أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن إبراهيم أحمد - العلمانية المتراجعة















المزيد.....

العلمانية المتراجعة


حسن إبراهيم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3400 - 2011 / 6 / 18 - 20:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يكاد أصحاب الفكر التنويري يتوافقون على أنه لا مخرج للشعوب المنقسمة عقدياً أو التي تعاني شكلاً من أشكال التصلب العقدي، من انسدادات واقعها، إلا العلمانية. وكي لا نذهب بعيداً في الظن بالعلمانية، إذ يعمل البعض على اتهامها وتجريمها، سنقوم بتحديد مفهومها الذي نقصده هنا. ذلك لأن العلمانيات تعددت واختلفت في درجتها وحدتها نظرياً وعملياً، وهي تأخذ في كل بلاد تطبق فيها، منحى يتناسب مع مجتمعات هذه البلدان. ولو نظرنا إلى الواقع الأوربي حيث نشأت، لوجدنا أنها في بلدان الغرب كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وحتى في أمريكا وغيرها، تساير خصوصية هذه البلدان وتختلف بين بلد وآخر.

المقصود بالعلمانية، الذي نتبناه، هو الحياد تجاه العقائد، أي حياد الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية، دون المساس بمشاعر المؤمنين العقيدية وحريتهم الشعائرية. ويمكن القول إن الأساس الفكري في ذلك هو اعتماد العقل في إرساء عقلانية (تطبيقية) تكون المعيار في تناول الموضوعات ذات العلاقة بالعقائد، دون اتخاذ موقف (سلبي أو إيجابي) منها، يؤثر على الأداء العام.
ينقلنا هذا إلى العلمانية في بلادنا العربية، فهي ولا شك محل تجريم وملاحقة، علانية في بعض البلدان، وتحت غطاء في بلدان أخرى. وهي بشكل عام لم تكن أكثر من وعود وإرهاصات، ولم تكتمل أو لم تحقق وجودها الفاعل على أية ساحة في أية دولة عربية، وما كان موجوداً منها، كان مغلفاً بأغلفة غير بريئة، وفي قطاعات دون غيرها في البلد الواحد.
كانت العلمانية في بعض البلدان العربية مشروعاً قيد التحقق أو يؤمل ذلك، ودون قدومها ألف قيد وقيد، مع أنها قطعت أشواطاً واضحة. وبعض أنصارها أشد ضرراً عليها من أعدائها، ينتسبون إليها عندما يريدون التزين بالحداثة صباحاً، ويلجؤون إلى خيانتها تحت أغطية التدين والعمائم واللحى مساءً، عندما يبحثون عن المكاسب والتبريرات. إنها لا تزال حبيسة القمقم الذي يقوم على حراسته رجال الدين من جهة، والسياسيون من جهة أخرى. ولا ندري متى سيتحرر من في هذا القمقم ويخرج من أجل الانتساب إلى المجتمعات المتحضرة، حيث نثبت كل يوم حاجتنا إليها، بل واعتبار العلمانية بوابة الدخول الحتمية إلى عالم الحداثة والحرية.
لا شك أن الحركات الثورية التي هزت مجتمعاتنا العربية، بل والعالم ربما، كانت تحمل فيما تحمل من وعود حلماً بآفاق علمانية، بالنظر إلى محركيها وقياداتها وأدواتها، بل وأساليبها، وكان المأمول أن تحقق ما عجز عنه السابقون من الواعدين بها. لكن عندما تكون البراغماتية السياسية هي الفاعلة، ودورها هو المؤثر، فليس غريباً أن تكون الضحية هي العقلانية، والعلمانية صلبة كانت أم لينة.
والبراغماتية قد لا تتورع عن استخدام أي أسلوب، ولا تمتنع عن استخدام أية فئة تجد أنها تنجز مشروعها عن طريقها، لكن الحساب قد يأتي لاحقاً. وهذه حال الثورات والتحركات في الوطن العربي حديثاً. وإذا كان الإسلاميون قد انخرطوا فيها باعتبارهم من الشعب وهم طلاب تغيير، سواء أخفوا أم أظهروا أجنداتهم خلال الثورة، فإن البحث عن دور ما، هو في صلب تحركهم، على ما في أدوارهم من خطر على الحركة التحررية العلمانية.
ما لم يحسب حسابه منظمو التظاهرات (العلمانيون منهم)، أو ربما تركوا الأمور تسير حسب الأهواء التي لم يظهر حينئذ أنها مؤطرة، وكان انتصار الثورة مقدماً على التناقضات الكامنة أو الظاهرة داخلها، هو ما تعده بعض القوى لما بعدها. هنا لا بد من الإشارة إلى الاجندات التي كانت خفية، أو ظهرت بعد الانتصار الأول للثورة، وكانت تستهدف استبعاد العلمانية لصالح القوى الدينية.
كانت تونس تظهر أنها أقرب البلدان العربية من العلمانية حسب الخطوات المتحققة في هذا الاتجاه، ما جعل المؤشرات الدينية تتوارى خلال الثورة لتظهر عقب انتصارها الأول. فقد أعلن راشد الغنوشي أبرز زعماء الحركات الدينية والعائد من المنفى، أنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية، لكن هذا لم يبدد الخوف الذي أبداه شباب الثورة من أن يتم تجييش المشاعر الدينية للاستيلاء على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. يضاف إلى ذلك بعض الدعوات لإعادة الحياة إلى مناخ سيطرة المؤمنين على الفضاء العام للمجتمع. وبهذا تفسير المظاهرات التي قامت في الأول من نيسان 2011 للدعوة على فرض الحجاب على المرأة التونسية مستغلين مناخ الحرية.
أما في مصر حيث كان الصراع محتدماً بين المتأسلمين ومن ينحو نحو علمانية خجولة في مجتمع متدين قبل الثورة، فقد كان التعبير الديني حاضراً منذ اللحظة الأولى للتحرك وكان لافتاً بقوته من وجهة النظر العلمانية، حتى مع خلو الحراك من الشعارات التي تعودنا أن نسمعها من المتدينين، بل ومن التعبيرات الطائفية التي عادت للظهور العنيف بعد الثورة.
إن اعتماد المساجد منطلقاً للتحرك بعد الصلاة كان أمراً واضحاً، ودلالته الدينية لا العلمانية هي التي برزت. فالمسجد يستقبل الناس متعبدين متبتلين ومتوجهين إلى ربهم ليغفر ذنوبهم ويرزقهم الخير، لكن المسجد يقذف هؤلاء إلى الشارع ثائرين غاضبين على أنظمتهم، طالبين رحيل حكامهم. هنا يتجلى أحد الأدوار التي تقوم بها المؤسسة الدينية لإنجاز تغيير سياسي. يذكرنا هذا بدعوة المفكر الإسلامي الصادق ألنيهوم الذي كان يدعو للعودة إلى مؤتمر الجمعة وديمقراطية المسجد.
لماذا المسجد وليس أي مكان آخر؟!
ما من شك أن الخارجين من المسجد المفعمين بالإيمان لن يكونوا في خدمة العلمانية، والتعبير الأكثر وضوحاً هو كثافة الحاضرين في الصلوات المقامة في الساحات العامة التي تحولت إلى مساجد تؤدى فيها الصلوات تأكيداً على إسلامية التحرك واستغلال قوة الدافع الإيماني، فالتعبير العلماني بالتالي لا تكون قاعدة انطلاقه هي المسجد والصلوات.
إن غياب تعبيرات مثل رفع المصاحف، أو إطلاق شعارات دينية خلال الثورة، قد تم التعويض عنه بعد مرحلتها الأولى، مع عدم القدرة على رصد جميع الأنشطة والمؤثرات الدينية المناهضة للعلمانية. لكن الاستفتاء على الدستور أظهر أشباح ولاية الفقيه، كما عبر الصحفي طارق أبو العينين، فقد سمى أحد الشيوخ الاستفاء بـ (غزوة الصناديق). وقد مثل الاتجاه الإسلامي بتنويعاته من معتدلين وسلفيين الغريق المؤيد لتعديل الدستور والمصوّت بـ (نعم)، في حين أن تيارات الحركة الوطنية من ماركسيين وليبراليين وقوميين، إضافة إلى شباب ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني يناير، الغريق المصوت بـ (لا). وقد كشر الإسلاميون عن أنيابهم ولجؤوا إلى أسلحتهم الأيديولوجية، أي الفتاوى إذ عدّ التصويت لصالح التعديل بـ(نعم) واجباً شرعياً، والتصويت بـ(لا) إثماً يدخل صاحبه النار. وقد فاز التعديل بنسبة سبعة وسبعين في المئة، ليبقى للمناوئين ثلاثة وعشرون في المئة، ما يبرز هزيمة واضحة للاتجاه العلماني.
هذا المناخ هو الذي شجع أصواتاً ومظاهر تطالب بما لم يعهده تاريخ مصر كما ذكر أحد المتخصصين، فقد برزت دعوات تحرض على هدم ضريح الحسين والسيدة زينب، وهذا يعكس انحيازاً إلى المذاهب والطوائف جديداً على مصر، كما ظهرت دعوات لإنشاء جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا يغيب خطرها عن بال أحد، باعتبار دورها في السعودية.
يظهر كل ذلك سرقة مجمل الجهد الذي قدمه المجتمع المصري ليخرج إلى الحرية لا ليقع تحت استبداد جديد ذي صبغة عقدية، ويستبعد العلمانية والعقلانية، وربما كان هذا وراء قدوم من يوصف بـ (بابا المسلمين) وهو الشيخ القرضاوي معبراً عن قوة (الإكليروس الإسلامي) لكي يؤم الصلاة في أول جمعة بعد انتصار الثورة في ميدان التحرير، وهذه إشارة لا تخطئها العين لخطف الثورة بعيداً عن العلمانية، في واقع يثبت أن مكانة الدين لم تكن مهددة ولن تكون مهددة في المستقبل، لكن القوى الدينية لا يكفيها ذلك، إنما تهدف إلى القبض على خناق الدولة والمجتمع المتسامح.
وفي سورية ظهر الدور ذاته للمساجد كما في مصر، للتزود بشحنة إيمانية. وإذا تجاوزنا مسألة العنف والمسؤولية عنه، فلن نستطيع تجاوز الشحنات الطائفية المقيتة التي عبر عنها الشاعر تعبيراً فاضحاً ينال من كرامات وأعراض الناس. لكن أيضاً برز دور اعتماد السلطة على حشد قوة السلطة الدينية (رجال الدين والقيادات الدينية النسائية) لصالحها دون الأخذ في الحسبان الضرر على العلمانية.
ما من شك أن إبراز دور المسجد من قبل المحتجين له دلالة تجييشية تستغل الدين لصالح الاحتجاج ضد العلمانية، كذلك رد السلطة عليها عن طريق الإمساك بالحراك الديني، مما يجعل العلمانية ضحية من الاتجاهين، وهذا لا يستعبد الارتهان الطائفي بقدر ما يشجعه، إذ لا هزيمة لهذا الارتهان إلا بالعلمانية.
وآخر مظاهر محاباة المتدينين هو إنشاء المعهد العالي للعلوم الشرعية في حمى الأزمة، وإعادة المعلمات المنقبات المفصولات من التعليم إلى عملهن. ونود الإشارة إلى مطالبة بعض رجال الدين بإنشاء محطة فضائية سورية دينية.
والتعبير عن حراك مناقض للعلمنة في مجمل الحراكات الاحتجاجية الأخرى كما جرى في السعودية والأردن والبحرين، إذ صبغ الحراك باللون الطائفي تلبية لصراع القوى في المنطقة، وحتى في ليبيا، حيث لا تعبير خارج الانتماء الإسلامي للمجتمع الليبي في مفردات الخطاب المؤكد لهذا الانتماء.
وحدهم اللبنانيون يتحرك شبابهم لإنهاء حالة الارتهان للطوائف وزعمائها وللانقسام الطائفي والمذهبي، لصالح علمانية تنقذ البلد. وهذه إشارة إلى وعي متقدم بعد أن ذاق اللبنانيون مرارة الطائفية.



#حسن_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن إبراهيم أحمد - العلمانية المتراجعة