أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سوسن بشير - ماريت تقول : مصر تقتل نفسها














المزيد.....

ماريت تقول : مصر تقتل نفسها


سوسن بشير

الحوار المتمدن-العدد: 1011 - 2004 / 11 / 8 - 08:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ماريت امرأة فاتنة من النرويج، من هذه البقعة من الأرض، التي يُذكر عن نسائها، إنهن من أجمل نساء الكون، بيضاء هذا البياض الذي يمتزج به أحمر الصحة والحيوية، و مهما لفحته شمس مصر، يظل محتفظاً برونقه، مع اكتسابه مزيداً من الحُمرة الملفتة. جاءت ماريت إلى مصر يوماً، وكان هذا اليوم فاصلاً في حياتها، عشقت البلد برؤاها الخاصة، وتخصصت كمسئولة سفريات، تحضر أفواجاً منتقاة من بلادها، تصطحبهم وتعد برنامجهم، لتريهم عظمة البلد الذي عشقته، هل يمكن بعد ذلك ألا أحب ماريت؟
وهل يمكن أن يغير شيئاً، كون ماريت أصبحت اليوم في سن أمي، وازداد وزنها لتصبح امرأة ممتلئة، وتزوج ولداها في النرويج، وأصبحت جدة. بالنسبة لي، لا يبدل هذا من فتنتها اللامرئية الثابتة، أما عن رجال مصر، فتؤكد ماريت أن هذه العوامل التي أصابها بها الزمن والسمنة، لم تردع الرجال في الشارع عن التعرض لها، وإلى هنا كنت آخذ الحديث في مجرى بين الجد والهذر، لكن كان لحديث ماريت شأن آخر.
ولتتضح الصورة أكثر، أقول إن ماريت عاشقة مصر، أتتنا في بداية السبعينيات، ومن ذلك الحين لم تتوقف زياراتها المتكررة، وغدا عشقها للمكان وعملها ممتزجان بشكل جيد. لكن ماريت لاحظت جهل النرويجيين بتاريخ مصر وعراقتها، وعدم تقديرهم لهذا البلد حق قدره على حد قولها، فتخصصت في نوع محدد من الرحلات لاحقاً، حيث يتكون وفد ماريت من عدد من النساء تحديداً، ينتمي الجزء الأكبر منهن، أو جميعهن، إلى فئة مثقفة لها اهتمام بالأدب، وعادة ما يحوي وفدها كاتبة واحدة على الأقل، ويحلو لماريت أن تطلق على وفدها، وفد القارئات.
تضيف ماريت إلى برنامج الزيارات الأثري برنامجها الخاص، حيث تصطحب قارئاتها إلى متاحف محلية فنية، وحفلات بدار الأوبرا مختصة بالموسيقى العربية، وتتوقف بهن خلال البرنامج الأثري التقليدي، أمام الجداريات الفرعونية الموضحة لدور المرأة المصرية في غابر الزمان، وتحرص كل الحرص على التقاء قارئاتها بأحد كاتبات أو كتاب مصر، لترسيخ الصورة بجوانبها الثقافية في أذهانهن.
هذه المرة التي دار فيها حديثنا المقصود، لم توفق ماريت كل التوفيق في وفدها، وجاء هذه المرة كأي فوج سياحي اعتيادي، من نسوة اهتممن بالشراء والبحث عن بارات محلية، بعد أن اكتفين بالدرس السياحي التقليدي،وهذا لا عيب فيه،لكن هل ترضى ماريت؟عبرت عن استيائها منهن علناً،وهنا كانت المواجهة، وجهت النسوة لماريت تهمة التضليل، وسألنها عن سر حبها لبلد تنتشر فيه القاذورات في الشوارع، وينظر فيه الرجال إليهن كأنهن قادمات من كوكب المريخ بملابس فضائية، بل لم تردع أعمارهن الوقورة بعض الشباب،الذين تجرؤا وفي ظهر اليوم بوضع الأيادي عليهن في وسط الشارع، كما أن النساء فيه خانعات ومتخفيات، ولا صلة تربطهن بنساء الجداريات الفرعونية. حاولت ماريت أن توضح لنسائها، أن المسألة برمتها تعود إلى سببين، الأول هو الحظ السيئ بالفعل، الذي أوقع بعض نساء الفوج في سلسلة من المواقف السلبية، من الطبيعي أن تتواجد في أي دولة من دول العالم النامي، سببها الوضع الاقتصادي بالأساس. أما السبب الثاني الذي أكدت عليه ماريت هو العمى الإرادي، أي إغلاق النسوة أعينهن عن الجمال المتجلي في تاريخ مصر وحضارتها وأهلها الطيبين، وكان الخلاف حاداً. لكن ما آذى ماريت هو صواب بعض ما ألقينه النسوة عليها، ولمسته بنفسها ولم تصرح لهن، وإن صرحت به لي ولأصدقائها من المصريين، حين قالت فجأة وبحزن "مصر تقتل نفسها"، لديكم أكبر ثروة أثرية في العالم، لكنها ثروة مهدرة، يسير الاهتمام بها ومحاولة استغلالها كما يجب، كسير السلحفاة، أما عن الناس فليس لديهم وعي أثري، لا يثير تراثهم لديهم اهتماماً كبيراً، وهذا ليس خطأهم وحدهم، بل خطأ كل من عليهم مسئولية تجاه هذا البلد.
كنت أعرف هذا الكلام، وهو معاد كاسطوانة مشروخة، لكني كنت أعرف أيضاً أن ماريت لديها مزيد، وأن حزنها الحقيقي من البشر، فقلت لها لندع الحكومة والآمال العظيمة فيها من ترشيد الثروة القومية إلى الأمل في تصنيع أول ممحاة مصرية على جنب، ماذا فيك يا ماريت؟
صرحت ماريت بأن النظرة البراقة في العيون المصرية انطفأت، والطلعة البهية للوجوه السمراء في الشارع المصري اختفت. حل الحزن وكسرة النفس في العيون والوجوه ، غدا الناس متحفزين وواثبين بغير ترحيب. تعرضت هي نفسها للتحرش، وبصقت امرأة ترتدي الخمار على الفوج بأكمله، وفهمت ماريت من همهمتها اعتراضها على ما يلبسن، وقالت كانت جريمتنا أننا بلا أكمام. أوضحت ماريت إن مشكلتها ليست في حدوث هذه المواقف،لكن في تكرارها الملفت،مع اعترافها بعدم تعميم الأمر،وإشارتها إلى حسن الضيافة والأمان المصريين الثابتين لدى الأغلبية،منهن صديقات بالحجاب،لكن أحزنها الشارع المصري من بعض رجاله ونسائه،الذين اعتادت منهم على الكرم الأخلاقي ذاته الذي تلقاه ممن تعرفهم بشكل شخصي.قالت هناك ما يغلي داخل النفوس،ويخرج في صور مختلفة،وهذا بداية مرض عضال،علكم تجدوا له ما يداويه لكي لا تقتل مصر نفسها.تُرى هل تتفقون مع ماريت؟تُرى إلى من يجب أن نبلغ شكواها؟إلى الناس في الشوارع،إلى المسئولين في مكاتب مكيفة،إلى بعض رجال دين يوقعون بالبغضاء بين مصري مسلم و مصري مسيحي،فما بالك بالأجانب؟أم علينا ألا نجزع، ولا تجزع ماريت أيضاً فمصر آمنة بأهلها،لن تقتل نفسها أبداً، وأن ما يفعله البعض، ويُضَلل به البعض،لابد له من نهاية. ترى أي الوجهين أقرب للحقيقة،أم أن الحقيقة كلمة جوفاء،وعلينا أن نتساءل أيهما أقرب للواقع؟



#سوسن_بشير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيفارا ....مقهى ومطعم
- فرقت السلطات السعودية بين علي الدميني وأبيه....فهل لا تفرق ب ...
- بَدَد الشيوعية العربية بين أثر مفتوح و تأويل ُمفرط
- قدرألذوات العربية المتفردة وشعوبها بين التجميد و الإذابة:فرج ...


المزيد.....




- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...
- انفجارات عنيفة في مواقع البنية التحتية بأنحاء أوكرانيا
- السودان.. التدخل الأجنبي ينذر بإطالة أمد الحرب
- نتنياهو يطلب من المحكمة الإسرائيلية تمديد مهلة خطة التجنيد ا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سوسن بشير - ماريت تقول : مصر تقتل نفسها