أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !















المزيد.....

الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 16:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للمأساة و الملهاة حضورهما اللافت في تاريخ تونس المعاصرة ، ففي أواخر القرن التاسع عشر طوق الجنود الفرنسيون قصر باردو ، في حركة استعراضية طافوا خلالها حول المقر الذي يقيم فيه الباي ، بغرض إجباره على التوقيع على معاهدة الحماية .
و عندما اقترح الجنرال العربي زروق على مولاه مقاومة الغزاة صرخ في وجهه : هل تريد لهذه اللحية أن تخضب بالدم ، مشيرا إلى شخصه ، فما كان من الجنرال إلا أن أجابه : سيدي ، الأفضل أن يقطع رأس فرد واحد من أن يقطع رأس شعب بأكمله ، قبل أن يشهر سلاحه و يغادر القصر مسرعا لكي يلتحق بجموع المقاومين .

و في الخمسينات من القرن العشرين هب أبناء حافية القدمين لمقارعة المستعمرين بقوة السلاح و سطروا ملاحم لا تنسى ، و في لحظة تاريخية ماكرة هُزمت المقاومة المسلحة ، بينما كانت فرنسا و بورقيبة يُعلنان نصرها في يوم تاريخي مشهود . و كانت تلك مأساة كستها الدماء ، التي أراقتها ذات ربيع فيالق جيش فرنسا و عصابات لجان الرعاية ، و ُطلب من كل مقاوم النزول من الجبال و تسليم سلاحه مقابل عشرة دنانير .

و في مطلع القرن الواحد و العشرين تُوشك الملهاة أن تحصل ، فإنتفاضة 17 ديسمبر التي لا نزال نعيش وقائعها المتسارعة أغرقت في الفوضى المُبرمجة ، و مكاسبها المُنجزة تكاد تتبخر ، و أعداؤها يمثلون على خشبة المسرح السياسي دور حماتها.

صحيح أن الظروف التي تجري فيها الانتفاضة الحالية على الصعيد العالمي غير مواتية ، فالامبريالية تلعب في الميدان وحدها تقريبا ، و هي في أوج هجومها على البروليتاريا و الشعوب و الأمم المضطهدة ، و هذا لا يمكن إلا أن ينعكس سلبا علي الانتفاضة ، و لكن في الجانب الآخر من اللوحة هناك أيضا شعب باغتته انتفاضته مثلما باغتت أعداءه ، فوجد نفسه في معمعان المعركة و هو مجرد من أسلحة الثورة الأساسية .

لقد باغتت الانتفاضة السلطة الرجعية ، و بدا بن على غير مصدق لما يحصل و كان و هو يقف قبالة جسد البوعزيزي المغطى بالضمادات كأنما يُعاين ما صنعت يداه بشعب أثخنته الجراح ، فلم يبق في جسده قطعة لحم لم تصبها الحروق ، كان جسد البوعزيزي الصغير المسجى على سرير المشفى يختزل جسد الشعب الكبير الذي أنهكه القهر و الفقر و القمع .

هل كان بن على مزهوَا بما فعل ، أم كان يعتصره الألم ؟ بالتأكيد لم يكن هذا و لا ذاك ما كان يراوده ، فقد كان منشغلا بأمر آخر : ضمان استمرار حكمه ، كان في تلك اللحظة الدراماتيكية يحاول الإيحاء للناس بصورة أرحم الراحمين و لكن ما سماه العقيد الليبي يوما نجم شمال إفريقيا كان قد أفل ، و الشعوب لا تحب الآفلين .

و فضلا عن هذا كان الشعب الذي اندفع مثل إعصار واقعا تحت تأثير الحدث ، فهو لم يختر لحظة انتفاضته ، و متى كانت الشعوب تختار ذلك ؟ لقد اشتعل عود ثقاب و وجد بقعة زيت بحجم وطن ، فتحول إلى كومة لهب ، و في قلب الحريق اكتشفت الجماهير قيمتها و قدراتها ، و تعرفت على بعض مطالبها و آمالها .

وعندما كان الشعب يُغني نصره بعد هروب الطاغية ، و التناقض يحتد بين القبة و القصبة ، قفز إلى قلب المشهد شيخ من رماد التاريخ ، ملتحفا رداء شعبويا ، موظفا في خطبة الآيات و النكات و الأمثال الشعبية ، وصولا إلى مجالسة المعتصمين أمام القصر الذي ُيؤوي حكومته ليقول لـ" أبنائه " بنبرة باطرياركية : إن الاعتصام لا يُفيد و الأفضل الذهاب إلى العمل . ارتدى ذلك الشيخ جبة بورقيبة و استعار كاريزماه ، و هو يعلم أن ملهمه قد مات في وعى من يخاطبهم ، و لكنه كان يعول على لا وعيهم لاستنساخه من جديد ، فهو يعتقد أن داخل أغلب التونسيين ينام المجاهد الأكبر .

كان شعار بورقيبة : الصدق في القول و الإخلاص في العمل ، و بعد سنين من العذاب نطق أحد شعراء الشعب بالحقيقة المرة ليقول : شيئان في بلدي خيبا أملي الصدق في القول و الإخلاص في العمل ، و اليوم يردد ذلك الشيخ الشعار ذاته أما الشعب فيُردد مبتسما ما نطق به شاعره ، فقد علمته الانتفاضة بسرعة الدرس الذي تعلمه فيما مضى بعد طور سنين .

أصبح اليوم أغلب الناس مُدركين أن الثورة لم تقع ، و أن الشعب لا يحكم الوطن ، و شيئا فشيئا أخلى الشعور المفعم بالأمل المجال أمام الإحساس بالإحباط ، وتمكنت الرجعية من أن تجعل من الثورة كلمة مستهجنة لدى كثيرين .
لقد ذبلت زهورالانتفاضة تحت وقع ضربات أعدائها ، يجب الاعتراف بذلك ،
و الأحلام سرعان ما تزول و هي تواجه عناد الوقائع ، و قد شبع الشعب أحلاما و هو يستيقظ الآن و يفرك عينيه ليرى ما لم يرد رؤيته . إنه يستيقظ من حلمه على وقع الكوارث الواقعة و القادمة ، و الفردوس يتوارى ، و الجحيم يفتح شدقيه و ما كان ممكنا أو يكاد توارى خلف جبال المستحيل ، و حل الكفر بـ"الثورة "محل الإيمان بها ، و أكاد أسمع الشعب و هو يبكي " ثورته " التي غدروها .

و من البوعزيزي المحترق الى العاشوري المغتصب كتبت فصل جديد من تاريخ تونس ، تجد فيه بيُسر البطولة و التضحية و الكفاح و المقاومة جنبا إلى جنب مع اللصوصية و النفاق و الخيانة و الغدر و التضليل .غير أنه إذا كان للعقل تشاؤمه فإن للإرادة تفاؤلها و حماستها ، و على الشعب حث الخطى ليكتب فصول معاركه القادمة باقتدار أكبر فالثورة تعلم المضطهدين فنون الذكاء .

في صميم الأحداث المتلاحقة برزت أيضا قوى الماضي التليد ، تلك التي ترعرعت في ظل التحديث الهجين ، وظلت متوارية تحت قشرة عصرانية باهتة ، أطلت تلك القوى برأسها لتنفث الغباء و الظلام و الجهل والتحريم ، وهى التي ورثت عن بن على بنوكا إسلامية و إذاعة دينية و آلاف المساجد و الجوامع فحولتها إلى منابر للشحن الإيديولوجي و السياسي فغرقت " الكائنات المضطهدة " في زفراتها و أناتها التي لا تنتهي .
و انتبه من لهم عقول تفكر أن ارتدادا على وشك الحصول ، وأن ستارا أسود قاب قوسين من أن يُسدل ، فقد أضحت العيون متجهة إلى الخلف ، و هي تحاول أن تستلهم من الأموات حلولا قدسية لما عجز عنه الأحياء .

و اليوم يهدد الماضي المستقبل و يمسك بعنقه متوعدا بإزهاق روحه ، و هناك مخاطر جدية للنكوص إلى الماضي الأليم ، بما يذكر بكلمات ماركس عند حديثه عن وضع مشابه مرت به فرنسا غداة ثورة 1848 : " إن شعبا بأكمله كان يتصور أنه قد سَرع عن طريق الثورة تطوره ، يجد نفسه فجأة يرجع القهقرى إلى عصر انقرض " .

لقد وصفنا فيما مضى الانتفاضة باعتبارها عتبة من عتبات التاريخ ، فهي تفتح طريق الثورة ، و هذا أكبر مكسب من مكاسبها فالشعب يتمرن الآن على الكفاح ، و بين أخذ و رد ، و تقدم و تراجع ، و تردد و ثبات ، يُراكم الدروس ، و يتعرف شيئا فشيئا على أعدائه و أصدقائه ، و لن يطول به البحث طويلا لكي يجد نقطة ارتكاز لهجوم ثوري آخر ، قد يحقق ما عجزت عنه الانتفاضة الحالية ، و من ثمة فإن التراجعات هنا و المراوحة هناك لا يجب أن تزرع اليأس بقدر ما يجب أن تكون حافزا على اندفاع جديد .

لقد عاش الشعب منذ 17 ديسمبر و حتى الآن و هو يخوض معركته ضد جلاديه الدفاع و الهجوم ، في حركة ما فتئت تتعقد خلالها المهمات ، و تبرز فيها مصاعب كبرى ، و في كل مرة كانت تتكشف دروس جديدة مليئة بالعبر، و سوف يتواصل ذلك بحدة أشد خلال الفترة القادمة ، و المهم في كل ذلك هو الإمساك بذلك الشعار التاريخي الذي رفعه المنتفضون : الشعب يريد إسقاط النظام ، فهو يُعبر بكثافة عن الاتجاه الذي يجب أن يسير وفقه الكفاح من أجل الحرية . و ما يُعانيه الشعب راهنا من متاعب ليس إلا آلام ولادة ، وقد يطول المخاض ، و لكن الوليد سيرى النور لا محالة و سيشتد ساعده ، لكي يصيح أخيرا في من حوله : " ما عادت ترهبني القوة ، فالقوة يملكها زندي " .



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
- عرس الدم التونسي
- ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
- الفلسفة والتاريخ
- رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
- رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس ...
- اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني ...
- معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
- الماركسية و الداروينية
- علمنة التفكير
- موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة
- ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة ...
- للتاريخ صهوته و صهيله


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد العليبي - الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !