أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 3















المزيد.....

ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 3


محمد نوري قادر

الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


في هذه المحلة الهادئة والمتآلفة نشأت وترعرعت ومنها تعلمت الصدق والوفاء وما حلمت مع أخوة وأصدقاء في نفس الوقت , بعضهم أحياء حتى الآن , وبعضهم دفع دمائه ثمنا لهذه الأرض , منهم رحلوا خوفا من الموت على أيدي الجلاد كما أنا . أحزنني جدا ما وجدت , إهمالا متعمدا يفوق الوصف ما رأيت , لاشيء يبدو كما عهدت وما عشته وعرفته , مهملة جدا وخربة كأنها من عصور سحيقة تراكمت عليها رمال السنين وطمرتها , لكنها موجودة رغم الأسى ورغم كل شيء , المياه الآسنة وما تجمع من مياه الأمطار في ساحتها الكبيرة التي كنا نلعب فيها ونمرح بكرة من القماش أو القطن يملئها الذباب والبعوض إضافة إلى النفايات المتراكمة على جوانبها يملئ النفس تقززا وشعورا بالضجر , الأطفال وجدوا متعة فيها وهم يرمون بالحجارة وسطها ويضحكون بصوت عال ومتعة أكثر حين يتلوث احدهم بما يقع عليه من الوحل , الروائح الكريهة تملئ الأزقة والشارع من المياه الثقيلة التي طفحت من البيوت , لا يوجد فيها شارع نظيف ومعبد أبدا , لا شيء فيها يدعو للبهجة , كل شيء قرف , وحده اللقاء يجعلك تغض النظر , ويجعلك لا تشعر بها . لم يسبق لي إن شعرت بهذه السعادة والفرح , كم تمنيت أن تبقى طويلا , لم اعد أفكر بغير الألفة والفرح , هذه الوجوه رغم التعب تفيض حلاوة ومحبة , إنني اغترف الآن منها ما شئت لاطفىء النار المتقدة في جوفي العميق , وأضمد بها جروح لم تندمل ولا اصدق إنها ستندمل , لم يسبق لي إن شعرت بهذا الود كله منذ سنين طويلة , لم اعلم انه سيكون هكذا وبهذا الشكل , لساني عاجز عن وصف تلك الدهشة التي تغمرني , كم هو جميل ودافئ هذا العش , وكم يستحقون من فيه حياة أفضل , يستحقون ما يستحقه الآخرين , أليس كذلك ؟ رغم كل ما حدث ويحدث , ما يحيط بهم وجع فقط , إنني جئت لأغفو فيه واحتضنه وان لم أشأ قولها , أتمرغ فيه حتى وان تلطخ بالوحل , هو عشي ولا اعشق سواه ,الآن أنا في لبه فكيف لا امرح ,وكي أتمكن من التمتع بهذه الألفة لفترة أطول اكتفيت بالصمت والابتسامة فقط , كي اسمع فقط , ربما أكون بحاجة إلى كلمات قليلة أقولها فحسب , مكتفيا بالإشارة , ملوحا بيدي الراعشة حبا , بعضهم عرفته والآخر لم تسعفني الذاكرة إلا بالمساعدة ومن يهمس لي باسمه متجنبا الحرج ,ومن طلب مني التريث قليلا حسب رغبته مع قليلا جدا من التساؤل والملاحظة ,هكذا أمضيت ساعات طويلة من الوقت لم اشعر بها سوى لحظات عابرة مرت . كم أنا ظمئ حقا؟ , لم اشعر بالوقت ولا كم منه مضى , الظامئ لا يرتوي ظمأه هكذا . كنت مليئا بالفخر , لأني عدت وحققت بعضا من حلم , أن أرى الأحبة والأهل , لكني شعرت ببعض الخجل , لقد ظهرت كأني أبله متعثرة خطواته لا يعلم ما فعل الحطاب بالشجر , رغم إني كنت شديد المتابعة , صلبا , مواظبا على التواصل مع الأهل , اعرف ما لا يعرفه الآخرين قبل معرفتهم به , لكنه لم يكن بهذا البؤس وبهذا القدر , إنها صورة متجسدة الآن أمامي وليست خبر . من الأفضل لي أن لا أتفحص بدقة ما خبئ تحت الركام , ولا أتفحص من يوجد خلف الستائر . يجب أن أعيش اللحظة والأيام القادمة بكل تفاصيلها وليس التي رحلت .
كانت على مقربة مني أختي تجلس ,تتحدث وتصغي وتضحك , لم تتوقف عن إظهار مشاعر الفرح , حاول بعض الزائرين أن يبعدها عني بعض الوقت بأسئلة أخرى ومواقف ظريفة لكنها لم تأبه وزادت قهقهاتها مرح . كنا مغمورين معا من النشوة ومتعة الوصل , لم يعير أحدا اهتمامه للصخب في غرفة صغيرة لا تتسع لهذا العدد من النسوة وبعض الجيران , تفرق بعضهم على عجل ,وآخر متأهبا للنهوض مكتفيا بالترحيب واللقاء مرة أخرى , توقفت أختي عن المرح فجأة كأنها انتبهت لشيء ما , هيا تعال , قالت لي , يجب أن ترتاح قليلا وتستحم انك متعب من السفر , أشرت لها بنعم , بدا الهدوء يعم المكان , لمحت بعض الصور المعلقة على الحائط لأبي في عنفوان شبابه , سينتهي بنا الأمر أيضا معلقة صورنا فقط للذكرى , لا بد إن الساعة تجاوزت منتصف النهار كثيرا جدا , تجولت في أرجاء المنزل مستطلعا , مستعيدا بعضا من ذكريات فقدتها بمرور الزمن ,توهجت أمامي متقدة كأني تركتها بالأمس فقط ,رأيت بقايا من سرير خشبي كنت أنام عليه ونتشاجر فوقه مع إخوتي الذين اعدموا بصخب يوم لا يوجد في البيت أبي , كنا جميعا نخشاه ونرتعب عندما يغضب , كان أشبه ببركان يقذف بالحمم , لا يعرف من يكون أمامه , يحب السكون , لا يرضى لأحد أن يرفع صوته إذا حضر , متعبا دوما من عمل مضني في سيارة للأجرة قديمة جدا , لقد مضت تلك السنين وعشقناها رغم اننا لم نشعر فيها بلذة أو طعم , السأم يغلف كل فصولها ممتزجا بالآهات والضجر .
اقتربت من السرير المحطم كأني اقترب من ماض سحيق لأودعه , تولاني الضحك أنا نفسي لم اعرف السبب , رغم التعب , رغم الوجع الذي اكتنفني حين وطأت قدمي ارض المدينة , رغم كل ما رأيت وعرفت , ولم احضى بمن كنت أودهم من أصدقاء الطفولة , مستلقيا على أريكة وسط غرفة أخرى , غارقا في نوم عميق


استيقظت مبكرا جدا , آه ما أجمل الصباح هنا , صباحا كنت مفارق إياه , ما أجمل الشمس فيه , مبكرة تستيقظ هي , مبكرة تنهض كعادتها , كما أنا , قرصها الدائري اللاهب لاشيء يحجبه كما هو في مدن أخرى تحلم به , تفرح لمرآه , لا توجد غيوم هنا , لا يوجد ضباب , متغلغلا شيئا فشيئا في كبد السماء, متوهج ككرة متدحرجة ببطء وتبدو ثابتة , مكتوب عليها البقاء من اجل الجميع , من اجل الحياة , عما قريب سترتفع , سيبحث الآخرين عن ظل يحتمون فيه من وطأة الحر , مظلة لبائع , سياج لبناية مرتفعة ,مقهى يحتسون الشاي فيه وأحاديث متفرقة عما حصل وما تتناوله الأخبار أو يعودون مبكرين للبيوت , يجلسون على وسادة قرب الباب ,يتابعون ما يجري بفضول ,- من تزوج , من تعرض لحادث , من سرق بيته , من سقط قتيلا أو جريحا في قتال , من كان بالأمس ذميم الخلق , من كان معتوها كغيره مصابا بالعاهة , من كان لا يجرأ أحدا أن يقول له انه فقد الصواب , من خلع ثيابه يتسكع في المساجد ليل نهار, من أصبح مؤمنا بين ليلة وضحاها ,من تخطى العهر درجات , من هي المومس ومن يدخل بيتها في الخفاء , من لا يخجل ولم يعرف يوما معنى للحياء , من استعاروا فمه يردد شعارات العاهرة كأنه ببغاء , من حمل بيده السلاح , من آوى لبيته الكلاب , من تمرغ في الوحل حتى أذناه , وكم سعر الطماطة والحليب وكم ارتفع أكثر من المعقول سعر العرق , ومن هو المؤذن في الجامع , كم بقي من عائلة منشد وطارش, وكيف قتل خالد زيارة , وكيف اعتقل فريد ,وأين عثروا على جثث المحكومين بالإعدام ,ومن سعفه الحظ وهرب خوفا من الجلاد , وأحاديث لم تنتهي أبدا , أرشيفها العقول ولم تدون , بقدرة المرء أن يعرف ما يريد خلال أيام إذا كان يود معرفته , كل شيء وما لا يخطر على بال - لا يوجد مكان آخر يحتمون فيه أكثر ظلا من البيوت , يخلعون بعضا من ملابسهم , يصبحون أشبه بالعراة , ثم يأوون للفراش , هكذا هي الأيام تنقضي وتودع بعضها , لا يوجد فيها أكثر من هذا الهراء , تناهى إلى سمعي من بعض المارة أن معركة ستحدث , جفلت , لا احد يبدو عليه الاكتراث , آخرين قريبين مني تجمعوا يحملون بنادق آلية بعدة أشكال , مزهوين بها وقاذفات أر بي جي مهيأة للانطلاق , ربما لا يجيدون استعمالها , فخورين بحملها , يتقاذفون بالشتائم , يتوعدون , ينتظرون أمرا بالانطلاق , آخرين ساروا مسرعين يحملون الهراوات باتجاه المدينة , المدينة لم تبعد كثير , يفصلها عن الجهة الأخرى جسر النصر , وما بينهما مسافة قصيرة جدا , يدمدمون بأصوات لم افهمها وإشارات منفعلة ومنفلتة معا تناهى لي صداها وعرفته فيما بعد , هكذا إذن سأشهد معركة تحصل , ولكن ضد من ؟!! لقد دخلت العاهرة المدينة وهرب السفلة ولم تبدي مقاومة وهو ما أذهل الجميع ومن اشتركوا فيها باعترافهم , رغم الحذر الذي أحاطه الأحمق حول نفسه وتهديده ووعيده,



#محمد_نوري_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 2
- ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 1
- أوجاع الخراب
- لم يكن ما يطرق سمعنا
- الخفافيش
- أعلان /2 هذا الحمار
- لا تنهق بالأشارة
- في ذكرى رحيل الشاعر رشيد مجيد
- المحصّلة
- رائحة الشجرة
- عاصفة
- لا تمدِ يدك
- تعال .. لقد سئمت ترددك
- كلاب المعالف
- جرذان المهزله
- مشهد مألوف جدا
- القادم خدشته الموّدة
- قصة قصيرة جدا
- الحمير وحدها تمرح
- هكذا أقف ..


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد نوري قادر - ساعات ساخنة في اوراق مسافر / 3