أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - فنجان قهوة














المزيد.....

فنجان قهوة


حنين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 09:22
المحور: الادب والفن
    


فـــنـــجـــان قـــهـــــــوة
لـ:حنين عمر


أتذكر دائما أول فنجان قهوة شربته في حياتي، كان ذلك عام 2007 في طائرة محلقة فوق شبه جزيرة نقوسيا كما كانت تشير الخريطة الإلكترونية على شاشة معلقة فوق رأسي تماما، ولم أكن قبلها قد تذوقت القهوة مطلقا رغم تجاوزي العشرين من عمري، لكنني أمام شعوري المقيت بالبرد بسبب انخفاض شديد في درجة الحرارة وعدم وجود أي شيء آخر ساخن غير القهوة حسب ما قالته لي المضيفة المتجمدة مثلي، استسلمت وطلبت منها أن تحضر لي بعضها وليس لأشربها، إنما كان في نيتي فقط أن أبقي الفنجان بين يديّ لأدفئ أصابعي قليلا.

غير أني دون شعور مني، قربت شفاهي من حافة الفنجان، ورحت ارتشف ببطء جرعات صغيرة منها، وأنا غارقة في تأملات فلسفية ما كعادتي، وحينما انتبهت بعد فترة وعدت من رحلة أحلامي الفضائية، كان الفنجان فارغا تماما وكنت اشعر بأنني ارتكبت ذنبا كبيرا لأنني سمحت لمادة الكافيين أن تمتزج بالحياة في دورتي الدموية. ولم أسمح بهذا فيما بعد إلا في حالات نادرة من الإحباط الشديد كعقاب نفسيّ لنفسِي.

لكن فضولا كبيرا تملكني منذ ذلك اليوم لأعرف تاريخ هذه المادة العجيبة التي تحتل يومياتنا، ووجدت أنها ظهرت في اليمن في القرن الخامس عشر، ثم انتشرت من منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية إلى تركيا وبلاد الفرس وشمال إفريقيا لتتجه بعد ذلك إلى أوروبا ومن ثم إلى كل القارة ألأمريكية بما في ذلك البرازيل التي تحتل اليوم المرتبة الأولى عالميا في أنتاج البن. ومع أن تركيا من أوائل البلدان التي وصلها مشروب القهوة إلا أنه من العجيب أن يذكر التاريخ كونها كانت مشروبا محظورا في العهد العثماني لأنها ارتبطت بالعصيان وتحولت إلى شعار سياسي معارض.

هذا الفرمان العثماني الغريب لم يمنع أن تكون كلمة كوفي" التي تعني قهوة باللاتينية تحريفا للفظة تركية هي كويف المشتقة من كلمة قهوة العربية والتي أصلها "قهوة البن" بمعنى: "خمر الحبة"، كتعبير رمزي ربما عن تأثيراتها الدماغية، ومن العجيب أن هذا المصطلح نفسه يستعمل مترجما بمعناه في اللغة الآريترية، ولعل ذلك راجع للتأثير العربي بالمنطقة.
ويعد العرب أول من صنع القهوة وأول من قام بتحميص ثمرة شجرة البن ثم غليها لاستخلاص نكهتها في شكل سائل شفاف بعض الشيء هو ما يسمى اليوم"القهوة العربية"، وتؤكد الدراسات التاريخية أنها اختراعنا ولنا براءته السوداء كلها وحدنا، كما تثبت ذلك بعض الوثائق والدراسات، فأذكر مثلا ما دونه طبيب ألماني يدعى ليونارد عام 1583 في وصف القهوة بعد أن عاد من بلاد العرب حيث قال:" مشروب أسود كالحبر يستعمل ضد بعض الأمراض خاصة المعدية ويستهلك في الصباح...وهو مصنوع من الماء ومن ثمرة تدعى البن"، ويؤكد هذا كون أوربا لم تعرف القهوة إلا بعد ازدهار تجارتها عبر ايطاليا وموانئها، مما يعني أن كل الأشجار التي زرعت فيها وفي العالم فيما بعد،هي شتلات ذات أصول عربية وتعود جذورها كلها إلى منطقة شبه الجزيرة.

ولكن حتى إن كنت أنا و"القهوة" من أصل واحد، فهذا لا ينفي عدائيتي لها ولن يجعلني أخفي خطرها الصحي، وسأنصح مرضاي بتركها لأنها تسبب القلق والأرق وارتفاع ضغط الدم وانخفاض امتصاص الحديد وتؤثر مباشرة على النواقل العصبية بل وتؤدي للموت أحيانا، ولا يمكن أن تكون مفيدة إلا كمرافق جيبي لشراء عطر ما، لأن شم بذورها ينظم حاسة الشم حينما نشم عطورا كثيرة بشكل فوضوي. وستظل القهوة مادة فلسفية يحلو لي أن أتأمل سوادها لأفهم العالم أكثر حينما أشاهد انعكاسه في لونها وأتأمل طرقات القدر الذي تتبعه بقايا البن نحو مصادفاتنا التي ليست مصادفات دائما، و رغم كوني أحب أغنية قارئة الفنجان كثيرا... إلا أنني لن أسمح لها أبدا أن تقرأ فنجاني.
حنين ///
سلسلة مقالات فصفحة انيليا



#حنين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتَ ؟ : أنتَ الذّاكرة
- نقطة...أول العطر!!!
- في مديح المنفى البعيد جدا
- كامل الشياع : ليس كل الموتِ موتا
- سيجارة إخبارية
- ست ُّالشناشيل
- سرطان
- فنجان شاي مع أدونيس والدلباني
- تغريبة النهرين
- سبورة سوداء
- أسوأ مهنة في التاريخ
- بين منفى الجسد ومنفى الروح
- أدباء... أم مهرجون ؟؟؟
- حينما تبتسم الملائكة - 1
- بوابة المغادرة
- رسالة الى تورنتو
- تماثيل من الملح
- على خطى جرش//عمان كمحطة للنزيف المشتهى
- الياسمين الأحمر - إلى كل اللواتي أكل الظلم من اجسادهن وشرب ا ...
- وشوشة النرجس الأبيض


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنين عمر - فنجان قهوة