مكارم ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3393 - 2011 / 6 / 11 - 23:50
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لم يكن كارل ماركس صديقا للرأسمالية، لكنه كان يعلم جيدا وخلافا للعديد من الذين جاؤا بعده بان الرأسمالية لن تموت.
تسعى الرأسمالية في كل بقعة على سطح الارض الى توسيع السوق ببضائعها بشكل مستمر, وذلك من خلال الوصول الى كل مكان وتاسيس قواعد لها واتصالات في كل مكان.
ونتيجة لانتشار الرأسمالية في السوق العالمية فقد اضافت للانتاج والاستهلاك في كل بلد صفة وطابع عالمي.
إن إلغاء الصفة الوطنية في جوهرالصناعات ادى الى استياء القوميين او مايسمون بالرجعيين المتمسكين بالعادات القديمة . وفي الواقع فان كل الصناعات الوطنية قد تضررت وتدمرت بشكل يومي وحلت محلها صناعات جديدة وكان ظهروها هو مسالة حياة او موت الامم المتحضرة.
والصناعات لم تعد تعتمد على الموارد الخام المحلية بل أصبحت تعتمد على الموارد النادرة المتواجدة في المناطق النائية. واصبحت هذه الصناعات لاتستهلك منتجاتها على الصعيد المحلي بل تجاوز استهلاكها النطاق المحلي الى النطاق العالمي . وقد توسعت الصناعات في كل الاتجاهات وربطت كل الامم معا واصبحت بديلا للعزلة القديمة وللصناعات المحلية الوطنية والاكتفاء الذاتي.
وهذا هو بالضبط ماكان يتوقع حدوثه للرأسمالية العالمية والتي عمرها 150 عاما وكل الذين عايشوها توقعوا حدوث هذا.
في البيان الشيوعي لكارل ماركس كانت الرأسمالية هي الكلمة الوحيدة التي كتبها ولم يستخدمها في كتبه لكنه تحدث عن البرجوازية ولكن هو نفس المعنى .
الهدف من عرض هذا الاقتباس لكارل ماركس هو لكي نشير الى ان كارل ماركس تنبأ وبشكل واضح بانتصار الرأسمالية العالمية هكذا بالضبط مثلما نحن عشناها في العقد الذي لحق سقوط الجدار وهو لم يضع اي مخطط لانهيار الرأسمالية بل على العكس تماما.
كتب البروفيسور البريطاني الهندي مغناد ديساي بروفيسور في علم الاقتصاد ولسنوات عديدة في مدرسة الاقتصاد في لندن والمهتم بكارل ماركس كتب في كتابه ( انتقام ماركس ): " إن إنهيار التجربة الاشتراكية التي إنبثقت في أوكتوبر 1917 لم تكن ستثير حزن كارل ماركس بل كانت ستسعده بكل تاكيد".
يعتبر مغناد ديساي خبير إقتصادي وذو إطلاع عميق في الاقتصاد وقد كتب بشكل مميزعن تاريخ الاقتصاد قبل حقبة كارل ماركس ومابعده والى يومنا هذا. تناول ديساي بشكل خاص وجهات نظر كل من الاقتصاديين المركزيين والمفكريين السياسين حول التطور الاقتصاد ي والرفاهية والمساواة خلال المئتي سنة من التغيرات السياسية الاقتصادية مرورا بآدم سميث وهيجل وروزا لوكسمبورغ وجوزيف شمبيتير وعدد كبيرغيرهم وحتى جون ماينارد كينيس وكارل بولاني ومن خلال هذه القراءات يستطيع القارئ الحصول على تحليل دقيق للتطور التاريخي منذ الثورة الفرنسية ,والتصنيع في اوروبا ,وثورة اوكتوبر ,والحربين العالميتين, والحرب الباردة وانتفاضة 68, وازمة النفط ,وإنهيار الشيوعية ,وتجدد شباب ومسيرة انتصار الرأسمالية العالمية.
إن دافع مغناد ديساي هذا هو السؤال الذي يطرحه غالبية الاقتصاديين والاشتراكيين لبعضهم البعض ولانفسهم
: هل انتصار الرأسمالية كان جازماٌ؟ هل تحليل كارل ماركس ينتهي قطعيا الى مزبلة التاريخ, أم هناك رؤى وسيناريوهات تقدم بديلا حول انتصار الرأسمالية العالمية؟
إن الهدف الرئيسي لمغناد ديساي من العودة الى كارل ماركس هو للتاكيد على ان هناك العديد من اتباع كارل ماركس قرأ ماركس بشكل خاطئ واساء فهم ماكتابه ماركس :" كل مااعرفه هو انني لست ماركسياٌ" هكذا قال ماركس نفسه الى اتباعه حينما قاموا بتاسيس حزب يحمل اسمه واعتبروا تحليلاته أشبه بعقائد دينية في نهاية القرن الثامن عشر .
وحسب تصورات مغناد ديساي فان كارل ماركس لايمكن ان يضع نفسه في حكومة او نظام الحزب الواحد على غرار ماقدمه لينين مع ثورة 1917. وكان من المستحيل ان يتصور بان الدولة تستطيع ان تفرض الاشتراكية بالقوة. ربما عليه ان يدور في قبره في كل جزء فيه منقبا ليعرف كيف يمكن لتحليله الديالكتي الجدلي ان يتحول الى عقائدي وتدريجيا الى دين الدولة الشمولي من قبل آباء ومدبرين الثورة البلشفية.
كارل ماركس هو من قال بانه يمكن ان يكون هناك نموذج للمجتمع فيما مابعد الرأسمالية له شكل سياسي اقتصادي ولكنه لم يكن هو من تنبأ بحدوث ثورة عالمية او إنهيار للرأسمالية ولكن هذه التنبؤات جاءت من اشخاص لم يقرؤا ماكتبه كارل ماركس في حقيقة الامر.
يقول ديساي " إن إستمرار إندفاع الرأسمالية وبقوة حتى بداية القرن الواحد والعشرين هو إنتقام كارل ماركس من الماركسيين ومن كل من كذب واحتال وقتل وباع آمال للاخرين باسم كارل ماركس".
يؤكد ديساي على انه مازال ماركس يعتبر من افضل من وصف تناقضات الرأسمالية. الرأسمالية في دورتها الطبيعية تتضمن إرتفاع في بعض الاحيان وهبوط عنيف في أحيانا اخرى وصراعات مؤلمة تخرب اماكن العمل وتؤدي الى ازدياد الانقسامات الاجتماعية كجزء من عملية ازدياد الرفاه الاجتماعي والتي ظهرت بافضل صورة الى الان.
ويؤكد البروفيسور ديساي :" الرأسمالية هي نظام غير جيد وغير حسن النية وحتى الان يعتبر هو الشكل الاكثر كفاءة للانتاج بالاخص فيما يتعلق بازدياد الرفاهية .وبالنسبة لملايين من الراسماليين فان الراسمالية لايوجد هدف اسمى وارقى منها فقد اعطت عوائد اقتصادية عالية رغم كل الازمات . انها تخلق نمو اقتصادي ورخاء وتوظيفات كآثار جانبية. كما انها تخلق العوز والخراب بسبب سعيها المستمر للتغيير ولكنها في المئتين سنة الاخيرة انجزت مجتمع رفاهية له منافع وفوائد ".
وفي مايتعلق في إحتمال بقاء استمرارالرأسمالية واحتماليات وجود نظام اقتصادي فيما بعد الرأسمالية اكد كارل ماركس من خلال كل طروحاته وبشكل اساسي على انه " لن تختفي اية نظم اجتماعية يوما ما قبل ان تنمو وتتطور كل القوى الانتاجية التي احتلت المساحة المطلوبة لها".
يقول ديساي" الوصول الى حدود الرأسمالية يكون عندما لاتتستطيع الرأسمالية ان تخطو اي خطوة تقدمية ".
ويشير ديساي الى ان العولمة وتكنلوجيا المعلومات قد منحت الرأسمالية امكانيات جديدة وفي المقابل فان مشاكل البيئة العالمية تعكس اخفاقات السوق في نظام حجمي تراجيدي.
يتفق ديساي مع كارل ماركس في انه لم يتنبأ ماذا سياتي بعد الرأسمالية ولامتى سيحدث ذلك.
وينتهي الكتاب بدون اية اقتراحات خيالية غير واقعية.
لقد فاز كارل ماركس في انتقامه ولكن هل سيفوز يوما ما بجائزة؟
وهل ستاتي الاشتراكية بعد الرأسمالية؟
مقالة بقلم ...... يورن ستين نيلسن
ترجمة...مكارم ابراهيم
المصدر.
صحيفة الانفورماشون اليومية الدنماركية
http://www.information.dk/76735
#مكارم_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟