أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - -رؤيا اليقين- للعراقي سلام إبراهيم محنة القصص في المنافي... محنة البشر العاديين















المزيد.....

-رؤيا اليقين- للعراقي سلام إبراهيم محنة القصص في المنافي... محنة البشر العاديين


راسم المدهون

الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 16:18
المحور: الادب والفن
    




قصص المنفى العراقية، تعيش في أغلب نماذجها مناخات سياسية، أنها بمعنى ما، حكايات الصراع بين الناس والسلطة، وما ينحدر من ميادين هذا الصراع من ألوان القمع والعذاب، التي تبدو في كثير من الأحيان، ضرباً من كوابيس سوداء، تقارب حقائقها الأوهام، حتى تكاد تتبادل معها المواقع، في لعبة دامية تجعل من الكتابة بدورها، تصطبغ بما يشبع العبث المخيف، كوميديا الموت وتراجيديا الفكاهة.. حيث البشر يصدق في وصف حالتهم قول دانتي الشهير في كوميدياه، بشر لا يموتون، ولا يحيون.

الكاتب العراقي سلام إبراهيم يقدم مجموعة من القصص القصيرة تنتمي إلى هذه الأجواء، وتحاول التعبير عن بعض تلاوينها وخطوطها المحفورة بسكين من نار في الروح والأعصاب. ففي مجموعته القصصية "رؤيا اليقين" (دار الكنوز الأدبية ـ بيروت 1994)، قصص تأتي من كوابيس الحرب بمراحلها المختلفة، الحرب العراقية ـ الإيرانية مرة، والحرب الأخرى التي اشتعلت ولم تتوقف بين السلطة من جهة والناس من جهة أخرى... الحرب الأقسى، والتي أخذ فيها الموت يجوب الشوارع في المدن، والأزقة والطرقات الضيقة في المدن الجبلية، والتي ذهب فيها الآلاف ضحايا الغازات السامة.

في قصة بعنوان "المتاهة" يقدم سلام إبراهيم حكاية شاب يفرَّ من الخدمة في الجيش، ويلتحق بفصائل المعارضة في شمال العراق، وهنالك تشتعل الحرب دامية ويضيق الحصار. "المتاهة" ليست قصة عن الحرب، وأن كانت تستمد إيقاع أحداثها من الحرب، أنها قصة الصراع الداخلي الذي يعيشه بطلها، حينما تتنازعة رغبة قوية في مقاومة السلطة، ورغبة أخرى في الحياة، في الخلاص من صراع عبثي لا ينفك يضيق ويهدده بالاختناق، حتى يصل إلى لحظة يقرر فيها الاستسلام.من هذه اللحظة السوداء، التي يصعدها الكاتب لتكون ذروة الحدث القصصي، نجد أنفسنا أمام قصة تلامس الجانب الإنساني في الإنسان، قصة لا تدعي البطولة، ولا تبحث عنها، قدر بحثها عن روح القلق العميق لذلك الرجل البائس الذي يواجه عزلة الموت هنالك في الجبال البعيدة، من دون بيتٍ دافئ، أو صدر أو لقمة هانئة: ( كيف المخرج من كل هذا؟ وإلى مَ تبقى يا داود؟ حال المتسول أفضل من حالك! ستموت جوعاً وبرداً، فالشتاء على الأبواب.. وما أنت!.. سوى قملة تقصعها أصابع السلطة الفولاذية.. أنج بنفسك.. أنج.. تسلل بهدوء.. أترك سلاحك.. وسلم نفسك قبل أن ينتهي موعد العفو.. عد إلى بيت أهلك ودفئه، تخلص من كوابيس نومك.. من خيول مجنونة تسعى لسحقك.. أترك كل شيء.. كل شيء.. أخلد إلى غرفتك ولا تبارحها.. أشبع نوما وخبزا ودفئا ) هذا المسار القصصي المعاكس لما عهدنا في القصص الواقعية ـ خصوصا السياسية ـ أعطى "المتاهة" مذاقاً مختلفاً، جعلها تبتعد قدر الإمكان عن التقريرية الجافة، والشعار البارد، وتقترب كثيرا من داخل بطلها، من وعيه الخاص الذي لا تبوح به كلماته بصورة مباشرة. أنها قصة تهرب من البطولة إلى نقيضها، الانكسار الذي يعيشه بطلها، والذي هو جزء من حالة عامة لا تقصد تبرير جرائم السلطة قدر ما تقصد الإشارة إلى محنة أعداء السلطة، إلى الحياة الضيقة، التي يغزوها الموت في كل لحظة ويهددها بآلات الدمار الشامل وأسلحته المجنونة.

أما في "رؤيا اليقين" فإن الحرب ذاتها، تأتينا من خلال حكاية أخرى، حكاية فتى يتسلل إلى بيته، ويرقب من مكمن من ظلمة البيت أمه، تنتقل بين غرف البيت، حيث تسقي بالماء زهرا على أضرحة، في كل غرفة ضريح، ويسمعها وهي تدعو الله أن يحفظه لها، وهو الوحيد الباقي، من دعائها ومشاهدة القبور، يعرف أن أخوته الآخرين ضحايا للحرب، ولم يبق سواه، بل وذهبت الحرب بأبيه معهم " أنهم يا ولدي أخوتك الثلاثة، وأبوك.. أخذوهم الواحد بعد الآخر قبل خمس سنين.. وتركوني وحيدة.. أتعبني التجوال بين السجون والمعتقلات، شبعت شتماً بذيئاً من رجالٍ غلاظ القلوب، أضنتني الوحدة.. كدت أموت كمداً.. لكنهم نبّعوا كلٍ في غرفته.. وجدتهم ذات ليلة يغطون في سباتٍ عميق".

قصص تحكي عن آخرين، والكاتب يأخذ غالبا دور الراوية، لعل هذا ما يجعل قصصه تأخذ طابع السرد، ولا تحفل كثيراً بالاسترجاع أو الحوار الداخلي، إنها قدر الإمكان تلتزم الحديث عن وقائع جرت لإبطال ما، وهذا الأسلوب يناسب إلى حد بعيد أحداثها وتفاصيلها، فهي قصص ذاكرة طازجة تمنح قارئها صور أحداث جرت في الواقع، وجاء الكاتب ليقدمها من خلال الرؤية الداخلية لأبطال أفراد، ينتمون في الغالب إلى تلك الشرائح المقهورة، التي تقف في المساحة الحرجة بين التمرد على سلطة القمع، وبين الحلم الذي لا يتوقف في حياة أخرى مختلفة، يتحرر فيها الناس من الخوف وهول اللحظة القادمة. ثمة في هذه القصص رؤيا سوداء، تصطفي لحظة الضعف، لا لتدافع عن تلك اللحظة، ولكن لتنطلق منها باعتبارها بقعة ضوء مركزية تكشف وقائع وأحداث، وتقدم صورة بانورامية تنعكس من حوافها، تفاصيل حياة كاملة، حياة تزدحم بظلال الموت، بقدر كبير من التلقائية، وقدر أقل من البحث عن الشكل الفني. يكتب سلام إبراهيم، هذه القصص التي نشعر معها أن البحث عن الشكل الفني ينصب هنا على تكوين القصة بأحداثها وأجوائها، تكوينها كحالة متكاملة تقف الحكاية في قلبها، وتلعب فيها الدور الأبرز والأهم.

وبقدر ما تحكي "رؤيا اليقين"، عن عالم الانكسار والضيق الروحي، تحكي حياة المقاومين، الوجه الآخر لهذه الحياة، فتخاطب بلغة بسيطة ومفعمة بالتأثير، انتباه القارئ إلى لون أخر لم يتعوده، لون من الكتابة غاب طويلاً تحت غبار المعارك النقدية للواقعية بمعناها المتداول. هنا وإذ يجري التخلي عن أدب البطولة أو وهمها ـ لا فرق ـ يجري في الوقت نفسه الدخول إلى المنطقة الشائكة، منطقة الحياة الداخلية للأبطال بكل ما يرتبه هذا الدخول على الكاتب من ضرورات الانحياز أكثر إلى خصوصيات عوالم قلما وطأتها القصة القصيرة، وإن فعلت فإنما في سياقات نفسية واجتماعية، لا علاقة لها بالمسائل الوطنية ذات الصلة بالحرب والسلام.

من أجمل قصص المجموعة قصة "لقد أسكته" وتحكي عن امرأة تحمل رضيعها وتتسلل مع المقاومين في طرقات تنتشر فيها دوريات السلطة، حيث يحبس الجميع أنفاسهم خوفاً من صراخ الطفل وانكشافهم. مأساوية نهاية هذه القصة تجعل منها أنشودة جارحة ضد القمع، فالطفل الذي تضطر أمه إلى إقفال فمه بيدها حتى لا يصرخ، تكتشف بعد زوال الخطر أنه سكت، سكت إلى الأبد!. " مدت ذراعيها بالطفل الساكن دون حراك عليهما إلى المقاتل المصعوق أمامها كخشبة محترقة، وصوتها المكسور بالكاد يسمع من بين شفتيها المرتجفتين، باهتاً مختنقاً، مبحوحاً، مفجوعاً: أنظره.. أنظره.. لقد أسكته.. أسكته".

في "رؤيا اليقين" يقول الكاتب رأيه بالحرب، من خلال استدعاء مسرحها إلى مخيلة القارئ، كاشفاً أمامنا ما يختبئ خلف معارك الجنود من دمار النفس البشرية، ومن تصدع مجتمع تذهب بهالحرب إلى الحدود القصوى للاغتراب الروحي، فتحول ناسه إلى بشرٍ من قش، بشر تعصف بهم أهواء حاكم متسلط، يأخذهم إلى دروب حتفهم، مجللين بالسواد سائرين بقوة الأوامر، على وقع المارشات العسكرية، وهدير الشعارات الطنانة.

ــــــــــــــــــــ

·شاعر وناقد فلسطيني



#راسم_المدهون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤيا الغائب رواية العراقي: سلام إبراهيم - وصف الجحيم على أرض ...
- ماء البارحة للسوري مروان علي ..إطلالة أولى تحمل وعدا وجماليا ...
- -حُلة حمراء وعنكبوت- القبض على حلم الأنثى
- في ذكرى تأسيس «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ... أيديول ...
- يوميات يهودي من دمشق- لإبراهيم الجبين: مغامرة إستحضار شخصية ...


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راسم المدهون - -رؤيا اليقين- للعراقي سلام إبراهيم محنة القصص في المنافي... محنة البشر العاديين