أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - ومَضاتٌ في ظلام الذاكرة














المزيد.....

ومَضاتٌ في ظلام الذاكرة


عبدالله الداخل

الحوار المتمدن-العدد: 3402 - 2011 / 6 / 20 - 18:29
المحور: الادب والفن
    


معركة

حدثت معركتان حتى ذلك الوقت.
الأولى قرب صنبور الماء، حيث يغتسل، عادةً، 121 رجلاً، وكان ذلك في صبيحة يوم مشمس، واشترك فيها ثلاثة، بشكل أساسي، ضد واحد، وقد أشبعوه لكماً، وكنتُ أستمع إلى أصواتٍ متوقعة، تخيلتـُها قبل أن أسمعها، ثم جاء فارّاً إلى الغرفة حيث كنتُ وحيداً فيها أدير ظهري للباب. إستدرتُ نحوه ورأيتُ أنفه ينزف، وقلتُ لنفسي، كعادتي التي التصقت بي منذ الصبا، على طريقة همنكَوَيْ:
كان ينبغي أن تمنعَهم. لِمَ لمْ تمنعْهم؟ قلتَ لهم فقط: "لا أوافق على هذا." ثم اكتفيتَ بالصمت، وعندما قالوا لك: هل ستأتي معنا لضربه؟ قلتَ: "مستحيل، فأنا قلتُ لكم لا أوافق." ثم سألتـَهم: "لماذا تعتقدون أني أستطيع أن أضرب أحداً؟"

نهضتُ وأغلقتُ الباب بسرعة، وكان ذلك يعني أني لا أسمح لأحدٍ بالدخول لمواصلة ضربه.
قلتُ دون أن انظر إليه ثانية:
-"ماذا حدث؟"
كان يبدو عليّ أني كنتُ أعرف. لكنه لم يُلاحظ هذا. لم يلاحظ أني لم أكن مندهشاً.
هل كان يستحق الضرب؟ ربما. ولكن مهلاً. لستُ متأكداً. سأعيد التفكير في المشكلة. سوف أقرر فيما بعد إنْ كان يستأهل العقاب!

الكرنك

كان ياسين يغني قصيدة الكرنك كاملة ًمع الموسيقى المحليّة جداً، فهو يعزف بفمه أمام ساكني ردهته الكبيرة، الرابعة، أكبر الردهات، المتربعين بمناماتهم الحمراء المرقطة بالأسود، على أفرشتهم: بطانيات رمادية، بعضهم إزدحم حول "الكانة"، هكذا سمّاها البعض، وهي مدفأة نفطية عملاقة، تناطح السقف، حيث منفذها الى الخارج، وكان الثلج يهطل ببطء لكن بكثافة مفاجئة، مدهشة للشباب، وغير الشباب، من الذين يرون لأول مرة في حياتهم كيف ترتدي الحياة في الخارج وشاحَها الأبيض.
أقلتُ "وشاح"؟ كيف ومتى أضفتُ هذه الكلمة إلى مفرداتي؟ أمن الكرنك؟ كنتُ قد تعلمتُ من محاضرةٍ لحمدي يونس، كيف "تزحف" المفردات في "الذاكرة" من حقل مفردات القراءة الواسع إلى حقل مفردات الكتابة ثم إلى حقل مفردات الكلام، فتقل "غزارتـُها" ("غزارتـُها" هذه تعبيري أنا) تقل تدريجياً بسبب الوقت المتاح لتذكـّرها.
لم يكن من بين مستمعي ياسين من نزلاء الردهات الأخرى أحدٌ.

هل من يجرؤ على الخروج؟ ليس صعباً على من يريد ذلك، فالردهات كلها في صف واحد وأبوابُها متلاصقة، أعني معظم أبوابها.
لم يعد من مهام مجموعة من النزلاء الفيليين أن يرتبوا مكاناً خاصاً لمقيم الخارج، أبي بكر، كي لا يقتله البرد، فقد سُفـِّر إلى الحدود، هكذا سمعنا: "الحدود"، بضمن الأحد عشر، معظمهم أكراد. وكان أبو بكر يسكن الممشى، وحيداً، ليس بعيداً جداً عن الصنبور: شابٌ كبير العينين من السليمانية يختبئ كثيرٌ من وسامته الواضحة تحت طبقة سميكة من الوسخ والاهمال واللحية والزغب على معظم وجهه: يمارس الاستمناء علناً، ليل نهار، تحت بطانية مهترئة، مبتسماً باستمرار في الوجوه المتطلعة فيه، ضاحكاً أحياناً، مكشّراً عن أسنانه التي تعلوها صفرة ٌ من تراكم بقايا الطعام.

ياسين يُتقن الكرنك والبعض يشاركه الإعجاب بالإداء، ولكنه يغير من الموسيقى أحياناً بالتوقف ثم يواصل رافعاً ذراعيه (دون عصا) لقيادة فرقته الموسيقية الخاصة به. وهمس أحد الجالسين: هل سمع مظفر هذه القصيدة؟ فجاءه الجواب، همساً أيضاً:

-"مظفر يغني لأم كلثوم فقط بالاضافة إلى قصائده. هو أقرب إلى وديع الصافي صوتاً مع خصلة أوبرالية: هذوله احنه! لا أظن أنه لا يحب عبد الوهاب أو فريد!"
وتوقف ياسين: إسمعوا هذا المقطع: أين يا أطلالُ ... إسمعوا الموسيقى: ترللا اا لا للا للا للا - تر لا للا. رهيب!
أين يا أطلاااااالُ جُنـْدُ الغالبِ – أين آمونُ وصوتُ الراااااهبِ؟
نعم.
أين جندُ الغالبِ؟



#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدجل في نقد الدجل
- الدين والجنون -2- المدينة
- في الله والعلم
- الدين والجنون - زفاف الأمير – مختارات من النسخة الخاصة التي ...
- غربان البي بي سي والقطط وقطعة الجبن
- مقاطع غير صالحة للنشر من الوصية الثالثة -4-
- مقاطع غير صالحة للنشر من الوصية الثالثة 3
- تساؤلات ليست من -الرأي الآخر-!
- من أجل سواد عيون النفط الليبي – السيطرة على منابع البترول 2
- الخطى 7
- في السيطرة على منابع البترول - خطوة أخرى للرأسمالية الغربية
- في الثورة، وفي الله -2- إذا لم يكن الله موجوداً، فأيّ إهدار ...
- في الثورة والله – 1 – دخل اللهُ ميدانَ التحرير فساهم في الإب ...
- مقاطع غير صالحة للنشر – من الوصية الثالثة 2 - لولاهُ لما بدا ...
- من الوصية الثالثة – مختارات صالحة للنشر
- الأنكح والأنكى وما حولهما! (في بعض دقائق المشاكل اللغوية لكت ...
- هل يستحق نقولا الزهر كل هذا؟
- رد ساخر من السيد مهموم الدهري على بعض ما يُنشر في مواقع عربي ...
- قلعة صالح - 2 - العبور
- كريم 11 – سلام - 2


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله الداخل - ومَضاتٌ في ظلام الذاكرة