لمدة اكثر من ثمانية وثلاثون سنة أي حتى اليوم من خلال روافدها حزب النهج الديمقراطي ، النهج الديمقراطي القاعدي ، التوجه القاعدي ، القاعديون التقدميون ، إلا أن النتيجة كانت ودائما العجز عن تجاوز تأثيرها السياسي بعض المدارس والثانويات والجامعة بوجه عام . اذن لماذا عجزت منظمة الى الأمام في خلق وبناء الحزب العمالي ألفلاحي ؟ .
ان منظمة الى الأمام ظهرت داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كتيار طلابي لا غير ، وفي ظروف تاريخية محددة . وظهورها في هذا الوسط ارتبط بوضع نقابي وسياسي داخل الحركة الطلابية ، فلم تكن بذلك غير اتجاه سياسي طلابي من بين اتجاهات سياسية طلابية برزت خلال تلك الفترة من القرن الماضي وتواصل الان من خلال روافدها المذكورة أعلاه ومجترة نفس الأخطاء التي عطلت المنظمة عن مسارها الطبيعي ،لذلك تحاول كل من هذه التيارات بهذا القدر او ذاك من التعبير عن مصالح الشبيبة التعليمية المباشرة وعن النزاعات الإيديولوجية التمردية بمختلف أشكالها التي برزت داخلها آنذاك . ومن هذا المنطلق حاول كل اتجاه توسيع تأثيره السياسي والتنظيمي وبسط هيمنته في الساحة والحقل السياسيين . هكذا كانت مجموعة الى الأمام مرتبطة اجتماعيا وسياسيا وإيديولوجيا وتنظيميا بالطلبة والتلاميذ . وان انطلاقها من هذا الموقع ومحاولة نقل تأثيرها السياسي والإيديولوجي وتواجدها التنظيمي وسط الطبقة العاملة والفلاحين كانت محاولة يائسة . فرغم ان منظمة الى الأمام اعتقدت منذ تأسيسها بان خطتها الإيديولوجية ستدفع الجماهير تلقائيا الى الثورة ، إلا أنها اعتبرت نفسها منذ الوهلة الاولى محور النضال والتغيير في المجتمع ، وبذلك طرحت على نفسها مهمة تزعم هذا العمل ، الأمر الذي جعلها تقف في نفس الخندق مع التيارات اليسارية الأخرى التي ظهرت ما بين 69 و 72 على نفس الأرضية الفكرية مع وجود بعض التمايز الطفيف بينهم .
لقد آمنت منظمة الى الأمام حتى النخاع بإمكانية قيادتها تزعم الطبقات الثورية ، معتبرة نفسها حجر الزاوية والمحور الأساس في انجاز الثورة . لذا فهي ظلت تعتقد ان بروزها في حد ذاته يجسد تحولا ثوريا في المجتمع ، وتحولا تاريخيا في الوعي السياسي للشعب المغربي على غرار وعيها الذي كانت تعتبره الوعي الثوري في البلاد ، فقامت بعملية إسقاط لمسار بروزها على المجتمع ككل ، مطابقة بينها كمجموعة طلابية ظهرت في شروط وظروف معينة ، وبين الجماهير الكادحة معتقدة ان هذه قد تجاوزت الأحزاب الإصلاحية وأصبحت قاب قوسين او أدنى من الثورة . ان هذا التصور في مخيلة قادة منظمة الى الأمام كانت تغديه بعض المظاهر الجزئية في المجتمع آنذاك مثل انتفاضة بعض القبائل من اجل الأرض ، مظاهرات التلاميذ والطلبة ، ثم حصول بعض الهزات العنيفة ... بعيدا عن العمل السياسي الواعي والمتبصر من اجل ثورة اجتماعية لم ولن تحصل رغم الاعتصام والمسيرات والتظاهرات والإضرابات ثم المسيرات التي يعرفها مغرب محمد السادس اليوم . ان هذا التطابق بين بروز منظمة الى الأمام وبين بروز الوعي الثوري لدا الجماهير قادها إلى إيمانية عمياء ، فاعتبرت نفسها محور هذا البروز ومركزه ، ومن ثم منحت نفسها أهلية تاريخية لزعامة الثورة ، وهكذا اعتبرت ان مسالة توسيع تأثيرها السياسي وتواجدها التنظيمي ليشمل الطبقة العاملة وباقي الطبقات والفئات الشعبية لا تتعلق الا بقرار سياسي ذاتي يقضي بإرسال بعض أعضائها الى المراكز العمالية والفلاحية لنشر الدعوة والتبشير بالثورة .
ان النظرة الذاتية للتاريخ ادت بمنظمة الى الأمام الى اعتبار نفسها محوره ، ومالكة للحقيقة ، وخارجه لا توجد اية حقيقة . واذا كان الفكر الذي بلور هذا التصور ، ينطلق ظاهريا من تقديس الجماهير التي حانت علي والحسين ، فانه في الحقيقة يجسد احتقارا سياسيا لها ، فانجاز الثورة وبناء الحزب الثوري الاداة الثورية التي ستقلب الأوضاع رأسا على عقب ،،، كلها في نظر منظمة الى الأمام تعلق في نهاية الأمر بالقيادة الثورية التي لم تكن في الحقيقة غير مجموعة من التلاميذ والطلاب ، وبعض الأساتذة والمعلمين وبعض المهندسين . فالثورة تتوقف على صياغة شعاراتها ودعوة الجماهير إليها على يد تلك المجموعات . والحزب كأداة ثورية يتحدد من خلال قدرته على استقطاب العمال والفلاحين الى صفوف تلك المجموعات . وعندما تتحدث منظمة الى الأمام عن القيادة الثورية للبروليتارية ، فهي لم تكن تقصد غير نفسها لمجرد انها ترفع شعارات وصيغ من الأدب الماركسي ، او من تجارب بعض الشعوب مثل الصين او الفيتنام ، فتحولها الى قوالب جامدة صالحة لجميع الظروف والأحوال والشعوب . ومن خلال هذا الإيمان الأعمى بحتمية الثورة ذهبت منظمة الى الأمام للعمال محاولة قيادة نضالاتهم السياسية والنقابية في إطار الشعار الذي كانت تردده " التجدر داخل الطبقة العاملة " " لكل معركة جماهيرية صداها في الجامعة " .
لقد ذهبت منظمة الى الأمام الى العمال وهي تعتقد انها ستتمكن من الوصول الى قيادتهم سياسيا وتنظيميا ، لا لشيء سوى انها تردد مثل الببغاء أطروحات وصيغ ماركسية ، وترغب إراديا في الثورة ، وهذا في نظرها كافيا لجعل الطبقة العاملة تسير وراءها . فالانتقال بالنسبة لها من تيار طلابي الى حزب عمالي يتم عن طريق التوجه الى تلك الطبقات بالدعاية والتحريض بواسطة المناشير والاستقطاب . لقد كانت حصيلة هذا التوجه خلال سنوات ، ورغم آلاف المناشير التي ملئت بها أبواب المعامل هزيلة للغاية . ان تشكيل تنظيم طلابي فكرا وممارسة والنزوع به نحو قيادة الطبقة العاملة ، موقف مثالي لا علاقة له بالماركسية ، بل هو من صميم الإيديولوجية الماركوزية التي انتشرت في العالم بعد أحداث مايو 1968 بفرنسا والتي تمنح الطلبة دور القيادة السياسية في عملية التغيير بدل الطبقات التي يؤهلها واقعها الموضوعي في المجتمع للقيام بهذا الدور. ان منظمة الى الأمام كمجموعة يسارية برزت وسط الطلبة والتلاميذ ، فكان من الطبيعي ان تتأثر بالإيديولوجيات المختلفة الموجودة في المجتمع او المتسربة اليه من مجتمعات أخرى كالفوضوية النقابية والنزعة المغامرة ، او إيديولوجية النخبة المثقفة من غيفارية وكاستروية وتروتسكية ،،، وان تتأثر كذلك بطبيعة القطاع الذي ظهرت فيه الطلبة والتلاميذ الذي يتسم بعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي ، والهامشية في علاقته بمنظومة الإنتاج ، تم صغر السن وضعف التجربة الاجتماعية والممارسة السياسية ،،، كل هذه المميزات وغيرها كثير تجعل تعامله مع الواقع تعاملا ثقافيا بالأساس انسجاما مع دوره الاجتماعي كقطاع وظيفته اولا وقبل كل شيء ثقافية .
ان تنظيما ينشا ويتربى وسط هذا القطاع لا بد وان يجسد في فكره وممارسته السمات العامة للثقافة ويتأثر بها ، وذلك شيء طبيعي تماما ، اذ ان التنظيمات ليست مستقلة عن الوسط الاجتماعي والطبقي والسياسي الذي تتواجد فيه ، بل ان دورها في الصراع الاجتماعي او الطبقي او قدرتها على التأثير في المجتمع يلعب فيها وسطها الاجتماعي دورا حاسما . ان هذه الحقيقة العلمية طبعت موقف وممارسة منظمة الى الأمام ، و باقي المجموعات اليسارية الأخرى منذ نشأتها . فلقد تعاملت مع مفهوم الثورة انطلاقا من نماذج جاهزة سوفيتية وصينية او غيرها ، بحيث شكلت النماذج الجاهزة نقطة محورية في الفكر الإيديولوجي والسياسي لمجموعة منظمة الى الأمام . فالثورة المغربية بالنسبة لها ستكون تكرارا لشريط الثورة في روسيا ، بما في ذلك انتفاضة 1905 التي فشلت ، وهذه كانت تسمى عند المنظمة بالانطلاقة الثورية التي لا بد في وجهة نظرها من فشلها لنجاح الثورة بالمغرب .
بعد سنة 1972 اصحب النموذج الصيني هو التصور الاستراتيجي لذا قيادة منظمة الى الأمام . هكذا تصورت جميع مراحل الثورة من قواعد حمراء متحركة الى قواعد حمراء ثابتة ، الى غير ذلك من الأشكال التي مرت بها الثورة الصينية التي تبنتها منظمة الى الأمام بطريقة مبتذلة وكصيغة جامدة . هكذا نجد ان هذا التعامل الكتبي مع الواقع المغربي، أدى الى ان تأتي اغلب المواقف والتصورات التي بلورتها لا علاقة لها بالأوضاع والتطورات التي عرفها المغرب ، وغالبا ما كانت بتنظيراتها السياسية تقف على النقيض تماما مع الواقع العيني ، مثل تقييمها للواقع السياسي بعد أحداث 3 مارس 1973 ، فهي اعتبرت ان أي شيء لم يتغير في البلاد ، وان أزمة النظام مازالت قائمة ، وعزلته الطبقية والسياسية تتعمق ، وان الجماهير تعيش مدا نضاليا ثوريا متصاعدا .. لخ . كل هذه التقييمات كانت في الوقت الذي كان فيه المغرب قد تمكن من تجاوز التناقضات التي عاشها على اثر الانقلابين العسكريين ، فاتجه نحو اختيارات اقتصادية جديدة كالمغربة ورفع ثمن الفوسفات ، واسترجاع أراضي المعمرين التي سيطر عليها المعمرون الجدد ، وصدور قانون الاستثمار ..لخ . كل هذا الجديد هيأ أسس تحالف القصر مع البرجوازية ، هذا التحالف الذي عبر عن نفسه بشكل واضح عندما تمكن النظام من طرح قضية الصحراء المغربية التي حققت إجماعا ملتفا حول القصر كمركز يرفع راية التحرير . وفي هذا الإطار يمكن فهم الأسباب التي لعبت دورا رئيسيا في صياغة مقررات المؤتمر الوطني الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في سنة 1975 ،ثم استعداد الجناح اليميني الإصلاحي في منظمة 23 مارس تبني مواقف مساندة لمغربية الصحراء ، ومعبرا عن استعداد نضج سياسي واعي عرف فيما بعد بمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي . وتناقضا مع هذا الجديد في الساحة ، وفي إطار الجهل بالواقع وقوانينه الموضوعية ، كانت منظمة الى الأمام تتأثر في عملها السياسي اليومي ، وتنبهر ببعض المظاهر الاجتماعية البارزة في الصراع الاجتماعي اليومي ، فعلى ضوئها كانت تقيم تصورات ونظريات العمل السياسي ، وليس على دراسة الواقع دراسة علمية شاملة من اجل تفسير تلك الظواهر نفسها والتي قد تكون ثانوية في واقع الصراع الاجتماعي إحدى تعبيراته الهامشية ، الأمر الذي كان يؤدي بها الى اعتبار تلك الظواهر نماذج سامية في النضال الثوري تسعى من خلال استعمالها في التحريض المستمر الى تحميس الجماهير لها . هكذا كانت نماذج انتفاضة 23 مارس 1965 ، وانتفاضة بعض القبائل ، ومظاهرات التلاميذ والطلبة ، والإضرابات القطاعية . .لخ هي منطلق دعايتها السياسية معتقدة ان ترديدها المتواصل والإشادة بها سيذكي حماس الجماهير نحو الثورة .
وانسجاما مع هذه الرؤية حضت مسالة العنف بمكانة بارزة في تفكير منظمة الى الأمام ، فأشادت به ورفعته الى مستوى التقديس ، بل اتخذت العنف كمقياس للتمييز بين الأساليب الثورية في النضال والأساليب الإصلاحية . ومن وجهة نظرها وحسب اعتقاد أطرها ، كل ما هو عنيف ثوري ، وكل ما هو غير عنيف إصلاحي ، حيث لم تكن إشادتها ببعض النماذج الجاهزة تخرج عن هذا الاعتقاد . كما ان تحاليلها عن العنف تعج بالتنظيرات حول مناطق الصدام والقواعد الحمراء المتحركة والقواعد الحمراء الثابتة ،،، الى غير ذلك من العبارات الرنانة . واذا كانت هذه التعابير لا تتعدى في الغالب مستوى اللفظ العنيف ، فإنها تنم في نفس الوقت عن رسوخ العديد من المفاهيم النظرية المتطرفة في البنية الفكرية لمنظمة الى الأمام والاتجاهات اليسراوية المرتبطة بها ، وهي مفاهيم تتطور وتتعمق بمقدار تعميق أزمة القيادة في المنظمة ، وغلوهم في تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي بطريقة متياسرة .
الفصل الرابع : العمل السري والعمل العلني في المفهوم الاستراتيجي لمنظمة الى الأمام : شكلت قضية العمل السري والحلقي الضيق ، والعمل الجماهيري العلني مسالة أساسية في التخطيط الاستراتيجي لمنظمة الى الأمام . فموقفها من هذين المسالتين يعتبر أساسيا في الفكر الفوضوي للمنظمة ، ولعبا دورا هاما في تجربتها . لقد اعتبرت منظمة الى الأمام ان من بين العوامل الأساسية التي أدت الى إفلاس مزعوم للأحزاب الإصلاحية ، هو لجوئها الى العمل العلني بدل العمل السري . وبذلك اتخذت المنظمة منذ انطلاقتها الأولى العمل السري كمبدأ أساسي يحدد وجودها في الساحة ، كما اعتبرته من المبادئ الرئيسية في العمل الثوري لا يقبل النقاش ، بل ومثل العنف الثوري يعتبر العمل السري هو ما يميز في نظرها التنظيم الثوري من الإصلاحي ، أي رفعت بهما إلى مرتبة التقديس . ولهذا كانت في انتقاداتها للأحزاب الإصلاحية تصفها بالأحزاب الرسمية ، وهذا في نظرها كان كافيا لإثبات إفلاس حتمي لتلك الأحزاب . انه نفس الوقف اتخذته منظمة الى الأمام من النقابات العمالية العلنية ، فاعتبرتها غير فاعلة ومن غير الممكن ان تكون وسيلة تأطير وقيادة للنضالات النقابية ، فدعت لتجاوز الإطارات النقابية العلنية وتكوين نقابات سرية . ففي هذا الإطار رفضت منظمة الى الأمام الوداديات كتنظيم للتلاميذ في المدارس الثانوية التي تشكلت فيها ، فاتهمتها بالعمالة للأحزاب والأجهزة الأمنية ، وأسست بديلها مع منظمة 23 مارس " النقابة الوطنية للتلاميذ " التي لم تكن لها في حقيقة الأمر أي علاقة بالنقابة غير الاسم الذي اتخذ غطاء مموها لنشاط المنظمتين ( الى الأمام و 23 مارس ) في الثانويات ، حيث لم يكن ينتمي الى هذه النقابة سوى الأشخاص المرتبطين عضويا بهاتين المنظمتين .
بعد حل المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 24 يناير 1973 ، وهو الحل الذي دام ست سنوات الى حين انعقاد المؤتمر الوطني السادس عشر للمنظمة الطلابية ، رفعت الجبهة الماركسية المغربية نداء للتأسيس لمنظمة نقابية طلابية سرية رغم رفض الطلبة ( الاتحاديين والتحرريين ) لهذا الشعار المتطرف ، فاستمرت المحاولات لتكوين إطارات تابعة لجبهة الطلبة التقدميين في وسط الطلبة واعتبارها إطارات نقابية ، الا ان الدعوة لبناء نقابة سرية من الطلبة كما هو الشأن وسط التلاميذ ، لم يكن لها أي صدى يذكر في الجامعة ،حيث ظلت الجماهير الطلابية متشبثة بإطارها الممنوع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ، ورغم ذلك استمرت منظمة الى الأمام في التشبث بهذا المطلب حتى بعد رفع الحظر عن ( ا و ط م ) في سنة 1978 .
لقد كانت دعوة منظمة الى الأمام الى تشكيل اللجان العمالية السرية داخل الطبقة العاملة تسير في نفس الاتجاه . فكانت هذه الدعوة مقرونة بالتهجم على قيادة الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين ، وفيما بعد استمر نفس التهجم على قيادة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل بعد إنشائها في سنة 1978 بدعوى ارتباطها بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . وللتذكير فان الدعوة لتأسيس إطارات نقابية سرية ظلت تتحكم في تفكير منظمة الى الأمام السياسي ، وكانت تجسد في المناشير التي كانت توزعها في أبواب المعامل والمصانع وبالعديد من الضيعات الفلاحية . ان السؤال الذي يجب طرحه في هذا الصدد : لماذا تشبثت منظمة الى الأمام بالعمل السري ورفعته الى درجة القداسة ؟ . ان منظمة الى الأمام في تقييمها لتجربة الأحزاب التي كانت تصفها بالإصلاحية ، اعتبرت ان عدم لجوئها الى السرية في التنظيم وفي العمل السياسي يعد سببا هاما ومباشرا في القمع الذي لحقها وعدم نجاحها في إنجاح الثورة . وان طريق العمل العلني لن يؤدي في نظرها سوى الى الإفلاس السياسي والتنظيمي لانه طريق إصلاحي . وبهذا اجتهدت منظمة الى الأمام في التنظير للسرية الى ان أصبحت بالنسبة لها منذ المراحل الأولى لوجودها حدا فاصلا في مواجهة الحكم وفي مواجهة القمع وشرطا أساسيا لاستمرارها كمنظمة ثورية . هذا جعلها تراهن في كل شيء على السرية كخيار كان استراتيجيا للوصول الى نظام الجمهورية .
هكذا نجد ان السرية شكلت في مفهوم منظمة الى الأمام إحدى مرتكزات وجودها السياسي والتنظيمي ، وكان تاثيرها كبيرا في بنيتها الفكرية ، فكرست بذلك جزءا كبيرا من وقتها ونشاطها من اجل ضبط التنظيم وتطوير تقنياته ، فسادت نتيجة ذلك الشبكية والبيروقراطية وعبادة الشخصية في العلاقات الداخلية بين أفرادها ، فاصحب همها الأساسي عند توزيع منشورات او حصول اعتقال وفي كل نشاط سياسي ، هو دراسة تقنيات التنظيم والسرية ومحاولة تلافي نتاج حتمية لموقف سياسي خاطئ بأساليب تقنية . هكذا إذن كانت منظمة الى الأمام تمارس عملها السري وترفض بشكل مبدئي العمل العلني والإمكانيات التي يوفرها المجتمع . وبموقفها هذا ، إضافة الى المواقف الأخرى التي اشرنا لها لم تتميز منظمة الى الأمام عن المنظمات اليسارية التي برزت في العالم منذ عهد لينين وحتى الآن .
وضمن خط الرفض الشامل ، رفضت منظمة الى الأمام البرلمان مبدئي واعتبرته لعبة رجعية الهدف منها تدويخ الجماهير وإلهائها ، وتحريف وعيها وصدها عن الثورة ، وهذا الموقف هو جزء من رفضها للديمقراطية البرلمانية معتبرة ان محاربتها تعد من المهمات الرئيسية للثوريين في مجتمع متخلف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وتسوده القبيلة والبنية العرقية .
ان تقييم منظمة الى الأمام لواقع البلاد ولمستوى وعي الجماهير ، دفع بها الى اعتبار ان المسالة الديمقراطية قد تم تجاوزها موضوعيا ، وأصبحت مرفوضا بشكل واعي من طرف الجماهير . ومن هذا المنطلق المغلوط والاعتقاد الساذج ، هاجمت منظمة الى الأمام الأحزاب السياسية الإصلاحية التي كانت تشارك في الانتخابات ، فاعتبرتها ذيلية للنظام وجزءا منه ، وخادمة لمخططاته الرجعية ، بل ان منظمة الى الأمام اعتبرت ان دفع الجماهير للمساهمة والمشاركة في الانتخابات البرلمانية والجماعية بصفة عامة موقف رجعي . وفي إطار تشبثها المبدئي برفض الديمقراطية البرلمانية ، رفعت منظمة الى الأمام شعار إفلاسها كل مرة قررت الدولة ومعها الأحزاب الدخول في تجربة انتخابية جديدة ، بل ان موقفها من الديمقراطية البرلمانية لا ينفصل عن موقفها من الإصلاحات السياسية والاجتماعية . ان موقفها نهائي وقاطع . انها مع الفوضى وضد أي إصلاح ، وضد من يطالب به في ظل الواقع الذي يوجد فيه المغرب ، ففي نظرها ان الإصلاحات السياسية والاجتماعية غير ممكنة التحقيق في الوضع الحالي للبلاد وفي ظل النظام الملكي . ومن هنا اجتهدت المنظمة في عملية مدروسة للتعتيم على الوضع وإبرازه شكل ظلامي ، كما رفضت البحث في جذور التطورات التي يعرفها الصراع الاجتماعي والسياسي . فالوضع بالنسبة لها اما ابيض او اسود . وما دامت الثورة لم تنجز فالسائد في المجتمع في نظرها هو الظلام الدامس . واما ان تستطيع الأحزاب الإصلاحية في ظل ظروف معينة ان تفرض بعض الإصلاحات الاجتماعية والإصلاحية ، ومن ضمنها بناء مؤسسات تمثيلية وطنية ومحلية ، ذاك شيء خيالي في نظرها .
تلك هي الخلفية الإيديولوجية والسياسية التي استندت عليها منظمة الى الأمام عندما وصفت الأحزاب بالرجعية . وبهذه المواقف كانت المنظمة مخلصة في تمسكها بالفكر اليساري وبأبرز مظاهره ، ولم يكن ترديدها المتواصل لبعض الكلمات والجمل الماركسية إلا تجسيدا لأهم مميزات النزعة اليسارية التي تختار بشكل انتقائي ودغمائي كل ما يدعم بنيتها الفكرية والسياسية الجامدة . ان التعامل الكتبي مع الماركسية كشعارات وجمل معزولة تستخدم كوصفات جاهزة للرد على كل تطور ، هو ما يميز مجموعة الشباب المتعلم الذي ظهر متياسرا فوضويا منذ غشت 1970 ، وبما فيها مجموعة الى الأمام التي كان رصيدها السياسي والثقافي لا يتجاوز هذا السقف .
الفصل الخامس : منظمة الى الإمام والأحزاب السياسية : يكتسي الموقف من الأحزاب السياسية التي كانت تشكل المعارضة البرجوازية والمعارضة الشعبوية او بعض اتجاهات البرجوازية الصغيرة ، اهمية بالغة سواء على المستوى النظري العام او على المستوى العملي الملموس في التفكير السياسي والنظري لمنظمة الى الامام وللمجموات اليسراوية المرتبطة بها . ان هذا الموقف كان يشكل محورا اساسيا في البنية النظرية عند تحديد التناقضات داخل المجتمع وعند إفراز وتصنيف الأعداء المباشرين والمحتملين ثم الحلفاء . وان أي خلط نظري فلسفي على هذا المستوى قد ينعكس على الممارسات وعلى المواقف السياسية التي قد تقود أصحابها عمليا الى اتخاذ موقف متناقض مع ما هو مسطر في البرنامج العام للتنظيم ، وهذا يحصل بغض النظر عن وعي او غياب وعي المنظرين والمدافعين عن هذا الموقف .
لذا فان الموقف من الأحزاب لم يكن ثانويا او جزئيا ، بل كان منظورا سياسيا تجسد من خلاله التوجه السياسي والإيديولوجي العام لأية قوة او هيئات سياسية في البلاد ، وخاصة عندما يصير ذاك المنظور يمارس كنهج ثابت في إطار العلاقة بين الثانوي والرئيسي .لذا فان تقييم مواقف مجموعة الى الأمام من الأحزاب السياسية البرجوازية يساهم وبشكل كبير في الكشف عن جوهر فكرها العام و اختياراتها السياسية و الموضع الذي صنفت فيه عبر مراحل تواجدها منذ تأسيسها بصفة رسمية في 20 غشت 1970 والى اليوم في حلتها الجديدة الموزعة بين حزب النهج الديمقراطي الذي يجسد الاتجاه اليميني البرجوازي والتحريفي للمنظمة ، والتنظيمات التي تحاول التمسك بالمنظمة كما ظهرت في بدايتها الاولى ، وهؤلاء يتوزعون بين تيار النهج الديمقراطي القاعدي (البرنامج المرحلي ) ، التوجه القاعدي ، القاعديون التقدميون ، الممانعون ، والقاعديون . ويلاحظ في المواقع الطلابية حصول تحالف بين انصار حزب النهج و التيارات التروتسكية ( رابطة العمل الشيوعي ) ثم الممانعون والتوجه القاعدي في مواجهة النهج الديمقراطي القاعدي الذي يمثل الاتجاه الأكثر تطرفا وتأزما للتنظيمات اليسارية المتطرفة .
لقد قامت منظمة الى الأمام كغيرها من مجموعات الشباب المتياسر في نهاية الستينات وكما هو الحال اليوم على رفض كلي للأحزاب البرجوازية السياسية في البلاد ، مصنفة اياها كعدو رئيسي وليس ثانوي الى جانب الأحزاب اليمينية والحركات الاسلاموية التي تمثلت آنذاك في حركة ( الشبيبة الإسلامية ) وحركة الدكتور الخطيب ، وتتمثل اليوم في السلفية الجهادية وفي جماعة العدل والإحسان كما في حزب العدالة والتنمية . ولقد عبر الشعار الذي رفعته منظمة الى الامام " لا أحزاب لا رجعية حرب التحرير الشعبية " قمة ما وصل اليه الفكر اليساري المتطرف ، ومن هذه الزاوية انطلقت منظمة الى الأمام تدين الأحزاب والحزبية ، واعتبرت أنها تتحمل المسؤولية الرئيسية في الارتدادات والنكسات التي تعرضت لها حركة التحرير الثورية المغربية التي عبرت عنها عدة محطات مختلفة كانت انتفاضة 23 مارس 1965 ، ومظاهرات 20 يونيو 1981 ومظاهرات 1984 .فكان هذا كافيا في نظر منظمة الى الأمام ومنظمة 23 مارس وتوابع المنظمة الأولى اليوم بوصف هذه الأحزاب بالخيانة والواطئ ،،،الى غير ذلك من التصنيفات والتشنيع التي تستعمل في الحسم التنظيمي والسياسي في غالب الأحيان . ان هذا الاعتقاد دفع بهؤلاء الشباب الذي تأثر التي كانت ترد الى المغرب من الخارج خاصة من فرنسا ، الى الاعتبار تلك الأحزاب لا تمثل الا نفسها ، بل هي عبارة من مجموعات من محترفي السياسة لا تحركهم سوى المصالح الشخصية والنفعية . ان هذا التحليل يجد أسسه في البنية الفكرية للمجموعات المتطرفة التي اعتبرت جميع الأحزاب بالبلاد من الحكم ، وفي نظرها تكون هذه الأحزاب مجموعات طفيلة معزولة عن الطبقات الشعبية . فالنظام الملكي حسب المنظمة عبارة عن كمشة حاكمة تستمد جذورها من خدمة الامبريالية و من ثم فهو لا يمثل مصالح طبقية لطبقة او طبقات اجتماعية متعددة . اما البرجوازية الصغيرة والمتوسطة فلا وجود لمن يمثل مصالحهما الطبقية بين الأحزاب السياسية . ومقابل هذه النظرة والتحليل السلبي منحت مجموعة الى الأمام نفسها مهمة التعبير عن المصالح الطبقية لهذه الفئات إضافة الى العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين ،رغم ان اطر ومناضلي المنظمة هم مجرد طلاب وتلاميذ وبعض الأساتذة والمعلمين والمهندسين ،،، وكنتيجة لموقفها السلبي المشكك في الأحزاب ، ناهضت منظمة الى الأمام الحزبية كرد فعل على الأوضاع التي عرفها المغرب بعد جل التقلبات التي عرفها الحقل السياسي المغربي ، فكانت بذلك تدعو الى معاداة الأحزاب يمينها ويسارها وتضعها في صف واحد مع النظام .
أمام هذا الموقف الذي سقطت فيه منظمة الى الأمام ، ومن منطلق رفض أي تعامل مع الأحزاب ، حاولت المنظمة الى جانب منظمة 23 مارس تعويض تواجد الأحزاب وسط الطلبة ، والانفراد بالنقابة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب حيث تمكنت المنظمة الى جانب منظمة 23 مارس من السيطرة على النقابة ابان التحضير للمؤتمر الوطني الخامس عشر الذي انعقد في غشت 1972 بكلية العلوم بالرباط ، فكان رئيس المنظمة الطلابية من منظمة الى الأمام الأستاذ عبدا لعزيز لمنبهي ، ونائبه من منظمة 23 مارس الأستاذ عبد الواحد بالكبير . يلاحظ ان نفس الهدف كان يحركها داخل الوسط ألتلاميذي ، الأمر الذي أدى الى خلق نقابة سرية تابعة لها سياسيا وتنظيميا ، كانت هي النقابة الوطنية للتلاميذ . اما داخل الحركة العمالية فقد اعتبرت منظمة الى الأمام ان عدوها الرئيسي تجسده قيادة الاتحاد المغربي للشغل ، فحاولت إسقاط فكرها اليساري على الطبقة العاملة لمحاولة إظهارها خلافا للواقع ، على أنها تجاوزت المركزية النقابية المذكورة ، فلم تكن بذلك اللجان العمالية السرية التي دعت اليها إلا بديلا فوضويا في صيغة ثورية لنقابة الاتحاد . وكانت النتيجة المنطقية لموقفها هذا اعتبار المركزية النقابية بمثابة التناقض الرئيسي وسط الطبقة العاملة ، الأمر الذي يدعو الى المواجهة بنفس القوة وبخط متوازي في مواجهتها الحكم والأحزاب والقيادة البيروقراطية للنقابة .
وعندما طرحت قضية الصحراء المغربية ، ورغم الحجم الذي خلقته واتخذته في الوضع العام للبلاد ، لم تكلف منظمة الى الأمام نفسها عناء القيام بدراسة علمية للمشكلة التي افتعلتها الجزائر ليبيا واسبانيا ، بل زعمت ان الأمر يتعلق بمناورة حبكت خيوطها بطريقة مشتركة بين الامبريالية والحكم والأحزاب ، فاتخذت بذلك من قضية الصحراء سببا للطعن في الأحزاب التي أيدت مغربية الصحراء خاصة الجناح اليميني لمنظمة 23 مارس الذي تحول الى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي المنحلة ، فاتهمت بذلك الأحزاب المؤيدة لمغربية الصحراء بالعمالة والذيلية للنظام . لذا فهي ، أي منظمة الى الأمام انطلقت في إستراتيجيتها تذكي الإيديولوجية اليسارية وسط الشبيبة التعليمية ، وأصبح همها الرئيسي هو ترديد شعار تقرير المصير بمناسبة او غير مناسبة ، كما وجدتها فرصة سانحة للإكثار من توزيع المناشير في الجامعات والكليات ، وهي تعتقد انها بهذه الممارسة ستتوصل الى إقناع الجماهير والمهتمين بصحة موقفها ، فتوفر من ثم لنفسها شروط الخروج من العزلة التي أوصلتها لها مواقفها المتطرفة .
ان منظمة الى الأمام لم تقف عند هذا الحد في موقفها من قضية الصحراء المغربية ، لكنها اتخذت من هذه القضية ومن إمكانية نشوب حرب إقليمية منطلقا لتنظيرات إستراتيجية جديدة أعادت من خلالها صياغة وتطوير فكرها اليساري المتطرف . هكذا نظرت في بداية سنة 1977 لنظرية الثورة في المغرب العربي ، تحتل فيها مسالة قيام جمهورية صحراوية موقعا محوريا ، وهي حسب هذه النظرية تعتبر الخطوة الأولى نحو الثورة بالمنطقة . ومن هذا المنطلق رفعت منظمة الى الأمام شعارها التكتيكي الذي لا يخرج عن التركيز عن العمل السياسي والتنظيمي في الجنوب المغربي تحضيرا لمباشرة العمل المسلح بالمنطقة من اجل ضرب القواعد الخلفية للجيش الملكي ، ومن ثم تسهيل شروط إجراء الثورة في الصحراء وفي المغرب على حد سواء ، وهذا يعني إنهاك القوة الذاتية للنظام الملكي للإسراع بإقامة نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية .
الفصل السادس : تناقضات منظمة إلى الأمام : ان من بين النقط المحورية الي ارتكزت عليها منظمة الى الأمام عند انفصالها عن حزب التحرر والاشتراكية / التقدم والاشتراكية في صيف 1970 ، كانت مسالة الديمقراطية داخل الحزب . واذا كانت المركزية الديمقراطية بالشكل والمضمون التي مورست به آنذاك من طرف أعضاء المكتب السياسي للحزب تحتاج الى تقييم نقدي شامل يشمل بنية الحزب السياسية والتنظيمية ، فانه يجب تسليط الضوء على الكيفية التي كانت تمارس بها هذه الديمقراطية من طرف مجموعة من الطلبة والتلاميذ الذين شكلوا منظمة الى الأمام فيما بعد . لقد عالجت هذه المجموعة مسالة الديمقراطية داخل حزب التحرر والاشتراكية من نفس المنطلق الذي تعاملت به مع باقي القضايا السياسية التي شغلت رأي الطبقة السياسية المغربية ، حيث لم يكن يحركها في طرح شعارها حول تطبيق الديمقراطية داخل الحزب هدف جدي من اجل توفير شروط أكثر ملائمة لتطوير الصراع الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي الديمقراطي داخل الحزب ، لان فكرة الانشقاق وتجاوز الحزب في أطار شعار تجاوز الأحزاب تطورت وهيمنت داخل صفوف طلبة الحزب بالرباط ، وعلى قاعدة هذه الأرضية أخذت مسالة الديمقراطية الداخلية بعدا حادا ارتبط بهدف إزاحة القيادة نهائيا عن طريق عقد مؤتمر وطني . وانسجاما مع فكرة هذه المجموعة ، ومع طبيعة القطاع الذي كانت تتواجد فيه ( الطلبة والتلاميذ ) أعلنت قيادة المنظمة الانفصال الإيديولوجي والتنظيمي عن حزب التحرر والاشتراكية ، معتبرة نفسها أنها تشكل البديل الثوري الذي يحمل الإجابات الكافية عن الأسئلة المحرجة ،أي مسالة الثورة في المغرب وبالمنطقة المغربية .
يلاحظ انه بعد الانفصال والقطيعة مع تجربة الحزب الشيوعي المغربي ، اصطدمت منظمة الى الأمام في في الشهور الأولى من تأسيسها بمشكلة التعامل مع التناقضات التي برزت في صفوفها ، فوجدت نفسها لأول مرة أمام اختبار مدى استعدادها لممارسة الديمقراطية في علاقتها الداخلية بين أعضاءها ، وفي علاقتها مع مثيلتها منظمة 23 مارس . ورغم المعارضة التي جاءت صريحة من طرف احد الذين لعبوا دورا هاما في الانشقاق وعضو في القيادة ، وأنها كانت جزئية ولم تخرج عن دائرة الفكر الإيديولوجي والسياسي العام للمجموعة ،،، فإنها مع ذلك لفظته من صفوفها ودون ان تفتح مجال النقد وممارسة الصراع الديمقراطي داخلها . وفي نهاية سنة 1971 تكرر نفس التعامل القمعي مع عضو آخر مسئول في القيادة عندما طرح وجهة نظر مخالفة للفكر السائد بصدد الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد ، فتمت محاصرة وجهة نظره ومورس في حقه الإجهاز السياسي والتنظيمي ، وانتهى الأمر بإبعاده من المسئولية .
بعد سنة 1972 ومع تصاعد حدة الأزمة التي كانت تعيشها منظمة الى الإمام من جراء الانسحابات التي حصلت في صفوفها ، ومن جراء عملية الاعتقالات التي طالتها او بسبب تعمق الخلاف الإيديولوجي والسياسي بينها وبين منظمة 23 مارس ،،، لم يستمر في الالتزام معها والارتباط بها سوى مجموعة من الأعضاء والعاطفين خاصة الطلبة الجدد المستعدين لتبني نهجها السياسي العام الذي تبلور خلال الفترة الممتدة من 1970 الى 1972 ، او الذي فرض عليه الظرف والضغط المشحون الاستمرار في الارتباط معها . وخلال سنوات من 1972 الى 1974 لم تظهر داخلها الا خلافات بسيطة لا تتعارض مع الفكر العام السائد لما عرفته هذه الفترة من جمود في وضعيتها السياسية والتنظيمية ، واستمرار تقلص هيكلها التنظيمي وقاعدتها الاجتماعية . ومن الانعكاسات البارزة لهذا الواقع على المنظمة الانسحابات التي أصبحت ظاهرة واسعة قياسا الى حجمها . فكانت تجربة العزلة السياسية التي عانت منها بعد سنة 1974 وحملات الاعتقالات التي تعرضت لها ما بين 1974 و 1976 التي أدت بالأغلبية الساحقة من أعضاءها الى دخول السجن ،،، اقول كانت عاملا حاسما في ظهور خلافات عميقة وجوهرية داخلها اتسعت لتشمل مجمل البنية الفكرية والتوجهات السياسية للمنظمة ، فأعطت اتجاهين رئيسيين :
--- اتجاه يرى ضرورة إعادة النظر في مجمل الفكر الإيديولوجي والسياسي والتنظيمي للمنظمة وباقي المجموعات اليسارية الأخرى ، منطلقا من التجربة ومن إرهاصاتها ، ومعتمدا عليها كممارسة أبرزت الطريق المسدود الذي سلكته المجموعات ، وقد عبر عن هذا الاتجاه عدد قليل من مناضلي واطر المنظمة .
--- اما الاتجاه الثاني فقد اعتبر ان الخط السياسي الذي بلورته منظمة الى الأمام ومارست على هداه صحيح ، وان التصفية السياسية والتنظيمية التي تتعرض لها المنظمة شيء عابر ويرتبط بأخطاء فردية فقط . اما الخط السياسي للمنظمة فهو صحيح وبريء ، ويعتبر هذا الاتجاه ان كل متشكك في التوجه الفكري والسياسي للمنظمة لا يسعى في نهاية المطاف الا لتبرئة أخطاءه . هكذا رفض المعبرون ن هذا الرأي أي نقاش او تساؤل عن جوهر الفكر السياسي،والإيديولوجي للمنظمة ، بل إنهم رفعوه الى مستوى التقديس ، واجتهدوا لتطويره بما يحافظ على أسسه الصلبة ، فصاغوا بذلك في أطروحتهم ما أطلقوا عليه " بنظرية الثورة في المغرب العربي " التي تعتبر قمة ما وصل إليه الفكر اليساري لمنظمة الى الأمام والمجموعات اليسارية التي ظهرت في تلك الفترة . وكانت المحاكمة الشهيرة في يناير فبراير من عام 1977 بالدار البيضاء أول مناسبة للاصطدام بين الاتجاهين سواء فيما يخص التوجه العام الذي ينبغي على المعتقلين سلوكه في المحكمة ، او في ما يتعلق بتحديد الموقف من قضية الصحراء المغربية وكيفية التعامل معها ، إضافة الى الخلاف حول توقيت المحاكمة .
واذا كان الاتجاه الأول يرى ان المطالبة بتعجيل المحاكمة او الدخول في إضراب عام غير محدود عن الطعام من اجل ذلك موقف خاطئ نظرا لمعطيات الأوضاع العامة التي كانت تعيشها البلاد آنذاك ،،، فان التوجه العام الذي سار عليه أصحاب الاتجاه الثاني وحاولوا فرضه على مجموع المعتقلين في نفس القضية ، كان هو فرض التعجيل بالمحاكمة .لهذه الاعتبارات رفض أصحاب الاتجاه الأول إضراب نونبر 1976 الذي كان شعاره ( المحاكمة او إطلاق السراح ) . اما أصحاب الاتجاه الثاني فقد قرروا ضرورة الدفاع عن نظرية الثورة في المغرب العربي التي تجعل من قضية الصحراء المغربية نقطة مركزية في برنامج منظمة الى الأمام ،والدفاع كذلك عن حقوق ( الشعب الصحراوي ) و ( الجمهورية العربية الصحراوية ) ، الا ان أصحاب الاتجاه الأول رفضوا هذا الموقف واعتبروا ان ما يجب التركيز عليه أثناء المحاكمة هو المشاكل الداخلية للبلاد ، لكن الموقف حسم بشكل عام في قاعة المحكمة لصالح التركيز على مسالة الصحراء الأمر مكن من إنزال أحكام قاسية في حق المجموعة وصلت بالنسبة لبعضهم الى السجن المؤبد .
بعد المحاكمة مباشرة بدأت مجموعة الى الأمام تبذل المجهودات من اجل تطويق وعزل أصحاب وجهة النظر المعارضة ، فاستعملت كل الأساليب للوصول الى هدفها . فسعت في البداية الى طمس الطابع السياسي للصراع وتقديمه وكأنه صراع أشخاص تحركه حزازات شخصية وذاتية ، فبدأت المجموعة الأولى تروج دعايات مغرضة عن المعارضين لها من أصحاب الاتجاه الثاني متهمة إياهم بالتفسخ الأخلاقي والانهزام السياسي ،،، وقد وجدت هذه الممارسات في البنية الفكرية والسياسية التي كانت سائدة وسط مجموعة الى الأمام والعاطفين عليها مرتعا خصبا للازدهار ، فبرزت الافكار الستالينية الفاشية التي تدعو الى تصعيد الاضطهاد ، وعزل المعارضين على مستوى المعتقلين وعائلاتهم . وقد مورس هذا القمع و بأشكال بشعة خلال نهاية 1977 يث وصل مستوى الصراع الى المقاطعة الكلامية وحجز الأخبار السياسية عليهم ، وتفتيش أمتعتهم وزنازينهم ، واستفزازهم بشكل مستمر ،،، الى غير ذلك من أشكال الاضطهاد الستالينية والفاشية التي استعملت في هذا الصراع .
واذا كانت منظمة الى الأمام قد حرصت منذ تأسيسها على تجاوز وتفادي التناقضات التي يمكن ان تظهر في صفوفها ، وكانت تحاول فرض انسجام مظهري بين أعضاءها ، وخضوعهم الأعمى للفكر اليساري السائد داخلها ، فلم تتردد في ممارسة الاضطهاد السياسي مع المعارضين لفكرها وخطها السياسيين ، فان من النتائج الطبيعية لهذا النهج ان تصل المنظمة الى النهاية المأساوية التي وصلت إليها بخسائر اكبر أعادتها الى نقطة البداية التي كانت نقطة الصفر قبل انطلاقها في غشت 1970 .
الفصل السابع : الموقف الخائن لمنظمة إلى الإمام من قضية الصحراء المغربية : يلاحظ في هذا الفصل ان منظمة الى الأمام ومعها باقي مكونات اليسار الراديكالي ، خاصة منظمة 23 مارس لا تختلف مواقفها في شييء عن المواقف التي اتخذتها هذه الفصائل بخصوص جميع القضايا التي استرعت باهتمام الطبقة السياسية من حكم وأحزاب . ان الحكم على مختلف المواقف التي اتخذتها المنظمتان بخصوص قضية الصحراء المغربية يقتضي تسليط الأضواء على كل موقف من هذه المواقف المعبر عنها ، وكانت بسبب تناقضاتها من ابرز الأسباب الرئيسية التي ساهمت في سنة 1974 في إذكاء القطيعة النهائية بين منظمة الى الأمام ومنظمة 23مارس . الملاحظ هنا ان هذه الأخيرة التي انشقت عن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، قامت بإجراء نقدي جذري لمجمل الأطروحات التي روجت لها ومن ضمنها قضية الصحراء التي اعتبرتها مغربية ، ووصفت خطاب منظمة الى الإمام في هذه النقطة بالعدمية والتطرفية . واذا كانت قيادة المنظمة في الخارج قد انخرطت في الموقف الوطني لهذه القضية خاصة عندما أيدت اتفاقية مدريد الثلاثية بين الرباط ، موريتانيا واسبانيا ضدا على قيام دويلة قزمية عميلة وموجهة من طرف الجزائر وأعداء الوحدة الترابية للمملكة ،،، فان قيادة منظمة الى الأمام في داخل الوطن ، وخاصة منها التاريخية الموجودة بالسجن ، ظلت متمسكة بمبدأ تقرير المصير كأسلوب لتعميق أزمة النظام للتعجيل بدفعه الى الهاوية والى الانهيار . ان قيادة منظمة 23 مارس الموجودة في الداخل والتي ستعرف في فرنسا بتسمية ( الوحدة والنضال ) رفعت شعار الكفاح المسلح لمواجهة الاستعمار الاسباني ، وعارضت اتفاقية مدريد الثلاثية ، وأكدت هذه المجموعة على ضرورة وحدة جميع الأراضي المغربية والعمل على توحيد الجماهير في الصحراء بالجماهير في المغرب وتوجيه نضالهما لإقامة ( الجمهورية الديمقراطية الشعبية ) . وبمعنى أكثر وضوحا ، ان هذه القيادة رفضت وحدة الصحراء مع المغرب تحت ظل النظام الملكي ، لان هذا حسب زعمها سيخرجه من عزلته وأزمته ، وتسمح له بتحويل الصراع الطبقي في الداخل الى صراع وطني شوفيني ضد الخارج عن طريق تحقيق التفاف وإجماع حوله . ويمكن تحليل أطروحة هذه القيادة فيما عبر عنه احدهم ( ع م ) : " ان النظام المغربي نظام تبعي للامبريالية ، لذلك فان استرجاع الصحراء في ظل هذا النظام لا يعني تحررها من التبعية للرأسمال الامبريالي " . نستنتج من هذه الأطروحة ان القيادة التاريخية لمنظمة 23 مارس الموجودة في السجن ، والجناح المنشق عن هذا المنظمة الذي سيكون في المهجر ( الوحدة والنضال ) التي تحولت الى ( رابطة العمل الثوري بالمغرب ) يخلطان في تصورهما وفي فهمهما للإشكالية بين التحرر الاقتصادي للصحراء وبين التحرر السياسي لها ، أي الخلط بين الشروط الاقتصادية لتحرر الدولة الوطنية نفسها التي لا تعني في الجوهر سوى الاستقلال السياسي ، أي حقها في المساواة وفي الوجود السياسي مع باقي دول العالم ، وحقها في السيادة السياسية على مجموع ترابها الوطني . وقبل ان نعالج موقف منظمة 23 مارس ومنظمة الى الأمام من قضية الصحراء المغربية ، لا بد من الإشارة الى موقف حركة ( لنخدم الشعب ) التي انفصلت عن منظمة 23 مارس في شتاء سنة 1972 . فبالنسبة لهذا الجناح فقد ظل متمسكا بموقف متطرف متجاوز للمنظمتين السالفة الذكر في الحركة الماركسية . ان هذا الجناح لم يكن يراهن على فكرة " البؤرة الثورية " او " دمج الجماهير الصحراوية بالجماهير المغربية " او " الدفع بأزمة الحكم الاستفحال والهاوية " . كذلك فان هذا التيار يرفض الاسترسال التاريخي والاستشهاد بالأحداث المختلفة التي طبعت العلاقة بين الصحراء والمغرب . ويمكن تلخيص فكرة الجناح بخصوص الصحراء فيما تضمنته مسودة حملت عنوان " من اجل معالجة سديدة لقضية الصحراء الغربية " نقتطف منها ما يلي : " ... ليس ما يبرر النقاش هو انعدام تصورات للفصائل المتقدمة من الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، بل نعتبر ان بيان منظمة 23 مارس حول الصحراء الصادر في شتنبر 1974 قد حمل مواقف تنسجم والتطور الموضوعي لقضية الصحراء خصوصا ما يهم تقرير المصير وما تقتضيه مصلحة الثورة المغربية ،،، ولكن ما يبرزه بالأساس هو النزعات الشوفينية التي برزت على مستوى الحركة الماركسية المغربية والتي تدافع باتجاه تقوية المعسكر الرجعي في البلاد في وقت لا زالت القوى الاجتماعية الثورية ،،، وخصوصا منها الطبقة العاملة والفلاحين محرومة من سلاح التنظيم والوعي السياسي الثوري ( 23 مارس ) ،،، وما يبرره هو النزعات اليسارية الطفولية التي تحول مسالة شعب يكافح من اجل الاستقلال وإقامة دولته الوطنية ، الى مسالة الثورة المغربية وتحول موقعها من المغرب الى الصحراء ( الى الأمام ) منبهرة بالقدرات الخلاقة لشعب فهم قضيته ووصل الى طور أعلى من النضال السياسي وتبني شكل الكفاح المسلح ، تحول موقعها لتشمل قضية الثورة المغربية وتضع خريطة جديدة للجمهورية الشعبية الديمقراطية ،،، واذا كان الاستعمار هو الذي فتت تلك الوحدة ، فان إنهاء الاستعمار بشكليه القديم والحديث يفرض إعادة بناء الوحدة مهما كان الثمن على اسس ثورية . فعند هذا الحد تنتهي الارضية المشتركة لكل التيارات لتبرز الخلافات حول إطار الوحدة السياسي والإداري والاجتماعي . فأهل اليمين 23 مارس يقفون موضوعيا ضد اتجاه الثورة في المغرب ، ويروا ان إطار الوحدة لا يهم ، وليس من المهم ان تكون الدولة مخز نية او إقطاعية او كمبرادورية ، فيكفي ان تكون الدولة مغربية فقط . اما اليسار الطفولي الذي يمر من طور المراهقة السياسية التي تتسم بروح المغامرة و الرومانسية الجامحة ( الى الأمام ) فانه لا ينفي ضرورة الوحدة ، ولكن يرهن انجازها بالمستقبل في ظل دولة العمال والفلاحين ... " . نستنتج من هذا ان حركة ( لنخدم الشعب ) قد أخذت موقفا مغايرا لموقف منظمات الحركة الماركسية ( الى الأمام و 23 مارس ) . ان الحركة ترفض مضمون شعار تقرير المصير الذي رفعته منظمة الى الأمام ويسار منظمة 23 مارس ، وتدعو بدلهما الى الاستقلال التام للصحراء وإقامة الدولة الصحراوية ، وتستند الحركة في هذا الى انعدام وجود روابط في الماضي بين المغرب والصحراء ، وهذا ما تثبته نفس المسودة . " ... ان المغرب لم يكن وحدة سياسية اقتصادية ثقافية في عهد الادارسة ، بل كان وحدات متعددة متفككة . ان الصحراء الغربية لم تكن تحت حكم دولة الادارسة وسيادتها ، واذا كانت القوافل التجارية تمر عبر الصحراء الغربية الى السودان ،،، فتلك ليست سيادة ، ولا يمكن لها ان تكون كذلك لانها تقتضي اعتراف قبائل الصحراء وقبولها لتلك السيادة ، ذلك ما لم يكن . " .
ان ما جعل منظمة الى الأمام تتميز في مواقفها هو ان هذه المواقف لم تكن منسجمة بخصوص قضية الصحراء المغربية ، كما انها لم تكن بدافع المبررات الأيديولوجية ، اذا افترضنا جدلا ان المنظمة كانت تتعامل مع النصوص الماركسية من منطلق تجريدي ميتافيزيقي وفي أحيان كثيرة دغماتيكي حيث مارست أسلوب النقل والترديد ثم الإسقاط ، لكن الواقع أوضح ان تعامل منظمة الى الامام مع القضية الوطنية كان تعاملا انتهازيا . فهي حين كانت تنظر الى الحكم وبمصالحها المرتبطة مع النظام الجزائري ابتداء من 1975 السنة التي سيتم فيها اكتشاف ( الشعب الصحراوي ) المزعوم الذي لم يسبق لأحد السماع به في الماضي عندما كان المغرب بصدد تحرير أراضيه التي كانت تحتلها اسبانيا وفرنسا . وعندما تمكن المغرب من استرجاع مدينتي طرفاية وسيدي افني لم يكن احد في ذلك الوقت يعرف وجود شعب يسمى ب ( الشعب الصحراوي ) او كان يعرف منظمة اسمها ( البوليساريو ) .
لقد وقفت منظمة الى الأمام مواقف مختلفة ومتناقضة من قضية الصحراء المغربية . ومن خلال البحث في مختلف ادبيات المنظمة التي خصصتها للصحراء ، نستطيع تسطير وتحديد مخلف المواقف المتناقضة لمنظمة الى الأمام منذ خروجها في صيف 1970 من حزب التحرر / التقدم والاشتراكية . فعندما أعلنت المنظمة الانفصال التنظيمي والإيديولوجي عن الحزب المذكور ، اعتبرت بداية ان الصحراء كانت جزءا من المغرب ، وبثرة منه نتيجة تكالب الاستعمار الاسباني والفرنسي على المنطقة منذ بداية القرن الماضي . واعتبرت المنظمة كذلك ان الجماهير الصحراوية لا تشكل شعبا متكاملا او مستقلا ن الشعب المغربي ، وان الحل الراهن يكمن في تقرير مصير الجماهير في الصحراء ليس بدافع تأسيس دويلة تابعة في المنطقة ، ولكن بدافع الانضمام الى المغرب ، وتوحيد نضال الجماهير في الصحراء بنضال الجماهير في الأجزاء المحررة من اجل إقامة ( الجمهورية الديمقراطية الشعبية ) .وقد استمرت منظمة الى الأمام تدافع عن هذا الموقف حتى أواخر سنة 1977 حين ستكشف على حين غرة ( الشعب الصحراوي ) المزعوم ، وهذا ما عالجته المنظمة في كراسين هما ( نظرية الثورة في المغرب العربي ) و ( طريقان لتحرير الصحراء الغربية . طريق وطني ثوري وطريق برجوازي شوفيني ) .
يمكن ضبط موقف آخر لمنظمة الى الأمام بخصوص قضية الصحراء في البيان السياسي الذي صدر عن المؤتمر الوطني الخامس عشر الذي انعقد في صيف 1972 بالرباط للاتحاد الوطني لطلبة المغرب . لقد اقر هذا المؤتمر الذي سيطر عليه الجبهويون الماركسيون ( جبهة الطلبة التقدميين ) أول مرة ما أطلق عليه ( الشعب العربي في الصحراء ) دون ذكر تسمية ( الشعب الصحراوي )، وبعد ان طالب المؤتمر بالنضال ضد المستعمر ورفع شعار تقرير المصير . واذا كان هذا الموقف يختلف عن الموقف الأول ، فان منظمة الى الأمام وبالاشتراك مع منظمة 23 مارس أصدرتا بيانا مشتركا بتاريخ 24 يونيو 1974 تعتبران فيه " ... ان الصحراء شكلت تاريخيا جزءا لا يتجزأ من المغرب ،،، وان الاستعمار الاسباني قد عمل كل ما في وسعه لتكسير هذه الوحدة وفصل الصحراء عن المغرب .." . وفي آخر البيان تدعو المنظمتان الى " ... إعادة بناء هذه الوحدة التي يحاول الاستعمار تكسيرها على أسس كفاحية وطنية وديمقراطية في إطار جمهورية شعبية . وهذا الهدف يفرض دمج كفاح التحرر الوطني لجماهير الصحراء بكفاح شعبنا من اجل دك النظام الملكي في كفاح واحد وجبهة واحدة .. " . ويلاحظ ان هذا البيان يعكس موقفا يختلف عن الموقف الذي صاغه البيان السياسي للمؤتمر الوطني الخامس عشر ل ( ا و ط م ) في صيف 1972 .
مع بداية سنة 1977 ستكشف منظمة الى الأمام فجأة وجود الشعب الصحراوي دون ان تكلف نفسها عناء تقديم دراسة تاريخية وسياسية جديدة لهذا الشعب ، وحتى تبرهن فيها عن كيفية انبثاق الوعي الشقي والمتأخر عندها بوجود شعب متميز في الصحراء المغربية . وقد اندفعت منظمة الى الأمام في اكتشافاتها في آخر لحظة الى حد الاعتراف ب ( الجمهورية الصحراوية ) الوهمية التي كانت تثابر على حضور احتفالاتها بأوربة الغربية ومؤتمراتها بالجزائر . وقد بلغت بها الخيانة العظمى حين وجهت في ماي 1979 للرئيس الجزائري الشادلي بنجديد تهنئه على انتخابه رئيسا على جمهورية العسكر في الجزائر. واما شار تقرير المصير الذي كانت تنادي به قبل اكتشافها في غضون 1977 ( الشعب الصحراوي )، فلم يكن يعكس عندها سوى مفهوم خلق البؤرة الثورية في الصحراء لضرب الخطوط الوطنية للجيش الملكي من الخلف لإرباك وإضعاف النظام حتى يسهل الانقضاض على الحكم وتأسيس( الجمهورية الشعبية ) . ان هذه المواقف المتباينة والمتناقضة لمنظمة الى الأمام بخصوص العديد من القضايا الوطنية الحساسة ، توضح بشكل ملموس ، ان المنظمة لم تكن تستند في ادعاءاتها على التبرير الإيديولوجي او الفلسفي ، لكنها كانت في تحركاتها تفضل الجانب ألمصلحي الانتهازي والظرفي ،،، واذا أردنا ان نعتبر جدلا ان تعاطيها مع شعار تقرير المصير في الصحراء المغربية كان بسبب قناعات ماركسية ، فان تعاطيها وتعاملها مع هذا الفكر كان تعاملا دغماتيكيا ، لأنها تعاملت مع النصوص الماركسية بشكل كتبي جامد وليس بطريق الدياليكتيك . ان الماركسية كفلسفة تدعي العلم يفرض فيها ان تتميز بكونها تخضع جميع المبادئ مهما كانت قدسيتها للشروط العينية الملموسة للحالة المحددة التي هي قيد الدرس والتحليل . وعلى هذا الأساس فمن وجهة نظر الفلسفة الماركسية ، ان نفس المبدأ يمكن ان يكون قابلا للتطبيق هنا وغير قابل للتطبيق هناك ، ولينين حين اعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها ، فذلك لتحررها من الاستعمار الامبريالي وليس بهدف انفصالها عن وطنها لتكوين دويلات قزمية تكون بسبب ضعف بنيتها عميلة للخارج . هكذا يتضح جليا ان منظمة الى الأمام لم تكلف نفسها عناء البحث الجدي والدراسة العملية والعلمية للمشكلة الوطنية وللمشكلات التي حظيت باهتمامها ، ولكنها زعمت ان الأمر يتعلق بمناورة حيكت خيوطها من طرف الامبريالية والقصر والأحزاب ، فاتخذت بذلك القضية الوطنية بمثابة حصان طروادة للطعن في النظام الملكي وفي الدولة العلوية وفي جميع الأحزاب التي ساندت مغربية الصحراء . وفي سبيل ذلك انطلقت المنظمة تروج للإيديولوجية اليسراوية وسط الشبيبة التعليمية ، وأصبح شغلها الشاغل هو ترديد شعار تقرير المصير بمناسبة او غير مناسبة ، بل أكثر من ذلك اتخذت من مسالة الصحراء واندلاع الحرب بين المغرب والجزائر منطلقا لتنظير استراتيجي وهمي جديد أعادت من خلاله صياغة وتطوير فكرها الانتهازي اليساري الذي من مكوناته الأساسية التأثر السطحي والسريع بالأحداث ، فتخيلت في بداية 1977 نظرية إستراتيجية جديدة أطلقت عليها ( نظرية الثورة في المغرب العربي ) تحتل فيها قيام ( الجمهورية الصحراوية ) موقعا محوريا لأنها في نظرها ستكون الخطوة الأولى نحو الثورة في المغرب .
ان ابسط سؤال يمكن توجيهه للقائلين بشعار تقرير المصير( الشعب الصحراوي ) و ( الجمهورية الصحراوية ) هو :
--- لماذا لم يطرح شعار تقرير المصير عندما استرجع المغرب مدينتي طرفاية وسيدي افني من الاستعمار الاسباني ؟
--- اين كان( الشعب الصحراوي) وجبهة البوليساريو عندما كانت حركات التحرر الوطني تناضل في الصحراء من اجل تحريرها وإعادة ربطها بالمغرب التي هي جزء منه ؟
--- كيف تم التسليم بوجود ( الشعب الصحراوي ) حتى أواخر سنة 1977 رغم ان منظمة البوليساريو تأسست من طرف معمر القدافي وهواري بومدين في 10 ماي 1973 ؟
هل تتعامل الجزائر التي طالب رئيسها بوتفليقة من جميس بيكر بتقسيم الصحراء بين الرباط والجزائر لأخذ ( حقها ) من مياه الأطلسي ، مع شعار تقرير المصير من منطلق تكتيكي ام استراتيجي يتجاوز ( الشعب الصحراوي ) الى مصالح الجزائر التي تلحقها في ( أمنها ) و ( ثورتها ) وكونها أضحت مطوقة من المغرب صاحب الحضارة والتاريخ والإمبراطوريات ؟
--- لماذا تقرير مصير سكان الصحراء المغربية وليس تقرير سكان الصحراء الشرقية المغربية التي تحتلها الجزار ضدا على إرادة الشعب المغربي الذي يتطلع الى اليوم الذي يسترد فيه ما تحتله الجزائر ظلما وجورا ؟
--- وإجمالا نقول لو كان الملك الحسن الثاني رحمه الله رفع في بداية الاستقلال او بعده شعار تقرير المصير لسكان الصحراء لعارضه مناضلو منظمة الى الأمام واعتبروه موقفا خائنا ، فقط لان الملك يقف وراءه . واما وان الملك طالب باسترجاع الصحراء إلى المغرب الأم ، فانه من الطبيعي ان تعترف منظمة الى الأمام بالجمهورية الصحراوية الوهمية وتنسق مع انفصاليي البوليساريو في أوربة الغربية وفي الجزائر وترفع شعار تقرير المصير كشعار قال به لينين البريء من هذا الشعار في الحالة المغربية .
الفصل الثامن : من أسباب فشل منظمة إلى الأمام " أزمة الفلسفة الماركسية " : عندما انفصلت منظمة إلى الإمام عن حزب التحرر / التقدم والاشتراكية في بداية السبعينات ، حملت معها مشروعا ضخما سماه أصحابه بالمشروع الإيديولوجي العام ، حيث طرحوه كبديل عن مشروع الدولة العلوية ، واعتبر نقيضا مفصليا للمشروع البرجوازي الصغير الذي روج له حزب التحرر / التقدم والاشتراكية ، وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي سيتحول الى حزب الاتحاد( الاشتراكي) للقوات ( الشعبية ) قبل ان يتحلل الى عدة مخلوقات صغيرة بدا بحركة الاختيار الثوري التي جاءت كتعبير رافض لقرارات المؤتمر الوطني الاستثنائي لسنة 1975 ، تم مجموعة اللجنة الإدارية الوطنية التي انفصلت على اثر أحداث 3 مايو 1983 ، ثم مجموعة النقابة ( ك د ش ) التي كونت حزب المؤتمر الوطني الاتحادي ، ومجموعة الوفاء للديمقراطية التي انخرطت في الحزب الاشتراكي الموحد ، ثم مجموعة الأستاذ بوزبع الذي أسس الحزب الاشتراكي. يلاحظ ان أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية سيؤسسون حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي انضمت اليه كل من حركة الاختيار الثوري ورابطة العمل الثوري بالمغرب الذي كانت تشكل يسار منظمة 23 مارس ... لقد وصفت منظمة إلى الإمام تلك الأحزاب في تلك الفترة من التاريخ ( الاتحاد الوطني/ ( الاشتراكي ) للقوات( الشعبية ) وحزب التحرر / التقدم و( الاشتراكية ) بالعمالة والخيانة ، وعددتهم ضمن الانتظاريين الذين كانوا يراهنون على الركوب على بعض الهزات التي كانت تحصل داخل صفوف الحكم مثل الانقلابين العسكريين في سنة 71 و72 ، كما أصدرت أحكاما تقضي بإفلاس مشروع هذه الأحزاب الذي اعتبرته إفلاسا مدويا للمشروع الذي بدا تعميمه بالمنطقة العربية من طرف الأحزاب البرجوازية الصغيرة سواء كانت في الحكم ( حزب البعث والناصرية مضافا إليهما حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر ) وكانت خارجه ( الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والأحزاب الشيوعية العربية ) . واذا كانت منظمة إلى الإمام تبنت النظرية الماركسية اللينينية والماوية في الجانب الإيديولوجي ، والمركزية الديمقراطية في الجانب التنظيمي ، وروجت لمجموعة من الشعارات التي أملتها طبيعة الظروف التي خيمت على الفعل والحركة السياسية إيجابا او سلبا ووجدت الأرضية خصبة لتقبلها ، حيث استعملت جميع الأساليب الستالينية في صراعها الداخلي والخارجي ،،، فان السؤال الذي طرحه العديد من المتتبعين لمسار المنظمة بعد مرور أكثر من أربعين عاما على إنشائها هو : لماذا عجزت منظمة إلى الإمام عن انجاز المشروع الذي وظفت كل طاقاتها ومجهوداها لتحقيقه ؟ لماذا فشلت المنظمة في تحقيق القفزة النوعية في مجال الحكم ؟ هل السبب يكمن في عجز النظرية الماركسية نفسها لأنها كانت أصبحت نظرية متجاوزة بفعل العديد من الخطوط الصحيحة او التحريفية التي ظهرت باسمها ولم تعد صالحة لخصوصية المرحلة الراهنة التي ربما تحكمها قوانين أخرى غير ماركسية ، أي ان الماركسية كانت تتلاءم مع أوضاع القرن التاسع عشر وحتى الربع الأخير من القرن العشرين ، ام ان المسالة تتعدى صلب النظرية الماركسية كفلسفة تحمل في طياتها تناقضات عميقة تتعلق بالجانب البنيوي في النظرية الماركسية نفسها ؟ ام ان الخطأ يكمن في قصور الوعي والفكر الماركسي المغربي وعجزه في استيعاب الماركسية بطريقة علمية ، ثم أقلمتها وتطويعها لتستجيب للخصوصية المغربية ؟ وبتعبير آخر إن الأطر الماركسية المغربية التي تحملت مهام التنظير للمشروع الإيديولوجي العام تعاملت مع النظرية الماركسية كنصوص جامدة ، وحين أرادت نقل هذه النصوص باورتذكسيتها الى المعجم والواقع المغربي ، اصطدمت مع مجموعة من العوامل التي شكلت و لا تزال تشكل ثوابت في البنية الفكرية والاجتماعية المغربية التي اعتبرت كصخرة صلبة تحطم فوقها المشروع الماركسي ليس السبعيني فقط ،بل تحطم على ظهرها حتى المشروع البرجوازي الصغير منذ النصف الأول من الأربعينات عندما عجز الحزب الشيوعي المغربي رغم استبدال حلله من الشيوعي الى التحرر الى التقدم من تطويع الماركسية بما يتماشى مع الخصوصية المغربية ( النظام الملكي والدين الإسلامي وعقد البيعة ) ولم يستطيع هذا الحزب ان يتخلص من نزعته البرجوازية لكي يصبح حقا ممثلا وحيدا للطبقة العاملة التي كان يدعي الدفاع عن مطالبها ومصالحها . لقد وصف احد الماركسيين المتطرفين في تلك الفترة هذا الحزب " ... ان الحزب الشيوعي المغربي رغم ادعاءه تشبثه بالنظرية الماركسية اللينينية ، إيديولوجية الطبقة العاملة ، فهو في الحقيقة لا يفعل اكثر من تمثيله مصالح البرجوازية وطموحها الى السيادة في المجتمع . انه بالإضافة الى قاعدته الاجتماعية الضيقة ، يستقطب فئة محدودة من البرجوازية الصغيرة التكنوقراطية ومن المثقفين البرجوازيين الصغار . اما ادعاءه تمثيل مصالح البروليتارية الطبقي فهو ليس الا من باب الدعاية والتضليل الإيديولوجي التي أثبتت عنها التجربة التاريخية لهذا الحزب " . واذا كان هذا الوصف قد أطلق على الحزب في تلك الفترة فما هو الوصف الذي يطلق عليه اليوم خاصة وان أمينه السابق إسماعيل العلوي يملك ضيعة فلاحية مغروسة ومسقية قوامها أكثر من 200 هكتار بأحسن المناطق بالمغرب ؟
ان جميع الفرضيات التي طرحنها كتأويلات واستفسارات عن عدم تكن المشروع الإيديولوجي العام الذي نظرت له منظمة إلى الإمام في خط طريقه الى التطبيق ترجع بالأساس الى أزمة النظرية الماركسية نفسها ، وهي أزمة لم تبدأ بظهور المشروع الماركسي اللينيني فقط ، بل هي أزمة تعود الى تاريخ ميلاد الماركسية على يد كارل ماركس وفريدريك انجليز، وان ظهور خطوط ونظريات تجديدية وتطورية في النظرية الماركسية هو دليل على النقص النظري والتأطيري الذي عانت منه الماركسية كفلسفة . وقد ادى هذا الاختلاف في الفهم والاستيعاب للنظرية ليس فقط الى ظهور ما يحاول الماركسيون اللينينيون تبرير مواقفهم به والتغطية على أزمتهم ، أي الاعتراف بوجود طرق متعددة نحو الاشتراكية ( لينين ) ، ولكنه أدى الى صياغة اجتهادات وأنماط تفكير مختلفة بخصوص التعاطي مع الفلسفة الماركسية ، فكانت هذه الاجتهادات والاختلافات تنتهي في غالب الأحيان بإلصاق أقبح النعوت بالرفيق المخالف بغية التشنيع والتشويه ، وفي أحيان أخرى كانت تؤدي الى صدامات دموية عنيفة بمدرجات الكليات لحسم الصراع الدائر بين الرفاق . وان ما عرفته أفغانستان في عهد الحكم الشيوعي بين حزبي خلق وبرشام أي الراية والشعب ، وما عرفه اليمن الجنوبي من صراعات واغتيالات دموية بين سالم ربيع علي الماوي وبين عبد الفتاح إسماعيل الستاليني ، كان أوضح مثال عن اختلافات الرفاق حول النصوص الماركسية وحسب الولاء للاتحاد السوفيتي او للصين الشعبية . ظهرت منذ الثلاثينات من القرن الماضي عدة آراء وتأويلات وخطابات متناقضة بخصوص التعاطي والتعامل مع النظرية الماركسية . واذا كان كارل ماركس وانجليز يحثان في النظرية الماركسية على إجبارية حزب الطبقة العاملة ، أي الحزب الماركسي اللينيني في نضال الطبقة العاملة ، فان أوربة الغربية رفت خلال نفس الفترة خاصة طيلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي عديدا من النقاشات والسجال بخصوص الفلسفة الماركسية ، فكانت بذلك تحاول تفسير الماركسية ليس كما صاغها أباطرتها في القرن التاسع عشر ، ولكن كما فهمها الدارسون لها . ان غرامشي ولوكاتش وغيرهم من الماركسيين الذين عرفتهم أوربة محوروا الماركسية باتجاه نزعة إنسانية وتاريخية ، لانهم اعتبروا الماركسية كفلسفة تتميما للتراث الإنساني وللقيم الإنسانية لعصر الأنوار ،ومن ثم فإنهم اختلفوا مع ماركس في مضمون حزب الطبقة العاملة الذي سيعمل على تطبيق دكتاتورية الطبقة العاملة ، فطرحوا من ثم مفهوم الكتلة التاريخية الاجتماعية التي ستحتفظ فيها الطبقة العاملة بالدور الذي تمليه فقط شروط التحولات الاجتماعية دون ان تكون هذه الطبقة هي المحرك الأساسي لوجه التاريخ . ان نفس الملاحظة تسجل على الخط الروماني والخط اليوغسلافي والخط الألباني لمحمد انوار خوجة التي اعتبرت خطوطا تحريفية لمعارضتها لموسكو .
ان الماوية التي اعتنقت الماركسية كذلك ، عندما ظهرت في الصين فهي لم تساير منطق ماركس الشاب بتغليب الاممي على الوطني المحلي ، لكن الماركسية الماوية عرفت كاتجاه من بين الاتجاهات المطورة للنظرية الماركسية بما يتفق مع الخصوصية الصينية . هكذا انغمست الماوية في وظيفتها القومية الشوفينية على حساب الاختيارات الأممية ،واعتمدت في ثورتها لأول مرة على الفلاحين وليس فقط على العمال الذين وعدهم ماركس بمستقبل زاهر ، والملاحظ ان فشل النظرية الماركسية وظهور خطوط متباينة فيها هو فشل لتنبؤات ماركس . ان الثورة العمالية لم تظهر في الغرب الرأسمالي ، لكنها ظهرت في روسيا القيصرية الفلاحية والمتخلفة . لقد وصف ماركس الطبقة العاملة الانجليزية منذ منتصف القرن التاسع عشر بأنها فقدت حسها الثوري ، أي لم تعد ثورية .
الى جانب الماركسية التقليدية ظهرت العديد من الاتجاهات الماركسية المتطرفة التي دعت الى تجاوز أطروحة ماركس خاصة فيما يتعلق بمسالة حزب الطبقة العاملة . ومن بين المفكرين الذين تزعموا هذه النزعة نذكر هربت ماركوز ، لوسيان غولدمان ، بنديت كوهين ،،، لقد اجمع هؤلاء على انتقاد الخطوط التقليدية والخطوط التحريفية في الماركسية ( الثورة على الأحزاب الشيوعية الأوربية التقليدية ) التي تحاول دمج الإنسان في مجتمع يسيطر عليه الكبت والقمع السياسيين ( أحداث مايو 1968 ) فدعوا الى ضرورة العمل على تحرير الأفراد من الاستلاب والقمع الإيديولوجي والنفسي في شكليه الشرقي والغربي ، فانتقدوا الأحزاب الماركسية والشيوعية التي لا تزال تعتقد في الطاقات والإمكانيات الثورية للطبقة العاملة بسبب إدماج هذه الأخيرة بوسائل شتى في مجتمع الوفرة والاستهلاك ، أي ان وضعها الطبقي داخل النظام الرأسمالي تحسن بما يمكنها من الاندماج ومسايرة نمط الإنتاج الغربي ، وبالتالي تجاوز ماركسية ماركس وانجليز ، أي ماركسية القرن التاسع عشر التي كانت تستجيب لأوضاع الطبقة العاملة خلال تلك الفترة ( ياعمال العالم اتحدوا ) . ان الوضعية الجديدة للطبقة العاملة الاروبية جعلها غير قادرة على القيام بأية مهام ثورية . ان موقف اليسار الجديد من البروليتارية في الغرب كان موقفا رافضا لها كطبقة محافظة لا مبالية ومندمجة بشكل متزايد في النظام الرأسمالي ، وان جدلية ماركس لم تكن أبدا قادرة بان تتصور بان أمريكا التكنوقراطية ستنتج نصرا ثوريا في شبابها . ان البرجوازية وجدت عدوها الطبقي في الجانب الآخر من مائدة الإفطار في صورة أبناءها المدللين وليس في المصانع . ان الاعتماد على نضال الأقليات والعاطلين والطلبة كما هي اليوم في المغرب ، كانت من وحي الفكر الفوضوي الذي قلب النظرية الماركسية رأسا على عقب ، فكان ذيوع اسم ماركوز ولوسيان غولدمان ومارشال شاتز ... خلال أحداث 68 هو نفس الاسطوانة التي رددتها منظمة إلى الأمام وسط الطلاب والتلاميذ بعد ان حكمت بإفلاس مشروع الأحزاب الإصلاحية ومشروع الأحزاب الشعبوية والبلانكية داخل الاتحاد الوطني / الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التحرر / التقدم والاشتراكية ، كان يتركز الفهم الخاطئ لمنظمة إلى الأمام عند تركيزها على النقد بين البعد الاجتماعي للتحليل النفسي وبين البعد النفساني والفرداني للماركسية من اجل صياغة نظرية جديدة للتحرر . والملاحظ ان هذا الفهم الخاطئ للنظرية يلتقي دائما مع حلم التمرد والرفض الشامل لكل ما هو قائم مع تسرب تشاؤم عميق في إمكان قيام ثورة عمالية وشعبية تقودها أحزاب البرجوازية الصغيرة . ان اقرار المفكرين اليساريين المتطرفين والفوضويين دعاة النزعة الفوضوية من مالتوسيين وبرودونيين باستحالة. قيام الطبقة العاملة بانجاز الثورة لانها فقدت حسها الثوري كما قال ماركس عندما وصف الطبقة العاملة الانجليزية ، وتركيزه في ذلك على الدور التاريخي الجديد للعاطلين والمهمشين والطلاب والتلاميذ وبض المثقفين بسبب استفحال أوضاعهم الاقتصادية وتعارضها مع مصالح النظام الرأسمالي الذي نجح في اقبار الحس الثوري للطبقة العاملة بفعل اندماجها الكلي في علاقاته الإنتاجية ، يعتبر أهم اتجاه تازيمي عرفته النظرية الماركسية واللينينية ، ومن خلالها تازيم باقي فعالياتها التنظيمية التي عجزت في الاستيلاء على الحكم ، وتغيير تكتيكها بالتحول عن الإضراب السياسي الطبقي الى الإضراب الاقتصادي . ان دورة الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوربة الغربية منذ 68 هزمت لأسباب عديدة في طليعتها جمود طبقة العمال التي دلت بوضوح ليس فقط بأنها طبقة غير ثورية ومتخلفة عن الطلاب ، بل إنها أصبحت طبقة محافظة . لقد وصف احد المفكرين الفرنسيين اليساريين الوضع في ذلك الوقت بقوله " يجب ان يقال بهدوء وصلابة ان البروليتارية الصناعية كانت في مايو 68 تشكل المؤخرة وليس الطليعة الثورية " . الملاحظ ان محافظة الطبقة العاملة وارتدادها عن انجاز الثورة كان عنوانا ساطعا عن ارتداد الأحزاب الشيوعية التقليدية وعجزها عن ترويض العمال للدفع بهم نحو الثورة ، ونفس يلاحظ لذا الأحزاب الشيوعية العربية الكلاسيكية التي لم تستطيع ان تجد متنفسا لازمتها التي رافقتها منذ ولادتها ، وهذا ما حاولت تخطيه لاحقا عندما أرادت استدراك التطورات المتعاقبة التي تجاوزتها ، وذلك من خلال محاولتها اليائسة إيجاد موقع قدم يمكنها من التغلغل داخل مختلف شرائح المجتمع التي رغم أنها تعيش بين ظهرانيه فهي تبقى غريبة عنه . ورغم أنها وجدت ضالتها في محاولة اسلمة وتعريب ومغربة الماركسية ، فإنها رغم ذلك لم تحصد سوى الغربة والعزلة داخل مجتمعاتها ... " ... ولكن ليس حزب علي يعتة الذي عمر أزيد من أربعين سنة هو الذي سينعتنا بالعزلة ... لان عزلته وهاشميته في الأحداث رغم شيخوخته تفقآ العين " .
اذا كان الماركسيون لم يتفقوا على فهم واحد للماركسية ، فطرحوا عدة أشكال عبارة عن خطوط إيديولوجية وتنظيمية يفسر العجز الذي سجل في صلب الماركسية ، فان التحولات التي عرفتها المجتمعات التي كان ماركس يبشر بانتشار الثورة العمالية فيها ، ادحض تنبؤات ماركس ومكن الإيديولوجية البرجوازية من تحقيق نصر تاريخي على الإيديولوجية الماركسية . ان الصراع التاريخي بين الإيديولوجيتين التي ساهمت فيه التركيبات الاجتماعية المختلفة الي راهن عليها ماركس في تحقيق الثورة ، جعل الإيديولوجية الماركسية تعيش الحلقة المفرغة ولا تتعدى إثارة الأسئلة حول العجز الذي أصاب المكونات الماركسية في هذه المجتمعات . ومن وجهة نظرنا نرى ان التقدم التكنولوجي الهائل الذي حققه الغرب الرأسمالي كان سببا رئيسيا في إفلاس النظرية الماركسية وإيديولوجية الطبقة العاملة . ويمكن الاستدلال على هذا التحول من خلال التحولات التي عرفها العالم منذ القرن التاسع عشر والقرن العشرين . ان المعمل الرأسمالي في العقود الأخيرة من القرن العشرين يتناقض جوهريا مع أقوال وتنظير ماركس وانجليز . فإذا كان ماركس يرى ان مصدر ربح الرأسمالي هو استغلاله لقوة عمل العمال ، لان تلك القوة هي المصدر الأصلي لكل قيمة إضافية ، فان الواقع الحالي أضحى يناقض مثل هذا الادعاء . ان واقع المعمل الرأسمالي الجديد باعتماده على التكنولوجية الجد متطورة ، وباستخدامه للإنسان الآلي فان الإنتاج أصبح بالتالي إنتاجا أوتوماتيكيا تماما ، أي ان المعمل الجديد أصبح مستغنيا كليا عن العمال ، وان أرباح الرأسمالي لا يتم استخراجها من استغلال قوة العمال التي لا وجود لها في هذا المعمل ، بل يتم استخراجها من التكنولوجية المتطورة ، وهذا ربما جعل المفكر الماركسي المعاصر أصبح يرفض عادة مفهوم الطبقة العاملة كطبقة ثورية . واذا كانت الماركسية كفلسفة قد عانت في المجتمعات الغربية الرأسمالية أزمة التأثير الفكري والبنيوي ، ولم تستطيع ان تحقق تنبؤات ماركس امام صعود الإيديولوجية البرجوازية وإيديولوجية اليمين المتطرف ،،، فما هي الأسباب الرئيسية التي كانت وراء تحطم وإفلاس المشروع الماركسي اللينيني في المغرب ؟ هل نفس الأسباب التي أدت الى إفلاس المشروع في الغرب أدت الى إفلاسه في المغرب ؟ ام ان توجد أسباب أخرى تتعلق بالخصوصية لعبت دورا أساسيا في تحطيم المشروع منذ السنوات الاولى من ظهوره ؟ ثم هل يمكن اعتبار بعض المراجعات النظرية والتنظيمية التي قامت بها بعض التنظيمات الماركسية المغربية بمثابة محاولة يائسة لانقاد المشروع وتطعيمه بروح وديناميكية جديدة تستطيع مسايرة النظريات والمستجدات التي فرضت نفسها في المجتمع ؟ .
ان أزمة المشروع الماركسي اللينيني في المغرب سواء ذاك الذي نظر لها الحزب الشيوعي المغربي ، حزب التحرر / التقدم والاشتراكية او نظر له يسار السبعينات لا ترجع الى تفوق الإيديولوجية البرجوازية في صراعها التاريخي المرير على الإيديولوجية الماركسية ، ولا ترجع الى كون المغرب بلد يتوفر على بنية تكنولوجية صلبة ومتطورة ، لكنها ترجع في الحقيقة الى اعتبارات وعوامل تعتبر ثوابت راسخة وفطرية في العقلية المغربية ، أساسها النظام الملكي الذي يزاوج بين الأصالة من خلال عقد البيعة الذي يربط الأمير بالرعية والدين الإسلامي ، والمعاصرة التي تتركز في مؤسسات الدولة العصرية . ان المغرب الدولة الإسلامية لا يميز نظامه السياسي بين الدين والدولة ، والملك الذي يشغل وظيفة أمير المؤمنين جعل من النظام السياسي المغربي الذي يزاوج بين الأصالة والمعاصرة يجسد شعور المغاربة الدينية والدنيوية ، وهذه الخاصية التي يتميز بها المغرب لعبت دورا رئيسيا في جعل المشروع الماركسي اللينيني لا يتعدى مناقشة سقف النظرية الماركسية في شكل ثقافي بوليميكي داخل مدرجات وساحات الجامعات وفي بعض النوادي الثقافية التي لا علاقة لها بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء . وإضافة الى هذه الحقيقة الساطعة حول الخصوصية فان تحامل الماركسيين على الدين الإسلامي والتقاليد المرعية التي تمثل العصور الوسطى في نظرهم وتجسد الظلامية والرجعية في أبشع صورهما ، جعل الماركسية المغربية تبقى محصورة فقط بين الماركسيين وأصحاب الشأن العام ، ودون ان تعرف طريقها الى المجتمع التي تطمح الى تفعيله وتوظيفه في عملية التغيير الكبرى التي يتم التنظير لها في الأقبية والجحور . لقد أصبح العديد من المفكرين الماركسيين وخاصة بعد سقوط جدار برلين وأفول نجم الاتحاد السوفيتي السابق يحاولون إعادة النظر في دراسة الماركسية بعد ان ثبت لهم وبالملموس فشلها . وفي هذا الصدد عرفت المنابر الثقافية الماركسية المغربية نقاشات وجدالا بخصوص الفلسفة الماركسية وعلاقتها بالدين والمجتمع العربي الإسلامي . فدار النقاش بين دعاة التجديد وبين دعاة الحفاظ والتمسك بالكلاسيكي في الفكر الماركسي ، فاتهمت المجموعة الأولى المجموعة الثانية بالنصية والسلفية والظاهرية في التعامل مع النصوص الماركسية ، وأدى هذا الوضع الى بروز اتجاهين ماركسيين احدهما تقليدي يلتزم بحرفية النصوص ويدعو الى تطبيق الماركسية بحذافيرها على التاريخ والوقع والوضع العربي الإسلامي ، والآخر يدعو الى التجديد والاجتهاد في النظرية الماركسية بما يتلاءم مع خصوصيات المجتمع . وتعتبر هذه التباينات في مراجعة النظرية الماركسية راجعة بالأساس الى سلسلة الإخفاقات التي عرفتها تجربة الحزب الشيوعي المغربي وتجربة منظمة الى الأمام ومعها باقي التنظيمات الماركسية الأخرى . " ... ننتهي بهذه الفكرة ليس الى قدح الصراع بين المذاهب الفلسفية ولكن الى نقد فكرة الانتصار الساحق والكلي لفلسفة معينة على الفلسفة الإسلامية والفلسفات الأخرى البرجوازية والقومية وبمحوهما على صعيد المجتمع بأسره ... ان إتباع هذا السبيل لا جدوى منه ، وينتهي بأصحابه الى مأزق كبير ،،، و لا نعتقد الآن من يثق بادعاءات قادة حزب العمال الألباني حول القضاء الكلي على الدين .." . وقد اعترف احد القادة التاريخيين الماركسيين في منظمة 23 مارس ( ح ط ) بالفشل الساحق الذي أصاب المشروع الماركسي في المغرب واعتبر ان الموقف من الدوغمائي من النظام الملكي والدين الإسلامي اللذان يشكلان ثوابت أساسية لازمة وملتصقة بتاريخ المغرب ، هو الذي جعل المنظرين الماركسيين يعجزون عن تطويع الماركسية وتحقيق دولة العمال والفلاحين " .. في أواخر السبعينات قامت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمراجعة نقدية لخطها السياسي ، ولقد نشأت عن هذه المراجعة النقدية ان تغيرت خطتنا تغييرا جوهريا ،،، ان القطيعة الإيديولوجية التي أفضى إليها الخلاف داخل ما كان يسمى بالحركة الماركسية المغربية فيما مضى ، لم تكن بسبب الاختلاف حول أجوبتنا السياسية المباشرة على الظرف الراهن ، بل كانت بالأساس بسبب التناقض الذي حدث واتسع بين منظومتين فكريتين لم يعد يجمعهما قاسم مشترك كما عليه الحال في السابق ،،، ومن خلال تلك المراجعة النقدية بالقدر الذي أصبحنا فيه على طلاق مع رؤية سابقة نعتناها وحكمنا عليها بالطبقوية ،،، وهذه الاسئلة لم يكن همها الا الإشارة الى الإشكال التي مازالت تواجهها الماركسية اللينينية في النظر والعمل – متوخيا القول – بان هناك قضايا جديدة لم يكن يعرفها لا ماركس و لا لينين ولا النظرية الماركسية اللينينية ،،، ان الماركسية اللينينية كنصوص ومادة خام ، لا تقدم لنا نفسها مباشرة ككتابات في الطريقة والمنهج الا نادرا ... لخ " . وفي هذا الصدد عبر احد القادة التاريخيين لمنظمة الى الأمام أبراهام السرفاتي عن نفس الفكرة عندما خلص في إحدى مقالاته : " ... الى ضرورة العمل داخل الأمة العربية ، من اجل يبذل جميع التقدميين العرب ، سواء كانت إيديولوجيتهم دينية او ماركسية جهودا نظرية وعملية في سبيل ذاك التقرب المنشود الذي يعد شرطا أساسيا من اجل تغيير المجتمع العربي تغييرا راديكاليا وتحريره من الامبريالية والصهيونية .. " و " .. ان المناقشة يجب ان تبقى جارية بين الماركسية كتصور بروليتاري و بين الدين المتحرر من الضغط الرجعي .. " . وفي هذا الخضم فان أبراهام السرفاتي حمد الله على وجود الفصل 19 من الدستور الذي جنب المغرب الفاشية الاسلاموية وعلى رأسها جماعة العدل والإحسان ، ولكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن هو مدا قبول فكرة ابراهام السرفاتي بالانفتاح على التيارات والمنظمات التي يعتبرها من منظمات الإسلام السياسي التقدمي مثل مجموعة البديل الحضاري وحزب الأمة . اعتقد ان أحسن جواب عن هذا الاستفسار لا يخرج عما سبق لعبد الكريم مطيع قاتل عمر بن جلون ومؤسس الشبيبة الإسلامية ان كتبه " ... أسفر الصراع في المغرب عن معسكرين لا ثالث لهما . معسكر الشعب المغربي المسلم المتشبث بعقيدته وثورته ، ومعسكر الفكر الأجنبي الدخيل ( الماركسي الملحد والليبرالي الإباحي ) الذي يقاتل صفا واحدا في جبهة واحدة مآلها الهزيمة والخذلان أمام معسكر الإسلام وجنود الرحمان " و أضاف " الحق والباطل لا يتبادلان القبل ولا أوراق الاعتماد " مسترشدا بآية من القران " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوأدون من حاد الله و رسوله " . الملاحظ هنا ان مطيع يصف أبراهام السرفاتي واليسار الجذري والراديكالي ضمن من حاد الله ورسوله ، ويصنف الأحزاب الأخرى بالايباحيين والمفسدين . وفي نفس الموضوع عبد السلام ياسين " إنها لسذاجة لا تغتفر انتظار ان ينفذ المرتدون والملحدون والكفار مشروع استغلالي ديماغوجي ومنتج لجاهلية جديدة . ان الاستعداد لاستلام السلطة ( الحكم ) يتطلب كثيرا من القوة والصفاء ، وهذا يوجب علينا الا ننال من شخصيتنا الإسلامية وذلك بتجنب اية علاقة مع الأحزاب السياسية " التي سبق ان وصفها بالدكاكين والمقاولات .
اذا كانت منظمة إلى الإمام قد فشلت في تطويع الماركسية ونشرها داخل الطبقات التي راهنت عليها لانجاز الثورة ، فان نفس الفشل حصدته في المجال التنظيمي الذي بقي محصورا على الطلاب والتلاميذ وبعض الأساتذة والمعلمين وبعض المهندسين ولم يبرح مكان الجامعة ومنظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب . اما العمال والفلاحين الذي يدعي التنظيم انه يمثلهم ويتكلن باسمهم ، فقد ظلوا خارج هذه المنظمة التي كانوا ولا زالوا يجهلونها أصلا . وقد ساهم في هذا الفشل تعقيدات النظرية الماركسية وتركيزها عند اطر المنظمة على الجانب الثقافي وليس السياسي الذي ظل حبيسا للموروث الإيديولوجي الذي يجسده النظام الملكي ، إمارة أمير المؤمنين وعقد البيعة الذي يجمع الملك بالشعب وليس بالأحزاب التي تعيش من فتاة النظام وهي في حاجة ماسة لبركاته . كل هذا وغيره كثير أدى إلى خنق التنظيم من الداخل مع انسحابات الأطر بالجملة . هكذا يتبين ان منظمة إلى الإمام رغم غرقها في الاجتهادات النظرية والتنظيمية فإنها لم تتقدم في حل أي من هذين المعضلتين ، بل اكثر من ذلك لم تتمكن من تحديد أرضية هذه المعضلات التي كان ينبغي ان يوجه إليها الجهد النظري والعملي حتى تتمكن بذلك من الانتقال من العام الى الخاص ، أي من تبني ما يعتقد انه هو الفكر الاشتراكي العلمي ، الى اختيار مدا قدرته على الإمساك بواقع التطور الاجتماعي في المغرب وآفاق تطوره في المستقبل .
الفصل التاسع : منظمة إلى الأمام والمسألة التنظيمية : يمكن وفي عجالة ان تحصر ضمن هذا الاطار المسألة التنظيمية عند منظمة الى الامام من خلال بحث محورين ، محور الحزب الماركسي اللينيني الذي يتبنى المركزية الديمقراطية ، ومحور البحث في مسألة العنف الثوري كقابلة للتاريخ ، وقبل هذا لا بد من الإشارة الى الأشكال التنظيمية التي أخذت بها منظمة الى الأمام كما يلي :
1 – لجان الديمقراطيين : Les comites des démocrates : تتكون هذه اللجان من العاطفين على المنظمة . هؤلاء كانوا يواظبون على قراءة أدبيات التنظيم ، كما كانوا يساهمون في التصويت لفائدة مرشحيها أثناء انتخاب الجمعيات الطلابية في المدارس العليا والتعاضديات في الكليات ، ثم عند انتخاب مؤتمري المؤتمرات الطلابية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ( المؤتمر الوطني 15 و 16 و 17 الفاشل ) .
2 – لجان العاطفين المناضلين . وتتكون هذه اللجان من الأجانب خاصة الفرنسيين اليهود الذين يشتغلون في التعليم ضمن اتفاقيات مبرمة مع الحكومة الفرنسية . لقد كانت مهمة هؤلاء تنحصر في تقديم المساعدات المختلفة من دعم مالي الى تسهيل تهريب الأطر المبحوث عنها الى فرنسا والدخل قصد منحها صفة اللجوء السياسي ، ثم إخفاء آخرين بمنازل بعيدة عن مراقبة أعين البوليس ( أبراهام السرفاتي ، عبداللطيف زروال ، المشتري بلعباس ، الفاكيهاني .. ) . ويعتبر هؤلاء المتعاونون عنصر اتصال بين اطر الداخل واطر الخارج بفرنسا للتنظيم .
3 – الحلقات الإيديولوجية ، وهذه تضم الأفراد الجدد المبتدئين الذي تم استقطابهم من الجامعة والمعاهد العليا الى المنظمة . يتلقى هؤلاء داخل هذه الحلقات تكوينا سياسيا وإيديولوجيا ليصبحوا أعضاء جذريين بدل متربين .
4 – لجان النضال ، وتتكون من أبناء الحي الواحد او الأحياء المتقاربة والمتداخلة مع بعضها ، حيث يتكلفون بالتنشيط السياسي والتاطيري في الأحياء التي ينتمون إليها .
5 – لجان المناضلين ، وهؤلاء يتولون توجيه أعضاء لجان النضال وأعضاء الحلقات الإيديولوجية وأعضاء لجان المتعاطفين الأجانب .
6 – لجان المناضلين الأساسيين ، ويتكون هؤلاء من السياسيين المحترفين الذين يوجهون أعمال المنظمة وهم يعيشون في سرية تامة .
7 – خلايا الرفاق وتتكون هذه من الثوار المحترفين والمناضلين الجذريين في المنظمة ، وينتخب هؤلاء من بينهم ، وفي سرية تامة لجنة وطنية مقررة بمثابة مكتب سياسي . ويمكن حصر أساليب العمل النضالي الذي انتهجته منظمة الى الأمام فيما يلي :
ا – الانغلاق في التنظيم
ب – اعتماد مركزية ديمقراطية جد متشددة
ت – كراء البيوت والمحلات السكنية في الأحياء الشعبية لسهولة التواصل وربط العلاقات
ث – تزوير أوراق التعريف والبطاقات الوطنية وجوازات السفر
ح – انتحال المهن والوظائف وتغيير الألقاب والأسماء
خ – استعمال الإشارات وعلامات خاصة في التخاطب والتحرك لتمويه أنظار البوليس
د – تنظيم المظاهرات في الأحياء الشعبية والتظاهرات والوقفات في المدارس العليا وبالكليات والجامعات وبالمدارس الثانوية ..لخ
الحزب السياسي : حظيت المسألة الحزبية باهتمام كبير فائق في تنظير المنظمة واعتبروه دوره " ... يكون بناء الحزب البروليتاري ضرورة يمليها واقع الصراع الطبقي لتنظيم الإمكانيات الثورية للجماهير الكادحة ، وتلخيصها من تأثيرات الإيديولوجية السائدة ، وفي مواجهة تنظيم الطبقة الحاكمة وترسانتها القمعية ... ان النضال التحرري للطبقة العاملة يهدف سياسيا الى قلب السلطة الحاكمة ، وفرض حكم العمال والفلاحين الفقراء... وان دور الحزب هو تغذية هذه التناقضات الجماهيرية والرفع من قدراتها التنظيمية والسياسية ، وتهيئ عنفها المضاد الثوري لانتزاع السلطة في المرحلة الثورية الناضجة ... " . لقد اعتبرت منظمة الى الأمام ان المبدأ الموجه للحزب هو المركزية الديمقراطية التي تنظم وتضبط علاقته مع الفئات التي يدعي انه يمثلها ويتكلم باسمها ، أي العمال والفلاحين الفقراء . ان مضمون المركزية الديمقراطية التي أخدت بها منظمة الى الإمام ، تعني ان القيادة الستالينية تقترح المشروعات من فوق فتطرحها على الأجهزة التحتية للمناقشة في اتجاه القبول تحت طائلة اعتبار الرأي او العضو المعارض رجعي ارتدادي . " . ان المبدأ الموجه في بناء الحياة الداخلية للحزب الثوري هو مبدأ المركزية الديمقراطية . ان هذا المبدأ ما هو في الواقع الا انبثاق وتطبيق للأهداف التي يناضل من اجلها الحزب ، ولمضمون علاقته بطبقته وبالجماهير ، ولأسلوبه الرئيسي في النضال ... ان الديمقراطية العمالية تنبني في العمق على أساس التضامن والتآزر مع مجموع الطبقة . كما ان حرية الفرد الحزبي تمارس ضمن مجموع التنظيم ولمصلحة الثورة بالأساس . ان هذا المفهوم يتعارض بالمطلق مع مفهوم الديمقراطية والحرية وبالتالي المركزية في النظرية البرجوازية .. " . الملاحظ ان السبب وراء هذه الأطروحة في نظر أصحابها ، توحيد خطة الحزب ونظرته والحفاظ على تجانسه ، وفي نفس الوقت تجنب أخطار الانشقاق التي تعتبر اكبر خطر يهدد الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية الثورية .
العنف الثوري : أولت منظمة الى الأمام أهمية قصوى لمسالة العنف الثوري ورفعته الى درجة التقديس ، فاعتبرت ان ما يميزها عن الأحزاب الإصلاحية والبرجوازية هو هذه الخاصية ، أي العنف .لذلك اعتبرت ان كل ما هو عنيف ثوري ، وكل ما هو ليس عنيفا ليس ثوريا ، ومن هذا المنطلق رفضت منظمة الى الأمام التحرك داخل البرلمان وسمته خطا إصلاحيا ، ورفضت الملكية وطرحت بديلها الحكم بمفهوم ثوري ، أي نظام الجمهورية الديمقراطية الشعبية التي ستتحقق بواسطة حرب الشعب الطويلة الأمد وليس بالانتخابات . في هذا الصدد شرعت المنظمة تنظر بخصوص هذه المسالة متأثرة في ذلك بالنموذج الأسيوي في الثورة ،فمحورت نظرية العنف حول مواقع الصدام القواعد الحمراء المتنقلة والقواعد الحمراء الثابتة والبؤر الثورية والعنف المضاد كقابلة للتاريخ . " ... ما من تناقض طبقي ، وما من قضية أساسية سبق ان حلت في التاريخ الا عبر العنف ... ان التناقض بين الامبريالية والطبقة الحاكمة في المغرب وبين مجموع الطبقات الكادحة الوطنية لا يمكن ان يحل الا بالعنف الثوري .." .
اذا كانت منظمة الى الأمام قد رفعت العنف الثوري الى درجة التقديس ، فإنها رفضت العنف البرجوازي الصغير الذي تسبب فيه الجناح البلانكي في حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 16 يوليو 1963 وفي 3 مارس 1973 ( الفقيه محمد البصري ). لقد اعتبرت المنظمة هذا العنف وجه العملة الثاني للخصم الإصلاحي ، عبر في نفس الوقت عن سخط ونفاد صبر البرجوازية الصغيرة أمام فشل الأسلوب الإصلاحي ، ولعجز هذا العنف القصير النفس والمعزول جماهيريا ،،، ان سر وذيلية العنف البرجوازي الصغير يرجع الى كونه كخط سياسي وعسكري عاجز عن تعبئة الحركة الجماهيرية .. " .
لقد طرحت منظمة الى الأمام البديل الثوري حين ركزت في تنظيراتها السياسية وأدبياتها وإيديولوجيتها على الطبقة العاملة التي بشرت بدكتاتوريتها ، وعلى الطلاب والتلاميذ الذين اعتبرتهم طليعة ثورية تكتيكية مؤهلة بحكم مستواها الثقافي والاجتماعي لنقل بذرة الوعي الثوري النقي الى العمال والفلاحين الفقراء الذين ارتبطوا في نظرها بمسالة العنف الثوري في البادية . وان التجدر السري داخل الطبقة الفلاحية من اجل تثقيفها إيديولوجيا وسياسيا وتنظيمها ضمن الحزب الماركسي اللينيني ،،، هي مهمة يقوم بها التلاميذ و الطلبة الذين يدرسون بالمدينة ويسكنون بالبادية . فهؤلاء وحدهم مؤهلون لنقل الفكر الثوري وتوجيه دعاية المنظمة الى مناطق الصدام من قواعد حمراء ثابتة ومتحركة وبؤر ثورية متعددة .. لخ . ان كل متتبع ومحلل لهذه الأطروحات وغيرها كتلك التي جاءت منذ بداية الثمانينات يجد نفسه مضطرا لطرح بعض الأسئلة حول جدية المشروع ومدا قابليته للتطبيق في مجتمع يتسم بالمحافظة والتقليد والخوف من الجديد ، حيث ان الإجابة التي ستأتي على ضوء هذه الأسئلة تثبت بالملموس درجة الإخفاق الإيديولوجي والتنظيمي لمنظمة الى الأمام ومعها منظمة 23 ارس كفصيلين رئيسيين في تجربة اليسار السبعيني . ان من بين هذه الأسئلة :
--- هل استطاعت منظمة الى الأمام عند انفصالها عن حزب التحرر والاشتراكية في صيف 1970 صياغة الإجابات والتكتيكات المناسبة على ضوء نمو النضال الاجتماعي الجنيني وبعلاقة وثيقة بالبرنامج الاستراتيجي .
--- هل تمكنت منظمة الى الأمام من تجنب السقوط في التكيف مع الحركة الجماهيرية من جهة ، وتجنب الانعزال عنها من جهة أخرى ؟.
--- كيف يمكن ان توجه ظروف نمو النضال الجماهيري الجنيني في اتجاه بناء الحزب الماركسي الثوري الأداة الوحيدة لكل تغيير جذري ؟ أي هل كان انفصال وخروج المنظمة عن حزب التحرر والاشتراكية قرارا صحيحا صائبا يستجيب لخصوصيات المرحلة ولطبيعة التناقضات التي عرفها المغرب منذ 1956 ؟ .
ان الجواب عن هذه الأسئلة يبين انه لم تكن لدا منظمة إلى الأمام او منظمة 23 مارس او حركة لنخدم الشعب ، الاستعداد والتهيئة النظرية والسياسية الضرورية للإجابة عن هذه الأسئلة ، وانجاز هذه المهام على ارض الواقع . لقد خرجت هذه المنظمات منذ مرحلة ظهورها الأول في بداية السبعينات وحتى سنة 1974 مثقلة بكافة النقائص والأمراض اليسراوية التي عانت منها خلال تلك الفترة ، فجاء ظهورها تمشيا تجريبيا وانتقائيا فوقيا على الحركة الجماهيرية ، الأمر الذي يفسر واقع هذه الحركات الآن سواء منظمة الى الأمام التي اختزلت في حزب النهج الديمقراطي او تيارات القاعديين الذين يدعون انتسابهم الى المشروع بشكل من الإشكال ، او منظمة 23 مارس التي اختزلت في منظمات وحركات مختلفة منها منظمة العمل الديمقراطي الشعبي المنحلة ، اتجاه الوحدة والنضال الذي اختزل في رابطة العمل الثوري المغرب التي حلت نفسها بعد اندماجها في حزب الطليعة الديمقراطي الشعبي ، ناهيك عن طابور الحزب الاشتراكي الذي اندمج في حزب الاتحاد الاشتراكي . فكانت النتيجة الإفلاس التاريخي المدوي لتجربة أثرت بشكل ما في مجرى الأحداث بما وظفته من جهد ثقافي سياسي والى الآن لم يبرح إشعاعه رحاب الجامعة ودون ان يعرف طريقه الى العمال و الفلاحين و عموم الجماهير التي يدعي التكلم باسمها رغم أنها تجهل وجوده بالمرة في الساحة ، وما مقارنته بالتنظيمات الإسلامية خاصة جماعة العدل والإحسان المسيطرة في الساحة الا حقيقة تفقأ الأعين .
تساؤل : يمكن لكل متتبع ومحلل للظاهرة الحزبية والسياسية بالمغرب ان يطرح سؤالا مشروعا حول المآل الذي انتهت اليه تجربة اليسار المتطرف بعد ظهورها في بداية السبعينات من القرن الماضي ، خاصة عجز هذا اليسار ليس فقط في الوصول الى الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، بل عجزه في التغلغل في الشرائح الاجتماعية الي يدعي الانتساب أليها من عمال وفلاحين وطلبة وتلاميذ وخاصة ان مرتع هذا اليسار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب تستحوذ عليه الحركة الإسلامية التي ترمي الى التأسيس لمشروع قروسطوي وفاشي بالمغرب وبعموم المنطقة . ان الأزمة الإيديولوجية والتنظيمية التي رافقت هذا اليسار ترجع بالا ساس الى عدم اكتماله لدورته الطبيعية التسعة أشهر حيث سقط قبل الأوان ، ويظهر هذا جليا في تقوقعه وصغر حجمه ، وفي الانسحابات والانشقاقات التي تعرض لها طيلة وجوده بالساحة السياسية ، حتى قد يتخيل للمرء الجزم بالحكم القائل ان تاريخ اليسار في المغرب هو تاريخ انشقاقات وانسحابات لا غير ،ويصدق هذا على اليسار التقليدي كما يصدق على اليسار الماركسي اللينيني . وبالرجوع الى هذه الحقيقة يكفي الاستدلال على كثرة الفصائل التي تدعي الانتساب الى تجربة منظمة الى الأمام رغم الاختلاف والبون الشاسع بينها . فمثلا وعند الإعداد للمؤتمر الوطني السابع عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ظهرت في الساحة خمس فصائل يسارية تدعي انتسابها الى تجربة منظمة الى الأمام هي :
 النهج الديمقراطي
 الطلبة القاعديون
 الطلبة التقدميون
 الطلبة المجالسيون
 الطلبة أنصار المجالس
اما الآن فان نفس التنوع الذي يدعي انتسابه الى تجربة الى الأمام بشكل او بآخر يتحرك في الجامعة الموقع التقليدي والتاريخي لهذا اليسار و تتكون الآن من :
 حزب النهج الديمقراطي الامتداد اليميني التحريفي لتاريخ منظمة الى الامام ، وهو يسيطر على الجمعية المغربية لحقوق الانسان التي اضحت جمعية للنهج اكثر منها للانسان .
 التوجه القاعدي
 القاعديون التقدميون
 الكراسيون الستالينيون
 الممانعون
ان تاريخ اليسار الراديكالي والجذري في المغرب هو تاريخ إخفاقات وتاريخ انشقاقات بسبب سيطرة الفكر الطفولي والمغامر على أعضاءه ، وبسبب تجاوزه من قبل التنظيمات الاسلاموية المسيطرة في الساحة . ان هؤلاء جميعا الذين يسيطرون على حركة 20 فبراير يطالبون بالجمهورية ( جمهورية عمالية فلاحية تجسد للدكتاتورية والشمولية ) و ( جمهورية إسلامية تؤسس للفاشية والقروسطوية ) . اما أغلبية حركة 20 فبراير التي رفضت الدستور المعروض على الاستفتاء ، فان رفضها ليس بسبب رفض اللجنة التي أشرفت على تخضير الدستور ، لكن رفضها يرجع الى عدم دمقرطة الملكية بتحويلها من ملكية وراثية الى ملكية دائرية حيث يؤيدون الأمير هشام الذي يطالب بالملكية الدائرية والشكلية مع تمكين أعداء الدولة من السيطرة ليها .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام السوري يتململ تحت الضغط
- بين الملكية البرلمانية والملكية الدستورية المطلوب راس النظام
- جماعة العدل والاحسان بين الانقلاب والثورة
- الفرق بين الهبات (بتشديد الباء) او الانتفاضات وبين الثورة
- كيف سيكون اللقاء التشاوري لحراك 20 فبراير؟
- قرار انضمام المغرب الى مجلس التعاون الخليجي
- شعبوي شعبي وشعوبي
- سوق عكاظ
- الديمقراطية العربية
- اسامة بن لادن مشروع شهيد
- خريف ثلاث اوراق مغربية
- بدعة المجلس التأسيس لإعداد الدستور
- تنفيذ الاحكام القضائية ( المادة الادارية )
- مغالطة التاريخ ( الحركة الوطنية )
- ملك يسود ولا ( يحكم )
- ازمة الفكر العربي ( المعاصر )
- هل يمكن الحديث عن مشروع ايديولوجي عربي ؟
- رواد عين العقل العربي بين التنظير الإيديولوجي والعمل السياسي
- هل تدق طبول الحرب في الصحراء ؟
- حركة 3مارس1973 خنيفرة مولاي بوعزة


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية