أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر فرغلي - الإسلاميون في تونس رقم صعب وحضور في الغياب (دراسة)















المزيد.....


الإسلاميون في تونس رقم صعب وحضور في الغياب (دراسة)


ماهر فرغلي

الحوار المتمدن-العدد: 3393 - 2011 / 6 / 11 - 18:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الإسلاميون بعد الثورة التونسية.. رقم صعب وغياب في الحضور
ماهر فرغلي
صحفي وباحث متخصص في الحركات الإسلامية

(١)
بدايات جهادية ونهايات نهضاوية

بنظرة إلى بدايات الجماعات الإسلامية التونسية سنجد أنه لا ينفرد بتمثيل التيار الإسلامي في تونس حركة سياسية واحدة، ولكن الأرجح أن هذا التيار بدأ كحركة اجتماعية سياسية، وفي منتصف التاريخ تحول إلى حركة جهادية متأثر اً بالشيخ سيد قطب ثم عاد بعد مراجعات فأصبحت حر كة النهضة هي الطرف الأكثر تمثيلا والأوسع انتشارا في كافة قطاعات المجتمع التونسي.

وسنجد أن تواجد الإسلاميين في تونس بدأ منذ ١٩٦٩ ت قريب اً عندما نشأت "الجماعة الإسلامية التونسية"، والتي تعتبر امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية.. لكنها كانت تنتهج المنهج القطبي فيما يتعلق بمفهوم "الحاكمية"، وتكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، مما جعل هذه الجماعة تصطدم مع الواقع السياسي وتصطدم بالحركات والأحزاب والجماعات الوطنية والقومية ذات الطابع اليساري، وأدى ذلك إلى ضعفها، وابتعادها عن التأثير في الحياة الدينية والسياسية في المجتمع التونسي، بسبب أنها قدمت نفسها وصية على المجتمع التونسي، ولم تقدم نفسها على أساس أنها شريك وطرف سياسي أو فكري تستمد شرعيتها من خلال المحاججة والبرهان وإقناع عوام التونسيين.

وظهرت حركة "الاتجاه الإسلامي" بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، وصدر بيانها التأسيسي في إبريل١٩٨١ مؤكد اً على أن "احتكار الصفة الإسلامية ونفيها بالتالي عن الآخرين، فضلا عن كونه يعبر عن تصور كنسي دخيل على ثقافتنا الأصلية.. وأن حركة الاتجاه الإسلامي لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس، ولا تطمح يوما في أن ينسب إليها هذا اللقب.. وترى من حقها تبني تصورا للإسلام يكون من الشمول بحيث يشكل الأرضية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هوية الحركة وتضبط توجهاتها الاستراتيجية ومواقفها الظرفية"، وقد أدى هذا التصور إلى تغيير اسم الحركة ليصبح "حركة النهضة"، بمعنى أنها تحولت من حركة إسلامية إلى حركة سياسية مدنية، لا تضع تطبيق الشريعة ضمن أولوية أهدافها وغاياتها.

يتزعم النهضة وما زال الشيخ راشد الغنوشي، ويتمثل برنامجها السياسي في إعادة الحياة إلى المسجد، ودعم التعريب في مجال التعليم والإدارة مع الانفتاح على اللغات الأجنبية، ورفضها العنف كأداة للتغيير، والاستناد إلى شمولية الإسلام، ومنهج الشورى لحسم المسائل السياسية
والثقافية والفكرية.

وقد شاركت حركة "النهضة" الإسلامية عام ١٩٨٩ في انتخابات تشريعية تحت لوائح مستقلة، فحصلت على حوالي ٢٠ % من الأصوات حسب اعتراف السلطة، بما أهلها لتكون بمثابة خصم سياسي للنظام الحاكم، الذي بدأ في مواجهتها، خاصة بعد تقدمها بطلب الحصول على ترخيص
قانوني جوبه بالرفض من طرف السلطة.

ومع مطلع العام ١٩٩٠ بدأت نذر الصدام بين الحركة والسلطة، التي تبين لها تعاظم قوة التيار الإسلامي واتساع قاعدته الشعبية، وواجه النظام التونسي الحركة بحظر أنشطتها واعتقال قادتها، باعتبار ها حركة سياسية غير شرعية، وبذريعة أنها تحوي في عضويتها بعض القيادات الذين ينتمون إلى السلفية الجهادية أمثال الشيخ صالح كرر، والذي ما زال يخضع للإقامة الجبرية في فرنسا.

وقد حاولت حركة النهضة الانقلاب على النظام من خلال استخدام الوسائل السلمية، وهذا ليس غريبًا عليها، فضلا عن أن الحركة نجحت في ضم عدد من ضباط الجيش لمساعدتهم في الانقلاب العسكري على السلطة السياسية التي يتزعمها الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك، ولعل سياسة التجميع المنهجي الذي تتسم به الحركة، وتردد بعض قادة الحركة في المضي في هذا المخطط من جهة أخرى، أفشل محاولتها في السيطرة والوصول إلى السلطة، كما أن النظام الأمني التونسي نجح باختراق الحركة وإحباط محاولتها الانقلابية، وساهم كل ذلك في إسراع قيام وزير الداخلية آنذاك والرئيس التونسي الهارب حالي اً "زين العابدين بن علي" بالانقلاب الأبيض على الرئيس التاريخي لتونس "الحبيب بورقيبة"، وقام "زين العابدين بن علي" بخطوة بمنتهى الذكاء في تحييد خطر حركة النهضة من خلال الإفراج عن قياداتها، حيث أفرج عن ما يقارب مائتي ضابط من المنتمين للحركة، وعن العديد من قياداتها السياسية، بعد فشل الحركة الذريع في انقلابها العسكري، مما حول الحركة إلى تبني المنهج الديمقراطي للوصول إلى الحكم، ومنذ ذلك التاريخ أي في أواسط الثمانينات لم تشهد الساحة التونسية أي تجربة ناضجة فاعلة ومؤثرة من حركات الإسلام السياسي بكل اتجاهاته داخل المجتمع التونسي، بفعل الضربات الأمنية المتواصلة التي مني بها أصحاب الاتجاه الإسلامي، وبسبب حظر الأحزاب السياسية وبخاصة ذات الأيديولوجيا الدينية.

وتقلصت الدولة إلى جهاز أمني لملاحقة الإسلاميين وكافة مظاهر التدين في المجتمع، في عهد بن علي، ففي مايو ١٩٩١ قالت الحكومة إنها أفشلت مؤامرة لقلب نظام الحكم واغتيال الرئيس بن علي، فشنت قوات الأمن حملة شديدة على أعضاء الحركة ومؤيديها، كان أعنفها في أغسطس ١٩٩٢ عندما اعتقلت ٨٠٠٠ شخص، وحكمت المحاكم العسكرية على ٢٥٦ قياديا وعضوا في الحركة بأحكام وصلت إلى السجن مدى الحياة، ولم تتوقف الملاحقات والاعتقالات، وكان هذا الاستبداد من الأسباب التي ولدت حركات عنف مسلح تعمل في إطار من الممانعة والمقاومة وتتسم بالتشدد والعنف، فقد شهدت أفغانستان عددا من المجاهدين التوانسة، في إطار السلفية الجهادية، انضم بعضهم إلى القاعدة، والتحق عدد منهم في حركات جهادية في أقطار مختلفة.

ولذلك يعتبر مراقبون أن الحركة الأساسية الإسلامية في تونس هي "حركة النهضة"، برغم بروز ظاهرة الإسلاميين المستقلين على السطح في تونس، لأن النهضة هي الأكثر قدرة على ترتيب أولوياتها بشكل يجعلها ذات وزن في المرحلة المقبلة، ولكنها ستجد منافسة من التيار السلفي المتصاعد، إلا أن معرفة حجم هذه المنافسة يبقى محكوما بما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل، وكيف ستتعامل معهم السلطة في المرحلة القادمة؟ وهل ستستمر في سياسة الإقصاء أم يمكن أن نشهد اندماجا للإسلاميين في السياسة؟.

(٢)
السلفيون يصعدون في صمت

سلفيو تونس على الخريطة يصعدون في صمت والأردوغانية قادمة من بعيد وبينما كانت الساحة خالية في السابق لحركة النهضة فإن ذات الحركة تكاد تخلو من كوادرها الآن بعد أن ذاب الكثير منهم في الأحزاب السياسية الأخرى، وقضى السجن على بعضهم الآخر، وتشتتت المهاجر ببعضهم الثالث، مما يجعل الدور المنتظر لحركة النهضة هو المشاركة فقط ومحاولة التعاون مع قوى الثورة الحية والفاعلة والجديدة أكثر من ادعاء الوصاية عليها، أو الوقوع في أخطاء الماضي، وهذا المتوقع بالفعل.

وبإطلالة سريعة فسنجد "السلفيون" يصعد تيارهم في هدوء وصمت نظرا لقوة خطابهم الذي يجذب الجماهير المتدينة، فضلا عن رفضهم العمل السياسي، وبالتالي إراحة الجماهير من عنائه وويلاته في الصدام مع السلطات، والنتيجة كانت لصالحهم في عهد بن علي رغم الدولة البوليسية التي تحشر أنفها في كل ما يخص ما هو إسلامي.

و"السلفيون" أهم مجموعات التيار الإسلامي التونسي حالي اً، وأكثرهم تمثيلا لأنهم ركزوا على
العلوم الشرعية والمساجد في عهد بن علي ولم يمارسوا السياسة، ورغم ذلك لم يسلموا من رقابة
السلطات التي كانت تقاوم حتى انتشار المحجبات في الشارع التونسي.

شيخ التيار السلفي شيخ ضرير في السادسة والخمسين من عمره، يلمع اسمه في أوساط الشباب التونسي، ويفتي في الأمور الدينية، له ثلاث كتب هي صفة الصلاة، وكتاب الأذكار، وترتيل القرآن، ومخطوط في تفسير القرآن الكريم لم ير النور، وهو الخطيب الإدريسي الذي أقام فترة في السعودية عمل أثناءها بالتمريض، وعاد بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى تونس حيث بدأ يمارس التعليم الديني في منطقته، وانطلقت شهرته بين أوساط الشبابي التونسي عام ٢٠٠٥، وأنهى الخطيب الإدريسي عام ٢٠٠٩ عقوبة حبس لمدة عامين بتهمة عدم الإبلاغ عن جريمة إرهابية، وهو ينتمي إلى مدينة سيدي بن عون التابعة لولاية سيدي بوزيد.. وكانت ألقت السلطات القبض عليه عام ٢٠٠٦ بعد اشتباكات مسلحة في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة بين مسلحين وقوات الأمن، وكانت التهمة التي وجهت إليه "الإفتاء بالقيام بعمليات جهادية، وعدم الإرشاد عن وقوع جريمة".

وتجد الأفكار السلفية قبولا بين بعض فئات الشباب التونسي المتعلم الذي يتعامل مع الإنترنت، حيث ينشط السلفيون التونسيون على المواقع الاجتماعية خصوصا (فيسبوك)، حيث لا ينظمون أنفسهم داخل تيار معروف له زعاماته وناطقون باسمه، لكن تجمعهم حواراتهم على الشبكات الاجتماعية بالإنترنت والعلاقات الشخصية.

الجيل الجديد من السلفيين التونسيين لم يسمع عن شيخ السلفية التونسية الإدريسي، ويتعلق بمشايخ من مصر والخليج ويتابعهم عبر الفضائيات الدينية التي ساهمت بقوة في نشر الفكر السلفي في تونس.

وعلى الخريطة نقطة هامة أخرى وهي حزب التحرير الإسلامي، وهو فرع من تنظيم دولي، تأسس بمدينة القدس ١٩٥٣ على يد تقي الدين النبهاني المنشق عن الإخوان المسلمين، وأما ولادته في تونس فقد تزامنت مع بداية ظهور الجماعة الإسلامية التي غيرت اسمها إلى حركة الاتجاه
الإسلامي والتي بدورها غيرت اسمها إلى حركة النهضة.

وترجع بداية تشكل الخلايا الأولى له إلى ١٩٧٣ ، ولا يعرف الحجم الحقيقي للحزب، لاضطرار أنصاره إلى العمل السري، ولكن وجدت وثائقه التي تتضمن "العمل على التغيير الجذري والشمولي والانقلابي في العالم الإسلامي، واستئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة دولة الخلافة، بإسقاط الأنظمة التي يعتبرها امتدادا للسيطرة الاستعمارية الغربية على بلاد المسلمين".

والغريب أن حزب التحرير يقر بالتعددية السياسية في إطار المرجعية الإسلامية، ويرفض الأنشطة المسلحة أو دعم العنف، لكنه يعمل على ضم العسكريين إلى صفوفه، ويعتبرهم جزءا من القوة التي يطلب منها تغيير الأوضاع، ولأنه يضم ضباطا من بين المتهمين في بعض القضايا التي حوكم فيها بتونس، أحيل أعضاء الحزب أحيانا إلى محاكم عسكرية.

وقد نجح الحزب في استقطاب عدد من العسكريين، بينهم ضباط، مما جعل الدولة تتهمه بالإعداد لانقلاب عسكري، وحوكم أعضاؤه في أعوام ١٩٨٣ و ١٩٨٦ و ١٩٩٠ وفي الأخيرة٢٠٠٦ أحيل ٨ أشخاص إلى -٩ - حوكمت مجموعة كبيرة ضمت ٢٢٨ متهما، بتهمة الانتماء لحزب التحرير، وفيما بعد تم اعتقال عناصر أخرى كثيرة مما يعني أنه كان مستمرا في تجنيد عناصر جديدة وتثبيت خلايا في تونس برغم الظروف الأمنية الصعبة التي كانت سائدة في عهد بن علي.

وأما جماعة التبليغ فقد وصلت تونس منذ منتصف السبعينيات، واستقطبت أتباعا من مختلف الفئات الاجتماعية لكنها حالي اً لا تمثل على خريطة الإسلاميين في تونس سوى نقطة ضوء في أوساط أنصاف المتعلمين، وكانت السلطات في عهد ز ين العابدين بن علي متسامحة معها، لكنها أخضعتها للرقابة الدائمة.

وقد طفا في عهد بن علي فريق من الإسلاميين يسمون "الإسلاميون اليساريون" وهم ظاهرة ثقافية حركية خرجت من جذور حركة النهضة، وتأسست نتيجة لقيام بعض المثقفين والأساتذة والطلبة من ذوي الاتجاه الإسلامي بمراجعة تراث الفكر الإخواني الذي مثل الأرضية الأيديولوجية للحركة
الإسلامية.

وترفض مجموعة الإسلاميين التقدميين التي تشكلت نواتها الأولى في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، التعصب والانغلاق الفكري، وتتخذ موقفا عقلانيا مستنيرا من التراث الإسلامي وتنفتح على مختلف الاتجاه الفكرية التقدمية عند السنة والشيعة، وأيضا تنفتح على الاشتراكيين والليبراليين، حيث تأثروا بمدارس سنية يسارية مثل فتحي عثمان وحسن حنفي، ويسارية شيعية مثل مجاهدي خلق وعلى شريعتي، وتبنت الديمقراطية الممزوجة بنوع من الاشتراكية، وهذا التيار
لم يكن هاجسه السياسة والوصول إلى الحكم.

وقام "الإسلاميون اليساريون" بإعلان استقلالهم التام، حيث عقدوا مؤتمرهم التأسيسي في ٢٤ و٢٥ يوليو/ تموز ١٩٨٠ ، ولكنهم تعرضوا لضغوطات فى عهد بن علي جعلهم يحلون الحركة لينضوى معظم أعضائها السابقين في منتدى الجاحظ الذي يهدف إلى تنشيط الحركة الفكرية في تونس ويستقطب أقطاب الفكر العربي والإسلامي.

وهكذا قد نشهد وجود حركات إسلامية أخرى على الخريطة في تونس ولكننا بالتأكيد لن نشهد وجود حركة الاتجاه الإسلامي "النهضة" وحدها على الساحة وبالأخص بعد مجموعة الحريات المتوقعة، بعد الثور ة الشعبية التي قامت في تونس، وبالتالي لن يكون راشد الغنوشي خومينيا منتظراً، ولكن يمكن أن تكون حركته بعد عقد من الزمان أردوغانية جديدة، تسعى فقط لتكون طرفا من بين الأطراف السياسية الموجودة، دون أن تحتكر الأمر لنفسها حتى ولو قدرت عليه فيما بعد.

وهي التطمينات التي انطلقت على لسان الغنوشي نفسه حين أكد أن حركته المنهكة بعد نيف وعقد من الصدامات والصراع مع السلطة ستحتاج وكذلك غيرها من الأحزاب خمس سنوات لإعادة استحياء هياكلها وتنظيم قواعدها من جديد.

وكان الغنوشي أجرى عدة حوارات نقلتها بعض المواقع غداة إعلانه اعتزامه العودة لتونس أكد أن حركته لم يكن له دور في هذه الثورة المباركة، وأن ليس لأحد أن يخشى منها فهي أقرب للنموذج التركي للعدالة والتنمية من سواه، حيث تقبل بالتعددية والحقوق المدنية والسياسية وحرية المرأة
وغيرها من الأشياء.

ونرى الغنوشي في هذا السياق يؤكد ما سبق أن طرحه العديد من المرات في كتاباته التي أعلن فيها إعجابه بالتجربة التركية الأردوغانية وعذره لها، وإعجابه كذلك بالعلمانية الغربية التي أعطت له ولما لا يقل عن ٤٠٠ فردا من حركته حق اللجوء السياسي، ولم يتهم واحد منهم بأي نشاط متشدد أو متطرف، ويرى أن العلمانية- حسب العديد من كتاباته- تحمي الوجود الإسلامي في الغرب، وتحمي كذلك التعددية داخل الدول الإسلامية متى صح تطبيقها، ولم تكن فقط مجرد عداء للدين أو للقوى والحركات الإسلامية السياسية.

وحسب علي العريض القيادي في حركة النهضة الإسلامية لوكالة الأنباء الفرنسية فإنه قال "ننوي تقديم مطلب ترخيص" وذلك غداة إعلان رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي أنه سيتم الاعتراف بكل القوى السياسية التي تطلب ذلك، وأضاف العريض الذي كان سجن ١٤ عاما في عهد النظام السابق "لم نقدم طلب اً في السابق لأننا كنا مطاردين ولا (٠٠٤ -١٩٩٠) نستطيع الاجتماع، ولكننا ندرس الأمر وننوي تقديم طلب ترخيص".

إنهم إسلاميون إذن على شاكلة حزب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، عائدون لتونس وسط تيارات اختارت الغياب عن الشارع بإرادتها وبين شباب تغيرت لديهم قواعد اللعبة، وبين حركة سلفية كبيرة لكنها لم تنظم نفسها بعد.

(٣)
الإسلاميون في تونس مآلات غامضة
وبعد أن استعرضنا البعد التاريخي للجماعات الإسلامية التونسية فإن الواقع على الأرض يثبت أن حزب النهضة (الإسلامي) لم يستطع أن يتجرأ في إضفاء عباءته على الثورة التونسية، ومثله فعلت الأحزاب الأخرى، وبات الإسلاميون التونسيون يجرون وراء مطالب الشارع الذي يحدد حاليا أجندات الأحزاب الإسلامية والليبرالية معا، وبات الإسلاميون في تونس كذلك يسعون جاهدين خلال الأيام الماضية للتجانس مع خطاب الشارع وأولوياته، ولكن هل يمكن أن يحدث تطور في تلك العلاقة مع الجماهير بحيث تستطيع الجماعات الإسلامية التونسية السيطرة على الشارع من جديد وتقدم مشروع اً قابلا للتطبيق في المجتمع التونسي؟.

لابد أن نعلم أولا أن الشباب التونسي المهمش كان العنصر الرئيس في انتفاضة الشارع، إضافة إلى البطالة والفقر اللذين كانا العامل المساعد في إشعال الحريق الكبير، وإضافة إلى تغير المسرح الإعلامي (الشاشات الإخبارية والإنترنت)، فالعالم كان يرصد عبر الكاميرات والقنوات وشبكات الإنترنت ما يجري في تونس من تحركات شعبية، مما حد من قدرة الأجهزة الأمنية على الأرض فتعطل مفعولها، كما أسهمت تقنيات الإنترنت الحديث في تحقيق التواصل بين مكونات الشعب التونسي وتنظيم الحراك الذي بدأ عفوي اً، ليتحول لاحقا إلى ثورة عارمة.

وباعتراف زعيم أكبر حركة إسلامية في تونس، لم يكن الإسلاميون "ولا أي حزب سياسي آخر" يقف وراء تحريك الاحتجاجات، التي أدت إلى فرار الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد، ففي تصريح له قال الشيخ راشد الغنوشي: "كل من اطلع على الوضع التونسي يدرك بأن الشارع لا يحركه حزب، وليس في قدرة أي حزب لا الإسلاميين أو غيرهم أن يحركوا كل هذه الملايين".

ولكن كما أن الإسلاميين التونسيين ضعفاء فإن المعارضة بكل أطيافها ضعيفة (إسلاميين وعلمانيين ويسار) ولا تملك أي قدرة على التحرك إلى درجة أنه يصعب القول بأن في تونس معارضة من الأصل، وهذا الأمر أوضح بالنسبة للإسلاميين في هذا البلد الذي توالى على حكمه عقود رئيسان أشد ما يكونا عداء للإسلاميين ومشروعهم، ولكن أهم المطالب العامة للثورة التونسية هي تفعيل الدستور فيما يتعلق بالحريات وغلق ملف الإسلاميين ووقف ملاحقتهم والسماح لهم بالنشاط الدعوي الحر، وهذا من شأنه أن يعيد الجماعات الإسلامية التونسية إلى الواجهة مرة أخرى وفي فترة قياسية، وهذا هو أهم المكاسب التي سيجنيها الإسلاميون في تونس.

ولابد أن نعلم أن حزب التحرير من غير المرجح خروجه من عزلته الاختيارية، والسلفيون تواجدهم الشعبي كبير جد اً، ولكنهم يحتاجون لتنظيم أنفسهم بعد الثورة، وأما الإخوان المسلمين دائم أو التنظيمات التي تعتبر امتداداً لهم كحركة النهضة بقيادة الغنوشي أن تمضي منفردة وفق رؤيتها وبناء على تاريخها، وأن هذه الحركة تستطيع السيطرة على الشارع بشرط هام وهو تغيير خطابها الحالي الذي هو بلا شك غير قابل للتسويق الجماهيري المعاصر، خاصة مع ارتفاع الوعي السياسي للمواطنين، وجراء الضخ الإعلامي الفضائي المكثف، وانتشار شبكة الإنترنت،
التي باتت المحرك الرئيس للتوجهات الجماهيرية في أوساط الشباب.

وحسب حديث للقيادي في الحركة شريب بن على لصحيفة الشرق الأوسط في ٢٢ يناير الماضي، أن الإسلاميين التونسيين لا يمثلون شيئا كبير اً كحركة منظمة في البلاد، ولا توجد أرضية لهم وهم غير معروفين لدى الشباب".

وتحت عنوان "لماذا خلت الثورة التونسية من الوجود الإسلامي: وكيف سرع غيابهم سقوط نظام
بن على؟" طرح الباحث الأمريكي بجامعة جورج تاون ميشيل كوبلو رؤية لافتة نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية يوم ١٤ يناير ٢٠١١ نقلا عن أحد المواقع، مفادها أن "غياب" الإسلاميين عن مشهد الصدارة في الثورة كان سبباً في نجاحها.

بالطبع فإن عدم ظهور الإسلاميين بقوة في صورة الاضطرابات الشعبية السابقة، جعلت العديد من النخب والقوى السياسية تتعاطف وتدعم المطالب الشعبية حيث لم تشكل تلك الثورة أى خطر على هوية الدولة أو تؤشر بتغير شكل النظام السياسي أو تفرض نظاما بديلا، وأدى غياب الإسلاميين إلى دعم قوي من القوى السياسية المؤثرة بالداخل وإلى تعاطف غربي بالخارج، تجلى في رفض الجيش المشاركة فى كبح عنان الجماهير أو أن يصوب نيرانه إلى أجساد المحتجين فى محاولة لإنقاذ النظام وإخماد الاحتجاجات.

ولن تستطيع النهضة أو غيرها من الحركات الإسلامية التونسية النهوض بسرعة، وهذا لأنها لم تصل بعد للقدرة التامة على حشد الجماهير ولا على القدرة على ضم عناصر جديدة بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها من مواجهة الغربة والمحن وراء قضبان السجون، بالإضافة إلى حاجتها إلى عمل تحالفات مع الجماعات والأحزاب السياسية الليبرالية والعلمانية الأخرى في تلك المرحلة الحساسة التي تحتاج فيها الحركات الإسلامية إلى صياغة دستور يفي بأهم متطلباتها الأساسية وهو الحرية في العمل.

وهناك أمر هام دائم اً ما تتميز به حركة النهضة عن غيرها من الحركات الموجودة في تونس وهو أنها دائماً ما تعتقد أن الحرية تقدم على الدين وهذا في نص قاله الغنوشى نفسه في إحدى حواراته مع مجلة العالم، بمعنى ان الحرية أولا ثم البحث عن الالتزام الديني، لأن الحرية سيتبعها بعد ذلك انتشار الاعتقاد والدعوة له.

وليست النهضة وحدها التي تطلب الحرية لأن مطلب الحرية الذي تطلبه الحركات الإسلامية في تونس هو القادر وحده أن يحقق الانتشار وأن يجعل النهضة وغيرها هي الرقم الصعب في الواقع
التونسي، ولكن هل يحدث هذا في الأوان القريب؟!

إن التوقعات تشير إلى أن الخبراء أو المحللون قد لا يجدون القدرة على التوقع والتقدير لوقت محدد إلا بعد معرفة حجم هذه الحرية ومدى المشاركة وقوتها وتلك القوانين التي ستسن في تونس في الآونة القريبة وإن كان الوقت القادم سيشهد تحولا كبيراً في المشهد التونسي، تكون فيه الحركات الإسلامية التونسية حاضرة وليست غائبة.



#ماهر_فرغلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملامح السلفيين.. مناقشة هادئة
- الفريضة الغائبة عرض وحوار وتقييم
- الكتابة بين عاصم وعلاء الأسوانى
- رواية الشيخ عبادة للمؤلف ماهر فرغلى
- الإنتماء للجماعات والحق الأوحد
- أزمة الوعى لدى الحركات الإسلامية


المزيد.....




- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...
- ماذا تعرف عن كتيبة -نتسيح يهودا- الموعودة بالعقوبات الأميركي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر فرغلي - الإسلاميون في تونس رقم صعب وحضور في الغياب (دراسة)