أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الناصري - الراديو وتكوين الذائقة السمعية والفنية















المزيد.....

الراديو وتكوين الذائقة السمعية والفنية


أحمد الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 3399 - 2011 / 6 / 17 - 09:26
المحور: الادب والفن
    


شهادة مستمع وشيء من الذاكرة


الراديو، الجهاز العائلي الساحر والغامض، كزائر جديد له صوت وحضور طاغ ومدهش، بزاويته الأثيرة ومكانه الأليف والمرتفع وشبه الثابت لسنوات طويلة في غرفة الجلوس أو المعيشة كما تسمى، كان الجهاز الترفيهي السهل والوحيد تقريباً في مرحلة هامة من ثقافتنا السمعية، وهو اكتشاف كبير وحلقة هامة في سلسلة الاكتشافات العلمية الكبرى في عالم الصوتيات والمرئيات من الأجهزة الكهربائية والالكترونية الحديثة، التي تكرست في القرن العشرين، من التلفون والتلغراف والأسطوانة وجهاز التسجيل ثم التلفزيون والفيديو وصولاً الى المنظومة السمعية والبصرية المتطورة الحالية، والتي يمكن جمعها من خلال الكومبيوتر.
يشغلني هذا الموضوع الجميل من زمن بعيد، حيث ساهم الراديو وعبر موجات الأثير في تكوين ذائقتي الفنية والسمعية وشيء من الوعي الثقافي والسياسي، من خلال الراديو والإذاعة العراقية، والإذاعات العربية والعالمية التي كان يصل بثها إلينا، منذ الطفولة الأولى في البيت ومع جميع أفراد العائلة، بما يقدم من البرامج الراقية والمتنوعة، التي تشرف عليها لجان متخصصة الى جانب فنانين ومثقفين معروفين وكبار ولجنة رائعة لتنسيق وإعداد وتقديم البرامج.
من خلال الراديو استمعت وحفظت أجمل الأغاني العراقية والعربية، وتعرفت على أصوات محمد الكبنجي ويوسف عمر والجميل ناظم الغزالي، كما حفظت الأغاني الريفية الجميلة بأصوات داخل حسن وحضيري أبو عزيز وناصر حكيم ومسعود العمارتلي وعبد الصاحب شراد وجواد وادي وعبد الجبار الدراجي الذي كان ينتقل في الغناء بين المدينة والريف، وقبلهم خضير حسن الذي استمعت أليه بمتابعة وشغف خاصين، وأصوات النساء القوية والجميلة، صديقة الملاية وعفيفة اسكندر وسليمة مراد ووحيدة خليل وزهور حسين وأحلام وهبي ثم مائدة نزهت و(بنات الريف) وأصوات الغجر الساحرة، وبعدها صعود جيل السبعينات وموجة الشعراء والملحنين والمطربين الكبار، حيث عشنا مع أصوات حسين نعمة وفاضل عواد وياس خضر وسعدون جابر وفؤاد سالم ثم رياض أحمد وحميد منصور وسعدي الحلي وكمال محمد وقحطان العطار والمطرب المغدور صباح السهل، والأصوات النسائية الجديدة، أنوار عبد الوهاب وسيتا هوكبيان ومي أكرم، ومع الملحنين الرائعين، طالب القره غولي وكوكب حمزة ومحمد جواد أموري وكمال السيد ومحسن فرحان والمبدع جعفر الخفاف، والشعراء المبدعين الكبار، يقف في مقدمتهم وعلى رأسهم الشاعر الكبير والجميل مظفر النواب، وقصائده الشعبية العميقة والخالدة، وسلسلة الأسماء الذهبية التي طرزت ساحة الشعر الشعبي والغنائي، طارق ياسين وزامل سعيد فتاح وناظم السماوي وشاكر السماوي وعزيز السماوي وزهير الدجيلي وكاظم إسماعيل الكاطع وجبار الغزي وعريان سيد خلف وأبو سرحان وكاظم الركابي ورياض النعماني وكامل سواري وكامل العامري وعلي الشيباني وداود الغنام والعشرات غيرهم. كما قدمت الإذاعة كبار الموسيقيين من أمثال جميل بشير ومنير بشير وسلمان شكر وسالم حسين وروحي الخماش وحسين قدوري وحسن الشكرجي ونصير شمة.
كان برنامج الإذاعة العراقية يفتتح فجراً بتغريد عذب وطويل لبلبل عراقي، ثم تلاوة من القرآن الكريم، بقراءات عراقية أو مصرية جميلة وشهيرة، وهي تصدح في البيوت والأسواق ومطاعم الكباب والمقاهي، مختلطة مع أصوات لمقرأين جلهم من العُمي، في سوق القماش وقيصرية الناصرية، بعدها تبدأ البرامج والأغاني الصباحية المصرية والعراقية، وظلت تلازمني الى الآن أغنية (يا حلو صبح يا حلو طل..) لمحمد قنديل ومن كلمات محمود الليثي، ثم فقرة يومية ثابتة لأغاني فيروز، بعدها يبدأ البرنامج الاعتيادي الطويل والمنوع والممتع. بينما كانت أم كلثوم تغني كل يوم لمدة ساعة في الظهيرة العراقية، عندما يأوي الناس الى بيوتهم للقيلولة هرباُ من القيظ، وقد شاركها لاحقاً محمد عبد الوهاب، بالإضافة الى حفلات أسبوعية وشهرية شهيرة لأم كلثوم. وكان من بين برامج الأغاني المعروفة أيضاً، برنامج ما يطلبه المستمعون اليومي، وهو برنامج منوع وجميل. وهناك حصة كبيرة للغناء العربي الذي نستمع فيه يومياً الى أغاني عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وكارم محمود ومحرم فؤاد ومحمد رشدي ومحمد قنديل ووديع الصافي ونصري شمس الدين وفايزه أحمد ونجاة الصغيرة وليلى مراد وشادية وصباح وسميرة توفيق التي نالت شهرة واسعة بين العراقيين.
من البرامج التي تابعتها طويلاً وأتذكرها الى الآن برنامج (من حياتي) والذي كان عبارة عن قصص حقيقية يرسلها المستمعون ويجري أعدادها على شكل تمثيلية إذاعية أسبوعية (راديو الواقع) يقدمها الفنان القدير إبراهيم الهنداوي وإخراج شكري العقيدي، كذلك تابعت لاحقاً برنامج توثيقي رائع هو (أصوات لا تنسى) من أعداد وتقديم ثامر عبد الحسن، الذي سجل فيه سيرة وخصائص كل مطرب ريفي والألوان التي أداها، وبرنامج (من الذاكرة) للإذاعي الرائع والقدير سعاد الهرمزي، والذي طالما حكى به عن أم كلثوم وعن محمد عبد الوهاب الذي يعشقه.
كان هناك قسم التمثيليات الإذاعية الجميلة، وبرامج الأطفال والرياضة والشعر والأدب والقصة القصيرة والنقد والمقابلات الإذاعية وقراءة الصحف، وبرامج منوعة أخرى حول الجغرافية والتاريخ والعلوم والصحة والشخصيات المختلفة والكتب الجديدة والمهرجانات والنشاطات الثقافية.
في الشتاء ولياليه الطويلة، ومع العوز والشح، في بيوت الفقراء والمدقعين، حيث المسرات نادرة، كان الراديو الأنيس المجاني الوحيد، الذي لا يكل ولا يمل، يبث أغاني أم كلثوم والأغاني العراقية والعربية. وفي ليالي الصيف العراقي الجميل وسكونه الأخاذ وسطوحه المرشوشة بماء القلل والمشربيات ورائحة الرقي المبرد، تحت سماء خفيضة ونجوم كثيفة ولامعة، تتخللها شهب خاطفة وأقمار اصطناعية دائرة في الفضاء لأغراض علمية ولمهام التجسس، كانت الأغاني شيء لا بد منه، أو يمكن أن تسمعها من سطوح الجيران، وربما تتداخل صوات، فيأتيك أكثر من صوت في وقت واحد، لفايزه أحمد وداخل حسن وصوت آخر حي يئن وينوح ب(أبوذياته) الحارقة ويبوح لبنت الجيران التي تسمعه بحنينه الجارف.
في الجبال القصية، الجبال البعيدة والمكتفية بعزلتها الإجبارية الباذخة، لم تكن لدينا من وسيلة للاتصال بالعالم الخارجي وسماع الأخبار والتطورات السياسية وللترفيه البسيط غير الراديو الصغير الذي يعمل بالبطاريات، حيث لا توجد كهرباء مطلقاً. وقد رافقنا الراديو منذ الطلقة الأولى والبيان العسكري الأول الى الطلقة الأخيرة والبيان العسكري الأخير الذي أعلن توقف الحرب الملعونة في يوم 88.8.8، عندما توقف القتال الدامي والشرس في حرب منسية وغرضية طويلة، امتدت لثمان سنوات، راح ضحيتها ملايين القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين من الطرفين، وحرقت الأخضر واليابس. وكنا ننشد الى الراديو ليل نهار أيام الحملات والهجمات الإيرانية الكبيرة والمتلاحقة على القواطع والجبهات الحربية، ونحن ندرك ونعرف جيداً بأن الحرب الطاحنة تدور على الحدود، لكن تأثيرها يحفر هناك في عمق المجتمع، بينما كانت البيانات والتصريحات العسكرية تختلط مع الأناشيد والأغاني الحربية التي تدق على مدار الساعة والأيام والشهور حتى تضطر لحفظها لكثرة تكرارها الدائم. وكنا نتابع أيضاً إذاعة لندن التي تبدأ بدقات ساعة (بك بن) الشهيرة، وأصوات المذيعين الصارمة والمدربة تدريباً عالياً، وإذاعة مونت كارلو الرومانسية والرقيقة، وصوت المذيعة كابي إلطيف، حيث تبدأ رحلتنا ومتابعتنا من الصباح ثم فترة الظهيرة والليل، ونسمع الأخبار والتقارير والمقابلات والتحليلات، التي تفيدنا الى حد معين في تكوين رأي جديد خاص بنا وبتقديرنا للوضع العسكري والسياسي على الجبهات وفي بلادنا. بينما نحاول أن نخفف من ثقل وتفاصيل أخبار الحرب ومن عزلتنا المطبقة، فنستمع يومياً في الصباح الى فيروز، والى كوكب الشرق أم كلثوم عند الظهيرة من إذاعة الأمارات العربية، والى ساعة مع الرسولة ذات الشعر الطويل فيروز، من إذاعة الكويت كل يوم أربعاء وهي تغني أحياناً أغنية (يا جبل البعيد خلفك حبايبنه... يزهون مثل العيد وهمك متعبنه)، فيشتعل الحنين، كما تابعنا في الجبل من جديد البرنامج الجميل (من الذاكرة)، ومن إذاعة لندن كنت أستمع الى برنامج (قول على قول) الذي يقدمه الأديب الموسوعي والإذاعي الفلسطيني الكبير حسن الكرمي الذي يستهله بعبارته الشهيرة والأثيرة (من القائل وما المناسبة)، وهو يتحدث عن بيت شعر وشاعر والمناسبة التي قيل فيها البيت. وكم سحرني صوت الإذاعية اللامعة سلوى الجراح، الفلسطينية المولد والعراقية التكوين، وبرامجها الشهيرة، لكل سؤال جواب، وندوة المستمعين، والواحة، وموزائيك، ولا زلت احتفظ الى الآن بجهاز راديو متطور نوع (ناشونال) من تلك الفترة، لا يزال بحالة جيدة.
تراجع الراديو وعالمه البهي، وفقدنا المتعة والاستمتاع بالجمال المتخيل بواسطة الصوت (الحقيقي) والكلمة، من دون تأثير وفعل الصورة والمؤثرات الأخرى، خاصة في الغناء، وفتح المجال واسعاً وعريضاً أمام الاكتشافات الصوتية والبصرية الخارقة والكثيرة، وهي توفر الصورة والصوت بلمسة خفيفة، بغض النظر عن نوعية المادة المقدمة، لكن مكانة الراديو وأصوات بعض المذيعين ورنينه، ستبقى عصية على النسيان بالنسبة لأجيال عديدة من المستمعين، وفر لها ذلك الجهاز الساحر والبسيط الكلمة الطيبة والمتعة الجميلة وساهم في تكوين ذائقتها الفنية والسمعية.

* الأسماء والبرامج المذكورة، هي عينات أساسية لمن كان يعمل ويساهم في برامج الإذاعة الكثيرة، ولما يبث من برامج أثارت اهتمامي، وهي ليست كل الأسماء والبرامج طبعاً، وهذا فوق طاقة هذه المادة التذكارية من مستمع، فقد كانت هناك أقسام وفرق وأسماء كثيرة جداً أسست ومرت بالإذاعة.



#أحمد_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة لوحة شهيرة واحدة وحالة كنوزنا الفنية القديمة والحديثة
- بطاقة الى داخل فرهود الإنسان والشهيد والصديق
- الوضع السياسي في بلادنا الطبيعة والنتائج ... وملاحظات وهوامش ...
- 2- هوامش على دفاتر الثورة المصرية
- هوامش على دفاتر الثورة
- الغياب : من قتل سمير هامش ، ولماذا قتلوه؟؟
- عودة لمناقشة ( مشروع ) لجنة التنسيق اليسارية وقضايا أخرى
- مساهمة جديدة في النقاش الدائر حول اليسار
- غزة داخل المحرقة النازية الجديدة وفي حالة الإعدام الجماعي ال ...
- بهدوء.. دفاعاً عن الوطني العراقي منتظر الزيدي الصحفي والإنسا ...
- بوش يغادر مرفوع الرأس لكن الى الأسفل
- التوقيع والمصادقة على اتفاقية العار
- بعض نماذج التهريج والوقاحة والنفاق السياسي الصارخ
- النصيرات بطلات وأمهات وملائكة الثورات
- اتفاقية العار ومسألة الانسحاب الأمريكي من بلادنا
- العار واتفاقية العار
- أمريكا والاحتلال ومستقبل بلادنا بعد فوز أوباما
- ماكين الى النسيان
- مياه الشرب الملوثة وانهيار شبكة المجاري من أخطر أسلحة الدمار ...
- بوش - ماكين إلى الجحيم


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الناصري - الراديو وتكوين الذائقة السمعية والفنية