أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نمر سعدي - ممدوح عدوان ورؤيا الدماء















المزيد.....

ممدوح عدوان ورؤيا الدماء


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 13:01
المحور: حقوق الانسان
    


ممدوح عدوان ورؤيا الدماء


نمر سعدي



(1)
حيالَ كلِّ ما يجري في سوريا من ظلمٍ وتقليلٍ وانتهاكٍ لحقوقِ الإنسانِ الأساسيَّةِ لم أجد من عزاءٍ لنفسي سوى الرجوعِ إلى دواوين الشاعر والمثقَّف السوري الكبير الراحل ممدوح عدوان الذي أصبحتُ أسمِّيهِ الرائي الأعظم فقلَّما تخلو قصيدةٌ لهُ من أطيافِ الدمِّ التي تنهمرُ اليومَ على أرضِ سوريا الصامدةِ وتدقُّ النوافذَ والترابَ والبشرَ والحجرَ والفضاءَ. الدماءُ اليومَ في سوريا تدقُّ كلَّ شيءٍ ولم تعد تدقُّ النوافذّ وحدَها كما في شِعرِ ممدوح عدوان.في هذهِ المقطوعةِ وهيَ من قصيدةِ "رصاصات بيضاء للأيامِ السوداء " يصوِّرُ لنا في الأمسِ ما سيحدثُ في وطنهِ بعدَ سنين.. أي الآن:
حين أتاني النبأُ الدامي في عَجَلهْ
لم أسألْ نفسي : مَن قَتَله ؟
فالأسئلة عن القاتل ماتتْ
منذ اختنق الأخوة تحت رداء من صمت في أيلولْ
وتعلّق عنقودُ نجومٍ بمشانق سوداء على النيلْ
منذ نضوب الماء من المُدُن العربيهْ
ورجال ، كالأشجار ، اقتُلعوا
وابتُلعوا في الرمل المتحرّكْ
غرقوا شبراً شبراً .. رجلاً رجلاً
ما مُدَّتْ لهمُ يدْ
لم يتحرك حولهمُ غير كلام كحبال يمتدْ
يتحول بعد الخنق رثاءً وأكاليلْ
وحصاراً من جوقات وطبولْ
وعلى مفترقات دروب الثورة
بين حقول الفلاحين
في الحارات المهجورة ، بين صفوف الشعب المعزولْ
يترصدنا القَتَلَهْ
ولذا لم أسأل نفسي يوماً :
من منهم سيكون القاتل ؟
بل كنت أقولْ :
من منا سيكون المقتولْ ؟

وبالرغمِ من أنني لم أقرأ ممدوح عدوان إلاَّ مرَّة واحدةً فقد وجدتُ الكثيرَ من المتعةِ وأنا أعيدُ قراءتهُ ثانيةً ذلكَ أنه شاعرٌ فذٌّ لا تستطيعُ أن تسبرَ غورَ شاعريَّتهِ من قراءةٍ واحدةٍ فحسب. وهو في نظري صاحبُ واحدةٍ من أروع وأجمل الرواياتِ العربيَّةِ التي كُتبتْ في القرنِ العشرين وهيَ روايةُ " أعدائي".
كانَ ممدوحُ يؤسِّسُ في أحلامهِ الشعريَّة العابثةِ المعذَّبةِ لخلاصنا المنشود من خللِ الرمادِ والدخانِ ورؤيا الدماءِ التي برعَ في رسمها.

(2)
وقد لجأتُ إلى موقعِ " أدب " على الشبكةِ العنكبوتيةِ لعدمِ توفُّري على جميعِ مؤلفاتهِ الشعريَّةِ.. وفي الحقيقةِ صُدمتُ ممَّا رأيتُ.. ممدوح يستعملُ كلمة دماء عدةَّ مرَّات في القصيدةِ الواحدة كأنَّ هذهِ الكلمة من موتيفاتهِ الشعريَّة المفضَّلة وبما أنني لا أرى إلاَّ الجماليَّ في قصيدتهِ فقد انزعجتُ قليلا من ترديدهِ لمفردةِ الدمِّ وحدستُ بأنَّه كانَ يتنبَّأُ بما يجري الآن في سوريا من سحقٍ لجماجمِ البشر وسحلٍ لأجسادِ الصغارِ الغضَّةِ لا لشيءٍ سوى مطالبتهم بحقِّ الحريَّةِ أو حقِّ تقريرِ مصيرهم في مزرعةٍ آل الأسد التي تعجزُ الكلمات عن وصفِ ظلمهم وحقدهم واستبدادهم حتى أنني أخذتُ على قناةِ الجزيرةِ نقلها الصورَ المريعة والمروِّعةَ للمشاهدين ومنها صورة الشهيد الطفل " حمزة الخطيب" ولكنني تراجعتُ بعدَ ذلكَ لعلَّ وعسى يتحرَّكُ هذا العالمُ الأنانيُّ الصلفُ غيرُ المبالي أو يستيقظُ من جمودِ وبرودِ سباتهِ أو موتهِ الأخلاقي.

(3)

كانَ ممدوح مسكوناً بألمٍ قوميٍّ عظيم ومغلَّفا بحزنٍ إنسانيِّ رقيقٍ لهذا السبب كنتُ أجدُ في كتابتهِ سواءَ الشعريَّة أو الروائيةِ أو حتى المسرحيَّةِ شوقاً عارماً للحريَّةِ وكنتُ ألمسُ حساسيَّة بالغةً تجاهَ الوضعِ السائد الغارقِ في القهر والتعسُّفِ في بلدٍ يتطلَّعُ إلى الحريَّةِ من وراءِ سدُفِ التنكيلِ والقتلِ والذلِّ والظلمِ وغياهبِ الدكتاتوريَّةِ.
ولهذا كانَ شاعراً ثورياً بكلِ ما تنطوي عليهِ الكلمة من أبعاد.. وكانت مسرحياتهُ وأعمالهُ الدرامية فضلاً عن شعرهِ تحملُ طابعاً إصلاحيا وروحاً كسيرةً تجرُّ الكثير من خيباتِ الأملِ في التغيير... لقد كانَ يعرِّي الواقعَ المدقعَ في الفقرِ والمحسوبيَّةِ والظلمِ بالسخريَّةِ المبطَّنةِ حيناً والمعلنةِ أحياناً.. بلا خوفٍ أو وجلٍ وبشجاعةٍ نادرةٍ.

(4)

ما يجري اليومَ في سوريا يدعو إلى الضحكِ قبلَ البكاء.. فهذهِ الروايات المتناقضة في وسائل الأعلامِ المختلفةِ تجعلكَ لا تفقهُ شيئاً فالفضائياتِ الإخبارية كالجزيرةِ والعربيَّةِ تنقلُ لكَ صوراً يقشعرُ لها البدنُ ويشيبُ لهولها الولدان بينما في التلفزيونِ السوري يصوِّرونَ الجحيمَ الذي نراهُ في جميعِ وسائل الإعلام وموقعِ يوتيوب على الإنترنت وكأنَّهُ مفبركٌ .. وكلُّ هذا الدمِ الذي يعصفُ بالبلادِ مصدرهُ حفنةٌ من المنشقِّين المتآمرين المسلَّحين الذينَ يرعبونَ الآمنين وكأنَّ سوريا فردوسٌ موعود وليست ولايةً استبداديةً يتحكَّمُ فيها طغمةٌ حاقدةٌ من آلِ الأسدِ.. يريدونها حرباً طائفيَّةً لا تبقي ولا تذر.
وأكثرُ ما يدعو إلى البكاءِ المرِّ تصريحات بعض أتباعِ النظامِ مثل بسام أبو عبد الله أو سفيرة النظام في فرنسا لمياء شكَّور. التي تصف النظام بالبطلِ وحامي حمى العروبة والإسلامِ.
أليسَ من البؤسِ الفكري أو ربما من الجنونِ المطلق أنَّه ما زال هناك من يؤمن بالنظامِ الآيلِ إلى رماد بعدَ كلِّ الفظائعِ التي يرتكبها عناكبُ الشبِّيحةِ السوداءُ باسمِ النظامِ البربريِّ الهمجيَّ الذي يطلقُ الرصاصَ على شعبهِ الأعزلِ لخروجهِ في مظاهرةٍ سلميَّةٍ للمطالبةِ بحقوقهِ.

(5)

لا عجب بأنَّ سوريا مهدُ الحضارةِ الإنسانيةِ فهيَ أمُّ الفينيقيينَ الأوائل الذين أناروا ظلمات القرونِ القديمة. وهيَ ملتقى الحضاراتِ وصاحبةُ مركز تاريخي لا نستطيعُ إغفالهُ وموقع استراتيجي لكونها قلبَ العالمِ الإسلامي. لا يستطيع أيُّ عربيٍّ أو مسلمٍ أو إنسانٍ أيٍّ كانت قوميتهُ أو جنسهُ أو دينهُ السكوتَ عمَّا يجري فيها.. وأخشى أن نتداركَها بعدَ فواتِ الأوان.. لا بُدَّ من إنقاذ سوريا أبو العلاءِ المعرِّي ومحمد الماغوط ونزيه أبو عفش وأدونيس ونزار قباني وشوقي بغدادي وعلي الجندي وحنَّا مينة وعبد السلام العجيلي ومحمد عمران وكلِّ الرائين الكبار لا بدَّ من إنقاذِ سوريا من براثنِ الوحشِ وبراثنِ الفتنةِ الأهليَّة .



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجموعة قصائد / 8
- أنهارٌ مُنوَّمة
- هَل في الجسمِ متَّكأٌ لروحكِ ؟
- حيرةُ هاملت
- رمادُ الكوابيس
- للدماءِ رائحةُ الياسمين
- مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوَرد
- كأنَّ سماءهُ من فضَّةٍ
- مجموعة قصائد ونصوص
- مجموعة قصائد / 7
- مجموعة قصائد جديدة/ 2
- مرثيَّةُ الهاويةْ
- محمد عفيفي مطر.. عبقريَّةُ التنوُّع
- قصائد نابضة
- كعبُ آخيل
- سميح القاسم.. المخلصُ للقصيدة
- كيفَ التقيتُ بربعي المدهون؟
- مجموعة قصائد / 6
- قصائد /1
- مجموعة قصائد 5


المزيد.....




- شيكاغو تخطط لنقل المهاجرين إلى ملاجئ أخرى وإعادة فتح مباني ا ...
- طاجيكستان.. اعتقال 9 مشبوهين في قضية هجوم -كروكوس- الإرهابي ...
- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نمر سعدي - ممدوح عدوان ورؤيا الدماء