أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عماد مسعد محمد السبع - الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !















المزيد.....

الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !


عماد مسعد محمد السبع

الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 23:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


نتعلم من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ – تذكرت هذه الشذرة للفيلسوف (هيجل ) وأنا أطالع الحكم الصادرمن محكمة القاهرة للأمورالمستعجلة بأزالة أسم وصور مبارك وزوجته سوزان من الميادين والساحات والشوارع و المدارس و المكتبات والمنشآت العامة الكائنة بجميع أنحاء مصر .

الحكم وصف بأنه ( تاريخى ) , ولم يطعن عليه أحد بالرفض أوعدم القبول فقد صادف ارتياحآ من المصريين فى ظل مزاج ثورى يروم محو بصمات مبارك وطمس القرائن الدالة على عهده ووجوده.

اللافت أنه عقب صدورهذا القضاء تعالت أصوات بضرورة وضع نهاية لثلاثة عقود من حكم مبارك من خلال اسقاط تدريس حقبته السياسية من المناهج المعتمدة للطلاب والخاصة بتاريخ مصر فى مرحلتى التعليم الأساسى والثانوى .

هذا التوجه ربما يمنح المصريين مساحة للتنفيس ولتسريب بعض من مخزون الإحتقان والغضب ضد سنوات فساد وأستبداد مبارك الطويلة , ولكنه يطرح فى الوقت نفسه قضية تعاملنا مع التاريخ وفهمنا وأستيعابنا له وكأحد أهم مشكلات الثقافة العربية .

وفى الحقيقة فأن ما أرست المحكمة المصرية من قاعدة بأزالة أسم مبارك وصوره ليس بعيدآ عن بعض التقاليد الفرعونية والمعاصرة المتصلة بمحو تاريخ وأسماء بعض آلهة وحكام مصرالمغضوب عليهم .

فالملك تحتمس ومن بعده أمنحوتب الثانى قاما بأزالة الكتابات والنقوش والتماثيل الدالة على الملكة " حتشبسوت " وطمسا تاريخها من قائمة الحكام الرسميين ,كما أن الفرعون " إخناتون " لم يتمكن من التأسيس لديانته التوحيدة الجديدة الإ بعد أن أزال جميع الآثارالخاصة بالآله " آمون ".

وعندما قامت ثورة 23 يوليو فى منتصف القرن الفائت أزال عبد الناصر ورفاقه كافة المعالم والتماثيل والألقاب الدالة على حكم الملك فاروق والأسرة العلوية الممتدة لمؤسسها ( محمد على باشا الكبير ) وجرى تشويه وأبتسارتلك الحقبة الفريدة من تاريخ مصرتربويآ وأعلاميآ .

الجديد فى حدث أزالة أسم مبارك و صوره وتاريخه أنه مازال على قيد الحياة وأن هذا الحكم القضائى ترسم روح الشرعية الثورية وذهب لمحو تاريخه ووجوده , و لم ينتظرالشرعية القانونية و القضاء أدانته أو برائته من التهم السياسية والمالية و الجنائية المنسوبة اليه .

وفى الواقع فأن هذا القضاء لم يعتد بالبعد ( التاريخى والنفسى ) الذى دعى مبارك للإستقراروعدم الرحيل من مصر , فقد كانت الفرصة سانحة أمامه للهروب لأحدى البلدان العربية أوالأجنبية منذ الأيام الأولى للثورة . و لكنه آثرأن يظل جزءآ من تاريخ هذا الوطن وبصفته ( رئيسآ سابقآ ) ومتواجدآ على أرض مصروليس ( رئيسآ فارآ أومبعدآ ) منها ,وقد عبرهو نفسه عن ذلك فى آخر خطاب له للمصريين حين قال " مصر هى أرض المحيا والممات " و" أنه عاش وحكم و سيموت فى ترابها ".

ولذلك فأن اقرب صدى للحكم الصادربحق مبارك ربما تكون أعراف العالم الرومانى وحيث كان يصدر مجلس الشيوخ مرسومآ حكوميآ " بأدانة الذكرى " يتم بموجبه كشط أسم المدان وتدمير صوروأيذاء تماثيله والجداريات المرسومة له مع ألغاء كتاباته ووصاياه.

ولكن يبدو أن القبول العام بمحو وأزالة صورمبارك لا يرتبط فقط بالعقاب على ممارساته السياسية القمعية , ولا بالسوابق المماثلة لإدانة الذكرى فى التقاليد الفرعونية والرومانية وأنما يرتبط ببعد دينى / أسلامى داعم وساند لذلك المنحى .

فالتحريم يطال التماثيل والتصاويروالمنحوتات من جانب الفقه السنى , وتظل هذه المفردات الفنية محل أدانة دينية وباعتبار أن الملائكة تمتنع عن دخول الأماكن التى توجد بها, فهى تترجم من وقائع الصنمية والوثنية والشركية بالله الخالق والمنشىء الوحيد .

فضلآ عن أن منطق المحو يجد له أثرآ عبر القراءة الإسلامية للتاريخ وحيث جرى طمس الآثار الإيجابية والحضارية للحقبة العربية السابقة على ظهور النبى وبحسب كونها مرحلة ( جاهلية وظلام وشرك ) وأن تاريخ العرب الحقيقى تبدأ منذ بعثة محمد ورسالة الإسلام .

ومن الإنصاف ذكر أن حظر الصور كان موجودآ بالعالم المسيحى أيضآ , ولكن كأداة لإظهارالتطرف والتعصب الدينى وليس بدافع الإنتقام , فالكنيسة البيزنطية كانت معروفة بازالة صور الزنادقة والمهرطقين من اللوحات البابوية , وفى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية كانت تتم أزالة صورالبابوات الذين لا يحظون بقبول من الشعب.

وتبقى النتيجة التى تكرس أخطاء الماضى , والتى يشهد عليها هذا الحكم وقبوله العام وهى أستمراروعينا السلبى بالذات وبالتاريخ .

فالتاريخ تجربة وممارسة اجتماعية وثقافية ذات خصوصية لإرتباطها بالجماعة الإنسانية , وعندما ينكر ويجحد هذا التجمع الإنسانى ماضيه فأنه يفقد ذاكرته , ويصبح فى أسوأ حالاته ويمارس سلوك المهزوم وتنعدم ثقته بنفسه.

فالذات الواعية لأى جماعة هى فى التحليل النهائى الحصاد الأخير لخبراتها عبررحلة الزمن , والوقوف على فصول وأحداث تلك الرحلة هى رافعة أساسية لمعرفة كينونة هذه الجماعة ورسم خريطة طريق حاضرها ومستقبلها.

فالوعى بالذات من خلال الوعى بالتاريخ هوالذى يعلمنا من أين بدأنا وأين نسير وكنتيجة لعملية التطورالتاريخى والموضوعى الذى تسلكه الجماعة فى محطات صعودها و أزدهارها وفى فترات جمودها وأنكسارها.

مبارك وتاريخه يجب أن يظل هناك فى بؤرة الوعى الذاتى والتاريخى المصرى ,لأنه يضع هذا الوعى أمام أستحقاقاته الأصيلة والحاسمة ,ولكى يواجه بشجاعة مقررات من السلوكيات السياسية والإجتماعية والأخلاقية السلبية التى مرد المصريون عليها وأصبحت ضمن لحمة و سدى نسيجهم الثقافى والقيمى حتى الآن .

منطق الحذف والإستبعاد لمبارك ومحو صوره وأسمه وذكراه قد تريح المصرى الثائر, ولكنها أبدآ لن تريح ( ضميره التاريخى ) لأن مبارك صارمن ميراث وتجربة ورصيد هذه الأمة – شئنا ذلك أم أبينا .

ومن ثمة يجب على الذات المصرية الآ تهليل التراب على حقبة مبارك وصوره , والآ تدفنها سريعآ فى متحف التاريخ , وبالآحرى : الآ تهرب من أستحقاقها وتساؤلها الكبيرو المنسى : لماذا صمت وعجز الجميع أمام مبارك عبر ثلاثة عقود كاملة ؟ .

المثير أنه فى وقت أصدرته فيه المحكمة هذا القضاء وبما ينطوى عليه من أقصاء لرموزمبارك فى الفضاء العام المصرى , فأن التيارالديني السلفي الذى يستلهم أسماء وطقوس وأيقونات وأشكال الماضى بصورة عاطفية ووردية ويجرده من جوانبه السلبية والأشد ظلامآ – يكتب له مزيد من الحضورو الهيمنة , ودون ثمة وعى تاريخى بموقع هذا التيارالسلفى داخل تلك الذات وعبرتجربتها الإنسانية .

ربما كان من الأفضل أن ننتظر حكمآ بأدانة مبارك سياسيآ وجنائيآ وأعلاء لمنطق سيادة القانون ,أو نرفع طابع الإلزام عن أجراء المحو ونطلق لمن بحوزتهم صور لمبارك أن يقرروا بأنفسهم ما يشاؤون .. باختصار: كان يجب على شعب مصر أن يحتفظ ببعضآ من ذكريات رئيسه السابق ليتذكرهو نفسه خطاياه التاريخية , ويتذكرمعها دومآ جرائم هذا الفرعون الأخير .



#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميدان .. خاطرة حول طوبوغرافيا الثورة
- الصين والكونفوشيوسية وربيع الثورة العربية
- موقع الموسيقى على خريطة الثورة العربية
- الثورة العربية فى عيون الإستراتيجية الإسرائيلية .
- فوبيا الشعر و الثورة العربية
- ملاحظات حول الموقف الإيرانى من الثورة العربية
- العلافات العاطفية فى زمن التحول الثورى
- دلالات ودوافع التوجه الخليجى نحوالمملكة المغربية.
- الصراع حول الدولة المدنية فى مصروتونس
- الثورة العربية ومملكة الصمت السعودى
- دورعنصرالأرض ورأسمالية المقاولات فى سقوط نظام مبارك .
- الإسلام الراديكالى هل سيحصد ثمارالثورات العربية ؟
- فجر القومية العربية الجديد .. هل سيولد من رحم الثورة ؟
- حول موقف الثورتين التونسية والمصرية من قضية تحريرالمرأة
- دورالسياسات والعلاقات الزراعية المصرية فى قيام ثورة 25 يناير
- لماذا غاب العمال عن مشهد الثورة المصرية ؟ .
- ملاحظات حول الرهان الخارجى على الثورة المصرية
- الثورة وتحالف السلطة فى سوريا
- هل الثورات العربية هى ثورات الطبقة الوسطى ؟
- الحالة الليبية بين حقيقة الموقف الثورى ووهم سقوط القذافى


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عماد مسعد محمد السبع - الوعى الزائف بالتاريخ .. مصر تمحو حقبة مبارك !