أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس جنداري - اللغة العربية في المغرب بين الترسيم الدستوري و تحديات الواقع















المزيد.....

اللغة العربية في المغرب بين الترسيم الدستوري و تحديات الواقع


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 18:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


حضرت العربية كلغة رسمية في لمغرب منذ دستور 1962 و استمر هذا الطابع الرسمي مع دستور 1996؛ و الآن جاء مشروع دستور 2011 ليؤكد على هذا الطابع الرسمي؛ إذ جاء في الفصل الخامس منه : " تظل العربية اللغة الرسمية للدولة" كما جاء في نفس الفصل تأكيد من الدولة على حماية و تطوير اللغة العربية؛ و تنمية استعمالها .
إن هذه الدسترة في الواقع ليست سوى إقرارا بواقع لغوي؛ كانت فيه الريادة دائما للغة العربية؛ على امتداد اثني عشر قرنا؛ ليس من منظور إيديولوجي و ديني- كما يحلو للبعض أن يزعم- و لكن من منظور السوق اللغوية – كما صاغها بيير بورديو- حيث " توجد السوق اللغوية عندما ينتج شخص ما خطابا موجها لمتلقين قادرين على تقييمه وتقديره ومنحه سعرا معينا " بيير بورديو- السوق اللغوية- تر: حسن أحجيج-فكر و نقد – ع: 20 .
و الخطاب ارتبط دوما باللغة؛ و بخصوص اللغة العربية؛ فقد كانت لقرون؛ لغة العلم و المعرفة؛ و لهذا كان سعرها عالي القيمة دائما؛ ليس بسبب ارتباطها بالدين فقط؛ و لكن كذلك لقيمتها الحضارية؛ و حمولتها الفكرية و العلمية.
لقد حضرت العربية في المغرب –و ما زالت- كرأسمال لغوي؛ و الحديث عن الرأسمال اللغوي –حسب بورديو- يعني وجود فوائد لغوية. و لعل أهم هذه الفوائد في حالة المغرب؛ هو أن تتمكن منطقة مغمورة في شمال إفريقيا؛ من فرض نفسها كقوة حضارية؛ وصل إشعاعها الحضاري إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ و صنع حضارة ما زالت إسبانيا تحتفظ بآثارها إلى اليوم .
و إذا كانت السوق اللغوية-حسب بورديو- بمثابة نمط معين من القوانين (المتغيرة) التي تحكم تشكل أسعار المنتوجات اللغوية؛ فإن اللغة العربية من هذا المنظور؛ و نظرا لامتدادها في جغرافيات متعددة و لمراحل تاريخية طويلة؛ تؤكد تسعيرتها الحقيقية التي لم تتراجع كغيرها من المنتوجات اللغوية الأخرى؛ و من منظور قانون العرض و الطلب؛ فإن المنتوج الذي يحافظ على تسعيرته لوقت أطول؛ هو منتوج عالي الجودة؛ لأن المستهلك اللغوي لن يقبل بمنتوج ضعيف الجودة؛ مع وجود منتوجات لغوية منافسة .
إن المشرع المغربي –إذن- و هو يدستر اللغة العربية كلغة رسمية؛ في جميع التعديلات الدستورية؛ لا يقدم على هذه الخطوة فقط للمحافظة على الانتماء العربي للمغرب –لأن هذا أمر واقع لا جدال فيه- و لكن لأن اللغة العربية حضرت في المغرب كرأسمال ثمين؛ ساهم إلى حد بعيد في نقل المغرب إلى مرحلة حضارية جديدة؛ كفاعل إقليمي و قومي و دولي .
و نحن هنا حينما نتحدث عن اللغة العربية؛ فإننا نقصد التراكم الثقافي و الحضاري الذي تحمله هذه اللغة؛ ما دامت اللغة في الأخير هي مسكن الكائن كما يؤكد الفيلسوف الألماني (هيدجر).
إن الشخصية المغربية (بالمعنى الجمعي) في تشكلها التاريخي؛ فكريا و اجتماعيا ونفسيا؛ هي مدينة في جزء كبير جدا للعروبة؛ كلغة و ثقافة و حضارة و دين؛ و الكتابات التاريخية اللاتينية التي تحدثت عن شمال إفريقيا تقدم لنا صورة حقيقية عن المغرب العربي؛ الذي كان مزرعة كبيرة لروما؛ ينتج القمح و الشعير؛ أما الثقافة و الحضارة؛ فهي حكر على الروماني (المتحضر)/(المتدين)؛ و لا يشاركه فيها (البربري) الذي سلبه الرومان حتى القابلية لتقليد الروماني المتحضر!
إن أول ما استطاع الإنسان المغربي تكسيره؛ بعد انتمائه إلى الثقافة و الحضارة العربية؛ هي تلك الصورة النمطية التي رسمها له الرومان؛ باعتباره بربريا/ غير متحضر... حيث نجح خلال وقت قياسي؛ في قلب التوازنات السائدة؛ و ترقى في سلم الحضارة؛ و أصبح مصدرا أساسيا؛ للغة و الثقافة و الدين... و هكذا سيلقن أحفاد الرومان دروسا بليغة؛ حينما نجح في بناء إمبراطورية تمتد من إفريقيا إلى أوربا؛ إمبراطورية تداول على حكمها العرب (الأدارسة؛ السعديون؛ العلويون) و كذلك الأمازيغ( المرابطون؛ الموحدون؛ المرينيون) .
لقد ولدت العروبة في المغرب عبر زواج ناجح بين (كنزه الأمازيغية) ابنة زعيم أكبر قبيلة مغربية (أوربة)؛ و (إدريس العربي) الذي دخل المغرب فوحده و بنى أسس إمبراطورية قوية؛ امتدت حدودها بين بلاد تامسنا على المحيط الأطلسي غربا و بلاد تلمسان بالمغرب الأوسط شرقا .
إن عروبة المغرب لم تتنكر يوما للإرث التاريخي الأمازيغي؛ بل خلقت حوارا حضاريا يتجاوز قدرات المرحلة؛ و إذا كان (إدريس الأول) هو مؤسس هذا الحوار؛ بعدما تمت مبايعته من طرف القبائل المغربية؛ على اقتناع تام برسالته الحضارية السامية؛ التي حارب و هاجر من اجلها؛ فإن هذا الحوار هو الذي سيستمر لقرون بعده؛ و ما زال يفرض نفسه بقوة رغم المؤامرات التي تواجهه من الداخل و الخارج .
و لذلك فقد آمنت العروبة في المغرب بالتعددية و الاختلاف؛ خلال مرحلة كان السيف هو الحاسم بين الجد الهزل ! و هذا ما شجع المغاربة على الافتخار بالانتماء إلى هذا المعين الحضاري الذي لا ينضب؛ فأحسوا و اقتنعوا لقرون أنهم يشكلون امتدادا للعالم العربي الكبير (مشرقا و مغربا) و هذه حقيقة انغرست في فكر و وجدان المغاربة؛ لم يستطع المستعمر الفرنسي رغم مجهوداته الجبارة اقتلاعها .
و هذه رسالة يجب على أذناب الاستعمار الفرنسي في المغرب؛ اليوم؛ أن يستوعبوها جيدا؛ فالمغرب سيظل امتدادا عربيا؛ ليس لأن الأمر مفروض على المغاربة بالقوة و العنف؛ و لكن لأن المغاربة فضلوا هذا الخيار الحضاري؛ و أجمعوا حوله في واقعهم المعيش فكريا ووجدانيا؛ قبل أن يترجم دستوريا .
إن مشروع دستور 2011 حينما يؤكد على الطابع الرسمي للغة العربية و يتعهد بحمايتها و تطويرها؛ و تنمية استعمالها؛ و حينما يؤكد على تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية الإسلامية؛ و توطيد وشائج الأخوة و التضامن مع شعوبها الشقيقة؛ حينما يؤكد على كل هذا؛ فهو لا يضع خريطة طريق توضح كيف يمكن الانتقال من التنظير إلى الممارسة.
و هذا ما يدفع إلى التساؤل مرة أخرى؛ هل هناك إرادة حقيقية للدولة؛ بخصوص دسترة اللغة العربية كلغة أولى للمغاربة دستوريا و كذلك واقعيا؟ أم إن دستور 2011 سيعتمد نفس منطق الدساتير السابقة؛ التي نصت جميعها على ترسيم اللغة العربية؛ لكن الواقع كان شيئا آخر؛ حيث أن جميع القطاعات الحيوية في الدولة من اقتصاد و إدارة و تعليم عالي ... تعتمد اللغة الفرنسية؛ أما اللغة العربية فإنها اكتفت بحضور رسمي على مستوى الدستور؛ من دون ترجمة النص الدستوري على مستوى الممارسة ؟
لقد علمتنا التجارب الدستورية السابقة؛ أن الدستور شيء و الممارسة شيء آخر؛ لذلك من حقنا أن نتساءل حول طبيعة الترسيم المرتقب للغة العربية في دستور 2011 ؛ فهل سيظل النص الدستوري الخاص بترسيم اللغة العربية؛ نصا فارغ المحتوى؛ يخضع للانتهاك من طرف اللوبي الفرنكفوني؛ الذي يفرض اللغة الفرنسية في المغرب؛ كلغة أولى على مستوى الممارسة ؟ أليس من واجب الدولة أن تكون حاسمة؛ في فرض نصوص الدستور المتفق حولها من طرف المغاربة؛ على الجميع و من دون تمييز خصوصا و أن الفصل السابع و الثلاثين من مشروع دستور 2011 يؤكد : " على جميع المواطنين احترام الدستور و التقيد بالقانون؛و يتعين عليهم ممارسة الحقوق و الحريات التي يكفلها الدستور بروح المسؤولية و المواطنة المسؤولة؛ التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق بالنهوض بأداء الواجبات" ؟
إن دسترة العربية كلغة رسمية أولى في المغرب؛ تواجه في الواقع مجموعة من العوائق التي رسخها الاستعمار الفرنسي؛ حينما وضع نصب أعينه؛ محاربة اللغة العربية في المغرب؛ لأنها تمثل امتدادا حضاريا؛ يمكن أن يعرقل جميع مشاريعه الاستيطانية. و حتى بعد انسحابه من ساحة المعركة على وقع ضربات المقاومة؛ سيعوض انسحابه باستعمار ثقافي؛ و كانت الفرانكفونية هي الجسر الرابط بين الاستعمار العسكري و الاستعمار الثقافي.
و لذلك فإن العائق الحقيقي أمام دسترة اللغة العربية في المغرب؛ هو هيمنة اللغة الفرنسية؛ على جميع القطاعات الحيوية في الدولة؛ من الاقتصاد إلى الإدارة إلى التعليم... و هذا ما يجعل ترسيم اللغة العربية؛لا يتجاوز المستوى الرسمي؛ أما الدسترة الحقيقية و الواقعية فهي للغة الفرنسية رغم أن الدستور لا ينص على ذلك صراحة .
لنكن أكثر وضوحا –إذن- في علاقتنا مع الشعب المغربي؛ و إذا كان التيار الفرنكفوني في المغرب يسعى إلى فرض اللغة الفرنسية على المغاربة كلغة أولى؛ فليدافع على خياره أمام المغاربة؛ من خلال دسترة الفرنسية كلغة رسمية للمغرب؛ و عرض ذلك على الاستفتاء الشعبي؛ و إذا قبل المغاربة بذلك؛ فيجب على الدولة أن تفرض هذه اللغة على المغاربة بقوة القانون؛ أما أن نتحايل على نصوص الدستور؛ فنقوم بترسيم اللغة العربية على الورق؛ و ترسيم اللغة الفرنسية على أرض الواقع؛ فهذا هو ما لا يجب أن يقبل به الشعب المغربي؛ من منطلق دستوري واضح؛ يدافع على سيادة الوضوح و الشفافية بين المواطنين؛ الذين يصوتون على الدستور؛ و بين الدولة التي تؤتمن على حماية سيادة الدستور في الحياة العامة .



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان من أجل الديمقراطية .. المثقف المغربي يخلق الحدث و يدعم ...
- الإصلاحات السياسية في المغرب و سؤال الدولة المدنية
- إني أتهم .. j accuse
- مخاض التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي على ضوء ثورتي ت ...
- رهان الديمقراطية في العالم العربي بين الأمس و اليوم
- مبدأ تقرير المصير بين روح القانون الدولي و التوظيف السياسي ( ...
- مبدأ تقرير المصير: بين روح القانون الدولي و التوظيف السياسي ...
- مبدأ تقرير المصير بين روح القانون الدولي و التوظيف السياسي
- النيوكولونيالية و إعادة صياغة خرائط المنطقة العربية
- الأطروحة الانفصالية في الصحراء المغربية- الأجندة الجزائرية ا ...
- التزوير الإعلامي الإسباني .. حين تنتهك حرمة السلطة الرابعة
- أحداث العيون - الأجندة الجزائرية – الإسبانية المفضوحة
- الصحراء (الغربية)- شرعية الانتماء المغربي من خلال الوثائق ال ...
- قضية الصحراء الغربية*بين شرعية الانتماء المغربي والتحديات ال ...
- البوليساريو: نهاية إيديولوجية .. نهاية مشروع
- أطروحة البوليساريو الجذور الاستعمارية و الإيديولوجية لفكرة ا ...
- الانفتاح المغربي في مقابل العدوانية الإسبانية - في الحاجة إل ...
- قضية احتلال سبتة و مليلية- في الحاجة إلى الدعم العربي للمغرب ...
- سبتة و مليلية .. مدينتان مغربيتان جغرافيا و إسبانيتان سياديا ...
- الاستفزازات الإسبانية للمغرب .. الاستعمار يكشف عن أنيابه


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - إدريس جنداري - اللغة العربية في المغرب بين الترسيم الدستوري و تحديات الواقع