أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - التحليل النفسي للدكتاتورية العربية















المزيد.....



التحليل النفسي للدكتاتورية العربية


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3404 - 2011 / 6 / 22 - 21:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لو نظرنا إلى واقع الدكتاتورية العربية لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين: ديكتاتورية خضراء أو لينة Soft Dictatorship ودكتاتورية حمراء أو قاسية Hard Dictatorship وهناك فروق كثيرة بين هذين الصنفين من الدكتاتورية، منها:
1- الدكتاتورية الخضراء يعيث فيها الفساد والمحسوبية والقمع والطغيان. كذلك الحال نفسه بالنسبة للدكتاتورية الحمراء.
2- الدكتاتورية الخضراء يكون على رأسها دكتاتور يتجدد انتخابه (أو هو ينتخب نفسه، ويقول إن الشعب قد انتخبه، معتبراً نفسه أنه هو الشعب والشعب هو) من فترة لأخرى. وربما قضى في الرئاسة طوال عمره إلى أن يموت، فيرثه أبناؤه من بعده (حافظ الأسد مثالاً. وكان يمكن أن يتكرر الأمر كذلك في مصر، واليمن). وكذلك الحال في الدكتاتورية الحمراء.
3- الدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء يتيح للمعارضة ولإعلام المعارضة هامشاً من الحرية لكي تتحرك قليلاً فيه. في حين أن الدكتاتور في الدكتاتورية الحمراء لا يتيح هذا المجال.
4- يمكن للدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء أن يعفو عن بعض معارضيه ومنتقديه، بينما لا يعفو الدكتاتور الأحمر عن أي من معارضيه وربما يتركهم يموتون في السجون مرضاً وقهراً وجوعاً، أو يغتالهم كما فعل صدام حسين بزملائه في حزب البعث.
5- في الدكتاتورية الخضراء من السهل الإطاحة بالحكم وبالدكتاتورية، لأن هذه الدكتاتورية تدرك معاني الثورة، وأهدافها، وتخضع أخيراً لإرادة الشعب وهو ما تم في تونس ومصر. ولكن الدكتاتورية الحمراء تأبى ذلك. وتتمسك بالحكم، وتصر على البقاء، وتقول دائماً: من بعدي الطوفان. ونتيجة لذلك يفقد الوطن الكثير من أبنائه، ومن الأرواح البريئة، كما هو الحال الآن في ليبيا وسوريا واليمن.
6- تزوير الانتخابات العامة سُنَّة معروفة في الدكتاتورية الخضراء والحمراء على السواء.
أما بعض أمراض الدكتاتورية بقسميها فهي:
1- الجبن. فمن الملاحظ أن الدكتاتور الأخضر أو الأحمر جبان بطبعه. وعلم النفس يقرر، أن لا خوف من الجبان. ويقول حسن علي: "إن السلامة في المواجهة. لأن الجبان يموت ألف مرة. والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض. وأدركوا أن من قال لا هم من عبَّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور." والجبان هو الذي يكذب كثيراً، ويختبئ خلف أكاذيبه حتى ينسى نفسه، فيصبح خائفاً من حقيقته. وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الآخرين.
2- حب السلطة إلى درجة العبادة. فكلاهما الدكتاتور الأحمر والأخضر يتمسكان بالسلطة جيداً إلى حد الموت دونها. وحب السلطة قد يقود الدكتاتور إلى حب التسلّط. والتسلّط هو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة والتجبر والأنانية فى اتخاذ القرار، وإجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون النقاش، أو تبادل الآراء مما يسبب جروح معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية التي لا تقل ضرراً عن الجروح المادية .
3- حب المال. حب المال كان سبباً رئيسياً في تقوية حب السلطة والتمسك بها. ومن هنا، نرى أن معظم المستثمرين والمسيطرين على ثروات الأوطان من أقارب وأعوان السلطة الدكتاتورية. بل أصبحت عائلات زوجات رجال السلطة، كما كان الحال في تونس ومصر وسوريا وغيرها، من كبار الأغنياء ورجال الأعمال المسيطرين على التجارة، والوكالات الأجنبية، ومشاريع الإسكان، والعمران، والصناعة. ومن هنا جاء حب السلطة والتمسك بها، والدفاع عنها حتى الموت. وهو ما نشاهده بشكل واضح في حالة الدكتاتورية الحمراء خاصة، كما في ليبيا، وسوريا، واليمن. وحيث أن هذه الدكتاتوريات تنطوي على بلايين الدولارات سنوياً، التي يجنيها أعوان وأقارب وحلفاء الدكتاتوريين، من تمسكهم بالسلطة. والدكتاتوريون يؤمنون بقول شاعر:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
وتظل شهوة حب المال من الشهوات الخطيرة - كما قال أحدهم - التي فتنت الكثير من الناس، فأصبحوا يتصارعون على الدنيا، وكأنها غاية مقصدهم. يغضبون من أجلها، وبسببها يوالون، وعليها يعادون. وكم قُطعت رؤوس في سبيلها، وسُفكت دماء بسببها .
4- تعذيب الآخرين. يُوصف الدكتاتوريون بأنهم ماسوشيون. أي يحبون تعذيب الآخرين. وكلمة الماسوشية مأخوذة من اسم روائي نمساوي عاش في القرن التاسع عشر يدعى: ليوبولد فون ساشر ماسوش، وذلك لأن أبطال رواياته كانوا يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب، وهي تنطق ماسوشية أو مازوكية أو مازوخية Masochism، ولها مستويان:
الماسوشية العامة أو الماسوشية الأخلاقية: وفيها نجد أن الشخص الماسوشي يقوم بأشياء (بوعي أو بدون وعى) تعرضه للفشل أو الضياع أو الإهانة أو التحقير أو الإيذاء اللفظي أو البدني، وهو يكرر هذا السلوك، ويجد متعة خفية في ذلك، رغم شكواه الظاهرية. يستمر الشخص في هذا السلوك بشكل شبه قهري مهما تعرض للمشاكل والمتاعب. والماسوشية على هذا المستوى هي نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك هادم للذات Self defeating behavior . وحب تعذيب النفس يتخذ أشكالاً وصوراً عديدة، بل ومراحل متنوعة. فهناك مراحل متقدمة، ومراحل متطورة، وأخرى مرضية وهكذا. تقريباً كل بني البشر لديهم هذه الصفة أي أن كل إنسان فيه ولو جزء ضئيل من الماسوشية حتى لو لم يشعر. فمثلا الميل لمشاهدة أفلام الرعب والعنف، هو نوع من تعذيب النفس بالرعب والمشاهد المروعة. لكن هذه الأشياء البسيطة المشتركة عند الكثيرين تظل أمور عادية وطبيعية. المشكلة الحقيقية تنشأ حين يستمرأ المرء تعذيب نفسه، ويتفنن في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتحقيق هذا.


4- كراهية الرأي الآخر. والدكتاتورية كلمة ذات أصل يوناني رافقت المجتمعات البشرية منذ تأسيسها ، تدل في معناها السياسي حالياً على سياسة تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد يمارسها حسب إرادته، دون اشتراط موافقة الآخرين. والدكتاتورية بكل بساطة تعني الرأي الواحد والأوحد. وهذا الرأي يكون عادة رأي الدكتاتور الأخضر أو الأحمر. فهما في هذا الشأن سواء. وكراهية الرأي الآخر تقود إلى العنف. العنف من قبل نظام الدكتاتور على معارضيه في الرأي. والمعارضة في هذه الحالة، تأخذ بالتشدد في طلباتها، ورفع سقف مطالبها ما دام نظام الدكتاتور يقابل مطالبها بالعنف. وهو ما شاهدناه حتى الآن في تونس، ومصر، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، وربما البحرين.إلا أننا نلاحظ أن الدكتاتورية الخضراء في مصر مثلاً، والتي سمحت للمعارضة بشيء من حرية القول والعمل السياسي، كانت تتصالح مع المعارضة في كثير من الأحيان، وتغض من بصرها على كثير من تجاوزاتها تجاه السلطة، ورأس السلطة. في حين أن الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، وسوريا، واليمن، كانت في صدامها أكثر حدة مع المعارضة من الدكتاتورية الخضراء. بل انتهزت فترة الانتفاضات الشعبية في شوارعها، للقضاء المبرم والمميت على المعارضة. وانتهزتها فرصة للقضاء على هذه المعارضة، التي كانت تشكل للديكتاتوريات الدُمل المُتقيِّح الذي لا بُدَّ من فتحه، ومعالجته. وهو ما يجري الآن في ليبيا، واليمن وسوريا. وربما سيجري مستقبلاً في العراق، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي. إن الرأي المعارض يبقى أخيراً خيراً من الرأي الذي لا يعارض والذي يلجأ إلى التبجيل والتدليس. ذلك أن الحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا في الرأي المعارض.

التحليل النفسي للدكتاتورية العربية!
شاكر النابلسي

لو نظرنا إلى واقع الدكتاتورية العربية لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين: ديكتاتورية خضراء أو لينة Soft Dictatorship ودكتاتورية حمراء أو قاسية Hard Dictatorship وهناك فروق كثيرة بين هذين الصنفين من الدكتاتورية، منها:
1- الدكتاتورية الخضراء يعيث فيها الفساد والمحسوبية والقمع والطغيان. كذلك الحال نفسه بالنسبة للدكتاتورية الحمراء.
2- الدكتاتورية الخضراء يكون على رأسها دكتاتور يتجدد انتخابه (أو هو ينتخب نفسه، ويقول إن الشعب قد انتخبه، معتبراً نفسه أنه هو الشعب والشعب هو) من فترة لأخرى. وربما قضى في الرئاسة طوال عمره إلى أن يموت، فيرثه أبناؤه من بعده (حافظ الأسد مثالاً. وكان يمكن أن يتكرر الأمر كذلك في مصر، واليمن). وكذلك الحال في الدكتاتورية الحمراء.
3- الدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء يتيح للمعارضة ولإعلام المعارضة هامشاً من الحرية لكي تتحرك قليلاً فيه. في حين أن الدكتاتور في الدكتاتورية الحمراء لا يتيح هذا المجال.
4- يمكن للدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء أن يعفو عن بعض معارضيه ومنتقديه، بينما لا يعفو الدكتاتور الأحمر عن أي من معارضيه وربما يتركهم يموتون في السجون مرضاً وقهراً وجوعاً، أو يغتالهم كما فعل صدام حسين بزملائه في حزب البعث.
5- في الدكتاتورية الخضراء من السهل الإطاحة بالحكم وبالدكتاتورية، لأن هذه الدكتاتورية تدرك معاني الثورة، وأهدافها، وتخضع أخيراً لإرادة الشعب وهو ما تم في تونس ومصر. ولكن الدكتاتورية الحمراء تأبى ذلك. وتتمسك بالحكم، وتصر على البقاء، وتقول دائماً: من بعدي الطوفان. ونتيجة لذلك يفقد الوطن الكثير من أبنائه، ومن الأرواح البريئة، كما هو الحال الآن في ليبيا وسوريا واليمن.
6- تزوير الانتخابات العامة سُنَّة معروفة في الدكتاتورية الخضراء والحمراء على السواء.
أما بعض أمراض الدكتاتورية بقسميها فهي:
1- الجبن. فمن الملاحظ أن الدكتاتور الأخضر أو الأحمر جبان بطبعه. وعلم النفس يقرر، أن لا خوف من الجبان. ويقول حسن علي: "إن السلامة في المواجهة. لأن الجبان يموت ألف مرة. والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض. وأدركوا أن من قال لا هم من عبَّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور." والجبان هو الذي يكذب كثيراً، ويختبئ خلف أكاذيبه حتى ينسى نفسه، فيصبح خائفاً من حقيقته. وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الآخرين.
2- حب السلطة إلى درجة العبادة. فكلاهما الدكتاتور الأحمر والأخضر يتمسكان بالسلطة جيداً إلى حد الموت دونها. وحب السلطة قد يقود الدكتاتور إلى حب التسلّط. والتسلّط هو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة والتجبر والأنانية فى اتخاذ القرار، وإجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون النقاش، أو تبادل الآراء مما يسبب جروح معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية التي لا تقل ضرراً عن الجروح المادية .
3- حب المال. حب المال كان سبباً رئيسياً في تقوية حب السلطة والتمسك بها. ومن هنا، نرى أن معظم المستثمرين والمسيطرين على ثروات الأوطان من أقارب وأعوان السلطة الدكتاتورية. بل أصبحت عائلات زوجات رجال السلطة، كما كان الحال في تونس ومصر وسوريا وغيرها، من كبار الأغنياء ورجال الأعمال المسيطرين على التجارة، والوكالات الأجنبية، ومشاريع الإسكان، والعمران، والصناعة. ومن هنا جاء حب السلطة والتمسك بها، والدفاع عنها حتى الموت. وهو ما نشاهده بشكل واضح في حالة الدكتاتورية الحمراء خاصة، كما في ليبيا، وسوريا، واليمن. وحيث أن هذه الدكتاتوريات تنطوي على بلايين الدولارات سنوياً، التي يجنيها أعوان وأقارب وحلفاء الدكتاتوريين، من تمسكهم بالسلطة. والدكتاتوريون يؤمنون بقول شاعر:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
وتظل شهوة حب المال من الشهوات الخطيرة - كما قال أحدهم - التي فتنت الكثير من الناس، فأصبحوا يتصارعون على الدنيا، وكأنها غاية مقصدهم. يغضبون من أجلها، وبسببها يوالون، وعليها يعادون. وكم قُطعت رؤوس في سبيلها، وسُفكت دماء بسببها .
4- تعذيب الآخرين. يُوصف الدكتاتوريون بأنهم ماسوشيون. أي يحبون تعذيب الآخرين. وكلمة الماسوشية مأخوذة من اسم روائي نمساوي عاش في القرن التاسع عشر يدعى: ليوبولد فون ساشر ماسوش، وذلك لأن أبطال رواياته كانوا يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب، وهي تنطق ماسوشية أو مازوكية أو مازوخية Masochism، ولها مستويان:
الماسوشية العامة أو الماسوشية الأخلاقية: وفيها نجد أن الشخص الماسوشي يقوم بأشياء (بوعي أو بدون وعى) تعرضه للفشل أو الضياع أو الإهانة أو التحقير أو الإيذاء اللفظي أو البدني، وهو يكرر هذا السلوك، ويجد متعة خفية في ذلك، رغم شكواه الظاهرية. يستمر الشخص في هذا السلوك بشكل شبه قهري مهما تعرض للمشاكل والمتاعب. والماسوشية على هذا المستوى هي نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك هادم للذات Self defeating behavior . وحب تعذيب النفس يتخذ أشكالاً وصوراً عديدة، بل ومراحل متنوعة. فهناك مراحل متقدمة، ومراحل متطورة، وأخرى مرضية وهكذا. تقريباً كل بني البشر لديهم هذه الصفة أي أن كل إنسان فيه ولو جزء ضئيل من الماسوشية حتى لو لم يشعر. فمثلا الميل لمشاهدة أفلام الرعب والعنف، هو نوع من تعذيب النفس بالرعب والمشاهد المروعة. لكن هذه الأشياء البسيطة المشتركة عند الكثيرين تظل أمور عادية وطبيعية. المشكلة الحقيقية تنشأ حين يستمرأ المرء تعذيب نفسه، ويتفنن في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتحقيق هذا.


4- كراهية الرأي الآخر. والدكتاتورية كلمة ذات أصل يوناني رافقت المجتمعات البشرية منذ تأسيسها ، تدل في معناها السياسي حالياً على سياسة تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد يمارسها حسب إرادته، دون اشتراط موافقة الآخرين. والدكتاتورية بكل بساطة تعني الرأي الواحد والأوحد. وهذا الرأي يكون عادة رأي الدكتاتور الأخضر أو الأحمر. فهما في هذا الشأن سواء. وكراهية الرأي الآخر تقود إلى العنف. العنف من قبل نظام الدكتاتور على معارضيه في الرأي. والمعارضة في هذه الحالة، تأخذ بالتشدد في طلباتها، ورفع سقف مطالبها ما دام نظام الدكتاتور يقابل مطالبها بالعنف. وهو ما شاهدناه حتى الآن في تونس، ومصر، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، وربما البحرين.إلا أننا نلاحظ أن الدكتاتورية الخضراء في مصر مثلاً، والتي سمحت للمعارضة بشيء من حرية القول والعمل السياسي، كانت تتصالح مع المعارضة في كثير من الأحيان، وتغض من بصرها على كثير من تجاوزاتها تجاه السلطة، ورأس السلطة. في حين أن الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، وسوريا، واليمن، كانت في صدامها أكثر حدة مع المعارضة من الدكتاتورية الخضراء. بل انتهزت فترة الانتفاضات الشعبية في شوارعها، للقضاء المبرم والمميت على المعارضة. وانتهزتها فرصة للقضاء على هذه المعارضة، التي كانت تشكل للديكتاتوريات الدُمل المُتقيِّح الذي لا بُدَّ من فتحه، ومعالجته. وهو ما يجري الآن في ليبيا، واليمن وسوريا. وربما سيجري مستقبلاً في العراق، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي. إن الرأي المعارض يبقى أخيراً خيراً من الرأي الذي لا يعارض والذي يلجأ إلى التبجيل والتدليس. ذلك أن الحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا في الرأي المعارض.

التحليل النفسي للدكتاتورية العربية!
شاكر النابلسي

لو نظرنا إلى واقع الدكتاتورية العربية لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين: ديكتاتورية خضراء أو لينة Soft Dictatorship ودكتاتورية حمراء أو قاسية Hard Dictatorship وهناك فروق كثيرة بين هذين الصنفين من الدكتاتورية، منها:
1- الدكتاتورية الخضراء يعيث فيها الفساد والمحسوبية والقمع والطغيان. كذلك الحال نفسه بالنسبة للدكتاتورية الحمراء.
2- الدكتاتورية الخضراء يكون على رأسها دكتاتور يتجدد انتخابه (أو هو ينتخب نفسه، ويقول إن الشعب قد انتخبه، معتبراً نفسه أنه هو الشعب والشعب هو) من فترة لأخرى. وربما قضى في الرئاسة طوال عمره إلى أن يموت، فيرثه أبناؤه من بعده (حافظ الأسد مثالاً. وكان يمكن أن يتكرر الأمر كذلك في مصر، واليمن). وكذلك الحال في الدكتاتورية الحمراء.
3- الدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء يتيح للمعارضة ولإعلام المعارضة هامشاً من الحرية لكي تتحرك قليلاً فيه. في حين أن الدكتاتور في الدكتاتورية الحمراء لا يتيح هذا المجال.
4- يمكن للدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء أن يعفو عن بعض معارضيه ومنتقديه، بينما لا يعفو الدكتاتور الأحمر عن أي من معارضيه وربما يتركهم يموتون في السجون مرضاً وقهراً وجوعاً، أو يغتالهم كما فعل صدام حسين بزملائه في حزب البعث.
5- في الدكتاتورية الخضراء من السهل الإطاحة بالحكم وبالدكتاتورية، لأن هذه الدكتاتورية تدرك معاني الثورة، وأهدافها، وتخضع أخيراً لإرادة الشعب وهو ما تم في تونس ومصر. ولكن الدكتاتورية الحمراء تأبى ذلك. وتتمسك بالحكم، وتصر على البقاء، وتقول دائماً: من بعدي الطوفان. ونتيجة لذلك يفقد الوطن الكثير من أبنائه، ومن الأرواح البريئة، كما هو الحال الآن في ليبيا وسوريا واليمن.
6- تزوير الانتخابات العامة سُنَّة معروفة في الدكتاتورية الخضراء والحمراء على السواء.
أما بعض أمراض الدكتاتورية بقسميها فهي:
1- الجبن. فمن الملاحظ أن الدكتاتور الأخضر أو الأحمر جبان بطبعه. وعلم النفس يقرر، أن لا خوف من الجبان. ويقول حسن علي: "إن السلامة في المواجهة. لأن الجبان يموت ألف مرة. والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض. وأدركوا أن من قال لا هم من عبَّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور." والجبان هو الذي يكذب كثيراً، ويختبئ خلف أكاذيبه حتى ينسى نفسه، فيصبح خائفاً من حقيقته. وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الآخرين.
2- حب السلطة إلى درجة العبادة. فكلاهما الدكتاتور الأحمر والأخضر يتمسكان بالسلطة جيداً إلى حد الموت دونها. وحب السلطة قد يقود الدكتاتور إلى حب التسلّط. والتسلّط هو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة والتجبر والأنانية فى اتخاذ القرار، وإجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون النقاش، أو تبادل الآراء مما يسبب جروح معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية التي لا تقل ضرراً عن الجروح المادية .
3- حب المال. حب المال كان سبباً رئيسياً في تقوية حب السلطة والتمسك بها. ومن هنا، نرى أن معظم المستثمرين والمسيطرين على ثروات الأوطان من أقارب وأعوان السلطة الدكتاتورية. بل أصبحت عائلات زوجات رجال السلطة، كما كان الحال في تونس ومصر وسوريا وغيرها، من كبار الأغنياء ورجال الأعمال المسيطرين على التجارة، والوكالات الأجنبية، ومشاريع الإسكان، والعمران، والصناعة. ومن هنا جاء حب السلطة والتمسك بها، والدفاع عنها حتى الموت. وهو ما نشاهده بشكل واضح في حالة الدكتاتورية الحمراء خاصة، كما في ليبيا، وسوريا، واليمن. وحيث أن هذه الدكتاتوريات تنطوي على بلايين الدولارات سنوياً، التي يجنيها أعوان وأقارب وحلفاء الدكتاتوريين، من تمسكهم بالسلطة. والدكتاتوريون يؤمنون بقول شاعر:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
وتظل شهوة حب المال من الشهوات الخطيرة - كما قال أحدهم - التي فتنت الكثير من الناس، فأصبحوا يتصارعون على الدنيا، وكأنها غاية مقصدهم. يغضبون من أجلها، وبسببها يوالون، وعليها يعادون. وكم قُطعت رؤوس في سبيلها، وسُفكت دماء بسببها .
4- تعذيب الآخرين. يُوصف الدكتاتوريون بأنهم ماسوشيون. أي يحبون تعذيب الآخرين. وكلمة الماسوشية مأخوذة من اسم روائي نمساوي عاش في القرن التاسع عشر يدعى: ليوبولد فون ساشر ماسوش، وذلك لأن أبطال رواياته كانوا يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب، وهي تنطق ماسوشية أو مازوكية أو مازوخية Masochism، ولها مستويان:
الماسوشية العامة أو الماسوشية الأخلاقية: وفيها نجد أن الشخص الماسوشي يقوم بأشياء (بوعي أو بدون وعى) تعرضه للفشل أو الضياع أو الإهانة أو التحقير أو الإيذاء اللفظي أو البدني، وهو يكرر هذا السلوك، ويجد متعة خفية في ذلك، رغم شكواه الظاهرية. يستمر الشخص في هذا السلوك بشكل شبه قهري مهما تعرض للمشاكل والمتاعب. والماسوشية على هذا المستوى هي نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك هادم للذات Self defeating behavior . وحب تعذيب النفس يتخذ أشكالاً وصوراً عديدة، بل ومراحل متنوعة. فهناك مراحل متقدمة، ومراحل متطورة، وأخرى مرضية وهكذا. تقريباً كل بني البشر لديهم هذه الصفة أي أن كل إنسان فيه ولو جزء ضئيل من الماسوشية حتى لو لم يشعر. فمثلا الميل لمشاهدة أفلام الرعب والعنف، هو نوع من تعذيب النفس بالرعب والمشاهد المروعة. لكن هذه الأشياء البسيطة المشتركة عند الكثيرين تظل أمور عادية وطبيعية. المشكلة الحقيقية تنشأ حين يستمرأ المرء تعذيب نفسه، ويتفنن في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتحقيق هذا.


4- كراهية الرأي الآخر. والدكتاتورية كلمة ذات أصل يوناني رافقت المجتمعات البشرية منذ تأسيسها ، تدل في معناها السياسي حالياً على سياسة تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد يمارسها حسب إرادته، دون اشتراط موافقة الآخرين. والدكتاتورية بكل بساطة تعني الرأي الواحد والأوحد. وهذا الرأي يكون عادة رأي الدكتاتور الأخضر أو الأحمر. فهما في هذا الشأن سواء. وكراهية الرأي الآخر تقود إلى العنف. العنف من قبل نظام الدكتاتور على معارضيه في الرأي. والمعارضة في هذه الحالة، تأخذ بالتشدد في طلباتها، ورفع سقف مطالبها ما دام نظام الدكتاتور يقابل مطالبها بالعنف. وهو ما شاهدناه حتى الآن في تونس، ومصر، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، وربما البحرين.إلا أننا نلاحظ أن الدكتاتورية الخضراء في مصر مثلاً، والتي سمحت للمعارضة بشيء من حرية القول والعمل السياسي، كانت تتصالح مع المعارضة في كثير من الأحيان، وتغض من بصرها على كثير من تجاوزاتها تجاه السلطة، ورأس السلطة. في حين أن الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، وسوريا، واليمن، كانت في صدامها أكثر حدة مع المعارضة من الدكتاتورية الخضراء. بل انتهزت فترة الانتفاضات الشعبية في شوارعها، للقضاء المبرم والمميت على المعارضة. وانتهزتها فرصة للقضاء على هذه المعارضة، التي كانت تشكل للديكتاتوريات الدُمل المُتقيِّح الذي لا بُدَّ من فتحه، ومعالجته. وهو ما يجري الآن في ليبيا، واليمن وسوريا. وربما سيجري مستقبلاً في العراق، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي. إن الرأي المعارض يبقى أخيراً خيراً من الرأي الذي لا يعارض والذي يلجأ إلى التبجيل والتدليس. ذلك أن الحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا في الرأي المعارض.


التحليل النفسي للدكتاتورية العربية!
شاكر النابلسي

لو نظرنا إلى واقع الدكتاتورية العربية لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين: ديكتاتورية خضراء أو لينة Soft Dictatorship ودكتاتورية حمراء أو قاسية Hard Dictatorship وهناك فروق كثيرة بين هذين الصنفين من الدكتاتورية، منها:
1- الدكتاتورية الخضراء يعيث فيها الفساد والمحسوبية والقمع والطغيان. كذلك الحال نفسه بالنسبة للدكتاتورية الحمراء.
2- الدكتاتورية الخضراء يكون على رأسها دكتاتور يتجدد انتخابه (أو هو ينتخب نفسه، ويقول إن الشعب قد انتخبه، معتبراً نفسه أنه هو الشعب والشعب هو) من فترة لأخرى. وربما قضى في الرئاسة طوال عمره إلى أن يموت، فيرثه أبناؤه من بعده (حافظ الأسد مثالاً. وكان يمكن أن يتكرر الأمر كذلك في مصر، واليمن). وكذلك الحال في الدكتاتورية الحمراء.
3- الدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء يتيح للمعارضة ولإعلام المعارضة هامشاً من الحرية لكي تتحرك قليلاً فيه. في حين أن الدكتاتور في الدكتاتورية الحمراء لا يتيح هذا المجال.
4- يمكن للدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء أن يعفو عن بعض معارضيه ومنتقديه، بينما لا يعفو الدكتاتور الأحمر عن أي من معارضيه وربما يتركهم يموتون في السجون مرضاً وقهراً وجوعاً، أو يغتالهم كما فعل صدام حسين بزملائه في حزب البعث.
5- في الدكتاتورية الخضراء من السهل الإطاحة بالحكم وبالدكتاتورية، لأن هذه الدكتاتورية تدرك معاني الثورة، وأهدافها، وتخضع أخيراً لإرادة الشعب وهو ما تم في تونس ومصر. ولكن الدكتاتورية الحمراء تأبى ذلك. وتتمسك بالحكم، وتصر على البقاء، وتقول دائماً: من بعدي الطوفان. ونتيجة لذلك يفقد الوطن الكثير من أبنائه، ومن الأرواح البريئة، كما هو الحال الآن في ليبيا وسوريا واليمن.
6- تزوير الانتخابات العامة سُنَّة معروفة في الدكتاتورية الخضراء والحمراء على السواء.
أما بعض أمراض الدكتاتورية بقسميها فهي:
1- الجبن. فمن الملاحظ أن الدكتاتور الأخضر أو الأحمر جبان بطبعه. وعلم النفس يقرر، أن لا خوف من الجبان. ويقول حسن علي: "إن السلامة في المواجهة. لأن الجبان يموت ألف مرة. والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض. وأدركوا أن من قال لا هم من عبَّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور." والجبان هو الذي يكذب كثيراً، ويختبئ خلف أكاذيبه حتى ينسى نفسه، فيصبح خائفاً من حقيقته. وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الآخرين.
2- حب السلطة إلى درجة العبادة. فكلاهما الدكتاتور الأحمر والأخضر يتمسكان بالسلطة جيداً إلى حد الموت دونها. وحب السلطة قد يقود الدكتاتور إلى حب التسلّط. والتسلّط هو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة والتجبر والأنانية فى اتخاذ القرار، وإجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون النقاش، أو تبادل الآراء مما يسبب جروح معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية التي لا تقل ضرراً عن الجروح المادية .
3- حب المال. حب المال كان سبباً رئيسياً في تقوية حب السلطة والتمسك بها. ومن هنا، نرى أن معظم المستثمرين والمسيطرين على ثروات الأوطان من أقارب وأعوان السلطة الدكتاتورية. بل أصبحت عائلات زوجات رجال السلطة، كما كان الحال في تونس ومصر وسوريا وغيرها، من كبار الأغنياء ورجال الأعمال المسيطرين على التجارة، والوكالات الأجنبية، ومشاريع الإسكان، والعمران، والصناعة. ومن هنا جاء حب السلطة والتمسك بها، والدفاع عنها حتى الموت. وهو ما نشاهده بشكل واضح في حالة الدكتاتورية الحمراء خاصة، كما في ليبيا، وسوريا، واليمن. وحيث أن هذه الدكتاتوريات تنطوي على بلايين الدولارات سنوياً، التي يجنيها أعوان وأقارب وحلفاء الدكتاتوريين، من تمسكهم بالسلطة. والدكتاتوريون يؤمنون بقول شاعر:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
وتظل شهوة حب المال من الشهوات الخطيرة - كما قال أحدهم - التي فتنت الكثير من الناس، فأصبحوا يتصارعون على الدنيا، وكأنها غاية مقصدهم. يغضبون من أجلها، وبسببها يوالون، وعليها يعادون. وكم قُطعت رؤوس في سبيلها، وسُفكت دماء بسببها .
4- تعذيب الآخرين. يُوصف الدكتاتوريون بأنهم ماسوشيون. أي يحبون تعذيب الآخرين. وكلمة الماسوشية مأخوذة من اسم روائي نمساوي عاش في القرن التاسع عشر يدعى: ليوبولد فون ساشر ماسوش، وذلك لأن أبطال رواياته كانوا يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب، وهي تنطق ماسوشية أو مازوكية أو مازوخية Masochism، ولها مستويان:
الماسوشية العامة أو الماسوشية الأخلاقية: وفيها نجد أن الشخص الماسوشي يقوم بأشياء (بوعي أو بدون وعى) تعرضه للفشل أو الضياع أو الإهانة أو التحقير أو الإيذاء اللفظي أو البدني، وهو يكرر هذا السلوك، ويجد متعة خفية في ذلك، رغم شكواه الظاهرية. يستمر الشخص في هذا السلوك بشكل شبه قهري مهما تعرض للمشاكل والمتاعب. والماسوشية على هذا المستوى هي نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك هادم للذات Self defeating behavior . وحب تعذيب النفس يتخذ أشكالاً وصوراً عديدة، بل ومراحل متنوعة. فهناك مراحل متقدمة، ومراحل متطورة، وأخرى مرضية وهكذا. تقريباً كل بني البشر لديهم هذه الصفة أي أن كل إنسان فيه ولو جزء ضئيل من الماسوشية حتى لو لم يشعر. فمثلا الميل لمشاهدة أفلام الرعب والعنف، هو نوع من تعذيب النفس بالرعب والمشاهد المروعة. لكن هذه الأشياء البسيطة المشتركة عند الكثيرين تظل أمور عادية وطبيعية. المشكلة الحقيقية تنشأ حين يستمرأ المرء تعذيب نفسه، ويتفنن في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتحقيق هذا.


4- كراهية الرأي الآخر. والدكتاتورية كلمة ذات أصل يوناني رافقت المجتمعات البشرية منذ تأسيسها ، تدل في معناها السياسي حالياً على سياسة تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد يمارسها حسب إرادته، دون اشتراط موافقة الآخرين. والدكتاتورية بكل بساطة تعني الرأي الواحد والأوحد. وهذا الرأي يكون عادة رأي الدكتاتور الأخضر أو الأحمر. فهما في هذا الشأن سواء. وكراهية الرأي الآخر تقود إلى العنف. العنف من قبل نظام الدكتاتور على معارضيه في الرأي. والمعارضة في هذه الحالة، تأخذ بالتشدد في طلباتها، ورفع سقف مطالبها ما دام نظام الدكتاتور يقابل مطالبها بالعنف. وهو ما شاهدناه حتى الآن في تونس، ومصر، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، وربما البحرين.إلا أننا نلاحظ أن الدكتاتورية الخضراء في مصر مثلاً، والتي سمحت للمعارضة بشيء من حرية القول والعمل السياسي، كانت تتصالح مع المعارضة في كثير من الأحيان، وتغض من بصرها على كثير من تجاوزاتها تجاه السلطة، ورأس السلطة. في حين أن الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، وسوريا، واليمن، كانت في صدامها أكثر حدة مع المعارضة من الدكتاتورية الخضراء. بل انتهزت فترة الانتفاضات الشعبية في شوارعها، للقضاء المبرم والمميت على المعارضة. وانتهزتها فرصة للقضاء على هذه المعارضة، التي كانت تشكل للديكتاتوريات الدُمل المُتقيِّح الذي لا بُدَّ من فتحه، ومعالجته. وهو ما يجري الآن في ليبيا، واليمن وسوريا. وربما سيجري مستقبلاً في العراق، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي. إن الرأي المعارض يبقى أخيراً خيراً من الرأي الذي لا يعارض والذي يلجأ إلى التبجيل والتدليس. ذلك أن الحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا في الرأي المعارض.


التحليل النفسي للدكتاتورية العربية!
شاكر النابلسي

لو نظرنا إلى واقع الدكتاتورية العربية لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين: ديكتاتورية خضراء أو لينة Soft Dictatorship ودكتاتورية حمراء أو قاسية Hard Dictatorship وهناك فروق كثيرة بين هذين الصنفين من الدكتاتورية، منها:
1- الدكتاتورية الخضراء يعيث فيها الفساد والمحسوبية والقمع والطغيان. كذلك الحال نفسه بالنسبة للدكتاتورية الحمراء.
2- الدكتاتورية الخضراء يكون على رأسها دكتاتور يتجدد انتخابه (أو هو ينتخب نفسه، ويقول إن الشعب قد انتخبه، معتبراً نفسه أنه هو الشعب والشعب هو) من فترة لأخرى. وربما قضى في الرئاسة طوال عمره إلى أن يموت، فيرثه أبناؤه من بعده (حافظ الأسد مثالاً. وكان يمكن أن يتكرر الأمر كذلك في مصر، واليمن). وكذلك الحال في الدكتاتورية الحمراء.
3- الدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء يتيح للمعارضة ولإعلام المعارضة هامشاً من الحرية لكي تتحرك قليلاً فيه. في حين أن الدكتاتور في الدكتاتورية الحمراء لا يتيح هذا المجال.
4- يمكن للدكتاتور في الدكتاتورية الخضراء أن يعفو عن بعض معارضيه ومنتقديه، بينما لا يعفو الدكتاتور الأحمر عن أي من معارضيه وربما يتركهم يموتون في السجون مرضاً وقهراً وجوعاً، أو يغتالهم كما فعل صدام حسين بزملائه في حزب البعث.
5- في الدكتاتورية الخضراء من السهل الإطاحة بالحكم وبالدكتاتورية، لأن هذه الدكتاتورية تدرك معاني الثورة، وأهدافها، وتخضع أخيراً لإرادة الشعب وهو ما تم في تونس ومصر. ولكن الدكتاتورية الحمراء تأبى ذلك. وتتمسك بالحكم، وتصر على البقاء، وتقول دائماً: من بعدي الطوفان. ونتيجة لذلك يفقد الوطن الكثير من أبنائه، ومن الأرواح البريئة، كما هو الحال الآن في ليبيا وسوريا واليمن.
6- تزوير الانتخابات العامة سُنَّة معروفة في الدكتاتورية الخضراء والحمراء على السواء.
أما بعض أمراض الدكتاتورية بقسميها فهي:
1- الجبن. فمن الملاحظ أن الدكتاتور الأخضر أو الأحمر جبان بطبعه. وعلم النفس يقرر، أن لا خوف من الجبان. ويقول حسن علي: "إن السلامة في المواجهة. لأن الجبان يموت ألف مرة. والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيراً من عاقبة الرفض. وأدركوا أن من قال لا هم من عبَّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور." والجبان هو الذي يكذب كثيراً، ويختبئ خلف أكاذيبه حتى ينسى نفسه، فيصبح خائفاً من حقيقته. وهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الآخرين.
2- حب السلطة إلى درجة العبادة. فكلاهما الدكتاتور الأحمر والأخضر يتمسكان بالسلطة جيداً إلى حد الموت دونها. وحب السلطة قد يقود الدكتاتور إلى حب التسلّط. والتسلّط هو الاستفادة الكاملة من موقع السلطة والتجبر والأنانية فى اتخاذ القرار، وإجبار من يقع تحت نطاق هذه السلطة على تنفيذ القرارات دون النقاش، أو تبادل الآراء مما يسبب جروح معنوية مبطنة بأساليب التحطيم النفسية التي لا تقل ضرراً عن الجروح المادية .
3- حب المال. حب المال كان سبباً رئيسياً في تقوية حب السلطة والتمسك بها. ومن هنا، نرى أن معظم المستثمرين والمسيطرين على ثروات الأوطان من أقارب وأعوان السلطة الدكتاتورية. بل أصبحت عائلات زوجات رجال السلطة، كما كان الحال في تونس ومصر وسوريا وغيرها، من كبار الأغنياء ورجال الأعمال المسيطرين على التجارة، والوكالات الأجنبية، ومشاريع الإسكان، والعمران، والصناعة. ومن هنا جاء حب السلطة والتمسك بها، والدفاع عنها حتى الموت. وهو ما نشاهده بشكل واضح في حالة الدكتاتورية الحمراء خاصة، كما في ليبيا، وسوريا، واليمن. وحيث أن هذه الدكتاتوريات تنطوي على بلايين الدولارات سنوياً، التي يجنيها أعوان وأقارب وحلفاء الدكتاتوريين، من تمسكهم بالسلطة. والدكتاتوريون يؤمنون بقول شاعر:
رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب
ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا
وتظل شهوة حب المال من الشهوات الخطيرة - كما قال أحدهم - التي فتنت الكثير من الناس، فأصبحوا يتصارعون على الدنيا، وكأنها غاية مقصدهم. يغضبون من أجلها، وبسببها يوالون، وعليها يعادون. وكم قُطعت رؤوس في سبيلها، وسُفكت دماء بسببها .
4- تعذيب الآخرين. يُوصف الدكتاتوريون بأنهم ماسوشيون. أي يحبون تعذيب الآخرين. وكلمة الماسوشية مأخوذة من اسم روائي نمساوي عاش في القرن التاسع عشر يدعى: ليوبولد فون ساشر ماسوش، وذلك لأن أبطال رواياته كانوا يستمتعون بالألم الجسدي والإهانات والتعذيب، وهي تنطق ماسوشية أو مازوكية أو مازوخية Masochism، ولها مستويان:
الماسوشية العامة أو الماسوشية الأخلاقية: وفيها نجد أن الشخص الماسوشي يقوم بأشياء (بوعي أو بدون وعى) تعرضه للفشل أو الضياع أو الإهانة أو التحقير أو الإيذاء اللفظي أو البدني، وهو يكرر هذا السلوك، ويجد متعة خفية في ذلك، رغم شكواه الظاهرية. يستمر الشخص في هذا السلوك بشكل شبه قهري مهما تعرض للمشاكل والمتاعب. والماسوشية على هذا المستوى هي نوع من اضطراب الشخصية المصحوب بسلوك هادم للذات Self defeating behavior . وحب تعذيب النفس يتخذ أشكالاً وصوراً عديدة، بل ومراحل متنوعة. فهناك مراحل متقدمة، ومراحل متطورة، وأخرى مرضية وهكذا. تقريباً كل بني البشر لديهم هذه الصفة أي أن كل إنسان فيه ولو جزء ضئيل من الماسوشية حتى لو لم يشعر. فمثلا الميل لمشاهدة أفلام الرعب والعنف، هو نوع من تعذيب النفس بالرعب والمشاهد المروعة. لكن هذه الأشياء البسيطة المشتركة عند الكثيرين تظل أمور عادية وطبيعية. المشكلة الحقيقية تنشأ حين يستمرأ المرء تعذيب نفسه، ويتفنن في اختراع وابتكار الأساليب المختلفة لتحقيق هذا.


4- كراهية الرأي الآخر. والدكتاتورية كلمة ذات أصل يوناني رافقت المجتمعات البشرية منذ تأسيسها ، تدل في معناها السياسي حالياً على سياسة تصبح فيها جميع السلطات بيد شخص واحد يمارسها حسب إرادته، دون اشتراط موافقة الآخرين. والدكتاتورية بكل بساطة تعني الرأي الواحد والأوحد. وهذا الرأي يكون عادة رأي الدكتاتور الأخضر أو الأحمر. فهما في هذا الشأن سواء. وكراهية الرأي الآخر تقود إلى العنف. العنف من قبل نظام الدكتاتور على معارضيه في الرأي. والمعارضة في هذه الحالة، تأخذ بالتشدد في طلباتها، ورفع سقف مطالبها ما دام نظام الدكتاتور يقابل مطالبها بالعنف. وهو ما شاهدناه حتى الآن في تونس، ومصر، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، وربما البحرين.إلا أننا نلاحظ أن الدكتاتورية الخضراء في مصر مثلاً، والتي سمحت للمعارضة بشيء من حرية القول والعمل السياسي، كانت تتصالح مع المعارضة في كثير من الأحيان، وتغض من بصرها على كثير من تجاوزاتها تجاه السلطة، ورأس السلطة. في حين أن الدكتاتورية الحمراء في ليبيا، وسوريا، واليمن، كانت في صدامها أكثر حدة مع المعارضة من الدكتاتورية الخضراء. بل انتهزت فترة الانتفاضات الشعبية في شوارعها، للقضاء المبرم والمميت على المعارضة. وانتهزتها فرصة للقضاء على هذه المعارضة، التي كانت تشكل للديكتاتوريات الدُمل المُتقيِّح الذي لا بُدَّ من فتحه، ومعالجته. وهو ما يجري الآن في ليبيا، واليمن وسوريا. وربما سيجري مستقبلاً في العراق، وفي أنحاء أخرى من العالم العربي. إن الرأي المعارض يبقى أخيراً خيراً من الرأي الذي لا يعارض والذي يلجأ إلى التبجيل والتدليس. ذلك أن الحقيقة لا يمكن اكتشافها إلا في الرأي المعارض.



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا أدونيس: لا حياة لمن تنادي!
- الدكتاتوريون يفرِّغون السجون ويملأون المقابر!
- العراق الى أين في خضم الثورات العربية؟
- ليست كل الزهور تتفتح في 25 يناير!
- ثمن الدكتاتورية الباهظ
- اليمن بين مثقفي الطليعة وفساد السياسيين
- هل يصبح عبد المنعم أبو الفتوح الرئيس المصري القادم؟!
- هل أصبح مبارك رمزاً يختصر تاريخ الدكتاتورية؟!
- مصر: هبوب نسائم الدولة الدينية
- مصر: من استبداد الدولة الى استبداد الفوضى
- لكي لا تتحول الثورات الى أزمات!
- يا كاهنة المعبد: كفى عبثاً!
- لماذا كانت وعود الدكتاتوريات كاذبة؟
- لنتعلم قليلاً من أخطاء الثورات في التاريخ
- حطمنا طوطم الإرهاب.. فماذا عن تفسير الظاهرة؟
- ماذا عن ثعالب الغابة الأخرى؟
- من مظاهر غباء الدكتاتوريات العربية
- لماذا تخلو بعض الثورات من المفكرين والفلاسفة؟
- لماذا تخلو بعض الثوؤات من المفكرين والفلاسفة؟
- عندما ترتدي الدكتاتورية جلود الحملان وتستعطف!


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - التحليل النفسي للدكتاتورية العربية